صناع السلام يجتمعون في اللقاء الروحي لرجال الدين في العراق
محمد علاء الصافي
2015-09-21 03:05
نظمت مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والاعلامية بالتعاون مع هارتلاند الدولية ورشة اللقاء الروحي لصناع السلام من رجال الدين في العراق، وتضمن اللقاء مشاركة من زعماء دينيين وممثلي المكونات وأساتذة كلية العلوم الاسلامية، وبعثة الامم المتحدة، مع المشاركة الاولى لنساء يدرسن العلوم الدينية ايضاً.
افتتح الدكتور سعد سلوم رئيس مؤسسة مسارات فعاليات اللقاء الروحي بتقديم فكرة عن اللقاء الروحي وأكد على انه من الواضح تماما، أن الحوار بين ممثلي الأديان والمكونات على صعيد نخبوي لن يستطيع بمفرده حل المشاكل الأساسية، بيد أنه قد يكون الخطوة الأولى في الطريق الصحيح.
ان الحوار ليس عملية فكرية ودينية فقط، بل ينبغي كذلك أن يحث الأغلبية الصامتة على البحث عن استراتيجية مشتركة بشأن السبل الكفيلة بتهدئة التوترات وتعزيز التسامح.
بعد الكلمة الافتتاحية للقاء الروحي، كان لفضيلة الريش امه ستار جبار الحلو رئيس الطائفة المندائية كلمة أكد فيها على عدم وجود اختلاف بين الأديان السماوية كونها جميعاً تدعو للسلام والمحبة، وأشار الى أن اللقاء الروحي ينعقد في ظل ظروف بالغة الحساسية وسط نزيف الهجرة، والعمليات الإرهابية التي تستهدف الشعب العراقي.
ثم جاء دور كلمة البطريك لويس روفائيل الاول ساكو رئيس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم الذي بارك اللقاء الروحي، وأوضح ان" السلامُ ليس مجرّد تحيةٍ نتبادلها وتبادلناها في هذا الصباح المبارك، بل أصبحَ رسالةً ملحّة تتحققُ فينا انطلاقًا من صغائر الأمور، من مشاريعٍ بالكاد أن تُذكر أحيانًا، من خطواتِ طفلٍ صغير ولكنه يصممُ على السير قدمًا. نخطأ أحيانًا عندما نبحثُ عن السلام في المشاريع الكبرى، في الخطوات العملاقة، فالسلامُ يبدأ أولاً من زرع الإرادة الصالحة، من توجيه الهدف الواحد، السلامُ يبدأ من الرغبة بها.
أما الكلمة الثالثة فكانت من نصيب ممثل الامير تحسين بك أمير الايزيدية في العراق والعالم الامير برين تحسين، وتناول في كلمته التهديدات التي يتعرض لها اليوم أبناء هذه المكونات مع ضرورة العمل بقوة لإيجاد نهج جديد في العراق والشرق الأوسط لحماية التنوع الذي بات مهدداً اليوم.
شهد اللقاء الروحي مشاركة فاعلة لرجال الدين من الحوزة العلمية في النجف الاشرف وحوزة كربلاء المقدسة وأساتذة من كلية العلوم الاسلامية في جامعة بغداد.
حيث كانت كلمة للشيخ مرتضى معاش من حوزة كربلاء المقدسة بين فيها أن التنوع والتعدد والاختلاف حياة الإنسانية وارتقاؤها. ومع حتمية التنوع تكوينا تبرز حقيقة مهمة هي ان ما يجمع البشر أكثر مما يفرقهم فالحياة وحدة مع الاختلاف وتباين في إطار الوحدة، لان التنوع لا يعني التنافر الإنساني المطلق ولا يعني النفي الوجودي المتبادل وانما يعني ضرورة الاعتراف والإيمان بالتعدد والتنوع ضمانا لسلامة الحركة القائمة على التفاعل بين أشكال متنوعة من الصور والأفكار.
فالمجتمع يقوم أساسا على التبادل والتعايش بين البشر من اجل التطور والنمو في إطار التعاون والتكاتف والسلام، يقول تعالى في كتابه الحكيم: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات) المائدة48.
ويقول الإمام علي(ع): الناس صنفان أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى ان يعطيك الله من عفوه وصفحه.
وأضاف الشيخ مرتضى معاش: ان التواصل يهدف إلى إقامة أسس الحوار والتعايش وإنهاء العنف في الصراعات الدائمة، وبعبارة أخرى فان التواصل لا يلغي الصراع والاختلاف الذي هو حقيقة ثابتة ولكنه يقوده نحو التدويل السلمي والاعتراف المتبادل بالحقوق والأعراف.
وقدم الشيخ مرتضى معاش توصيات للقاء الروحي كان أهمها:
1- التأكيد على القواسم المشتركة التي تقرب النفوس والأفكار أولا وإغفال التقاطعات التي تقطع الاتصال.
2- إيجاد روح التعاون والتعايش في النفوس عبر تنمية الروح الجماعية في الفرد واخراجه من القوقعة التي تحدد فكره وسلوكه، يقول الإمام علي(ع): من استصلح الأضداد بلغ المراد.
3- تحمل الرأي الآخر المضاد فالرأي الآخر ينمي إمكانية الإنسان الفكرية والثقافية ويثريه بألوان متنوعة ومتضادة بالرؤى تغنيه وتثريه.
4- الاعتراف بان الحوار هو الذي يوفر الأجواء لمعرفة الحقيقة والتواصل هو الذي يقود الناس إلى المشاركة الجمعية للوصول إلى الحقيقة دون أفكار مسبقة بالتعصب والتفرد والإرهاب.
من جهتهم قدم في اللقاء الروحي ممثلو الاقليات عرضا عن التحديات التي تواجه الاقليات والانتهاكات التي تطال افرادها في البلاد، سواء ما تم على يد تنظيم داعش الارهابي أو حتى ما يتعرضون له من تمييز اجتماعي يومي في وسط وجنوب العراق وفي اقليم كردستان. وضمت المداخلات مشاركة كل من الاب ارا بدليان عن اوضاع المسيحيين في العراق، وركزت مداخلة صائب خدر ممثل الايزيديين حول اوضاع الايزيديين بعد كارثة سنجار 2014.
اما مداخلة الباحث سعد الشبكي فقد تركزت حول اوضاع الشبك في سهل نينوى اما مداخلة عدي أسعد فقد تركزت حول اوضاع المندائيين والاسباب التي تقف وراء هجرتهم وتهديدهم بالانقراض، وشارك رجب عاصي كاكائي في مداخلة لتوضيح المصاعب التي تواجه الكاكائيين في كركوك، وأخيرا تطرقت مداخلة نرمين المفتي الى أوضاع التركمان في كركوك بشكل خاص.
تناولت الجلسة الثانية موضوع موقف الشريعة الاسلامية من التنوع والمواطنة بمشاركة اساتذة من الحوزة العلمية في النجف الاشرف وكربلاء المقدسة واساتذة كلية العلوم الاسلامية في جامعة بغداد، وكانت الجلسة مثالا حول أهمية الجدل في كيفية التصدي لخطابات الكراهية الدينية وكيفية توظيف السياسيين لرجال الدين في تعبئة الشارع ضد الآخر المختلف، واستخدم الخطاب التحريضي في حالات المواجهة الطائفية. وكانت هناك رغبة من الاطراف المشاركين في مأسسة الحوار، وتعدد قنواته، وادامته لمواجهة القطيعة وسوء الفهم المتأصل، وذلك رهن بنجاح الحوار في هذا القاء الروحي وغيره من الاماكن واللقاءات. وتركزت الجلسة الاخيرة حول صياغة التوصيات والبيان الختامي.
بيان اللقاء الروحي بين صناع السلام من رجال الدين في العراق
انطلاقاً من إيمان صناع السلام من رجال الدين في العراق بالمبادئ السامية التي جاءت بها الاديان والدور الايجابي لقادة الرسالات السماوية في رعاية بني الانسان وتوجيههم الى السبيل الامثل في بناء مجتمعات قائمة على اسس المحبة والسلم والوئام …
ومن اجل تعزيز ونشر ثقافة التسامح، وخلق روح التعايش السلمي بين الشعوب والافراد ومد جسور الحوار مع أتباع الأديان والثقافات قادة ومفكرين وباحثين ومؤسسات، ولان الحوار هو الحل الامثل للصراعات والازمات التي يعيشها عالمنا اليوم، والمسؤولية تقع على عاتق الجميع نؤكد على ضرورة حماية التنوع في العراق متمثلا بمكوناته الدينية والقومية واللغوية المختلفة، لأنه من دون تعددية المجتمع العراقي، لايمكن الحديث عن هوية انسانية ولا تخيل حوار غني وحيوي.
ووسط واقع عراقي يسوده العنف وتزعزع الثقة بالآخر وسوء التفاهم الديني، وتسييس التعاليم الدينية وهجرة قطاعات هائلة من السكان والشباب على نحو يهدد تماسك المجتمع ووجوده، نعلن اهمية التصدي للطائفية التي تغذيها التأويلات المتطرفة للدين، ولأن الدين يمكن ان يكون جزء من الحل بدلا من ان ينظر اليه مصدر للمشكلة، وبما انه يمثل جسرا لتحقيق السلم الاهلي ومصدرا مهما لبناء السلام الدائم، سيكون له الاثر البالغ في بناء مجتمعنا والانتقال بها من صعوبات المرحلة الانتقالية إلى عالم الاستقرار الدائم.
وفي هذا السياق لا يمكن التفكير بنجاح حوار بناء من دون احترام التعددية الدينية، فالتنوع الثقافي والتعددية الدينية والاثنية يمنع الانعزال الاجتماعي للمكونات والانقسام الديني والمذهبي مع الاحتفاظ بالخصائص الذاتية لهوية كل مكون ومعتقدات أي دين أو طائفة.
إن صناع السلام المجتمعون اليوم هنا، هم ابناء أسرة عراقية واحدة يجمعهم مصير مشترك، لذا لا توجد هوة خلافية كبيرة بين من يعيشون على ارض لا انفصال فيها، وتجمع عقولهم تحديات مشتركة ويحملون بين ثناياهم امنيات واحدة في عيش رغيد وحياة كريمة لكل المواطنين في بلادنا.
وهم جزء من قوة تحمل دعوة روحية للعمل المشترك لمواجهة التشرذم والتفكك الذي قد يسوقنا للهلاك والنهاية غير المحمودة. ليس الحوار الذي نسعى اليه مجرد اصدار بيانات او تعاطفا شكلياً مع اي طرف بل هو رغبة حقيقية للتواصل مع الجميع، لبناء علاقات ايجابية. وبالتالي تدعيمها بما يلبي طموح المجتمع في تحقيق الامن والسلم والعدالة والحرية.
لذلك توصلت ورشة الحوار الروحي لصناع السلام من رجال الدين في العراق الى توصيات تمثل برنامج عمل مشترك يهدف الى ما يلي:
- العمل المشترك بين القادة الدينيين والمدنيين لحماية التنوع في العراق من خلال حوار فعال بين صناع السلام في العراق.
- توسيع دائرة الحوار ليضم المثقفين والاكاديميين وناشطي المجتمع المدني والعلماء الدينيين والمدنيين لتحقيق دولة المواطنة.
- تشجيع الخطاب الديني المعتدل والتصدي لخطابات الكراهية التي تتبنى تفسيرات غير مسؤولة للنصوص الدينية، ومن ثم يمكن الحديث عن مشروع اصلاحي يتبنى التفسيرات والمواقف الوسطية التي تتجسد في جوهر الرسالات السماوية التي تعزز العمل المشترك من اجل السلام وتوضح طبيعة الجوهر الواحد للأديان من اجل خير الانسان وصلاحه.
- الدفاع عن الحرية الكاملة للمعتقد وحرية التفكير والحرية الشخصية واختيار الدين والقومية لكافة العراقيين بما يتفق مع الدستور العراقي والاتفاقيات الدولية، وما تضمنه الشرائع السماوية.
- التصدي للتمييز بكافة أشكاله على اساس الدين او المعتقد او اللون او العرق أو الجنس، ولكل فعل من شأنه الانتقاص من كرامة الإنسان.
- احترام التعددية الدينية والثقافية من خلال تبني مناهج ثقافية ودراسية تتلاءم مع تعددية المجتمع الدينية والاثنية وتنوعه الثقافي، وبما يرفع من اهمية ومكانة هذه التعددية في بناء عراق ديمقراطي موحد.