الخشية من العنف يولد العنف

محمد علي جواد تقي

2019-06-25 04:45

في طابور طويل عند محطة للحافلات، يزدحم الركاب عند باب الحافلة وهم يتسابقون أيهم يحجز المقعد قبل الآخر، فلاحت التفاتة منّي الى رجل يحاول الاستلال من بين الجموع وصعود الحافلة من خارج الطابور، فرفعت صوتي بالتحذير والتنديد علّه يرعوي ويرجع، لكنه وجد طريقه وسط سكوت الموجودين، فآلمني موقفهم المتخاذل، ولكن؛ جاءت المفاجأة من شخص خلفي في الطابور بأن "لا داعي للاعترض يا عزيزي...! فربما يسبب اعتراضك شجاراً وعراكاً". انه يفضّل انتهاك حقّه، وهو في تلك الحالة من التعب بعد ساعات من العمل، يقف على رجليه حتى يستريح على مقعد الحافلة، على أن يشهد، او ربما يشترك في صِدام مع منتهك لحقه ومخلّ بالنظام العام.

لا أحد داخل النسيج الاجتماعي يرغب بانتشار العنف كونه يهدد أمنه، كما يهدد أمن الافراد ومصالحهم، بيد أن المفارقة في صدور هذا العنف، وعلى حين غرّة، من نفس افراد هذا المجتمع في وقت يشهد حديثاً متواتراً من لدن المثقفين والمفكرين والعلماء والحكماء بضرورة تجنّب العنف، بل وإلغائه من حياتهم، والركون الى السلم والتسامح واللين وغيرها من المفاهيم الايجابية المحببة الى النفوس.

وبحكم الظروف السياسية والاقتصادية، والمستوى الثقافي لافراد المجتمع، نجد أن بعض التصرفات العنيفة باليد او اللسان، الى جانب استخدام وسائل القوة الاخرى، تمثل الوسيلة المفضلة لتحقيق مصالح معينة، بل واحياناً تكون الوسيلة الأفضل لاسترداد الحقوق بعيداً عن القوانين والضوابط والتشريعات، بل واحياناً نجد البعض يتصور أن نزعة العنف لديه تساعده في فرض شخصيته على الآخرين، كالأب "المتنمّر" الساعي لفرض شخصيته على أفراد أسرته، كما نجد الحالة في معلمي بعض المدارس، او حتى في الدوائر الحكومية، بل وحتى خلال سياقة السيارة في الشارع!

فكيف يتم التعامل مع ظاهرة كهذه؟

هل القبول بالواقع الخاطئ الذي يعيشه البعض بسبب تصوراته واستنتاجاته المبتسرة من واقع مجتمعه؟

أم الاكتفاء بالتنظير لواقع صنعه السلوك الجماعي، وتسالم عليه الاكثرية على أنه الوسيلة الأنجح للوصول الى المُراد؟ وعليه لابد من تجنب الاعتراض على الخطأ خشية من ردود الفعل العنيفة!

ويقال في التاريخ؛ أن فرعون، وقبل ان يتحول الى ما صار عليه، كان حاكماً، او ربما بنفس منصب المحافظ او الوزير في عصرنا الحاضر، وكان يجالس الفقراء ويأكل معهم، بيد انه جرّب مرة التجاوز على حقوق الناس، فلم يجد منهم سوى السكوت على فعلته، فكرر التجربة ثانية وثالثة، فستهوته نفسه بالمزيد لتحقيق التفوق والغلبة والسيطرة، ونحن نقرأ في القرآن الكريم في سورة الزخرف: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ)، فلو كان جواب الاستخفاف شيئاً آخر غير الطاعة لما أوغل أكثر في دماء بني اسرائيل واستعباد نسائهم، وسومه الناس سوء العذاب، والدليل الملموس يقدمه القرآن في مواضع عديدة لدى سرده قصة نبي الله موسى وبني اسرائيل مع فرعون، بأن تحدي هذا الاستخفاف بالمصائر ومصادر الحريات وانتهاك الحقوق، ظهرت حقيقة القوة المزيفة لفرعون وأنه أضعف بكثير مما كان يتصوره الناس، فجاء المدد الإلهي بالانتصار والنجاة بعد أن آمن بنو اسرائيل بما جاء به نبيهم من عند الله –تعالى-، ثم نجد اليوم اساتذة جامعيين وشخصيات بارزة في الدولة العبرية (اسرائيل) يتبجحون من خلال وسائل الاعلام بانهم أفضل من العرب والمسلمين، سبقوهم الى التوحيد قبل ثلاثة آلاف سنة!

هل ينهزم المنطق والعقل أمام العنف؟!

أجدني ملزماً بالوفاء لشخصية قيادية ناجحة قاد حراكاً مطلبياً سلمياً فضح فيه عنف وإجرام النظام الديكتاتوري العائلي في ارض الحجاز (السعودية)، وهو؛ الشهيد آية الله الشيخ نمر باقر النمر، الذي أطلق كلمته المدوية وهو يواجه كل اشكال الظلم والتمييز والتعسف ضد الشيعة في بلده، بأنه "يواجه أزيز الرصاص بزئير الكلمة"، وأكد مراراً على أنه لا يواجه عنف السلطة بعنف مضاد، وإنما بالمنطلق والعقل، كون ما يدعو اليه انما هي مطالب جميع افراد الشعب؛ السنّي منه او الشيعي، من حرية للعقيدة والتعبير، وعدالة في توزيع فرص العمل، ومساواة في توزيع الثروة وغيرها من المطالب، ولذا فان الشهيد النمر، مهما مرّ الزمان، يبقى إيقونة المطالب الشعبية أمام منهج العنف الحاكم.

وهذا لا يقتصر على قضايا الصِدام الحاصل بين الشعوب وحكامها، إنما العبرة في معالجة هذه الظاهرة وهي بذرة في نفوس افراد المجتمع في بلدان لا يسودها الطغيان والديكتاتورية المطبقة كما في السعودية او البحرين او بلاد اخرى، بل في بقاع تحظى بشيء من الحرية والاستقرار مثل العراق الذي بامكانه كبح جماح هذه النزعة وتحويل الطاقة الكامنة والمتضخمة الى ما هو مفيد للجميع، ذلك عندما نصل الى إدراك جماعي بأن العنف، اذا يضر بالمجتمع، فانه سيضر بصاحبه لا محالة في نهاية المطاف، ولن يكون طريقه الى النجاح والفلاح مطلقاً، وهذه من سنن الله –تعالى- في الحياة، وقد قالها مدويةً؛ أمير المؤمنين، عليه السلام: "من سلّ سيف البغي قتل به".

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا