تدمير ونهب الآثار.. استراتيجية داعش للتمويل والترهيب

عبد الامير رويح

2015-11-26 05:59

عمليات النهب والتدمير الواسعة للآثار والمدن التاريخية، التي تقوم بها عصابات داعش الارهابية في المناطق الخاضعة لسيطرة هذا التنظيم الاجرامي في سوريا والعراق، لاتزال محط اهتمام واسع خصوصا بعد اتساع رقعة الخطر والتدمير الذي وصفته منظمة اليونسكو بأنه "جريمة لا تغتفر بحق الحضارة، حيث يعكف التنظيم على تدمير المواقع الأثرية في المناطق التي استولى عليها، والإتجار بالتحف والقطع الأثرية التي نهبت من المتاحف في كلا البلدين، وتلك التي تم التنقيب عنها بطريقة بدائية، وكانت صور الأقمار الاصطناعية للأمم المتحدة قد أظهرت تدمير داعش معبد بل، جوهر مدينة تدمر الأثرية في سورية وهو ما يعد خسارة عالمية كبيرة، وتشير بعض التقارير ايضا الى ان عمليات تهريب القطع والكنوز الأثرية قد اسهمت بفتح اسواق جديدة ساعدت بتمويل تنظيم داعش الارهابي.

وقد كشفت بعض التحقيقات ان الكثير من هذه الاثار و القطع الفنية التي يتم تهريبها توفر مبالغ كبيرة لتمويل داعش، هذا بالإضافة الى الضريبة التي يفرضها التنظيم على من يريد ان يحفر للبحث عن الاثار بعد ان يحصل على اذن مسبق من ادارة التنظيم والتي تقدر بأكثر من 20% من سعرها، وتؤكد بعض المصادر ان معظم القطع الاثرية والفنية يتم تهريبها عبر تركيا أو الأردن ولبنان، بالتنسيق مع المهربين وتجار السلاح والمخدرات، لتصل إلى أوروبا خاصة سويسرا، ألمانيا، المملكة المتحدة، فضلا عن دول الخليج مثل دبي وقطر.

تحذيرات مستمرة

في هذا الشأن حذرت ايرينا بوكوفا المديرة العامة لمنظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) من ان تنظيم داعش يقوم بعمليات نهب واسعة النطاق للاثار في سوريا مؤكدة ضرورة مكافحة تهريب قطع فنية تستخدم في تمويل الجهاديين. وقالت بوكوفا خلال مؤتمر في هذا الشأن في صوفيا ان صورا بالاقمار الاصطناعية وتدفق قطع اثرية الى اسواق غير شرعية يؤكدان "نهبا واسع النطاق" عبر القيام "بعمليات حفر غير مشروعة" مؤكدة ان مكافحة تهريب هذه القطع اصبح "اهم اولوية" لليونسكو.

واضافت المديرة العامة لليونسكو ان تهريب القطع الاثرية ان "الحد من تهريب القطع الفنية يعد اولوية في الوقت الحالي"، خصوصا ان "هدفه تمويل المتطرفين"، داعية دول الاتحاد الاوروبي خصوصا الى "تعزيز تشريعاتها لوقف عمليات التهريب". والى جانب عمليات التدمير التي ترتدي طابعا عقائديا للمواقع الاثرية، يقوم التنظيم بتهريب قطع قديمة اخرجت بدو مراعاة قواعد الحفر في هذا البلد الغني جدا بالآثار، للحصول على تمويل الى جانب تهريب الاسلحة والنفط والبشر.

وتابعت بوكوفا ان "صورا عديدة التقطت بالاقمار الاصطناعية (...) تظهر مواقع اثرية في سوريا ممتلئة بآلاف مواقع الحفر غير المشروع بحثا عن الآثار وتدل على نهب على نطاق واسع". واضافت ان العائدات الكبيرة التي تنجم عن هذا النشاط "تشكل جزءا من استراتيجية تطهير ثقافي لتدمير ماضي وحاضر ومستقبل هذه المنطقة المعروفة بانها مهد الحضارة الانسانية". بحسب فرانس برس.

وكانت صور الاقمار الاصطناعية للامم المتحدة اظهرت تدمير تنظيم داعش معبد بل، جوهرة مدينة تدمر الاثرية في سوريا، ووصفت اليونيسكو ذلك بانه "جريمة لا تغتفر بحق الحضارة". وكانت جمعية حماية الآثار السورية التي تتخذ من فرنسا مقرا لها عددت مؤخرا "اكثر من 900 صرح وموقع اثري تضررت او دمرت" في النزاع في سوريا. وقالت بوكوفا ان الدول الاوروبية والولايات المتحدة يمكن ان تتحرك بفاعلية ضد الاتجار بالقطع التي يتم نهبها في سوريا، لكن هذا التهريب "يجري على نطاق عالمي". واكد مسؤول في الادارة البلغارية لمكافحة الجريمة المنظمة اندري ملادينوف ان "الكثير من القطع الفنية القادمة من سوريا والعراق تبقى في المنطقة او تذهب الى الاسواق الآسيوية التي هي في اوج صعودها، وخصوصا الصين واليابان".

ليس الوحيد

من جانب اخر تتصدر اخبار تنظيم داعش الصفحات الاولى للصحف بسبب هجماته الدامية وتدميره للمواقع الاثرية كما حصل في مدينة تدمر لكنه ليس الفصيل الوحيد الذي يدمر الآثار في سوريا كما افادت دراسة اميركية. حيث ترتكب مجموعات وجهات اخرى اعمال تدمير وفقا لتقرير اعده اخصائي في علم الاثار في الشرق الاوسط في جامعة دارتماوث شمال شرق الولايات المتحدة.

وتستند الوثيقة التي نشرتها صحيفة نير ايسترن اركيولوجي الى تحليل لمعلومات وصور تم جمعها بالاقمار الاصطناعية تظهر 1300 موقع اثري من اصل نحو ثمانية الاف تضمها سوريا. وقال جيسي كازانا الاستاذ المساعد في دارتماوث ان اهتمام وسائل الاعلام "ادى الى اعتقاد سائد بان تنظيم داعش هو الجهة الرئيسية المسؤولة عن اعمال النهب".

واضاف "لكن باستخدام الصور الملتقطة بالاقمار الاصطناعية اثبتت دراساتنا بان اعمال النهب شائعة جدا في انحاء سوريا". ووفقا للمعلومات التي جمعها التقرير فان 26 بالمئة من المواقع نهبت في مناطق يسيطر عليها الاكراد او مجموعات معارضة اخرى. وتعرضت حوالى 21,4 بالمئة من المواقع للتخريب في المناطق الواقعة تحت سيطرة تنظيم داعش و16,5 بالمئة في المناطق التي يسيطر عليها النظام.

وذكرت الدراسة انه تم تسجيل اعمال تخريب محدودة في مناطق الاكراد والمجموعات المعارضة الاخرى. لكن تنظيم داعش يقوم باعمال تدمير على نطاق واسع موضحة ان 42,7 بالمئة من اعمال التخريب على يد التنظيم يمكن ان توصف بالكبرى مقابل 22,9 بالمئة في مناطق النظام و14,3 بالمئة في مناطق المجموعات المعارضة و9,4 بالمئة في المواقع تحت السيطرة الكردية.

وصرح كازانا ان "تنظيم داعش فظيع ووحشي. من ناحية اخرى تسجل اعمال نهب على نطاق واسع في عدة مواقع اخرى عبر سوريا". ووقعت اعمال تخريب مهمة في مواقع اثرية تقع تحت سيطرة النظام ربما من قبل الجيش السوري ولم يتم توثيقها. وعمد التنظيم الى اعمال تخريب وتدمير لمواقع اثرية عدة في سوريا والعراق خصوصا في مدينة تدمر التي استولى عليها التنظيم المتطرف في ايار/مايو الماضي. وفي ايلول/سبتمبر اوردت قناة سي بي اس نيوز قصة مهربين يبيعون قطعا اثرية مسروقة للمساهمة في تمويل تنظيم داعش منها فسيفساء نهبت من مدينة افاميا الاثرية في غرب سوريا. بحسب فرانس برس.

وقال كازانا ان "الجيش الاميركي قادر على التخلص من كل الجهاديين لكن ذلك لن يضع حدا لاعمال النهب. انها مشكلة مرتبطة بالحرب وليس بتنظيم داعش بحد ذاته". وكان كازانا عمل في عدة مواقع اثرية في سوريا قبل الحرب التي اندلعت في 2011 واوقعت اكثر من 250 الف قتيل. وتولى مشروع وضع قائمة مفصلة باعمال النهب قبل عام تقريبا بفضل منحة من وزارة الخارجية الاميركية. ويريد الان توسيع اعماله الى مواقع اخرى في سوريا وشمال العراق. واضاف "اعتقد انه من المهم ان نعرف ما يحصل خلال هذا النزاع. اردت ان افعل شيئا. عملت مطولا في سوريا واعرف الكثير من الاشخاص هناك (...) من خلال استخدام الصور الملتقطة بالاقمار الاصطناعية على الاقل لا يمكنهم اتهامي باني اقوم بحملة دعائية".

اعدامات جديدة

على صعيد متصل قام تنظيم داعش باعدام ثلاثة اشخاص في المدينة الاثرية بتدمر في وسط سوريا عبر تقييدهم بثلاثة اعمدة وتفجيرها بهم، وفق ما افاد المرصد السوري لحقوق الانسان. وقال المرصد أن التنظيم المتطرف "أقدم على تفجير أعمدة في المدينة الأثرية بتدمر"، لافتا الى ان "عناصر التنظيم عمدوا إلى ربط ثلاثة أشخاص، كانوا معتقلين لديه، وقيدوهم إلى الأعمدة في القسم الأثري من تدمر، وقاموا بإعدامهم عن طريق تفجير هذه الأعمدة".

من جهته قال خالد الحمصي وهو ناشط من تدمر ان عملية الاعدام "تمت بدون حضور احد. تم تدمير الاعمدة ومنعوا الناس من التوجه إلى المنطقة". وبحسب المرصد فان "هذه المرة الأولى التي يقوم فيها التنظيم بإعدام أشخاص بهذه الطريقة"، مذكرا بان التنظيم "عمد في الأشهر الأخيرة إلى اختلاق طرق جديدة في الإعدام، منها دهس عنصر من قوات النظام بالدبابة، إضافة إلى إعدام أشخاص بعد إجبارهم على حفر قبورهم بيدهم وطرق أخرى أعدم التنظيم ضحاياه بها". بحسب فرانس برس.

وسيطر تنظيم الدولة الاسلامية في 21 ايار/مايو على مدينة تدمر المدرجة على قائمة منظمة يونيسكو للتراث العالمي والواقعة في محافظة حمص (وسط) وقد عمد مذاك الى تدمير العديد من معالمها وآخرها تفجيره قوس النصر الشهير. واثار تفجير التنظيم عددا من المواقع الاثرية في المدينة تنديدا عالميا. وكان التنظيم دمر في في آب/اغسطس معبدي بعل شمين وبل الاثريين في المدينة القديمة، بالاضافة الى تدميره في تموز/يوليو تمثال اسد اثينا الشهير الذي كان موجودا عند مدخل متحف تدمر.

سبل الحماية

في السياق ذاته أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في خطاب، أنه كلف رئيس متحف اللوفر جان-لوك مارتينيز بحث سبل حماية الممتلكات الثقافية خلال النزاعات المسلحة، خلال حديثه عن تدمير تنظيم "داعش" معبد بعل شمين المشهور في مدينة تدمر الأثرية بسوريا. وقال هولاند "داعش يدمر الممتلكات الثقافية للإنسانية"، منددا خصوصا بآخر ما أقدم عليه التنظيم في هذا الإطار من تدمير معبد بعل شمين ، وقطع رأس المدير السابق لآثار تدمر قبل ذلك بأيام.

وأضاف الرئيس الفرنسي أن الجهاديين يريدون "بث الرعب بواسطة الصور"، أنهم يريدون "أن يظهروا أن لا حدود لهمجيتهم". وتابع "علينا أن نتحرك: لقد قررت تكليف رئيس اللوفر جان-لوك مارتينيز بمهمة تتعلق بحماية الممتلكات الثقافية خلال النزاعات المسلحة". ولفت هولاند إلى أن حماية هذه الكنوز الثقافية تتطلب أيضا "مكافحة تهريب (الأعمال الفنية) التي تؤمن تمويلا للإرهاب"، مشددا على أن "خلف تدمير الممتلكات الثقافية هناك أيضا تجارة".

وقام هولاند في آذار/مارس، إثر تدمير تنظيم "داعش" كنوزا أثرية في متحف الموصل في شمال العراق، بزيارة إلى متحف اللوفر الذي يتضمن جناحا كبيرا مخصصا للحضارات الشرقية القديمة. ويومها كلف الرئيس الفرنسي رئيس متحف اللوفر بمهمة تقنية تتعلق خصوصا ببحث سبل تعزيز الآليات الموجودة لحماية الممتلكات الثقافية وكذلك تقديم توصيات بالإجراءات التي يمكن لفرنسا القيام بها في هذا الصدد.

وأتى تفجير التنظيم المتطرف للمعبد الذي يصنفه متحف اللوفر في باريس على أنه الموقع الأهم في تدمر بعد معبد بعل، بعد إقدام عناصره على قطع رأس المدير السابق لآثار المدينة خالد الأسعد (82 عاما). ويعتبر تنظيم "داعش"، الذي بات يسيطر على نصف مساحة سوريا وعلى مناطق واسعة في العراق، أن المعالم الدينية قبل الاسلام وتحديدا التماثيل بمثابة أصنام تعارض معتقداته. وسبق للتنظيم أن حطم مواقع أثرية عدة في العراق. ونشر التنظيم في نيسان/أبريل شريطا مصورا لعناصره وهم يدمرون بالجرافات والمعاول والمتفجرات مدينة نمرود الآشورية الأثرية في شمال العراق والتي يعود تاريخ بنائها إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، قبل أن يعمد إلى تفخيخها وتفجيرها بالكامل.

كما عمد مقاتلوه إلى جرف مدينة الحضر التي تعود إلى الحقبة الرومانية قبل أكثر من ألفي عام، وتدمير آثار متحف الموصل في شمال العراق. وبحسب الأمم المتحدة، تعرض أكثر من 300 موقع أثري سوري للضرر أو التدمير أو النهب خلال النزاع المستمر منذ أكثر من أربع سنوات.

من جانب اخر تسلمت المحكمة الجنائية الدولية إسلاميا متشددا يشتبه في مهاجمته مساجد وآثار في مدينة تمبكتو الأثرية في مالي وهو أول من يحتجز على الإطلاق بتهمة تدمير إرث حضاري. وقالت المحكمة إن النيجر سلمت المشتبه وهو الآن في مركز الاحتجاز التابع لها في لاهاي مقر المحكمة. وكانت المحكمة تنظر في أحداث مالي منذ عام 2012 عندما سيطر متمردون إسلاميون على أجزاء كبيرة من شمال البلاد وفرضوا مفهومهم للشريعة الإسلامية وبدأوا في تدنيس الأضرحة القديمة والمساجد والآثار في تمبكتو قبل أن تجبرهم قوات فرنسية مالية مشتركة على التراجع.

وقالت المحكمة إن أحمد المهدي الفقي المعروف بأبو تراب كان يرأس ما يعرف "بديوان الحسبة" عام 2012 وأسهم في تنفيذ أحكام المحكمة الإسلامية في تمبكتو. ووجهت إلى الفقي اتهامات بتوجيه هجمات على تسعة أضرحة ومسجد سيدي يحيى في المدينة التي كانت في القرن الرابع عشر مركزا تجاريا رئيسيا ومركزا لتلقي العلوم وتقع اليوم على لائحة مواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو). بحسب رويترز.

وقالت فاتو بنسودا المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية إن الفقي هو "عضو في جماعة أنصار الدين المسلحة ولعب دورا بارزا وفعالا في تسيير أعمال الإدارة المحلية التي شكلت خلال احتلال الجماعة لتمبكتو عام 2012." وأضافت "إن الهجمات المتعمدة ضد الآثار والمباني التاريخية الدينية هي جرائم خطيرة... مثل هذه الأفعال تؤثر على الانسانية جمعاء... وسنستمر في القيام بدورنا لتسليط الضوء على خطورة جرائم الحرب هذه."

التكنولوجيا والآثار

من جهة اخرى لا يزال مسلحو تنظيم ما يعرف بـ "داعش"، منذ سيطرتهم على مساحات واسعة من الأراضي في سوريا وشمال العراق وغربه، يشنون حملة لتدمير التراث الثقافي، وطمس المواقع الأثرية التي يعتقدون أنها مدنسة ووثنية. وتستهدف في تلك الحملة الأماكن والمواقع التاريخية: مثل القصر الآشوري الشمالي الغربي القديم في نمرود في محافظة نينوى العراقية، ومتحف مدينة الموصل في العراق، ومعبدي بعل شمين، وبعل في مدينة تدمر السورية القديمة، التي نهبت ودمرت جميعها.

وبينما يظل الخراب في تدمر، يتهيأ فريق من معهد الآثار الرقمية لاستخدام التكنولوجيا في حماية التراث الثقافي. ويعد المعهد - الذي أسسه في عام 2012 روجر مايكل - جهدا مشتركا بين جامعتي هارفارد الأمريكية وأكسفورد البريطانية. ويهدف إلى إنشاء سجل بيانات مفتوح المصدر لصور عالية الوضوح، ورسوم توضيحية ثلاثية الأبعاد لأشياء، مثل وثائق أوراق البردي والوثائق الورقية، والنقوش، والتحف الصغيرة.

وبدأ المعهد عمله في المعمل، قبل أن ينتقل إلى الميدان، حيث أخذ الباحثون فيه في توثيق الآثار القديمة رقميا، وفي أذهانهم إمكانية أن يساهموا في حماية تراث هذه المواقع. وقد شُرع في ما سماه معهد الآثار الرقمية "سجل المليون صورة" في أوائل عام 2015. وحتى يخترع المعهد بسرعة آلة تصوير فريدة لهذا المشروع، اجتمع فريق تقني يقوده أليكسي كارينوفيسكا، الباحث في مجال المنغناطيسية، في أكسفورد لتطوير آلة تصوير، ثلاثية الأبعاد، قليلة التكلفة.

كما أعد المعهد ومنظمة العلم والثقافة والتربية التابعة للأمم المتحدة قائمة بأغلب المواقع المهددة. ولا يمكن مناقشة تفاصيل القائمة علانية، نظرا لطبيعة المشروع الحساسة، لكن كثيرا من المواقع الموجودة فيها مدرجة في قائمة اليونسكو لتراث العالم المهدد، ومن بينها تدمر، التي تمكن الفريق من الوصول إليها وتوثيقها قبل تدميرها.

وجمع المدير الميداني في المعهد، بن ألتشولر، في هذه الأثناء، "جيشا" من موظفي المتاحف، وأعضاء جمعيات الآثار، وعلماء الآثار، للمساعدة في المشروع. والعمل بطبيعة الحال محفوف بالمخاطر. ولذلك يراعي المتطوعون احتياطات مشددة: من ذلك مثلا وجود فترة ملزمة مدتها ثلاثة أشهر بين وقت التقاط الصور، والوقت الذي تنشر أو تبث فيه، مما يجعل من الصعب التأكد من معرفة مكان المصور.

ويقدر مايكل عدد آلات التصوير الموجودة في الميدان بحوالي 1000. ويُعتزم زيادتها إلى 5000 مع نهاية العام. وبالرغم من المخاطر، فإن "لدى الناس رغبة في الاستمرار". وتلاحظ كاثرين هانسون، الباحثة في جامعة بنسيلفانيا، والتي تركز بحوثها على حماية التراث الثقافي، أن فقدان الأطلال في مواقع مثل تدمر، ونمرود - وهي مدينة عراقية قديمة ترجع إلى 3000 عام - ووجود مئات المواقع التاريخية المسجلة، قد يكون له تأثير كبير في السكان في المنطقة.

وتقول "بناء تراث ثقافي لمكان ما يرتبط بعمق بإحساس السكان المحليين بالهوية". ولذلك، فإننا وإن لم نستطع استعادة تدمر الأصلية، فإن المواقع القديمة ستظل - بفضل عمل معهد علم الآثار الرقمية، موجودة بصورة ما، يسهل وصول الناس إليها. وفي بعض الحالات، سيسمح المشروع حتى بإعادة بناء مواقع معينة. فالمباني التي دمرت - على سبيل المثال - يمكن بناؤها بما يماثل الأصل، بفضل تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد باستخدام الأسمنت.

وقد لا تكون إعادة البناء "أنقى" السبل للحفاظ على ما دُمر، غير أنها في بعض الحالات التي لا يوجد فيها خيارات أخرى، قد تكون أفضل السبل. ويقول مايكل "عندما تشاهد صور القمر الصناعي لأبنية مثل معبد بعل في تدمر، الذي تحول إلى خراب، تدرك أن القواعد الطبيعية قد أهدرت". وتعتقد كاثرين هانسون أن الحفاظ على الآثار المعمارية أقل أهمية مما تمثله جهود إعادة بنائها. وتقول "بعد تفجير المواقع، يجرف مسلحو تنظيم داعش الأماكن ويسوونها بالأرض حتى يزيلوها من الذاكرة".

وإن إعادة بناء أي موقع، من أي نوع، ستكون مساهمة في العمل على نقيض ما يريد التنظيم تحقيقه. وفضلا عن ذلك، فقد بدأت مشاركة كبيرة، بين معهد الآثار الرقمية، واليونسكو، ومتحف دبي لمؤسسة المستقبل في دولة الإمارات العربية. ومن المتوقع أن يُفتتح المتحف في 2017، وهو يهدف إلى أن يصبح مركزا للإبداع، عن طريق جذب المهندسين، والمصممين، والعلماء، والباحثين ليجتمعوا معا ويتعاونوا في مجال تكننولوجيات المستقبل.

وستتيح المشاركة مع متحف دبي لمؤسسة المستقبل بالنسبة إلى معهد الآثار الرقمية، الموارد حتى تتضاعف جهوده في إعادة البناء. وطور المعهد موقعا على الإنترنت سيضم جميع صور المشروع. وسيكون هذا متاحا في أوائل 2016، ويتيح الفرصة للجمهور لمشاهدة أماكن لم يكن يعرف بوجودها، إلا بعد أن طالتها الحرب بالتدمير. وبواسطة تحفيز خطط معهد الآثار الرقمية لمزيد من التعاون على المستوى العالمي.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي