مقتل ابو ابراهيم القرشي وأثره في تعزيز اللامركزية في تنظيم داعش الإرهابي

علاء عبيس راضي الجبوري

2022-03-28 05:48

تنوعت الاسباب التي جعلت من تنظيم داعش الارهابي يتحول من المركزية في الحكم والادارة الى اللامركزية، واحدة من تلك الاسباب هي مقتل القادة في التنظيم واختلاف الرؤى بينهم ومن اجل الحفاظ على التنظيم وتنويع مصادر الدعم المالي للتنظيم ما بين مصادر تقليدية واخرى حديثة جعلت من التنظيم يستمر حتى لحظة كتابة هذه السطور على الرغم من الاتفاق العام بشأن نهايته العسكرية على الارض سواء في العراق او في سوريا.

الا ان التنظيم الارهابي ينشط بين حين وآخر هنا وهناك في عدة مناطق من العراق معتمدا على اساليب بدائية في الظهور تتمثل في التفجير في الاسواق الشعبية او التعرض للقطعات العسكرية المتواجدة في تلك المناطق وخاصة الرخوة مستفيدا من جملة عوامل منها الوضع السياسي المضطرب في العراق، وما بين الجهود الكبيرة التي تبذلها الاجهزة الامنية والاستخبارية العراقية في قتل والقاء القبض على الارهابين والداعمين لهم وخاصة المساهمين بمبدأ الكفالة.

فجملة من الاسباب جعلت التنظيم يتخلى عن فكرة المركزية في الادارة والحكم والاستراتيجية من اجل استمرار العمل والحلم بالعودة مرة اخرى، وكما تم نشرها في بحثنا الموسوم (اساليب التنظيمات الارهابية في الادارة تنظيم داعش الارهابي نموذجا " اسباب التحول وسيناريو المستقبل) الصادر عن مركز رواق للسياسات العامة، اذ كانت واحدة من تلك اسباب التحول يتمثل في مقتل قادة التنظيم، فبداية بمقتل ابو بكر البغدادي وتوسطا بمقتل القرشي وانتهاء بمقتل قادة اخرون في المستقبل، فقد مثّل قتل البغدادي انتقالاً من التركيز إلى التشتت من اجل استمرار التنظيم اذ اعطيت صلاحيات واسعة في الشؤون الادارية والمالية اذ رأت القيادة التي خلفت البغدادي ان المركزية تصيب التنظيم بالجمود، فطبيعة العمل الجديد يتطلب المزيد من الصلاحيات المخولة من الاعلى الى الاسفل خاصة في ظل تزايد الخناق على افراد التنظيم ولما يحققه الاسلوب اللامركزية من فوائد.

فتحليلات الباحثين والمهتمين بالجماعات الارهابية ترى ان مقتل القرشي قد تجعل وتدفع التنظيم إلى تعزيز اللامركزية، فقد يتوجّه التنظيم إلى منح المستويات الادنى مساحة أكبر في حرية الحركة واتخاذ القرار فيما يتعلق ببعض العمليات، بحيث يصبح قرار هذه المستويات لامركزيا فليس هناك خضوع للتخطيط المركزي أو لمراجعة من القيادة في سوريا والعراق، مع حصول بعض الاستثناءات في المجال الاعلامي من اجل تأكيد مركزية التنظيم، على نحو يشكّل ارتباطاً بمرحلة الخلافة السابقة، وعامل جذب أكبر لاستمرار التجنيد الذي يعتمد عليه التنظيم، بصورة كبيرة.

فتأثير مقتل القرشي في مختلف المجالات الامنية والقيادية والادارية والمالية ظهر جليا على التنظيم، فقد اكد الجنرال (كينيث ماكينزي) قائد القيادة المركزية الأميركية "ان موت القرشي يُصَعّب على "داعش" اتباع نهج عالمي متكامل، فعلى الرغم من صعوبة تتبع الوحدات اللامركزية لتنظيم "داعش"، فإنه عندما لا توجد نواة مركزية يمكنها صرف الأموال، فإن ذلك يجعل من الصعب على عناصر التنظيم الحصول على الموارد، اذ يتضح ان التأثير المالي يبدو في جانبين الاول يتمثل في الصرف من قبل القيادة بالتالي قد يصعب عملية حصول المقاتلين على الاموال والذي يدفع بهم الى الانتقال الى تنظيمات اخرى والانشقاق عنه، والثاني نسبة المساهمين والمساندين والداعمين للتنظيم الارهابي في كل الدول، فالضربات الموجعة التي يتلقاها التنظيم بين فترة واخرى وخاصة التي تطال المستويات العليا المتمثلة بالخلفاء والقيادات الكبيرة جعلت من كل الفئات المتبرعة اعلاه تتراجع في عمليات الدعم اذ ترى ان لا فائدة من التنظيم عسكريا خاصة بعد هزيمته على الارض ولا فائدة من ذلك المشروع البراق الذي يهدف الى اقامة الدولة الاسلامية على ارض الواقع.

فغياب المركزية لدى أي تنظيم قائم على أساس راديكالي، يؤدي إلى تحول عمله من الشكل العمودي إلى الشكل الأفقي، بمعنى أنّ فصائل التنظيم تتشتت إلى مجموعات صغيرة، وبدل أن تأخذ تعليماتها من الرأس تصبح تدير أمورها وتتخذ قراراتها وتنفذ عملياتها بنفسها، وتتحول إلى استراتيجية حرب العصابات، وهذا ما يرهق الجيوش المنظّمة والذي يرهق القوات العراقية منذ سنوات، اذ يعتمد التنظيم الارهابي على تلك العمليات الفردية التي تقوم بها الخلايا غير المرتبطة اداريا بالقيادة على الرغم من الارتباط الايدلوجي والتي يكون اثرها اكبر لأنها غير معروفة للقوات العراقية، فالذئاب المنفردة والقيام بالعمليات الشخصية هو الاسلوب الغالب على عمل التنظيم منذ مقتل البغدادي وزاد بعد مقتل القرشي.

اذ يرى بعض الباحثين في مجال الارهاب والتنظيمات الارهابية ان التنظيم سوف يتوسع في اعتماد اللامركزية التنظيمية، بحيث يخلص إلى استنتاجات حاسمة بعدم قدرته على حماية مؤسساته وقيادته، وبالتالي قد لا يعود الى الشكل الهرمى المعروف في التنظيم، ويستبدل ذلك بإعطاء المزيد من الحرية لأذرعه التنظيمية، بحيث نكون أمام أسماء جديدة لخلفاء أو نواب خليفة في ولايات لا يربط بينها رابط تنظيمي، بل عقيدة إرهابية متطرفة وأهداف غامضة.

اذاً بالمحصلة النهائية يمثل مقتل القرشي تعزيز الاسلوب اللامركزي للتنظيم الارهابي والذي اتبعه بعد مقتل البغدادي من اجل الاستمرار في العمل والحفاظ على بقايا التنظيم المشتت وتلافي الانشقاقات الحاصلة اضافة الى ابعاد القادة والمسؤولين الكبار الساحة ومن ثم القبض عليهم، فالتنظيم يدرك جيدا ان افراده يتعرضون حينما يتم القبض عليهم للتحقيق والاستجواب من قبل القوات الامنية والاستخبارية العراقية وبالتالي تسهيل عملية القبض والوصول الى القادة ومسؤولي الولايات بالتالي اعتماد التنظيم الخيطي والعمل باللامركزية في المجالات المالي والاداري والعملياتي هي الطريقة المثلى من اجل استمرارية التنظيم على الاقل في الوقت الحالي.

ففي ظل المرونة والمراوغة والتكيف والاحترافية التي يتمتع بها افراد التنظيم الارهابي في تنفيذ أنشطته الارهابية زاد من عملياته ليس فقط على المستوى المحلي بل حتى الاقليمي وخاصة الافريقي ففرع التنظيم هناك (خراسان) ينشط كثيرا ويتمتع بقدرات بشرية ومالية كبيرة حصل عليها نتيجة تمتعه باللامركزية الادارية، اضافة ان تعزيز الاسلوب اللامركزي في التنظيم يحقق فوائد جمة للتنظيم الارهابي في مختلف المجالات خصوصا في اثر القيادة حيث يقلل من تداعيات مقتل القادة من الصف الاول على افراد التنظيم وعمله سواء في سوريا او العراق او في افريقيا عموما.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا