حادث نيوزيلندا: احتواء الكراهية والتطرف باللاعنف
باسم حسين الزيدي
2019-03-26 06:47
في محاولة لفهم مسببات الحادث المأساوي الذي وقع في نيوزيلندا منتصف شهر اذار/مارس اثناء صلاة الجمعة وراح ضحيته العشرات من المسلمين، بينهم أطفال ونساء، تداخلت الأفكار المتطرفة والسياسية والاقتصاد والايديولوجيات المتنافرة وحتى نظريات المؤامرة في خلطة غريبة لكنها طبيعية في هكذا احداث مؤثرة قد تغير او تحدث تأثيراً واضحا في مسار المستقبل على المستوى العالمي.
في الوقت الذي ينظر اليه البعض على انه تصرف عنصري فردي من شخص متطرف فكرياً، يرى آخرون انه "ليس وليدة تنظيم سياسي متكامل، وإنما وليدة مجموعة عنصرية تغذت على رفض المسلمين وكراهيتهم"، خصوصاً في ظل وجود "تعبئة ممنهجة ومدروسة يقودها اليمين المتطرف والمنظمات الغربية المتشددة تجاه العرب والمسلمين"، كما ان هناك من يربط ما جرى بأسباب اقتصادية بحتة حيث ازدادت معدلات الكساد والبطالة ومنافسة المهاجرين القادمين الى اوربا للغربيين في سوق العمل، بينما لا يستبعد اخرون وجود أجهزة استخبارية او دول غربية او منظمات عالمية تقف خلف هكذا اعمال إرهابية.
موجة من الكراهية
الخوف من مستقبل مليء بالكراهية والتطرف والتعصب والجهل هو ما يركز عليه عقلاء العالم، فالضرب على وتر الكراهية من خلال العنف والتطرف سيهدد او سيضرب في نهاية المطاف الانسجام والتعايش السلمي بين المجتمعات البشرية، وبالتالي سيؤثر على كل القيم الإنسانية المشتركة والضوابط التي تسهل حركة التفاهم السياسي والاقتصادي والثقافي والسياحي والديني بين هذه المجتمعات لانعدام الثقة فيما بينها او بسبب ضياع هذه القيم الضابطة او زوال المشتركات الجامعة لها.
الدكتور اسعد شبيب كاظم يشير الى هذا الامر بالقول: ان " هذا الاعتداء ما هو إلا نتيجة لموجة الكراهية والتعصب الديني الذي ضرب العالم في العقد الأخير من هذا العقد، فانه افتراض عملي لما راهن البعض عليه من ان التطرف الأصولي (الديني-الديني)، و(الايديولوجي-الايديولوجي) قد ينتشر بصورة يضرب قيم التعايش السلمي بين المجتمعات".
لكنه يرى ان الامر لم يصل الى حد الانفجار على اعتبار انه "إلى الآن لم يعد هذا الشكل من العنف بالرغم من توظيفاته الدينية والايديولوجية شكلا من التصادم الحضاري لكونه في الأغلب هي حوادث فردانية ممقوتة من قبل اغلب الناس وهذا ما لاحظناه من حجم التضامن الذي أبداه الغربيون بشتى ديانتهم ومنظوماتهم الفكرية والحضارية".
اللاعنف ضد العنف
لقد حذر المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي قبل عشرات السنين من عالم مليء بالعنف والقسوة بالقول: "إنّ ما يثير الدهشة هو أن صورة العنف أصبحت أكثر شدة وضراوة، وكذلك أكثر تكراراً"، وقد دعا الى اعتماد "مبدأ اللاعنف" كطريقة حياة بين المجتمعات البشرية عبر صياغة نظرية متكاملة تحمل جوهر الإسلام الحنيف بتعاليمه السماوية الخالدة للإنسانية جمعاء باعتبارها انجح الطرق واقصرها لتحقيق السلام ونشر التسامح واللاعنف عبر رسالته السلمية التي حثت على اللين والرحمة ونبذ القسوة والتحلي بالأخلاق السامية والنبيلة حتى مع الأعداء، ونشر السلام ونبذ العنف مهما كانت الغاية.
وقد اوضح السيد محمد الشيرازي بان: "أول دعاة السلم هو الدين الإسلامي إذا أخذنا بنظر الاعتبار دعوته إلى اللاعنف كاستراتيجية لها قواعدها وأصولها وتنظيرها الخاص بها"، كما ان: "الإسلام ينبذ العنف والقسوة والإرهاب قولاً وفعلاً، وقد دعا إلى اللاعنف كبديل لحلول ما يواجه الأمة من ازمات ومشاكل ومصاعب"، مؤكداً: ان "منطق الرسل والانبياء هو منطق السلم واللاعنف والاحتجاج العقلاني من اجل انقاذ البشرية حيث يقول الله تعالى في كتابه الكريم حول استخدام السلم واللين وسياسة العفو والاعتماد على منهج الشورى كاسلوب للإقناع الحر والحوار السلمي والمشاركة في اتخاذ القرار: (فبما رحمة من ربك لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين)".
وفي معرض رده على بعض المسائل الفقهية يقول السيد الشيرازي: "يحّرم الاسلام الغدر والاغتيال والارعاب وكل ما يسمى اليوم بالعنف والارهاب فإنه لا عنف في الاسلام ولا يجوز أي نوع من اعمال العنف والارهاب الذي يوجب إيذاء الناس وارهابهم والغدر بحياتهم او المؤدي الى تشويه سمعة الاسلام والمسلمين.
الخلاصة
بالتأكيد إذا استمعنا الى صوت العقل والمنطق فسنعرف ان الكراهية والعنف والتعصب لن تستثني احداً من نارها، فهي ستحرق الجميع، وستنعكس اثارها السلبية على الجميع، شعوباُ ودولاً وافراد ومنظمات...الخ.
وبالمنطق ايضاً وحتى لا يتحول العالم الى حلبة لصراع الأفكار والعنف اللساني والقلبي وربما الجسدي المباشر (كما وقع في حادث نيوزيلندا) ينبغي على الإنسانية ان تختار سبيل اللاعنف لحل جميع الخلافات الدينية والثقافية فيما بينها، والاعتماد على القواسم المشتركة بدلا من البحث عن نقاط الخلاف، ويمكن ذلك من خلال اعتماد جملة من الوسائل:
1. الاتفاق على نبذ ومحاربة الأفكار المتطرفة التي تدعو اليها المدارس والمذاهب (السياسية والدينية) بمختلف انتمائها وتوجهها واعتبارها في خانة الإرهاب العالمي.
2. تدعيم سبل الحوار بين الشعوب والحضارات والثقافات والديانات والبحث عن المشتركات الإنسانية فيما بينها لتعزيز النسيج القيمي المعتدل بين المجتمعات الإنسانية.
3. تعزيز مبدأ اللاعنف واعتباره الأساس في التعاطي بين شعوب العالم بدلا من السماح للأفكار المتطرفة ان تشغل هذا الحيز.
4. حل المشاكل المتعلقة بالمهاجرين وفرص العمل والتعايش السلمي وقبولهم ضمن المجتمعات الغربية وفق برنامج عالمي تشترك فيه الدول والمنظمات العالمية.
5. إقامة برامج مشتركة، (ثقافية وفكرية متنوعة)، بين مختلف منظمات المجتمع المدني في مختلف دول العالم برعاية اممية من اجل تبادل الأفكار والتعرف على الاخر وفهمه ودعم اسلوب التحاور ونبذ العنف.