الصراع في ادلب ولعبة عض الاصابع

عبد الامير رويح

2020-03-14 04:30

على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتن ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، من اجل انهاء المواجهات العسكري في إدلب السورية، والتي أدت إلى توتر العلاقات بين تركيا وروسيا بعدما عززتا تعاونهما في الملف السوري في الأعوام الأخيرة. ماتزال تركيا التي مُنيت بخسائر فادحة، بعد الهجوم الواسع للقوات السورية ضد مناطق تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وفصائل معارضة أخرى وتنتشر فيها قوات تركية في محافظة إدلب وجوارها، وبحسب بعض المصادر تواصل تعزيز قواتها في تلك المنطقة حيث دخلت تعزيزات عسكرية تركية جديدة إلى نقاط المراقبة في محافظة إدلب، شمال غربي سوريا، وضمت التعزيزات دبابات وآليات عسكرية ثقيلة.

وقال وزير الدفاع التركي خلوصي آكار إن القوات التركية ستستأنف عملياتها من حيث توقفت، في حال فشل اتفاق وقف إطلاق النار في ادلب. وأشار آكار إلى أن "إنجاز تفاهمات مهمة مع الوفد العسكري الروسي بخصوص إدلب"، معتبراً أن "الوجود التركي في إدلب متواصل، وانسحاب الوحدات التركية غير وارد". وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي يسعى الى اقامة منطقة عازلة بهدف ابعاد خطر الاكراد، إن بلاده لن تتوانى عن القيام بعمليات عسكرية أخرى في إدلب إذا لم يتم الالتزام بوقف إطلاق النار.

وأضاف إردوغان أن "تركيا ملتزمة بوقف إطلاق النار في إدلب وبتعهداتها"، مشيراً إلى أنّ قواته "سترد على أي هجوم نتعرض له". تهديدات اردوغان المستمرة وصفها البعض بأنها مجرد زوبعة اعلامية خصوصا وان الاحداث الاخيرة قد اثبتت عدم قدرة تركيا على مواصلة هذه الحرب والوقوف ضد روسيا وباقي حلفاء سوريا.

ويرى بعض المراقبين ان استمرار الازمة في سوريا يمكن ان يعمق الازمة الانسانية في هذا البلد الذي يعاني من مشكلات وازمات كبيرة بسبب استمرار الحرب، كما انها قد تسهم ايضاً في عودة التنظيمات الإرهابية في محافظة إدلب وباقي مناطق سوريا، خصوصاً وان بعض التقارير تتحدث عن وجود دعم تركي جديد للعديد من عناصر تنظيم داعش في هذه المنطقة.

حرب وجرائم

وفي هذا الشأن حذرت الأمم المتحدة من أن القتال في شمال غرب سوريا قد ”ينتهي بحمام دم“ وكررت دعوتها لوقف إطلاق النار بينما نفت موسكو تقارير عن نزوح جماعي للمدنيين نتيجة هجوم للحكومة السورية بدعم روسي في المنطقة. وتقاتل القوات السورية مدعومة بالقوة الجوية الروسية منذ ديسمبر كانون الأول للقضاء على آخر معاقل مسلحي المعارضة في المنطقة في الحرب التي أسفرت عن مقتل ما يقدر بنحو 400 ألف سوري وشردت ملايين آخرين وحولت مناطق كثيرة من البلاد إلى أنقاض.

كما حذر محققون من الأمم المتحدة بأن أنقرة قد تكون أمام "مسؤولية جنائية" في جرائم حرب ارتكبت ضد الأكراد في شمال سوريا أواخر عام 2019، بينها إعدام مسؤولة سياسية كردية. يأتي ذلك في سياق تصعيد قوي بين تركيا والقوات السورية المدعومة من موسكو في إدلب آخر معاقل المعارضة في سوريا، لكن الاتهامات التي يتحدث عنها المحققون غير مرتبطة بالمواجهات الأخيرة في المحافظة.

وفي تقرير نشر ويتحدث عن الفترة الممتدة بين تموز/يوليو 2019 و10 كانون الثاني/يناير الماضي، أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا أن تركيا قد تتحمل مسؤولية جنائية للانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها حلفاؤها في "الجيش الوطني السوري" (مجموعة معارضة موالية لتركيا). وغزت تركيا وحلفاؤها في سوريا جزءاً من شمال البلاد، بعد إطلاق عملية في تشرين الأول/أكتوبر ضد القوات الكردية، أدت إلى فرار عشرات الآلاف من الأشخاص.

وتشير اللجنة التي شكلها مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في عام 2011 إلى تقارير عن عائلات كردية نازحة، ومدنيين آخرين، اتهموا القوات السورية المدعومة من أنقرة بارتكاب عمليات إعدام ونهب ومصادرة أملاك. وتلقي اللجنة الضوء خصوصاً على إعدام تلك القوات في 12 تشرين الأول/أكتوبر المسؤولة السياسية الكردية هفرين خلف والسائق الذي كان معها. وكانت خلف البالغة من العمر 35 عاماً عضو في إدارة "المجلس الديموقراطي السوري" والأمينة العامة لحزب "سوريا المستقبل". وأوقفها عناصر من الكتيبة 123 في "الجيش الوطني السوري" حينما كانت في سيارة على طريق سريع قادمة من القامشلي. وقاموا بشدّ شعرها لسحبها من السيارة ومثلوا بجسدها قبل إعدامها، بحسب اللجنة. بحسب فرانس برس.

واعتبر محققو الأمم المتحدة أن "هناك أسباب للاعتقاد بأن المقاتلين في الجيش الوطني السوري ارتكبوا جريمة حرب هي القتل، وارتكبوا أكثر من جريمة نهب". ويضيف التقرير "إذا تبين أن عناصر من المجموعات المسلحة كانت تتصرف تحت القيادة والسيطرة الفعلية للقوات التركية، يمكن أن ينتج عن هذه الانتهاكات تحميل مسؤولية جنائية للقياديين الذين كانوا على علم بهذه الجرائم، أو كان يجب أن يكونوا على علم بها، ولم يتخذوا كافة الإجراءات اللازمة لمنعها". واتهمت لجنة التحقيق الدولية أكثر من مرة مختلف أطراف النزاع السوري بارتكاب جرائم حرب، وأحياناً جرائم ضد الإنسانية.

وساندت تركيا معارضين يقاتلون الأسد في أغلب أوقات الحرب الدائرة منذ تسع سنوات، وكثفت تدخلها في الأيام القليلة الماضية ردا على مقتل 34 من جنودها في إدلب. وأسقطت القوات التركية طائرتين مقاتلتين سوريتين وقصفت مطارا عسكريا واحدا على الأقل في محافظة حلب مما نقل المعارك إلى عمق أكبر في المناطق التي تسيطر عليها القوات الموالية للأسد. وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن القوات التركية دمرت كذلك ثماني طائرات هليكوبتر وعشرات الدبابات وخمسة أنظمة دفاع جوي. ونقلت وكالة الأناضول التركية الرسمية عنه قوله ”القوات المسلحة التركية ردت على جميع الهجمات السورية بأقوى شكل وبدون تردد وستواصل الرد“. وطالب أردوغان في أوائل فبراير شباط بأن تنسحب القوات السورية من منطقة خفض التصعيد حول إدلب والتي تم الاتفاق عليها بين تركيا وروسيا وإيران في عام 2017 بحلول نهاية الشهر وإلا سيقوم الجيش التركي بإخراجها من هناك.

وتستضيف تركيا 3.6 مليون سوري وهي مصممة على منع أي تدفق آخر من سوريا. وسمحت أيضا للمهاجرين بدخول الاتحاد الأوروبي عبر حدودها في محاولة على ما يبدو للضغط من أجل الحصول على دعم الاتحاد الأوروبي في معالجة الأزمة السورية. وكانت حدود تركيا مع أوروبا قد أُغلقت أمام المهاجرين بموجب اتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا أنهى أزمة المهاجرين عام 2015-2016 عندما دخل أكثر من مليون شخص أوروبا سيرا على الأقدام.

هدنة وتحديات

الى جانب ذلك ناقشت صحف عربية اتفاق وقف إطلاق النار في محافظة إدلب السورية الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من الخامس من شهر مارس/آذار. وجاء الاتفاق عقب لقاء في موسكو بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان. واعتبر البعض أن الاتفاق يعكس "رضوخ تركيا للواقع" بينما شكك آخرون فيما يمكن أن يسفر عنه الاتفاق واصفين إياه بأنه "هش" وقد لا يصمد طويلاً.

وصفت البيان الإماراتية الاتفاق ﺑأنه يمثل "رضوخ أنقرة للواقع الجديد في إدلب". وتحت عنوان "الغزو التركي يتداعى"، تقول الصحيفة في افتتاحيتها: "أظهرت المعطيات فشل أدوات الرئيس التركي أردوغان في تحقيق أطماعه التي لا تخفى على أحد. تراجع أردوغان في إدلب رغم ممانعته لتقدم مشروع الدولة السورية وانتصارات جيشها، جاء ليؤكد أن أنقرة قد بدأت تستعدّ لهذا المسار كتطور حتمي". وتضيف الجريدة: "ومما لا شك فيه أن القضاء على المجموعات الإرهابية في إدلب، سيفرض معادلة أنه لم يعد هناك من مبرر مصطنع وكاذب لاحتلال الجيش التركي لأراضي سوريا، سيما وأن خواتيم المعارك يكتبها السوريون وليس سواهم".

وفي النهار اللبنانية، يرى سميح صعب أن قمة الساعات الست بين بوتين وأردوغان في موسكو قد "محت تفاهمات سوتشي.. ولم يعد الرئيس التركي طويل الباع في تقرير مصير إدلب"، وأن "الميدان فرض عليه تراجعاً في السياسة. وسلّم ضمنا بانتصار الرئيس الروسي". من جانبها، أثنت جريدة الثورة السورية على التطورات قائلة: "اتصال هاتفي... الرئيس بوتين يهنئ الرئيس الأسد بالإنجازات في المعارك بإدلب... وهدوء يسود محاور العمليات". بحسب بي بي سي.

وتشير تشرين السورية إلى أن الجيش جاهز للرد على ما وصفته بـ "خروقات التنظيمات الإرهابية". أما جريدة البعث السورية فنقلت عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوله إن الاتفاق "يؤكد وحدة وسيادة سوريا والاستمرار بمكافحة الإرهاب". وعلى الجانب الآخر، يقول موقع يني شفق التركي نقلاً عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "متيقظون في إدلب وسنرد على أي انتهاك للنظام".

وشككت صحف أخرى في النتائج المرجوة من الاتفاق. وفي هذا الصدد، تقول الأخبار اللبنانية: "اليوم الأول من هدنة إدلب: التزام لا يبدّد الشكوك". وتشير الجريدة إلى أن هناك تساؤلات بشأن قدرة الاتفاق على الصمود، مضيفة: "تتالت المواقف الدولية المرحبة بالاتفاق الأخير بين موسكو وأنقرة، في ظل تشكيك في الوقت نفسه في قدرته على الصمود، على الرغم من اعتبار الجانبين السوري والروسي أن الاتفاق يمكن أن يساعد في تهيئة الأجواء لإعادة إطلاق العملية السياسية، وفق ما تم التأكيد عليه في المباحثات الهاتفية بين الرئيس السوري بشار الأسد، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين".

ويتساءل فارس الحباشنة في الدستور الأردنية: "الهدنة الروسية -التركية.. هل تصمد طويلاً؟" ويقول: "الرئيس التركي أردوغان ذهب إلى موسكو بحثاً عن خلاص، وللخروج من المأزق السوري، الجيش التركي خلال أسابيع من معركة إدلب والشمال السوري تكبد خسائر بشرية كبيرة بين صفوفه". ويضيف: "الهدنة الروسية-التركية لا تعني نهاية معركة إدلب. الاتفاق لم يحسم كثيراً من الخلافات بين الطرفين السوري والتركي. ما يٌبقي المنطقة مرشحة لمعارك جديدة". ويكمل حديثه: "وقف إطلاق النار، كما ورد في البيان الختامي للهدنة، لم يشر إلى الجهة الراعية والضامنة. كما أن البيان لم يشر إلى الجماعات الإرهابية وما هو مصيرها، وغابت عنه الإشارة إلى المنطقة الآمنة التي تطالب بها تركيا".

ويرى عبد الباري عطوان في رأي اليوم الإلكترونية اللندنية أن الاتفاق "هش". ويقول: "اتفاق وقف إطلاق النار الذي يعتبر الإنجاز الأبرز للمباحثات التي استغرقت سِت ساعات بين الرئيسين التركي والروسي يظل اتفاقاً هشاً وقد لا يصمد طويلاً، مثل الاتفاقات السابقة المماثلة، لأنه لم ينص مطلقاً على إقامة منطقة آمنة، ولم يتطرق إلى مصير مليون لاجئ يتكدسون أمام المعابر التركية الحدودية مثل باب الهوى وغيرها".

حدود أوروبا

على صعيد متصل يعتقد السوريون المتكدسون على حدود تركيا مع اليونان أن آمالهم في العثور على ملاذ في الاتحاد الأوروبي تقع تحت رحمة ألوف المهاجرين الآخرين الواقفين على الحدود ولهم أوطان آمنة نسبيا. وعلى الحدود تفوق أعداد الأفغان والباكستانيين عدد السوريين الذين نزحوا عن بيوتهم هربا من الحرب الأهلية الطويلة. ويقول السوريون إن أغلب رفاقهم من المهاجرين ركبوا موجة الهجرة لأسباب اقتصادية ويدعون بعد ذلك أنهم سوريون.

وقال يحيى رئيس (20 عاما) القادم من حلب التي شهدت بعضا من أعنف الاشتباكات خلال الحرب ”أشعر بالغضب عندما أقابل أشخاصا من المغرب وباكستان وحتى أفغانستان“. وأضاف ”لو أن هنا ألفين أو ثلاثة آلاف سوري فقط فربما كانت اليونان توافق على فتح الحدود. فهم يعرفون أننا لاجئون حقيقيون“. ويحاول ألوف المهاجرين الوصول إلى اليونان منذ قالت تركيا في 28 فبراير شباط إنها لن تحاول إبقاءهم في أراضيها تنفيذا للاتفاق الذي توصلت إليه مع الاتحاد الأوروبي في 2016 مقابل مساعدات أوروبية بمليارات اليورو.

وقالت تركيا إنه لم يعد بمقدورها احتواء مئات الآلاف من المهاجرين الذي تستضيفهم وخاصة في ضوء احتمال تدفق المزيد من اللاجئين الفارين من اشتباكات عنيفة في شمال غرب سوريا غير أن اليونان تحاول منع المهاجرين من دخول أراضيها. ويشعر لبيب مرغي صديق رئيس بنفس العداء الذي يشعر به صديقه تجاه المهاجرين الآخرين. وقال مرغي (16 عاما) ”لا توجد حرب في المغرب ولا في الجزائر ولا حرب في باكستان ... حتى في أفغانستان الوضع أفضل من سوريا. اضطررنا للرحيل لأن حكومتنا تريد أن تقتلنا أو تخرجنا من بيوتنا“.

وفي كشك مجاور قال مهاجرون من شمال أفريقيا إنهم جاءوا إلى الحدود دون وثائق هوية حتى يمكنهم ادعاء أنهم سوريون لتعزيز فرص حصولهم على حق اللجوء إذا استطاعوا الوصول إلى الاتحاد الأوروبي. وقال بدر عباسي المغربي ”زعماؤنا فاسدون ولذلك لا توجد لنا فرصة في حياة كريمة. إذا استطعت بإذن الله الوصول إلى الاتحاد الأوروبي فسأقول إنني من سوريا وإلا فإنهم سيعيدونني“. وهز رفاقه رؤوسهم موافقين على كلامه وهم يحتسون الشاي. بحسب رويترز.

وقال وزير الداخلية التركي سليمان صويلو إن السوريين يمثلون ما بين 20 و25 في المئة فقط من بين 136 ألف مهاجر وصلوا إلى أوروبا منذ امتنعت تركيا عن منعهم من الرحيل. وبخلاف الرغبة في مستقبل أفضل يعتقد المهاجرون من أمثال عباسي أن لديهم سببا وجيها آخر للتظاهر بأنهم سوريون. ففي ألمانيا، التي تمثل مع السويد الوجهة المفضلة في أوروبا بين المهاجرين، يحصل كل السوريين تقريبا على شكل ما من أشكال الحماية ويُسمح لهم بالبقاء. غير أن الرفض مصير أكثر من 20 في المئة من طالبي اللجوء الأفغان. وقال مرغي القادم من مدينة إدلب في شمال سوريا ”الكل هنا يريد مستقبلا أفضل“. وأضاف ”لكن الناس الذين لهم بلد يعودون إليه عندهم رفاهية لا نقدر سوى على الحلم بها. سوريا انتهت“.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا