مركز آدم ناقش الإطار القانوني للصلح المجتمعي من منظور حقوق الإنسان

ملتقى النبأ الاسبوعي

عصام حاكم

2019-03-19 12:08

ناقش مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات ملتقاه الفكري الشهري تحت عنوان: (الإطار القانوني للصلح المجتمعي من منظور حقوق الإنسان) بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي عُقد يوم السبت 19/كانون الأول/2018 بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.

 افتتح الجلسة الباحث في مركز آدم الدكتور علاء الحسيني أستاذ القانون الإداري في جامعة كربلاء- كلية القانون، حيث قال: "إن نطاق بحثنا اليوم لعله يختلف عن المصالحة التي نادى بها السياسي العراقي منذ العام (2005) صعودا، نحن نريد أن نركز على الجنبة الاجتماعية وعلى الصلح داخل المجتمع، وذلك من خلال إتباع الوسائل السلمية التي توصلنا إلى الصلح، وهذا الصلح هو مقدمة لنتيجة نسعى إليها جميعا وهي (السلم الأهلي)، والسلم الأهلي أيضا هو مقدمة بسيطة نريد أن نصل إليها أو من خلالها كي نمر إلى الأمن الإنساني، والأمن الإنساني هو أسمى تجليات حقوق الإنسان أن وصلنا لها فنحن بخير".

 "فهذا الصلح هو الذي سوف يوصلنا إلى السلم الأهلي، وهذا يتم من خلال إتباعنا للوسائل السلمية في فض النزاعات، فلا شك ولا ريب ما من مجتمع إنساني يخلو من النزاعات حتى في داخل الأسرة الواحدة، خاصة وأن هذه الاختلافات هي سنة من سنن الله سبحانه وتعالى، بالتالي كل مجتمع فيه الكثير من التنوع وفيه الكثير من الإشكاليات والاختلافات والتنازعات، التي تحصل على مختلف المستويات (الاقتصاد/ الاجتماعي/ الثقافي/ البيئي)، لكننا متى ما انتقلنا بالمجتمع انتقاله نوعية من طرق لا سلمية وعنف، إلى وسائل سلمية نحن إذن وصلنا إلى الصلح المجتمعي، وهذا ممكن أن يفتح لنا بوابة السلم الأهلي التي نسعى إليها".

 "من هذه المقدمة البسيطة والمتواضعة نستطيع أن ننتقل إلى الصلح، وهو مصطلح كثير الاستعمال في عالم السياسية وكذلك في عالم القانون، في عالم القانون (الصلح عندنا هي وسيلة من وسائل إنهاء النزاع)، هذه الوسيلة ومن منظور قانوني هي عمل قانوني، أي أنها عبارة عن عقد، هذا العقد فيه طرفان وفيه التقاء إرادتان إيجاب وقبول وفيه مجلس عقد وتسبقه مفاوضات توصلنا إلى هذا التصرف القانوني، اليوم عندما تستقل سيارة أجرة تهم بالصعود مباشرة من دون مقدمات وتعطيه الأجرة المقررة سلفا، فهذا عقد نقد من ناحية قانونية، أيضا ممكن أن تدخل إلى دكان ما وتشتري حاجة معينة ومن دون أن تتلفظ بأي ألفاظ شرعية أو قانونية لتؤكد حالة البيع والشراء، لكن هذا لا يمنع من تسمية هذه المعاملة بعقد الإيجاب والقبول، الإيجاب من ناحية المشتري أو من ناحية البائع أحيانا أو قبول من المشتري أو قبول من طرف البائع، بالتالي عندما التقى الإيجاب بالقبول حصلت واقعة قانونية، وهي تفضي إلى عمل قانوني وتفضي إلى نتيجة واثر قانوني، وهذا الأثر هو الذي ينفذ حالة انتقال الملكية من شخص إلى شخص آخر".

 "الصلح أيضا هو عبارة عن عقد، فعلى سبيل المثال عندما نجلس ويكون هناك صلح بين شخصين متخاصمين، هذا الأمر هو عبارة عن عقد، نصل من خلالها إلى فض اشتباك أو إنهاء نزاع، وهو لا يختلف بأي حال من الأحوال عن أي عقد آخر، فمن الناحية القانونية الصلح هو عمل قانوني ترتب عليه آثار قانونية لاحقا، إذن الصلح ليس بمعناه السياسي قد يكون نوع من العمل ومن تقارب وجهات النظر وما إلى ذلك، الصلح المجتمعي أو الاجتماعي الذي نسعى إليه هو غاية نريد أن نصل إليها بمختلف الطرق والوسائل والتوجهات، لعلنا لا نحيد عن الطريق أن ذكرنا بعض الآيات أو التطبيقات التي تقودنا إلى الصلح، الله (سبحانه وتعالى) أرد لنا أن ننتهج نهج الصلح في حياتنا اليومية، ولذلك تجد في القران الكريم الكثير من الآيات القرآنية التي تتحدث عن الإصلاح وعن الصلح، (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله)، وهكذا نجد الآيات القرآنية تأخذ بأيدينا إلى هذا المصطلح وإلى هذه النتيجة القانونية".

 "الرسول الكريم (ص) أيضا يشبه (المسلمون بالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد)، أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضا في كلامه وفي خطبه وفي نهج البلاغة دائما ما يركز على هذا المفهوم، وهذا ما وجدناه شاخص للعيان من خلال ما ورد في نهج البلاغة وعندما قبل الخلاف فغايته كانت الإصلاح في الأرض، فالإصلاح إذن؛ هو مصطلح اشمل من الصلح، وهذا الصلح تطبيقاته في القانون العراقي الآن كثيرة جدا، وهي عبارة عن نافذة يفتحها المشرع العراقي لغرض رأب الصدع وإرجاع الوئام والاستقرار للمجتمع، كثير ما نسمع عن وقوع جرائم ومخالفات واختلافات معينة، وهذه الاختلافات وهذه الجرائم تتسبب في صدع معين".

 "لذا فالمشرع العراقي لم يغلق الباب أمام هذه الحالة، إنما أعطى إمكانية وقوع الصلح بين الخصوم، ولذلك يقال عندنا (إن الصلح سيد الأحكام)، وهذه المقولة وعندما نريد أن نناقشها من ناحية قانونية هي ليست هكذا، ولكن هذه مقولة سارت على ألسنة البعض، لذلك عندما نتصفح أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي أو قانون المرافعات المدنية العراقي، نجد الكثير من المواد القانونية التي سمحت بالصلح، فعلى سبيل المثال في قانون المرافعات المدنية المشرع استخدم ثلاثة مصطلحات في ثلاثة مواطن مختلفة كلها توصلنا إلى الصلح، (التنازل عن الدعوة/التحكيم/صلح الخصوم)، أيضا عندما نأتي إلى قانون المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة (1971) المعدل، نجد العبارات أكثر وضوحا، وهي أكثر من التحكيم الذي ورد في قانون المرافعات المدنية بالمادة (251)، ونجد في قانون الأصول الجزئية (130) إحدى القرارات التي من الممكن أن يصدرها قاضي التحقيق والدعوى لا زالت في طور التحقيق هي (قبول الصلح)".

 "أيضا المشرع العراقي ذهب إل ابعد من ذلك من التمييز بين نوعين من الجرائم (جرائم تقبل الصلح بدون موافقة القاضي أو المحكمة/ جرائم لابد من حصول موافقة القاضي أو المحكمة)، فالمادة (130) احد قرارات قاضي التحقيق هي رفض الشكوى وغلق الدعوة نهائيا، في حالات إذا تبين بان الفعل غير معاقب عليه أو أن الصلح قد وقع بين الطرفين، بالتالي نحن لا نريد أن نصل إلى مرحلة تدخل الدولة، بمعنى آخر نحن نريد أن نشيع ثقافة الصلح بين الناس، لذا فان المشرع العراقي قد التفت لهذه المسالة، لذلك هو فسح المجال واسعا أمام أن يقع الصلح بين الناس وأن ترفع المحكمة يدها عن النظر في الدعوة، في المادة (181) أيضا تكلمت عن صلاحية المحكمة والأحكام التي تصدرها بانتهاء المرافعات، منها رفض الشكوى في حال وقع الحل بين الطرفين".

"وهذا توجه محمود جدا لأنه يشجع الناس على انتهاج طريق الوئام الذاتي من خلال الصلح المجتمعي الذي قد يحصل بين الناس، المشرع العراقي لم يكتفي بهذا القدر بل افرد فصل كامل في قانون أصول المحاكمات سماه الصلح في المادة ( 194 إلى المادة 198)، وهو قد ميز بين الجرائم كما ذكرنا آنفا فمنها جرائم لا نحتاج الذهاب للمحكمة أصلا ومنها الجرائم البسيطة، والمعاقب عليها بمدة حبس لا تتجاوز السنة أو الغرام فهنا لا نحتاج الذهاب للمحكمة، بل المشتكي يخبر المحكمة وتقفل التحقيق وإذا علم بوقع الصلح بين الطرفين، وكذلك هناك جرائم يقع الصلح بموافقة القاضي وبموافقة المحكمة وهي الجرائم الشديدة، والتي تزيد عقوبتها على السنة، وهنا لابد من موافقة القاضي وموافقة المحكمة، وهناك جرائم اشترط فيها المشرع العراقي يجب أن تكون بموافقة المحكمة حتى وأن كان اقل من سنة، وهي ثلاثة جرائم حقيقة ( الإيذاء/ التهديد/ إتلاف الأموال)، وذلك لخطورة تلك الأفعال".

 "الإيذاء الذي هو المادة (412) عقوبات عراقي وهو يصل لمستوى خلق عاهة مستديمة، والمشاجرة في المادة (114)، أيضا التهديد في المادة (430) من قانون العقوبات العراقي، وهو يعتبر جريمة خطيرة جدا كونه تقلق المجتمع، كذلك إتلاف الأموال وهي من الجرائم الخطيرة، فهذه يجب أن توافق عليه المحكمة لأنها من الجرائم الخطيرة في المجتمع، ما عداها أي في الجرائم البسيطة لم يشترط المشرع العراقي موفقة المحكمة إلا بالجرائم الشديدة، وهي باب من أبواب التناول عن الدوى الجزائية، التنازل عن الدعوى الجزائية أيضا هو باب من أبواب الصلح، فالمشرع حينما فتح لنا هذا الباب نستطيع ومتى شئنا التنازل عن الدعاوى الجزائية، خصوصا إذا كانت من الدعاوى التي تتضمن الحق الشخصي".

 "حتى قضاة التحقيق دائما ما تركوا هامشا للجنبة العشائرية من اجل إنهاء حالة الخصومة، وهذا أفضل من أن نشغل المحكمة ونشغل السجون بعقوبات بسيطة ولأفعال ليست خطيرة، المشرع العراقي فتح باب آخر وهو حتى بعد صدور الحكم الجزائي وسماها (الصفح)، في المادة (138) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وحتى وأن صدر حكم من القاضي على المتهم وحكم عليه بالسجن أو الحبس أو ما إلى ذلك، وحصل الصفح وكانت الجريمة من الجرائم التي يجوز الصلح فيها، فالقاضي يوقف كل آثار الدعوى الجزائية ويعتبر الصلح بمثابة حكم بالبراءة، وهذا باب جديد من أبواب الصلح الاجتماعي".

"شاهد القول إن المشرع العراقي لم يغلق باب الصلح، بل حبذ هذا الإجراء وإن لم يكون هناك توجه حقيقي وقانون حقيقي يشجع على الصلح الاجتماعي، هذا التوجه نستشفه في بعض الدول مثل السويد لديهم قانون يسمى (الأمبودسمان) الذي صدر في العام (1809) ويعني (الوسيط)، فالبرلمان السويدي ينتخب مجموعة من القانونين ومن المعروفين بالنزاهة والكفاءة ويطلق عليها صفة (وسيط الدولة)، وعمل الوسيط يتركز حول التوسط في الخلافات قبل أن تصل للقضاء، فرنسا أيضا تبنت فكرة (المدياتير) ففي الدستور الفرنسي في (4/ أكتوبر/1958) في المادة (71)، وهذا التعديل الأخير الذي حصل في العام (2008) تناول موضوع (المدياتير)، الذي ينتخبه البرلمان الفرنسي وهم عبارة عن مجموعة من القضاة المتقاعدين ومن القانونين المعروفين بالنزاهة والكفاءة، وعمل المدياتير يتركز حول التوسط بين الخصوم قبل أن يصلوا للمحاكم، وذلك لإرجاع حالة الوئام للمجتمع، قبل الوصول للقضاء وللمحاكم وإصدار الأحكام الجزائية والمدنية، فهذه ثقافة حولها المشرع الأوروبي إلى واقع قانوني والعراق يفتقد إليها".

 "لو رجعنا للدستور العراقي في المادة (45) في بندها (الثاني)، نجد أن المشرع يقول تحرص الدولة على العشائر والقبائل في العراق، وأيضا تسهم الدولة في مجالات معينة خاصة بالعشائر والقبائل في العراق، بما يتلائم مع أعرافها وتقاليدها وبما لا يتنافر مع الدين والقانون كما عبر المشرع الدستوري، بل وأكثر من هذا المشرع الدستوري سمح أو اوجب تنمية القيم العشائرية النبيلة، ولكن في نفس الوقت وفي المادة (45) هو منع الأعراف العشائرية التي تتنافي مع حقوق الإنسان، بالتالي صار لدينا وجوب أن نسهم وننمي القيم العشائرية القبلية النبيلة، والإسلام هو خير شاهد فعندما جاء لم ينهي كل الأعراف السائدة، بل افرز الأعراف الجيدة ودعا إليها وبالمقابل هو حارب الأعراف الفاسدة، وهذا هو المطلوب من الدولة، حيث من المفترض أن تقوم بتنمية الصلح، والعشائر والقبائل هي واحدة من الوسائل التي قد توصلنا إلى حالة الوئام والسلم الأهلي، الذي تطرقنا إليه في بداية حديثنا، فعلى مستوى الأسرة الواحدة المشرع العراقي أيضا فتح لنا باب، ففي قانون الأحوال الشخصية (188) لسنة (1959) في المادة (41) عندما تحدث المشرع عن التفريق بين الزوجين، فالتفريق حالة من الممكن أن يطلب احد الزوجين وبغض النظر عن مدى شرعيتها، فالمحكمة هنا ألزمها المشرع بان تنتخب حكما من أهل الزوجة وحكم من أهل الزوج، وهؤلاء يحرصون على تحقيق حالة من إصلاح ذات البين، وان لم يوجد فالزوج ينتخب والزوجة تنتخب، وإن لم يحصل هذا الاتفاق بينهما فقاضي الأحوال الشخصية هو الذي ينتخب الحكام، لغرض إصلاح ذات البين وألزمهم المشرع في المادة (41)، بان يبذلوا جهود كبيرة للوصول لحالة الصلح الاجتماعي، فان عجزوا يقوم القاضي بانتخاب حكما ثالثا لهم حتى يمكن للوصول لحالة الاتفاق، فان عجزوا عن تحقيق ذلك وحددوا جهة سبب المشكلة، عندها القاضي يكون مضطر للتعامل مع مسالة المهر وغيرها من التبعات القانونية الأخرى".

 "وهذا يؤكد لنا بان المشرع لم يغلق باب الصلح بأي حال من الأحوال، فهناك إطار قانوني للصلح لكنه ليس ناضجا وتعوزه الكثير من الإصلاحات، التي تقودنا من ساحة القضاء والتشكي على بعض، ونذهب نحو المصالحة أو الصلح الاجتماعي كي نخفف عن القضاء وعن المحاكم ونخفف عن السجون، وفي ذات الوقت سوف نصل إلى مسالة جدا مهمة وهي السلم الأهلي".

{img_1}

وللاستئناس بآراء الحضور نتوجه بطرح السؤالين الآتيين:

السؤال الأول: ما هي أهم الوسائل والإجراءات واجبة الإتباع لتحقيق حالة الصلح الناجز في المجتمع العراقي؟

السلم المجتمعي ليس من مسؤولية المحاكم أو مؤسسات الدولة فقط

الدكتور حسين أحمد السرحان، رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، يعتقد: "إن السلم المجتمعي هو الذي يهيئ الطريق أمام الأمن المجتمعي، وبالتالي هو يوفر البيئة والمناخ الملائم كي يكون هناك نظام سياسي فاعل في المجتمع وفي إدارة الدولة، لذا نحن نحتاج إلى إطار دستوري أكثر مباشرة وأكثر تركيز، والجانب الثاني أن يترجم هذا الجانب الدستوري إلى اطر قانونية ونصوص تشريعية، بل ربما نحتاج لتعديل القوانين النافذة بهذا الجانب، وهذا يتطلب وعي وإدراك كبير لأهمية المجتمع على اعتباره هو المناخ المناسبة وهو البيئة الحاضنة للنظام السياسي ولنظام الدولة".

أضاف السرحان "لذا نحن نحتاج لصانع قرار ومشرع يدرك أهمية الدور الاجتماعي، ويدرك أيضا إن هذا النظام السياسي هو انبثاق وانعكاس لهذا المجتمع، وبالتالي كلما صلح المجتمع صلحت المؤسسات وصلحت الدولة والنظام السياسي، فعلى على هذا الأساس نحتاج لتعديل دستور ولإضافة دستورية، بالإضافة إلى ذلك نحتاج لأطر قانونية أو تعديل ما هو موجود، فضلا عن ذلك فان السلم المجتمعي هو ليس من مسؤولية المحاكم أو مؤسسات الدولة فقط، بل نحتاج لجهود مكثفة من كافة الفعاليات (الثقافية/ الاجتماعية/ والمدنية)، وبالتالي كل هذه المؤسسات تساهم في قضية السلم المجتمعي".

- حيدر الجراح، مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث، يستفسر: "عن ما هي علاقة السلم الأهلي بالنزاعات الفردية، سؤال آخر ماذا عن النزاعات بين الجماعات داخل المجتمع؟".

العقد الاجتماعي جوهر الصلح المجتمعي

- الشيخ مرتضى معاش، المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يرى: "ان العالم بأسره وليس العراق فقط يعيش نوع من الشكوك الاجتماعية الداخلية، بالتالي هناك نوع من الاختلال في داخل المجتمع على مستوى العلاقات ما بين الأفراد وبين الجماعات، ومع تطور تلك الحالة تشكلت عناوين فقدان الثقة بين مختلف الجماعات وبين مختلف الأفراد، ناهيك عن التطور التكنلوجي وزيادة التواصل الاجتماعي، كل هذا أدى إلى مزيد من الاحتكاك وإلى تعقيد العلاقات الاجتماعية، سابقا كانت العلاقات الاجتماعية بسيطة، وهذا مما يجعل الصلح يكون بشكل بسيط، لكن اليوم الأمور تعقدت وتعقد معها مفهوم الصلح الأهلي والانسجام المجتمعي بين مختلف الأفراد والجماعات".

أضاف معاش "لذلك العقد الاجتماعي هو قضية مهمة ومفهوم مهم، بالتالي على مركز آدم في المستقبل القريب أن يضع دراسة بخصوص هذا الأمر، لأننا نعيش حالة تطور جدا كبير في العلاقات الاجتماعية، لذا لابد أن نضع مفهوما جديدا للعقد الاجتماعي، وهل هو عبارة عن تراكم الأعراف والتجارب التي تمر بها الأمة وحتى ولو كانت تلك التجارب والأعراف سيئة، أو لا هو مجرد تطور في تفكير بعض القيادات والنخب لتطوير العقد الاجتماعي، النقطة الأساسية التي تغيب عنا في العقد الاجتماعي، ان المجتمع عندما يقوم بالصلح المجتمعي هو فقط يمس الأمور الظاهرية، لكن الأمور الباطنية والعميقة غير قادر على حلها".

يكمل معاش "واقرب مثل على ذلك هو ازدياد حالات الطلاق وعدم وجود قنوات للصلح المجتمعي، هذا يؤدي إلى اختلال كبير في المجتمع، فمثلا عندما يكون هناك حادث مرور ربما يكون هناك نوع من الصلح المجتمعي، وذلك من خلال وضع مبلغ معين لينتهي الأمر ومن دون الذهاب للمحكمة، لكن المجتمع بشكل أساسي وأيضا الدولة عندما تبتلي بتلك المشاكل الكبيرة يزداد على كاهلها أعباء مالية باهظة، فالمطلقة تكون ضمن الرعاية الاجتماعية فضلا عن قضايا الأبناء والعقد النفسية والأمراض الاجتماعية، وكل تلك الأمور هي نتاج لهذا الاختلال".

كما أوضح معاش "لذلك نحن نحتاج اليوم إلى نذهب عميقا نحو قضية الصلح المجتمعي العميق، وبالتالي نحن كمن يؤسس لثقافة الصلح المجتمعي الممنهج والواعي، بعض المجتمعات استطاعت أن تضع حلول لتلك القضية، التي هي تشكل أساس حقيقي لحماية حقوق الإنسان، فاليوم ومع بقاء الصلح المجتمعي الظاهري واختلال الصلح المجتمعي الباطني، سيكون هناك انتهاك كبير لحقوق الإنسان واختلال عميق في البنية الاجتماعية خصوصا في القضايا الاجتماعية الموجودة كحقوق الأبناء وحقوق الأزواج، فحقوق الكثير من الناس تضيع لافتقاد جوهر الصلح المجتمعي، الذي هو يمثل أهم معالم العقد الاجتماعي".

المصلح الاجتماعي يؤدي غايتين في ذات الوقت

- الدكتور قحطان حسين الحسيني، الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يركز: "على أهمية الصلح المجتمعي والميزة التي يتمتع بها على المحاكم التي تنظر في قضايا معينة، الملاحظة الأولى المحاكم أحيانا تعجز عن حل الخصومات وقد يأخذ النظر في هذا الشكوى وقتا طويلا جدا، دون أن يبت فيه القاضي بقرار حكم نهائي يصل إلى نتيجة مرضية للطرفين، وبالتالي هنا يبرز دور المصلح الاجتماعي في تحقيق حل وتراضي بين أطراف الخصومة، الملاحظة الأخرى لو افتراضنا أن المحكمة قادرة على الوصول لقرار حكم وإنهاء المشكلة وإعطاء المشتكي حقه".

أضاف الحسيني "لكن في نفس الوقت هذا القرار القضائي لن يؤدي إلى تحقيق التصالح بين طرفي الدعوة، بل على العكس قد يؤدي إلى تأسيس حالة من الحقد والكراهية والعداوة بين الطرفين وإلى فترة طويلة، وقد يؤدي في المستقبل إلى تجدد الخصومة من جديد ويقع ما لا يحمد عقباه، بينما المصلح الاجتماعي هنا يؤدي غايتين في نفس اللحظة وهي إنهاء الخصومة في وقت محدود وقصير جدا، وأيضا تحقيق حالة من الانسجام والمودة بين أطراف الخصومة ويعيد العلاقات بين الطرفين، وتكون تلك العلاقات ودية ومتآخية ليؤسس من خلال ذلك إلى الاندماج وإلى السلم المجتمعي".

المجتمع العراقي بحاجة ماسة إلى تفعيل الصلح المجتمعي

- الحقوقي احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات، يعتبر: "موضوع الصلح المجتمعي هو من الموضوعات المهمة، خاصة وإن المجتمع العراقي بحاجة ماسة إلى تفعيل مثل هكذا مفاهيم، فاليوم عندنا في داخل المجتمع العراقي نزاعات كبيرة نشأت بسبب خصومات بسيطة، بالتالي كان من الممكن أن يقوم فرد واحد يتدخل لإنهاء فتيل النزاع الكبير بين قبائل وعوائل ومجتمعات وأفراد، قد تكون بداية تلك المشكلة في أسرة واحدة أي بين زوج وزوجته، لكن هذا الأمر ومع تطور تلك الخصومة يتطور ليشمل ذوي الزوج والزوجة، وهذا من المحتمل قد يؤدي إلى سقوط قتلى من كلا الطرفين، أو هناك الخصومات تنشئ في المناطق الريفية على خليفة الحدود المشتركة بين المزارعين، لكن في المجتمع العراقي بعض الخصومات من هذا النوع تطور الأمر حتى وصل إلى استخدام السلاح الخفيف والمتوسط وحتى الثقيلة، وعجزت الدولة وعن طريق محاكمها بفض تلك النزاعات".

أضاف جويد "بالتالي كان للصلح المجتمع دور في فض هكذا نزاعات، لذا فان الايجابية في مثل هكذا صلح انه ينهي الخصومة وينهي النزاع برضى كلا الطرفين، لكن فض النزاعات عن طريق المحاكم الرسمية هو قد يأتي على وقف آني أو مرحلي لذلك النزاع أو تلك الخصومة، لكن تبقى الأجواء متوترة في داخل المجتمع، لذلك نحن لا نستطيع أن نصل بالمجتمع للغاية المرجوة وهي السلم المجتمعي، ما لم نحقق لأبناء هذا المجتمع حالة من الوئام والسلام بين أفراده، لذلك نحن نجد المجتمع المستقر والخالي من الخصومات، هو مجتمع ينمو ويتطور ويزدهر حتى اقتصاديا ومعرفيا".

 يكمل جويد "لكن المجتمع الذي فيه خصومات كثيرة وتسوده أجواء من عدم الثقة والنزاعات، هذا يترتب عليه آثار مختلفة قد تطال الحالة النفسية أو قد يشيع حالة من عدم الاطمئنان وعدم الرضا داخل المجتمع، عندها باستطاعة أي شخص مغرض في هكذا مجتمعات هشة أن يبذر بذور الشر والنزاع والخصومة، فيجد هذه المجتمعات تتلقف تلك الفتن وتسودها حالة كبيرة من عدم الاستقرار.

يجب أن يكون صاحب الحق يمتلك القناعة الكاملة بالرضا

- عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يؤكد: "حقيقة مفادها بان أول من عمل على الصلح المجتمعي هو رسول الله (ص)، فعندما دخل إلى مكة فاتحا فقال لهم ما أنا فاعل بكم (قالوا أخا كريم وابن أخ كريم، فقال اذهبوا فانتم الطلقاء)، ونفس السلوك مارسه مع قاتل عمه الحمزة، هذا الواقعة تشكل تجسيد حقيقي لقضية الصلح المجتمعي، وبالتالي هي تمثل تجربة رائدة في بناء الدولة، فهذا هو الأساس الذي من المكن أن تبنى على أساسه كل القوانين والتشريعات والأسس والأساليب".

أضاف الصالحي "لأننا وفي حال أردنا السير بهذا الطريق، أي التجاوز عن الإساءة مع احتفاظ الظلمات وتعويض المتضرر فالصلح المجتمعي هو ليس ببعيد، خصوصا وان مشكلة المجتمعي العربي والإسلامي والعراقي بالذات يتحدث عن صلح في اغلب الأحيان يكون صاحب الحق غير منصف، بالتالي فان شرط في إيجاد الصلح أن يكون صاحب الحق راضي بذاته، بالنتيجة بقية الحقوق التي تشكل الحق العام أو الإطار العام الذي يحفظ هيبة المجتمع، دائما ترى أن هذه القضية منقوصة من هذا الجانب، وعليه ففي الجانب العشائري أو القانوني يجب أن يكون صاحب الحق يمتلك القناعة الكاملة بالرضا، وبعد ذلك ننطلق للصفح والتراضي".

إعادة القيم العشائرية الأصيلة إلى واقعية

- علي حسين عبيد، كاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يتعرض: "إلى الفصول العشائرية ودورها في قضية الصلح المجتمعي، ففي السابق وعندما كانت تحدث نزاعات عشائرية كان العدل يحتل مساحة اكبر من الآن، وكانت القضايا تحل بطريقة يسودها الضمير والإخلاص، الآن في وضعنا الحالي ورغم تنوع وسائل الإعلام وتنوع الثقافة وتطورها نجد هناك ظلم يلحق بالآخرين، خاصة ومع استعداد بعض الأشخاص للمشاركة في فض النزاعات مقابل مبالغ مالية وهذا أمر خاطئ وغير صحيح، لذا نحن نحتاج إلى إعادة القيم العشائرية الأصيلة إلى واقعة من اجل أن نفصل بين الناس بشكل عادل".

{img_2}

السؤال الثاني: كيف يمكن تحقيق التكامل بين الجهود الرسمية وغير الرسمية للوصول لحالة السلم الأهلي؟

- الدكتور قحطان حسين الحسيني، يؤكد: "على وجود بعض المأخذ والسلبيات التي تسجل على أداء المصلح سواء كان شيخ عشيرة أو رجل دين، من هذه السلبيات أحيانا تفض الخصومات بطريقة تلحق الضرر والظلم بأحد الطرفين، والسبب الأساسي لهذا الفعل كون القائم بدور المصلح الاجتماعي يجعل أمام عينيه فقط حل الخصومة بأي طريقة كانت، من دون أن يعي أو يقدر مسالة العدالة والإنصاف، وبالتالي هذه الطريقة تحتاج لإصلاح وتحتاج لمراجعة، خصوصا وان المصلح الاجتماعي في اغلب الأحيان هو غير ملم بالجانب الفقهي والقانوني".

أضاف الحسيني "بالتالي لا ضير أن يستأنس المصلح الاجتماعي برجل قانون أو رجل متخصص بالأحكام الفقهية والشرعية، كي يقوم بدور مصلح اجتماعي فعليه أن يأخذ بنظر الاعتبار الجانب الفقهي والقانوني حتى يؤدي طريقة حله للخصومة إلى إلحاق ضرر أو انتهاك حق من حقوق احد الطرفين، فيكون الحكم الذي يصدر من المصلح الاجتماعي مراعي لجانب حقوق الإنسان وللجانب الفقهي وللجانب القانوني، أيضا لابد أن يكون هناك دور للقضاء في هذه القضية من خلال إنشاء دائرة تنظر في هذا الموضوع، أو يعين مستشار يلجئ إليها المصلح الاجتماعي لأخذ منه المشورة والرأي عندما يكون مقبلا على حل خصومة أو نزاع عشائري".

النزاع أقرب من الحل

- الشيخ مرتضى معاش: "لدينا مشكلة في ثقافة فض النزاعات، فمجتمعاتنا هي أقرب ما تكون للنزاع من الحل، فهي تبحث عن النزاعات ولا تبحث عن الحلول، لذلك نجد النزاع أكثر من الحل، وهذا بسبب غياب ثقافة الصلح والانسجام والمطالبة بالحق الكامل والمطلق، السيد الشيرازي (رحمه الله) عنده رأي في فقه السياسة يسميه (الحق الناقص)، فنحن لا نستطيع الاعتماد على الحق أو العدالة الكاملة، فكل شخص يدعي العدالة لنفسه على اعتباره هو صاحب العدالة، لذا لابد أن نذهب نحو التراضي والحق الناقص".

أضاف معاش "الرأي الآخر كي نتطور في موضوع الصلح عن الحالة البدائية، فالمجتمع حينما يتطور يحتاج إلى أن تتطور آلياته، كذلك المستشاريات التي نضعها في المجتمع والاستفادة من أهل الخبرة وبغض النظر عن الدولة، وهي عبارة عن (مستشاريات اجتماعية/ نفسية/ اقتصادية) لحل الكثير من الأزمات، فإذا ما توفرت تلك المستشاريات يمكن الكثير من المشاكل الزوجية أن تحل، من خلال تثقيف هؤلاء الأفراد ومحاولة الوصول لحل خصوصا وان بعض المشاكل بسيطة جدا، بالتالي عندما يذهبون لتلك المستشاريات ممكن أن يصلوا إلى حل".

عنصر القوة

- الحقوقي احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات: "مسألة الصلح خارج إطار الدولة تقع بعدد من الآليات، من بينها الصلح العشائري وهو في أحيان كثيرة يخضع الطرفين المتخاصمين لعنصر القوة، خصوصا وإن الطرف الذي عليه الحق يشعر بان هناك قوة عشائرية تحكمه للرضوخ للصلح، صلح من نوع آخر أحد المتخاصمين يرضى بتعويض، صلح من نوع ثالث الشخص فقط يحتاج إلى أن تسترد كرامته وحتى المال يتنازل عنه، فالقضية برمتها خاضعة لواقع المجتمع ولحالة المجتمع".

أضاف جويد "ففي مجتمع ما تكون الأموال هي الآلية الأهم لإيقاع الصلح، ولكن في مجتمعات أخرى الأموال لا تعنيهم، بل هم بحاجة إلى حفظ الكرامة ولو بالاعتذار، بالتالي لابد أن يصار إلى إنشاء مؤسسات شبه حكومية حتى تدرس الحالة أولا ومن ثم تأتي للخطوة الأخرى لإيقاع الصلح، بالتالي على مؤسسات الدولة وعلى الفعاليات المجتمعية وعلى منظمات المجتمع أن تعزز مفهوم الصلح في داخل المجتمعات وداخل العوائل".

- عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية: "إن الوضع الإنساني في العراق يميل إلى التعصب دائما، فعندما تطلب من إنسان فاقد للخدمات ويحس بالمظلومية وشخص ممتهن الكرامة فالأمر يتسم بالصعوبة وليس بالشيء السهل، فالمواطن العراقي في داخل بيته يحس بكرامته ممتهنه من قبل سياسة الدولة، بالنتيجة هو يحاول أن يكون ذو قدرة بطش حتى يعزز وجوده في المجتمع، فكيف نقنع هذا الشخص بالصلح والتنازل وحقوق الإنسان إذا ما استطعنا توفير أرضية خاصة لذلك، لذا يجب أن تبنى الحياة الأساسية للإنسان والحياة الكريمة ثم نتحدث عن التنازل والصفح والتراضي، عندها سيكون له مقبولية لهذا الكلام".

- علي حسين عبيد: "في إطار التعاون الرسمي والأهلي والمجتمعي هناك نقص كبير في إقامة المؤتمرات والندوات التي تجمع على سبيل المثل رؤوس العشائر رجال الدين المثقفين القانونين، هذه المؤتمرات قليلة جدا إن لم تكن معدومة، وهي في كل الأحوال ستساعد على التفاهم وإحياء القيم الأصيلة عند العشائر وعند المجتمع بشكل عام لتعزيز الإنصاف والعدالة، لذلك القيم السيئة نجدها تتعزز وتتطور".

{img_3}

........................................
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية يهتم بالدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، ونشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، ورصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
للتواصل مع المركز
هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي