داعش ومخاطر تجنيد ارهابي المستقبل

عبد الامير رويح

2015-09-07 09:25

تختلف الخطط والاساليب الاجرامية التي يعتمدها تنظيم داعش الارهابي، الذي سعى الى استخدام كافة طرق الاجرام المحرمة، حتى تجاوزت أفعالهم الشيطانية حدود العقل البشري وتعدت كل القوانين والاعراف الدينية والانسانية، فهذه العصابة من المنحرفين والمرتزقة المدعومة من جهات واطراف دولية كما يقول بعض المراقبين، عمدت الى فعل كل المحرمات دون استثناء من اجل بناء دولتهم وتعميم افكارهم المنحرفة المبنية على القتل والدمار، ولعل اهم واخطر ملفات هذا التنظيم الارهابي هو ملف تجنيد الأطفال واستغلالهم في النزاعات المسلحة، حيث أكدت تقارير عديدة وجود الآلاف في معسكرات التدريب والقتال الخاصة بالأطفال تتراوح أعمار هؤلاء الأطفال بين الـ7 والـ14عام. والذين يتم استخدامهم في العمليات الانتحارية والقتالية الاخرى هذا بالإضافة الى استخدامهم كجواسيس.

هذا الملف الخطير وبحسب بعض الخبراء، يجب ان يكون محط اهتمام دولي اكبر لما له من مخاطر مستقبليه، كون هذه الخطوات ستسهم باستمرار ونمو الفكر المتطرف وبتالي صعوبة القضاء عليه لذا فيجب على المجتمع الدولي اعتماد خطط واجراءات حقيقية وصادقة من اجل محاربة هذا الخطر المتفاقم، وبحسب مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، فأن تنظيم داعش يجمع الأطفال الذين يسميهم اشبال الخلافة من 5 روافد رئيسية، أولها الأطفال المولدون لمقاتلين ومهاجرين أجانب، وكذلك أبناء المقاتلين المحليين، كذلك الاطفال الذين تم التخلي عنهم، لدور الأيتام في المناطق التي يحتلها داعش، ونظرائهم الذين أُخذوا قسرا من عائلاتهم، وأخيرًا الصبية الذين يتطوعون من تلقاء أنفسهم. وأشارت المجلة إلى أن وجود مئات الأطفال الأجانب من أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى أيضا، في التنظيم، تم إلحاقهم تلقائيا بمدارس تنشئة عسكرية ودينية، منوهة إلى وجود مدرسيتين للأطفال الذين يتحدثون الإنجليزية فقط.

الهدف من تجنيد الأطفال

وفي هذا الشأن قد بث تنظيم داعش الإرهابي في وقت سابق وكما تنقل شبكة الاخبار العربي ann، فيديو يظهر طفلا يقتل فلسطينيا اتهمه التنظيم بالتعاون مع إسرائيل، في مشهد جديد من مشاهد العنف والإنسانية التي ينتهجها التنظيم الإرهابي، وتبدو استراتيجية داعش في تجنيد الأطفال ودفعهم لارتكاب أعمال قتل وعنف وكأنها رسالة للعالم أجمع بأن التنظيم لا يعمل فقط علي نشر الإرهاب والفوضى وتفتيت الدول، لكنه يعمل أيضا على تخريج أجيال جديدة من الإرهابيين، فهولاء الأطفال الذين تروا وسط مشاهد العنف والتفجير والقتل، بل ومارسوها أيضا سينشأون وهم يعتبرون أن القتل جزء من الحياة اليومية، وهو ما يبشر بأجيال أشد عنفا وقسوة من الإرهابيين الحاليين.

في معسكر خاص يقع في مدينة الطبقة (تبعد ٥٥ كم عن مدينة الرقة باتجاه الغرب ويقع فيها مطار الطبقة العسكري)، يتلقى الأحداث دروس العنف، ويجرى ذلك على مرحلتين، الأولى هي إخضاع الطفل الذي يجرى اختياره من بين الأطفال في حلقات حفظ القرآن بالمساجد، حيث غالبية أطفال الرقة بعد إغلاق «داعش» المدارس في المدينة يقصدون المساجد كبديل عن المدارس، ويؤتى به إلى المعسكر ليخضع بداية إلى دورة شرعية مدتها ٤٥ يوما، ومن يُدرس الشريعة غالبيتهم عراقيون أو تونسيون أو سوريون في بعض الأحيان، ومن ثم يخضع بعدها الطفل لدورة عسكرية تستمر أيضا ٣ أشهر إلا أنه وبسبب قتال التنظيم في كوباني فإنها تستمر، وحتى يتخرج الطالب عليه قطع رأس أحد الضحايا في الأماكن التي سيطر عليها تنظيم داعش.

ويعتمد داعش سياسة التجويع وإغراء الأهالي بإرسال أطفالهم مقابل المال، أي أن بعض الأطفال لا يذهب بإرادته بل يدفع به من قبل أهله للذهاب نظير مقابل مادي، وهى سياسة تؤدى إلى إنجاح الأمر، حيث إنه شائع بين أهالي الرقة أن من يعمل لدى (داعش) له راتب، ومن لا يعمل لديهم يعيش في فقر مدقع، وأن كل مقاتل لدى (داعش) يتقاضى بين ٤٠٠- ١٠٠٠ دولار شهريا.

وجرى مؤخرا تخريج آخر دفعة وهى ١١٠ أطفال غالبيتهم لا تتجاوز أعمارهم ١٦ عاما، وكان من أشهر العمليات الانتحارية التي نفذت في كوبانى واحدة نفذها طفل اسمه «باسل حميرة» من مدينة الرقة لم يبلغ بعد ١٨ سنة. إضافة إلى الأعمال العسكرية فإن الأطفال توكل إليهم مهام مثل التجسس على أهالي المدينة ونقل الأخبار عنهم، ويتم التغرير بالأطفال من خلال الخيمات الدعوية وتوزيع هدايا عليهم والسماح لهم باستخدام أسلحتهم واللعب بها، وفى حالات أخرى يخطفون من الأهالي ودون علم الأهالي يجرى تجنيدهم.

والمغزى الأول من تجنيد الأطفال الآن هو تحويلهم إلى وقود للعمليات الانتحارية، لأسباب كثيرة تعود إلى سهولة تجنيد الأطفال وتحويلهم إلى كوادر يمكن الوثوق بها، إضافة إلى أن نقص معدلات الاستقطاب منذ بدايات الحرب على الإرهاب أسهم في البحث عن فئات جديدة للاستفادة منها، على رأسها الأطفال والنساء، وحتى المختلون عقليا، كما كان يحدث في تفجيرات السيارات المفخخة في العراق، التي اكتشف لاحقا أن منفذيها أشخاص لا يملكون قرارهم بسبب إصابتهم بالأمراض العقلية.

الجانب الاقتصادي له دور في الاستفادة من فئة الأطفال، فأجر ومصاريف الشباب الصغار أقل بكثير من الأكبر سنا، كما أن انضباطهم وحماستهم يمكن استغلالها في إقناعهم بالعمليات الانتحارية التي عادة ما يجد قادة التنظيم صعوبة في إيجاد أجساد مفخخة تم التأثير على عقولها. وظاهرة تجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة قد تحمل مؤامرة وتواطؤا من العائلة التي ينتمى إليها الطفل، وذلك تبعا للأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية، التي تدفع بالعائلات الفقيرة للعمل على ضمان فرص عمل لأطفالهم، حتى ولو كان ذلك في سن مبكرة، أو تطلب أن يحملوا السلاح، هذا فضلا عن انخراط بعضهم ضمن جماعات دينية مسلحة دون علم الأسرة.

وقام تنظيم داعش بتغيير مناهج الدراسة وحذف عدد من المواد والتركيز على التعليم الديني، وإنشاء ما يسمى بـ«ديوان التعليم» بهدف خلق أجيال جديدة وصاعدة من المتطرفين عن قناعة وفحص، وليس مجرد خوف من سلطة الإرهابيين وسطوتهم، وبعد ساعات الدراسة النظرية في أول النهار، يتم التفرغ للجانب العملي الذي توليه جماعات العنف والإرهاب أولوية كبيرة، حيث تخضع مجموعات كبيرة من الأطفال إلى حصص من التدريب العسكري الشاق، كل بحسب تصنيفه وسنه والهدف من تجنيده، وبالطبع يتم توثيق هذه التدريبات الصباحية، وأخذ الصور مع الأطفال وهم يحملون أسلحة ثقيلة.

وهناك أكثر من ١٢ ألف مدرسة تابعة لتنظيمات القاعدة و داعش بمختلف فروعها في سوريا، وهو ما يعنى أن الأجيال الجديدة من الأطفال السوريين يعيشون حالة مسخ للهويّة وغسل للدماغ بأفكار عنفية ستجعلنا أمام المئات والآلاف من أنصار التكفير والتفجير. ويقسم التنظيم الأطفال إلى ٣ فئات، الأولى تبدأ من عمر ٨ سنوات إلى ١٢ سنة، والثانية تبدأ من ١٣ سنة إلى ١٤ سنة، أما الثالثة فتبدأ من عمر ١٥ إلى ١٦ سنة، ويتم إعداد الأطفال فيها ليكونوا من كوادر التنظيم، ويستعملهم في الحراسة والدوريات وحتى العمليات العسكرية والانتحارية. ورغم أن جميع التحليلات العسكرية والسياسية تشير إلى أن إنهاء احتلال داعش لمدن عراقية سيحدث في زمن قريب، إلا أن الأثر الذي سيتركه هذا التنظيم في المنطقة والعالم سيستمر فترة طويلة من خلال أطفال داعش.

ويحرص أعضاء التنظيم في الفترة الأخيرة على اصطحاب أطفالهم لمشاهدة عمليات قطع الرؤوس وحثهم على حملها والتقاط صور معها. وانتفضت منظمات وهيئات الأطفال لرفض ما يقوم به التنظيم فأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونسيف، رفضها التام لأعمال التنظيم الإرهابي وحذرت من استغلاله للأطفال، ودعا الممثل الخاص للمنظمة للعمل بشكل طارئ للقضاء على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال، بما فيها تجنيدهم واستخدامهم في النزاعات المسلحة، وضمان التزام أطراف النزاع ببنود القانون الدولي.

أعمال وحشية

قالت لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة إن تنظيم "داعش" يبيع الأطفال العراقيين المخطوفين، ويقتل آخرين بينهم من يقتلون صلبا أو يتم حرقهم أحياء. وأضافت اللجنة أن التنظيم كثيرا ما يستخدم الصبية الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما كانتحاريين أو صناع قنابل أو مرشدين أو دروع بشرية لحماية المنشآت ضد الضربات الجوية.

وقالت ريناتي وينتر الخبيرة باللجنة في إفادة صحفية "نشعر بقلق بالغ بحق جراء تعذيب وقتل هؤلاء الأطفال خاصة من ينتمون للأقليات... نطاق المشكلة كبير". وتابعت "لدينا تقارير عن أطفال خاصة من يعانون من إعاقة ذهنية يجرى استخدامهم كمهاجمين انتحاريين وعلى الأرجح دون أن يعوا ذلك، كان هناك تسجيل فيديو بث على الإنترنت يظهر أطفالا في سن صغيرة للغاية تقريبا ثماني سنوات أو أصغر يجرى تدريبهم لكي يصبحوا جنودا". ونددت لجنة حقوق الطفل "بالقتل الممنهج للأطفال من أقليات دينية وعرقية على يد تنظيم "داعش" بما في ذلك عدد من حالات الإعدام الجماعي لصبية وكذلك تقارير عن قطع رؤوس وصلب أطفال وحرق أطفال أحياء".

من جانب اخر كشفت مجلة أمريكان الأسبوعية، عن كيفية إعداد وتدريب داعش فتية صغاراً لأجل تنفيذ هجمات إرهابية، وتعذيب من يرفض التعاون معه. وتقول المجلة أن داعش يجبر صبية على حضور معسكرات تلقين بهدف تحويلهم إلى جيل جديد من الانتحاريين، ويقولون لأولئك الأطفال أن هدفهم هو تكرار هجمات ١١ سبتمبر ، ٢٠٠١، ومن يرفض التعاون معهم يلاقي التعذيب وبتر أطرافهم.

والتقى مراسل محطة إن بي سي الأمريكية، ريتشارد إينجيل، بعدد من الصبية الذين تمكنوا من الهرب من مناطق يسيطر عليها داعش إلى تركيا، ممن تحدثوا عن فظائع تعرضوا لها. وتحدث فتى اسمه محمد ماجرى عن تفاصيل ما حدث معه عندما حاول الهروب، وتجنب الالتحاق بمعسكر داعش للجهاديين الصغار. وأوضحت المجلة أنه بعد أن عذب، أطلق سراح محمد من السجن، وحكم عليه بالتوبة عبر الالتحاق بمدرسة داعش لإعداد جهاديين، لكن محمد كان مقتنعاً بأنه لو ذهب إلى تلك المدرسة، فإنه سوف يرسل إلى الخطوط الأمامية أو يستخدم كمفجر انتحاري، وعندها قرر محمد الهرب مع مجموعة من أصدقائه، لكن أحدهم وشى به.

وخلال ساعات، مثل محمد أمام قاضي داعشي، وكانت جريمته هي محاولة الهروب خارج مناطق سيطرة داعش، وبالتالي مغادرة عالم الإسلام الحقيقي والانتقال إلى أرض الكفار، والتي يعتقد داعش أنها توجد في أي مكان، سوى حيث يحكم. ويقول محمد قال لي ذلك القاضي: هذا حكم الله، كنت ذاهب إلى أرض الكفار، ولذا أنت مثلهم، سوف تقطع ساقك وذراعك.

وتم تنفيذ الحكم في اليوم التالي، وما وصفه محمد لعملية البتر يظهر وحشية داعش المنهجية ضد كل من يعارضه، بمن فيهم فتية صغار. وأوضح مراسل (إن بي سي)، أن عملية بتر الأطراف تتم في طقس احتفالي، حيث يجتمع حشد من المصفقين والمهللين داخل ساحة في مدينة، ويخصص مكان خاص متميز لأبناء المقاتلين الأجانب. وتقول مجلة أمريكان أنه ينتظر عادة من أبناء المقاتلين الأجانب أن يكونوا الأعلى صوتاً في التشجيع والهتاف، فقد تدربوا، كما قال محمد وصديقه أحمد، لأن يكونوا نخبة الجيل القادم من مقاتلي داعش للانتحاريين والإرهابيين الأجانب، وفي بعض الأحيان ينفذ أبناء المقاتلين الأجانب عمليات الإعدام بأنفسهم، بحيث يمحون من عقولهم وجوب احترام الحياة الإنسانية، وهم ما زالوا صغاراً سريعي الانقياد.

وأوثق عناصر داعش ذراع وساق محمد بواسطة أربطة لقطع الدم عن يده وقدمه، ويكون الهدف عادة من البتر ليس قتل الضحية بل تشويهه إلى الأبد، وتركت الأربطة لمدة ١٥ دقيقة، ومن ثم شدت ذراع محمد على قطعة خشبية، ووضع ساطور خاص باللحوم في موضع رسغه عند النقطة التي سيقطع منها، ومن ثم حضر رجل وقطع يد محمد، وقد تعرف محمد وثلاثة آخرين على الرجل الذي نفذ العقاب، وهو عراقي من داعش عضو في لجنة البتر ويعرف باسمه الحركي البلدوزر.

وبحسب المجلة، من ثم حمل محمد إلى عيادة تابعة لداعش حيث تم شد جلده وخياطته مكان البتر، وحملته أمه من العيادة إلى المنزل، ومن ثم هربته بعد عدة أيام إلى تركيا. واختار فتى آخر اسمه أحمد أن يلتحق بمعسكر التلقين عوضاً عن مواجهة البتر، ووصف ما رآه في ذلك المعسكر، قائلاً إن معاملة خاصة تولى للصبية من أمثاله بهدف غسل أدمغتهم، وقال أحمد كانوا يتحدثون عن أسامة بن لادن، وكيف هاجم البرجين، ويقولون أنهم بحاجة لمن يكرر ذلك. وأضاف الفتى أحمد كما تحدث مقاتلو داعش عن الهجوم على صحيفة شارلي إيبدو، الفرنسية، وقالوا أنهم هم الذين نفذوا الهجوم، وكانوا سعداء بعملهم.

وعند انتهاء دورة غسيل الدماغ، قيل لأحمد أنه أصبح الآن مقاتلاً في صفوف داعش، وأنه سوف يرسل إلى الخطوط الأمامية، دون أن يكون لديه أية فكرة إلى أين سيرسل، أركب أحمد حافلة، وأخذ إلى منطقة الأنبار في العراق، ومن هناك تمكن من الهرب نحو تركيا. ويقول أحمد أن داعش حاول مراراً إقناعه وغيره من الفتية داخل مدرسة التلقين، لأن يصبحوا انتحاريين، وقد وافق بعضهم. وأضاف أحمد سألونا من يريد أن يصبح شهيداً؟ وكان من بيننا صبي في الثانية عشر، قال أنه يريد، وقد فجر نفسه في منطقة حديثة في العراق.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي