أبناء الحرب وخيار اللاعنف
مسلم عباس
2020-11-01 04:55
خلال السنوات الماضية اشتد الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة وكوريا الشمالية من جهة ثانية بسبب قيام كيم جونغ اون بتجارب لتفجير قنابل نووية وإطلاق صواريخ عابرة للقارات قادرة على حمل القنابل النووية وايصالها الى الأراضي الأميركية، ما يعني تدمير اميركا واقتصادها وخسارة بشرية كبيرة.
كما ان هناك مهاترات إعلامية بين دول عدة، وبعضها دخل الحرب فعلا، كما يجري الان بين أرمينيا وأذربيجان التي تعد أحدث حرب حتى الان، بينما تستمر حروب أخرى منذ سنوات مثل الحرب في اليمن التي دخلت عامها السادس، والحرب في سوريا التي بدأت منذ عام 2011 ولم تنتهي حتى الان، وراح ضحيتها حوالي 400 ألف سوري.
وفي الحرب أسلحة خطيرة لا يراها أحد، ليست القنبلة الذرية ولا الصواريخ الذكية ولا القنابل العنقودية او الفسفورية ولا أي سلاح تقني اخر كبر او صغر ذكيا كان ام غبيا، أخطر سلاح هو الاغتصاب الذي لا يقتل الضحية وحسب، بل يضع في جسد المجتمع جرعة تقل روحه وتبقي جسده على قيد الحياة، الاغتصاب يبقي الانسان ميتا على قيد الحياة.
هل يمكن ان تتخيل أنك بدون اب، قد يكون توفي او قتل في الحرب، هذا صعب اليس كذلك؟ لكن ماذا لو لم يكن لك اب أصلا ماذا يطلقون عليك في مجتمعك؟ هل تتخيلين أنك كفتاة جميلة وصلت على اعتاب التخرج من الجامعة لكن عندما يريد أحدهم ان يخطبك يرفض اهله؟ لماذا؟ لأنك بنت بدون اب، انك فتاة غير شرعية او "فتاة الحرب" ولدتي عن طريقة عملية اغتصاب تعرضت لها والدتك؟ لم تخبرك والدتك حتى هذه اللحظة. هذا ما يحدث لمئات الالاف من المواليد خلال الحروب، عمليات الاغتصاب هي السلاح الأخطر والأكثر فتكا ضد النساء في العالم.
ولم يكن الاغتصاب وليد الحروب الحديثة بل هو قديم قدم الحرب ذاتها، لكن نادرا ما يتم الحديث عنه بشكل تفصيلي، يذكر في الهامش كجزء من جرائم الحرب دون الحديث عن ضحاياها او تعويضهم او معالجة اثاره عليهم، تهمل النساء المغتصبات حتى لا يتهم تشويه صورة المجتمع.
حديث الارقام
في المانيا يقدر عدد النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب بحوالي مليون امرأة، اغتصب ثلثاهن على يد الجنود السوفيت، والثلث الاخير على يد جنود الحلفاء (اميركا واوروبا)، ففي الحرب العالمية سجلت المانيا عمليات اغتصاب للنساء والفتيات والصبيان، وحتى الرجال.
الجيش الامبراطوري الياباني اختطف حوالي ٢٠٠ ألف امرأة كورية وصينية وبورمية وماليزية واستعبدهن جنسيا لعدة سنوات خلال الحرب العالمية الثانية.
النساء اللاتي يرفضن الاغتصاب يعاملن بوحشية، وإحدى الفتيات قطعوا صدرها بالسكين وهي على قيد الحياة.
في الحرب البوسنية.. اغتصبت ما بين ٢٠ و٥٠ ألف امرأة مسلمة من قبل الجنود الصرب وحلفائهم الاوربيين.
في رواندا اغتصبت ما بين ربع مليون ونصف مليون امرأة عام ١٩٩٤ وقد اجلست بعض النساء على رماح او اغصان اشجار او سبطانات الاسلحة. (صحيفة نيويورك تايمز). وتم استخدام المصابين بالإيدز في عمليات الاغتصاب لتعريض النساء للإصابة وبما يشبه الموت البطيء.
في الكونغو الديمقراطية كان الجنود يطلقون النار مباشرة على الاعضاء التناسلية للنساء، وتعرضت أكثر من ٥٠ ألف امرأة للاغتصاب وتشويه اعضائهن الجنسية بالات الحادة من بينهن رضيعة عمرها ١٨ شهرا فقط.
كما قامت مليشيا تابعة لاحد اعضاء البرلمان في الكونغو باغتصاب ٤٢ فتاة تحت سن الثامنة (يعني بالثاني ابتدائي).
وفي العراق تعرض النساء الايزيديات للاغتصاب والسبي والبيع في سوق داعش الإرهابي، وما تزال اثار الجريمة ماثلة حتى الان.
الدرس وطريق اللاعنف
لم تعطى النساء المغتصبات حقوقهن لا في المانيا ولا يوغسلافيا ولا كوريا ولا رواندا ولا الكونغو، وتم التكتم على الجرائم او التقليل منها، ما عدا الايزيدية نادية مراد الناجية من السبي والاغتصاب الذي قامت به جماعة داعش وحازت جائزة نوبل للسلام.
في الحرب اجساد النساء تمثل أبشع ميدان للقتال الدولي، ففي الحرب لا يتمزق غشاء البكارة للنساء المغتصبات فقط، بل يتمزق النسيج الاجتماعي بكامله، وعندما تمر الجيوش يخلفون نساء حوامل.
عند قراءة هذه الأرقام عن الاغتصاب وهي مبسطة طبعا وليست شاملة، هل يبقى لنا سبيل للدعوة للحرب؟ مجرد قراءة هذه الأرقام يجعل أي انسان يرفض الحرب، والأخطر من الحرب الخارجية، هي حرب داخلية لا يعرف أحد متى تبدأ ومتى تنتهي.
وفي العراق ما تزال حالة التوتر تسود الخطاب الساسي والاجتماعي، ووسائل الاعلام تسيطر على الخطاب المتشدد تجاه الاخر، والحرب مرشحة لتشتعل بأي لحظة، وما على العقلاء الا ان يتابعوا مخاطر الحرب وان يعرفوا الحرب الناجحة هي حرب خاسرة بحد ذاتها، فلا ربح بالحرب اطلاقا، ولا مجال امام العراق الا اتباع طريق اللاعنف باعتباره الوسيلة الأفضل للإصلاح والتطور.