لماذا لا تريد اميركا الاستقرار لأفغانستان؟

عبد الامير رويح

2018-11-08 04:11

بعد مرور 17 عاما على الحملة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة الامريكية التي أطاحت بحكم حركة طالبان الافغانية بعد هجمات 11 سبتمبر أيلول على نيويورك وواشنطن. ما يزال هذا البلد يعيش اوضاع امنية خطيرة اثرت سلبا على حياة الكثير من المواطنين، حيث قامت حركة طالبان في الفترة السابقة بتكثيف هجماتها الارهابية في العديد من المناطق، من اجل الحصول على مكاسب وتنازلات مهمة خصوصا وانها اصبحت تدرك وبحسب بعض المراقبين، ضعف القدرات العسكرية للحكومة والحلفاء، وتشير الكثير من البيانات والتقارير إلى أن الوضع الأمني في افغانستان ما زال في حالة سيئة جداً، وقالت الأمم المتحدة إن 8050 مدنيا أفغانيا على الأقل سقطوا بين قتيل وجريح خلال الأشهر التسعة الأولى من 2018، نصفهم تقريبا كان هدفا لتفجيرات انتحارية وهجمات بعبوات ناسفة فيما يمكن أن يصل إلى حد جرائم الحرب.

وأفاد التقرير الذي أعدته بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة في أفغانستان (يوناما) أن عدد الضحايا يماثل تقريبا عددهم في الفترة المقابلة من العام الماضي الذي بلغ 8084 وزاد عدد القتلى هذا العام بنسبة خمسة بالمئة إلى 2798 قتيلا وانخفض عدد الجرحى بنسبة ثلاثة بالمئة إلى 5252. وقال تقرير البعثة ”تذكر يوناما أن الهجمات التي تستهدف عن عمد المدنيين وقتل المدنيين انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي وتصل إلى حد جرائم حرب“. وافادت الأمم المتحدة إن عدد الأفغان الذين قتلوا أو أصيبوا في ضربات جوية ارتفع بنسبة 39 بالمئة في الاشهر التسعة الأولى من 2018 فيما لا تزال أعداد الضحايا المدنيين عند "مستويات مرتفعة جدا". وأوقعت الضربات الجوية 649 أفغانيا بين قتيل أو جريح، ما يفوق أي فترة سنة كاملة منذ أن بدأت "بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان" باعداد التقارير في 2009، في وقت صعدت القوات الأميركية والأفغانية القصف الجوي.

وقال التقرير إن القوات الدولية مسؤولة عن 51 بالمئة من عدد الضحايا المدنيين الناجم عن ضربات جوية. بالمقابل فإن القوات الأفغانية مسؤولة عن 38 بالمئة منها. والولايات المتحدة هي القوة الأجنبية الوحيدة المعروف بأنها تشن ضربات جوية في أفغانستان.

وكثّفت القوات الأميركية والأفغانية بشكل كبير ضرباتها الجوية مستهدفة متمردي طالبان وتنظيم داعش في السنة الماضية لوضع حد للنزاع المستمر منذ 17 عاما. واستخدمت القوات الأميركية 746 قطعة ذخيرة في تموز/يوليوـ هي الأكبر عددا في أي شهر منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2010، بحسب آخر بيانات مركز القيادة الوسطى للقوات الجوية الأميركية.

وهذا العدد يتجاوز ضعفي الذخائر المستخدمة في تموز/يوليو 2017 والتي بلغت 350، قبل شهر من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب استراتيجيته الجديدة لأفغانستان التي منحت القوات الأميركية مساحة أكبر لمطاردة المتمردين. بدوره كثف سلاح الجو الأفغاني ضرباته فيما عززت الولايات المتحدة قدراته بمزيد من الطائرات والأسلحة.

وبقيت العبوات الناسفة المحلية الصنع ومنها المستخدمة في تفجيرات انتحارية، السبب الرئيسي للاصابات بين المدنيين في الاشهر التسعة الأولى، وازداد استخدامها بنسبة 21 بالمئة مسجلة 3634 إصابة، بحسب التقرير. وحذرت البعثة الدولية في وقت سابق من أن ازدياد عدد "الهجمات المتعمدة والعشوائية" ضد المدنيين يشكل "انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي" يمكن أن ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وغالبية القتلى والجرحى المدنيين أصيبوا بنيران المتمردين. وقالت البعثة الدولية إن طالبان، أكبر مجموعة متمردة في أفغانستان، مسؤولة عن 35 بالمئة وتنظيم داعش مسؤول عن 25 بالمئة.

السيطرة على الارض

وفي هذا الشأن تراجعت سيطرة سلطات كابول على الأراضي الأفغانية في الأشهر الأخيرة إلى أدنى مستوياتها منذ ثلاث سنوات فيما تتكبد قوات الأمن خسائر قياسية، وفق ما كشف تقرير أميركي جديد. وأظهر التقرير الصادر عن المفتش العام لإعادة إعمار أفغانستان (سيغار) أن سيطرة الحكومة الأفغانية من حيث عدد المحافظات تراجعت بمقدار 16 نقطة مئوية منذ أن بدأ هذا التقرير الفصلي في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 بتقييم مدى سيطرة الحكومة الأفغانية من حيث عدد المحافظات.

وازداد عدد المحافظات المتنازع عليها بـ11 نقطة مقابل ارتفاع عدد المحافظات الخاضعة لتأثير المتمردين أو لسيطرتهم بـ5,5 نقاط. ويظهر هذا التقرير الفصلي الواحد والأربعون ضعف أجهزة الأمن الأفغانية وصمود حركة طالبان بعد 17 عاما من الحرب. وكانت الحكومة تسيطر في 31 تموز/يوليو على 226 محافظة إدارية من أصل 407، أي 55,5% من الأراضي الأفغانية، ما يعكس تراجعا طفيفا عن الفصل السابق (56,3%)، إنما تراجعا واضحا عن نسبة الأراضي تحت سيطرة الحكومة قبل عام (56,7%). بحسب فرانس برس.

من جانب اخر قالت وكالة رصد أمريكية إن الحكومة الأفغانية تكافح من أجل استعادة السيطرة على مناطق انتزعها مقاتلو حركة طالبان، في الوقت الذي بلغت فيه أعداد القتلى والمصابين بين قوات الأمن مستويات قياسية. ويبرز أحدث تقرير فصلي لمكتب المفتش العام لإعادة الإعمار في أفغانستان الضغوط الثقيلة على الحكومة في كابول حتى بعد أن فتحت الولايات المتحدة اتصالات مبدئية مع طالبان بشأن إمكانية إجراء محادثات سلام. وقال المكتب ”أصبحت السيطرة على مناطق أفغانستان وسكانها وأراضيها بشكل عام تمثل تحديا أكبر خلال الفصل الأخير“.

وأظهرت بيانات صادرة عن المهمة التي يقودها حلف شمال الأطلسي في أفغانستان أن القوات الحكومية ”أخفقت هذا الفصل في استعادة قدر أكبر من السيطرة أو النفوذ على المناطق والسكان والأراضي“. وأشارت إلى أن الحكومة بسطت سيطرتها أو نفوذها على أراض بها حوالي 65 في المئة من السكان حتى سبتمبر أيلول، وهو نفس المستوى منذ أكتوبر تشرين الأول 2017، وذلك بعد عام من القتال الضاري في فراه وغزنة وأقاليم أخرى مثل فارياب وبغلان في الشمال.

خصخصة الحرب

على صعيد متصل رفض المسؤولون الأفغان بغضب التكهنات بشأن إمكانية تولي المتعاقدين العسكريين الأجانب تدريب وتوجيه القوات المسلحة الأفغانية وذلك في أعقاب محاولة جديدة من مؤسس شركة الخدمات الأمنية الخاصة بلاكووتر الدفع بهذا الاتجاه. وسعى إريك برنس، الذي بزر اسم شركته أثناء الحرب في العراق، لحشد المسؤولين وراء مقترحه بخصخصة أجزاء من العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان لأكثر من عام.

وفي زيارة له مؤخرا إلى كابول استمال عدة رموز سياسية أفغانية وأجرى مقابلات مع وسائل إعلام لمناقشة الخطة من بينها مقابلة مع (تولو نيوز) أكبر محطة تلفزيون أفغانية وكذلك صحيفة نيويورك تايمز. ورفض الرئيس الأفغاني أشرف غني، الذي يتطلع للانتخابات الرئاسية في أبريل نيسان، المقترح مرارا وأصدر مستشاره للأمن القومي بيان ندد فيه بما وصفه ”بالجدل الهدام والمثير للانقسام“. وجاء في البيان ”لن تسمح الحكومة والشعب الأفغاني تحت أي ظرف بتحول القتال لمكافحة الإرهاب إلى عمل خاص من أجل ربح مالي“. بحسب رويترز.

وفي أغسطس آب رفض أيضا وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس الفكرة قائلا ”عندما يضع الأمريكيون مصداقية دولتهم على المحك فإن الخصخصة ليست على الأرجح فكرة سديدة“. ويقول المسؤولون الأفغان إن أي تحرك لإحلال المستشارين العسكريين الأمريكيين بمتعاقدين من القطاع الخاص سيقوض شرعية الحكومة ويصب في صالح اتهامات حركة طالبان بأن الحرب تجري من أجل مصالح أجنبية. وظهرت هذه الخطة في البداية العام الماضي عندما كان يفكر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في استراتيجية جديدة بأفغانستان لكن لم يتم تبنيها بل أمرت واشنطن بإرسال المزيد من القوات الأمريكية لتعزيز القوات العاملة هناك. وهناك حاليا نحو 14 ألفا من القوات الأمريكية في أفغانستان تعمل ضمن مهمة الدعم الحازم للتدريب والتوجيه بقيادة حلف شمال الأطلسي وتقوم بعمليات متفرقة لمكافحة الإرهاب في مواجهة جماعات متشددة مثل تنظيم داعش.

خروقات امنية

الى جانب ذلك قال مسؤولون إن الجنرال عبد الرازق أحد أقوى المسؤولين الأمنيين في أفغانستان قتل عندما فتح حارس شخصي النار عقب اجتماع بمقر حاكم إقليم قندهار في جنوب أفغانستان. ولم يصب الجنرال سكوت ميلر، أكبر قائد عسكري أمريكي في أفغانستان الذي كان قبل دقائق يحضر الاجتماع مع عبد الرازق، في الهجوم لكن القائد المحلي للمخابرات قتل وأصيب حاكم الإقليم بجروح خطيرة. وأعلنت حركة طالبان مسؤوليتها عن الهجوم قائلة إنها استهدفت كلا من ميلر وعبد الرازق اللذين يشتهران بعدائهما للمتمردين.

وقالت طالبان في بيان ”قائد شرطة قندهار المتوحش قتل مع عدد من المسؤولين الآخرين“. وتعرض عبد الرازق لانتقادات من جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان لكنه يحظى باحترام كبير بين المسؤولين الأمريكيين الذين يعتبرونه أحد أشد القادة فاعلية في أفغانستان وينسب له الفضل إلى حد بعيد في إبقاء إقليم قندهار تحت السيطرة. ونجا القائد البارز من عدة محاولات سابقة لاغتياله على مدى سنوات ونجا بالكاد من هجوم في العام الماضي قتل فيه خمسة دبلوماسيين من الإمارات العربية المتحدة في قندهار. بحسب رويترز.

وقال مسؤولون إن أحد الحراس الشخصيين لحاكم الإقليم فتح النار على عبد الرازق لدى خروجه من الاجتماع مع ميلر ومسؤولين آخرين مما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة وإصابة عدد من كبار المسؤولين منهم حاكم قندهار. وقال سيد جان خاكريزوال رئيس مجلس الإقليم ”المسؤولون الإقليميون بمن فيهم الحاكم وقائد الشرطة ومسؤولون آخرون كانوا يرافقون الضيوف الأجانب إلى الطائرة عندما وقع إطلاق النار“. وذكر الكولونيل كنوت بيترز المتحدث باسم حلف شمال الأطلسي أن ميلر، الذي تولى قيادة القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان الشهر الماضي، لم يصب لكن أمريكيين آخرين أصيبا في تبادل إطلاق النار.

التشاؤم في أفغانستان

من جانب اخر أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد أميركي ونشرت نتائجه أنّ الأفغان متشائمون اليوم أكثر من أي وقت مضى وأنهم يحتّلون المرتبة الأولى بين سائر شعوب الأرض لجهة مدى السوء الذي يتوقّعون أن يكون عليه المستقبل في بلدهم الغارق في حرب لا تنتهي. وفي الاستطلاع الذي أجراه معهد غالوب سئل المستطلعون الأفغان كيف يتوقّعون أن تكون عليه حياتهم بعد خمس سنوات وأن يقيّموا هذه النظرة المستقبلية بعلامة تتراوح من واحد إلى عشرة، فكان متوسّط العلامة التي أعطوها لنظرتهم إلى المستقبل 2,3 على عشرة وهي أدنى علامة على الإطلاق يسجّلها المعهد الأميركي في بلد ما منذ بدأ بإجراء هذا النوع من الاستطلاعات حول العالم في 2006.

أما عن تقييمهم لمستوى حياتهم اليوم فأعطى الأفغان، بحسب الاستطلاع، علامة 2,7 على عشرة، وهي أيضاً أدنى نتيجة يسجّلها المعهد في دول العالم قاطبة. وفي استطلاع مماثل أجراه المعهد في 2016 أعطى الأفغان يومها علامة 5,4 على عشرة لمستوى الحياة التي يتوقّعونها بعد خمس سنوات. وخلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام قتل أو جرح في أفغانستان أكثر من ثمانية آلاف شخص، ما يعني أن هذا البلد قد يتقدّم في نهاية هذه السنة على سوريا في عدد ضحايا الحرب خلال 2018.

على صعيد متصل حذرت الأمم المتحدة من أن ثلاثة ملايين أفغاني على الأقل بحاجة "عاجلة" لمواد غذائية، ويمكن أن يواجهوا المجاعة في حال عدم حصولهم على مساعدة، فيما تبذل السلطات جهودا مضنية للتصدي لأسوأ جفاف في تاريخها الحديث. وقضى الجفاف الذي يجتاح بشكل خاص مناطق في شمال وغرب أفغانستان، على المحاصيل والماشية وموارد الماء وأجبر مئات آلاف الناس على النزوح من ديارهم. ويأتي الجفاف في متزامنا مع استعداد أفغانستان لإجراء انتخابات نيابية تأخرت ثلاث سنوات.

وتقود الأمم المتحدة جهودا دولية للوصول إلى 2,5 مليون شخص من بين الثلاثة ملايين، هم بأمس الحاجة للمواد الغذائية قبل منتصف كانون الأول/ديسمبر، بحسب ما أعلنه منسق الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية في أفغانستان، توبي لانزر وقال لانزر "هؤلاء الأشخاص يعيشون على أقل من وجبة يوميا هي على الأرجح خبزا وشاي". وأضاف أن ثلاثة ملايين شخص يعتبرون أكثر المتضررين، مصنفون على مؤشر انعدام الأمن الغذائي المستخدم على نطاق واسع، في المرحلة الرابعة وهو مستوى "الطوارئ" الذي يسبق مستوى المجاعة.

وهذا الرقم هو "بين الأعلى في العالم" ويتطلب "ردودا عاجلة". وقال لانزر "إن لم نصل (إليهم) هناك خطر من انتقال هؤلاء الأشخاص إلى المستوى الخامس". ووزعت منظمات الإغاثة سلعا أساسية بينها دقيق القمح المقوى بالمعادن والزيت النباتي والعدس على 600 ألف شخص العام الماضي، بحسب لانزر. وتأمل المنظمات الوصول إلى 600 ألف آخرين. وأضاف لانزر أن 8 ملايين شخص هم في خانة "الأزمة" وهي المرحلة الثالثة في مؤشر انعدام الأمن الغذائي، والتي تعني وجود أشخاص يعانون من "نقص في استهلاك الطعام مع سوء تغذية مرتفع أو حاد فوق المستويات العادية". بحسب فرانس برس.

وقال لانزر إن الأرقام "أسوأ بكثير مما تخوفنا منه" وحذر من أن الوضع يمكن أن يزداد سوءا مع انخفاض درجات الحرارة في الشتاء. وجاءت موجة الجفاف التي تضرب أكثر من نصف أفغانستان، بعد شتاء لم يسجل تساقط كميات كافية من الأمطار والثلوج. ويقيم العديد من النازحين في خيم عشوائية في مخيمات على أطراف مدن ومنها مدينة هرات الواقعة غربا. ويبذل المسؤولون الأفغان ومنظمات الإغاثة الأجنبية مساعي حثيثة لسد النقص في الغذاء والمسكن والخدمات الصحية.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي