مسارات الفكر السياسي الاسلامي السني المعاصر
حكمت السيد صاحب البخاتي
2018-08-29 07:12
ثلاثة أحداث تاريخية شغلت تحولات مهمة على الساحة العربية ومن ثم الاسلامية نتيجة الوشيجة الدينية والتاريخية بين العالم العربي والعالم الاسلامي، وإذا كان المفصل الأول هو عربي والثاني اسلامي فان المفصل التاريخي الثالث هو عربي تراكمت بسببه حوادث خطيرة في الساحة العربية وبتمويل لوجستي وبشري اسلامي.
أما الحدث -المفصل الأول العربي فهو انتكاسة حزيران في العام 1967 م وضياع القدس في مؤشر واضح على تهديد المقدس الاسلامي الذي يحمل في طياته وفي مضمونه تهديد الهوية الاسلامية او هكذا استقر التصور في المخيال العربي والإسلامي. فالمقدس لاسيما المكان الذي يتأسس وفق الحدث المقدس فينتمي الى القداسة في الذاكرة البشرية يشكل بعدا صميميا في تركيب الهوية، من هنا تكون الشهادة مقدسة ومبررة في الدفاع عن المكان ومن هنا يستعصي الحل في النزاع على المكان المقدس، وحين يستعصي الحل في عودة المقدس تكون الحياة فاقدة للقداسة في احساس الذات الدينية التي تصنف ثقافيا واجتماعيا ذاتنا العربية في قوائمها وفي تقويماتها التاريخية الثقافية والاجتماعية، وحينها يكون الفداء شيء مبرر بل واجب في عرف الأضحية الدينية أو التضحية البشرية من أجل المقدس، فالأرض مقدسة حتى لو لم تكن القداسة فيها ذات بعد ديني أو الهي، فالأرض في العرف البشري تختزن القداسة بذاتها، واذا أسهمت القداسة الدينية فيها فان القداسة فيها تتأبد في تاريخها وهويتها وفيها يكون الفداء يغري بالشهادة ويحيلها الى أمل وبديل عن المكان الذي تعرض الى نزع القداسة.
هكذا فهم العمل الفدائي من أجل عودة القدس لاسيما بعد هزيمة الذات العربية في انتكاسة حزيران وتبنى الفكر السياسي الاسلامي هذا المبدأ في التعامل مع مأساة ضياع القدس وتعززت لديه فكرة الشهادة والفداء وراجت بقوة في سبعينات القرن العشرين في الثقافة العربية باستثمار الفكر السياسي القومي واليساري العربي لها في الحشد باتجاه المقاومة والنضال ضد اسرائيل التي انتهكت القداسة العربية الاسلامية وبتبريرات دينية – أساطير توراتية، فكانت الاحتفالية العربية بالشهادة في سبعينات القرن العشرين تعبير عن استبدال الموت المقدس – الشهادة - بالمكان المقدس الذي يكافؤه الموت المقدس بالمعنى ويعد البديل الشرعي له من جانب التصور العربي – الديني.
وهي المكافأة والموازنة التي غرسها الفكر السياسي الاسلامي وأسس لها في الذهنية العربية – الإسلامية، وكان ذلك ضمن حركة تاريخية بدأها هذا الفكر بنشر ثقافته الجهادية، لكن هذه المرة ضد اسرائيل وضد الغرب الذي يؤازر اسرائيل وبتأثير ثقافته التراثية المسيحية – اليهودية وأيديولوجيته العلمانية المناقضة للدين وبخاصة الاسلام الذي هو دين ودولة وهنا محور أو تضاد العلمانية مع الاسلام حصرا، وهو ما ركز عليه الفكر السياسي الاسلامي المعاصر لاسيما في مصر على يد الاخوان المسلمين، وبالتالي فانه نقل المعركة الى مستوى من النضال الكلي ضد القوى العالمية بشقيها الرأسمالي الغربي والشيوعي الشرقي ناظرا الى العالم الحديث على أنه عودة للجاهلية القديمة في قيمها ومعاييرها وأخلاقيتاها الآثمة، وهو ما كرسه أهم كتاب أصولي ظهر في أعقاب النكسة وهو كتاب "معالم على الطريق" لمؤلفه الأصولي سيد قطب أحد أهم قادة الاخوان المسلمين، وقد شكل في وقته انجيلا جهاديا وفكريا لثقافة الاسلام السياسي بعد النكسة، وتأثر به الكثير من المنظرين لهذا الفكر وشكل ايضا خطا خاصا في الخطاب الاسلامي السياسي حتى أطلق عليه القطبية أو التيار القطبي.
وتقوم هذه الدعوة الدينية – السياسية على قاعدة الحاكمية وقاعدة أن المجتمعات المعاصرة مجتمعات جاهلية بما فيها المجتمعات الإسلامية، ويفسر الكثير من الباحثين والكتاب العرب والاجانب بواعث الاصولية وأحيانا الارهاب في ما كتبه سيد قطب في "معالم على الطريق" لكن هشاشة مستوى الخطاب الديني من الناحية الفقهية التي تضمنها هذا الكتاب وسطحية الفكر فيه من ناحية علم الكلام الاسلامي القديم، ومن ناحية التحليل السياسي الحديث يجعل من الضروري مناقشة حجم التأثير المنسوب الى هذا الكتاب في صناعة الاصولية التي لاشك أنه غرسها وكرسها باتجاه التطرف الديني في المنطقة والعالم، لكن توظيف آثار النكسة في قراءة الكتاب والحالة النفسية التي تمر بها المجتمعات المكسورة والمهزومة هي التي سمحت بان يترك هذا الكتاب أثرا بالغا في نشأة الاصولية الحديثة، لاسيما وأن كاتبه أديب ومرهف الحس في تأثره الوجداني بالهزيمة العربية.
لكن ما يحسب لهذا الخطاب النضالي الاسلامي السياسي العام في سبعينات القرن العشرين رغم تطرفه النضالي والجهادي في توسيعه المواجهة مع الغرب وتبنيه أيديولوجيا المواجهة بين الاسلام والغرب كقدر تاريخي وحضاري وثقافي، وقد توافقت معه ولو جزئيا القوى اليسارية والقومية في توجيه العداء نحو الغرب، الا أن الخطاب أو النهج الطائفي لم يكن يشكل أولوية في أدبياته، ولم يكن في صلب أطروحاته السياسية والدينية رغم النفس المذهبي الذي يسكنه في صميم بنيته الدينية والثقافية، لاسيما وان الفكر الوهابي الطائفي لم يكن أحد مصادره الفكرية والدينية ولذلك لم يكن ينصب اهتمامه على الطائفية والروح المذهبية مما يعكس نهجا اسلاميا وحدويا، لكن على أقل تقدير لم يتعرض الى اختبار حقيقي يكشف عن مواقفه الخبيئة تجاه المسألة المذهبية والطائفية، لكن لا تخلوا أحيانا بعض أدبياته من اللكنة الطائفية وتلك في صميمية مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وهو ما ظهر صريحا في توجهات واتجاهات الدعوة السرورية التي انشقت أو تطورت عن القطبية وشكلت نسخة أخرى من الفكر الاسلامي - السني السياسي الحديث وقامت على اضافة المصادر السلفية – الوهابية الى مبادئ القطبية، وكانت البيئة الحاضنة للأيديولوجية الجديدة هي المملكة العربية السعودية فأنتجت مزيجا خطيرا من التطرف المذهبي والديني، الا أنه ظل بمعزل عن التأثير على الصعيد الاسلامي العام والهام.
وقد استطاعت عدد من العوامل السياسية والثقافية في البلاد العربية أن توصد أبواب العمل السياسي والثقافي السعودي ذي المنحى السلفي الديني والرجعي الثقافي، وتقف أولا في طليعة هذه العوامل انسداد الساحة العربية السياسية والثقافية بنخب نضالية وسياسية وثقافية منحتها المباركة العربية وبحس وجداني وعاطفي نوع من الترميز للقضية العربية، فصارت تلك الاسماء رموزا وقادة المصير العربي، وكان عقد الخمسينات والستينات من القرن العشرين يغص بتلك الرموز ذي التوجهات العلمانية واليسارية فكان عامل صد أمام تغلغل الفكر الوهابي السلفي، وكانت زعامة الرئيس المصري جمال عبد الناصر في الوطن العربي تشكل عامل قلق وصد أمام المسعى السعودي في تكريس الزعامة الملكية السعودية للعالم العربي لا سيما في عصر الملك السعودي فيصل، فاضطرت الإستراتيجية السعودية الى نقل عملها السياسي ذي المنحى الديني السلفي الى العالم الاسلامي على مدى عقدي الستينات والسبعينات من القرن العشرين، واشتغلت في المواقع والاماكن التي تأمن فيها من المنازعة على بناء سلطتها وقواعدها الشعبية في المجتمعات المسلمة، فاختارت الشعوب المسلمة في الهند وباكستان وافغانستان وتابعت مواقع تواجدهم في أوربا، وصادف ذلك الحراك السياسي السعودي الطفرة الكبرى في أسعار النفط فأسهم البترول في ترويج الفهم السلفي ذي النزعة الوهابية البدوية، وحينها بدأ يتسلل على استحياء في الثقافة العربية الدينية التي بدأت تخلع منذ هذه اللحظة العباءة الازهرية والهوية الاشعرية عن الفهم والتأويل الديني الذي ظلت تلتزم به في تاريخها الديني والفقهي وتستبدله بالسلفية الوهابية، وهنا بدأت المذهبية الدينية تنغرس بقوة في العمل السياسي والديني الإسلامي.
وقد كانت بدايات هذا التحول المنهجي في ترويج المذهبية الدينية وبصيغة الطائفية السياسية وعلى يد المؤسسات الدينية الوهابية مع انتصار الثورة الاسلامية في ايران في العام 1979 م التي تم استيعابها في العالم الاسلامي على عدة مستويات من الفهم والتأويل كان أخطرها المذهبي والطائفي السياسي في الداخل الشيعي والسني على حد سواء، وهو ما اتكأت عليه المؤسسة الوهابية وعموم السلفية السنية، وهنا تحولت الاحيائية الدينية الاسلامية التي تبناها الخطاب السياسي الاسلامي الحديث في مطلع القرن العشرين الى الاحيائية السنية التي بلورت من جديد مصطلح أهل السنة والجماعة فصرنا نشهد له هذا الحضور الكثيف في أدبيات الخطاب السياسي الاسلامي المعاصر وبنسخته السلفية والجهادية، و كان يؤشر غياب أو تراجع مصطلح ومفهوم الأمة الاسلامية على صعيد الثقافة الدينية - الاسلامية الحديثة.
ومن الممكن تاريخيا تحديد ظهور هذه الاحيائية السنية في أعقاب الثورة الايرانية الاسلامية - الشيعية وبعد غزو افغانستان ودخول قوات الاتحاد السوفيتي الى كابل الأمر الذي أثار حفيظة الولايات المتحدة الاميركية وحليفتها المملكة العربية السعودية واعلان الجهاد السني بوجه هذا الغزو في العام 1979 م، وتشكلت جبهة المال والجهاد السعودي والسلاح الاميركي ولتبدأ قوافل المجاهدين العرب تنطلق من البلاد العربية وبرعاية السعودية ومعونة دولة باكستان الى أفغانستان، وهنا بدأت أولى خطوات وبرامج الاحيائية السنية حيث وجد الفكر السروري المتطرف بعقيدته الوهابية ونظريته الاخوانية – القطبية مجالا ممكنا ومهيئا للعمل السياسي ذي المنحى الديني – الطائفي وعلى الصعيد الاسلامي بعد ان توفرت له مجموعات وفئات من مختلف البلاد العربية والاسلامية في أفغانستان، وكان القاسم المشترك بينهم هو الانتماء المذهبي السني وقناعة الجهاد التي رسخت في ثقافتهم الدينية واستثمرت هذه الاحيائية المذهبية تدويل المسألة الافغانية لتنقل الهم المذهبي السني الى الساحة الدولية.
وكان من الممكن أن يكون مدار العمل السياسي والجهادي الاسلامي اسلاميا عاما في تلك المواجهة السياسية والعسكرية، الا أن مفاجأة الحدث الاسلامي في الثورة الايرانية في العام 1979 م كانت كفيلة بتوجيه بوصلة هذه المواجهة باتجاه الذات الاسلامية وتوكيد هذه الاحيائية في مواجهة المد الشيعي وادراجها ضمن أولويات الفكر السياسي الاسلامي – السني وعلى يد كوادر وقواعد تفرعت عن تنظيم الاخوان المسلمين بحركته القطبية والسرورية، وهنا تمت صياغة الفكر السياسي الاسلامي على أسس المذهبية السنية السلفية فأنتجت الحركات الجهادية السنية، وهنا يقول أبو مصعب السوري الذي خاض تجربة الدمج القطبي السلفي – الوهابي في شخصيته وعقيدته يقول في هذه الحركات الجهادية أن "معظمها انبثقت عن الصحوة الإسلامية مطلع الستينيات وحملت مؤثرات فكر الإخوان المسلمين بالإضافة للفكر الذي قام على أسس الولاء والبراء والحاكمية والذي كان من أوائل وأعظم منظريه الشهيد سيد قطب في مصر والأستاذ أبو الأعلى المودودي في باكستان. والجماعات الجهادية السلفية: وهي الجماعات الجهادية التي ضمت إلى الفكر السابق الاعتماد على عقائد السلف وفق فتاوى الإمام ابن تيمية وأمثاله من أقطاب المدرسة السلفية واعتمدت فقه الدعوة النجدية وأفكار محمد بن عبد الوهاب وأفكار من سار على هذا المنهج ممن جاء بعدهم " - راجع كتاب الدعوة الإسلامية العالمية / أبي مصعب السوري، ويكيبديا الموسوعة الحرة -.
وكان أبرز من نقل او دمج بين الفكر الاخواني السياسي القطبي والسلفية الوهابية هم من بلاد الشام الذين مروا بالمملكة العربية السعودية واقاموا فيها ومنهم محمد سرور و ابي مصعب السوري من سوريا و الجهادي المعروف عبد الله عزام وأبو محمد المقدسي الفلسطيني من الاردن وأبو قتادة الفلسطيني من فلسطين، وكان وجود هؤلاء الجهاديين في سوريا والاردن والضفة الغربية هو سبب انتشار الحركات المتطرفة والجهادية في هذين البلدين، وعلى المستوى الاسلامي العام والدولي فأنهم شغلوا مواقع التنظير للفكر الجهادي وتتلمذ على أيديهم قادة الجهاديين في العالم بل صنفوا على أنهم منظري الجهادية الدولية لاسيما أبو مصعب السوري وأبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني - دراسة صدرت عن مركز مكافحة الإرهاب في أكاديمية "ويست بوينت" العسكرية في نيويورك، في سبتمبر 2006، ويكيبديا الموسوعة الحرة – وكانت هذه الاحيائية السنية تمارس دورها في استعادة نظرية الاحكام السلطانية وأفكار الخلافة الشرعية، فظهرت مصطلحات ومفاهيم امير المؤمنين وأمير الجماعة والبيعة والدولة الاسلامية والجهاد والغزو او الغزوة ودار الحرب ودار الكفر ومفاهيم الرق والسبي والجواري والنخاسة، وأخطر افرازاتها السياسية والدينية هي ظاهرة الطائفية السياسية التي ظهرت تاريخيا في أعقاب حدث سياسي عربي شكل مفصلا خطيرا في التحول السياسي والاجتماعي في البلاد العربية.
ومن الممكن القول بأنه مهد الى أحداث ما عرف بالربيع العربي، وهو حدث سقوط النظام السياسي في العراق بنسخته السنية - القومية وهويته البعثية العلمانية ودخول قوات الاحتلال الأميركي الى بغداد في العام 2003 م ليعاود الاسلام السياسي نشاطه وبنسخته الجهادية المقترنة بالطائفية السياسية، واستحضار مخلفات الحروب الصليبية في الذاكرة الاسلامية التي تدشن دائما في حضورها الاسترجاعي للهزيمة باسترجاع ابن تيمية فقيها ومجاهدا ومكرسا للمسألة المذهبية والطائفية في السياسة، وفي ذلك الاسترجاع - الوهم للماضي المقدس والتاريخ المنتصر والذي عبرت عنه الحركات الاسلامية بـ (الصحوة الاسلامية)، يقول راشد الغنوشي في ذلك الاسترجاع - الوهم أن ابن تيمية هو (أبو الصحوة الاسلامية) ويقول رائد السمهوري (ان فكر شيخ الاسلام ابن تيمية يعد من أكبر الروافد المغذية للثقافة الدينية السائدة في المجتمعات الاسلامية عموما وفي كبرى الحركات الاسلامية على وجه الخصوص) – راجع كتاب نقد الخطاب السلفي، رائد السمهوري ص 19 –
لكن هذه القدرة في التأثير وتغذية الفكر الديني بالسلفية السنية – الحنبلية بواسطة ابن تيمية جاءت متأخرة بعد هيمنة المؤسسة الدينية السعودية – الوهابية على الثقافة الاسلامية في ستينات وسبعينات القرن العشرين مثل رابطة العالم الإسلامي التي تأسست في العام 1962 م والندوة العالمية للشباب الإسلامي التي تأسست في العام 1972 م وبعد انتشار المد الوهابي الذي تكفلت به هذه المؤسسة في العالم الاسلامي في ثمانينات القرن العشرين للرد على المد الشيعي الذي تسببت به الثورة الاسلامية الايرانية، وقد ظهرت نتائجه وآثاره في الطائفية – السياسية الممنهجة التي اعتمدتها الحركات الجهادية في مواجهة الطوائف المسلمة وغير المسلمة في الحروب الداخلية التي أشعلتها تلك الحركات في الداخل الإسلامي، فاستعانت بالفقه الذي يستند الى قاعدة الاصل في الناس هو الكفر التي تستمد اصولها من أقوال ابن تيمية في أهل ماردين ومنها استمدت فكرة تكفير الشعوب والدول والحكومات التي لا تطبق أحكام الشريعة واعتبارها دار كفر ولو كان أهلها مسلمون - راجع خلاصات عن الجماعات الاسلامية، مركز المسبار للدراسات والبحوث، ص168، 170 -
ويستند هذا الفقه أيضا الى قاعدة الحرب التي تنص على أن الأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم هي الحرب، فقد شرع القتال في الاسلام لنشر الدعوة الاسلامية وانقاذ البشرية من الكفر وفق ما ينقله السلفي فارس آل شويل عن عبد الله عزام راس التنظيمات الجهادية – راجع المصدر نفسه، ص 173، 174 – ونجد آليات وميكانزمات الهزيمة التي تستدعي حضور ابن تيمية نفسيا وثقافيا جاهزة وحاضرة لدى الجهاديين، فيرى السلفي الزهراني في جرح علماء الاسلام الذين يطرحون تصورا معتدلا للإسلام وبعيدا عن لغة العنف بانهم نتاج (الهزيمة الفكرية المعششة في نفوس كثير من المحسوبين على الفقه والدين) – المصدر نفسه ص 161.
وفي ذلك الاحساس السلبي بالهزيمة والقناعة الفكرية التي تأسست بإزائه يمكن تفسير أيديولوجيا العنف التي طبعت وتمخضت عن تطورات الفكر السياسي – الاسلامي المعاصر بنسخته السلفية – السنية، والتي وجدت في سقوط نظام صدام حسين هزيمة السنية بمقارنة صعود الشيعية في المنطقة، ومنذ هذه اللحظة صنف صدام حسين ونظامه ووصف بالسنية في تقويمات السلفية - السنية والطائفية السياسية بعد ان كان ينعت شخصه ونظامه وحزبه الذي أسسه مسيحي – قومي ينعت بالعلمانية.
ومن سمات هذه المرحلة في التحول في الفكر السياسي الاسلامي – السني باتجاه الطائفية السياسية ذات التوظيف الديني لها هو إزاحة المصدرية الاخوانية - القطبية لصالح مصدرية مباشرة لابن تيمية في السلفية الجهادية في أفكار وتنظيم الدولة الاسلامية "داعش" التي اختارت شعارها "الخلافة على منهاج النبوة" متأثرا بعنوان كتاب ابن تيمية "منهاج السنة النبوية".
كان هذا موجز في تحولات الفكر السياسي الاسلامي – السني المعاصر، آثرنا ان لانذكر تأثيرات المصادر السنية غير العربية واكتفينا بذكر وقائع موجزة في تحولات ومسارات هذا الفكر المتوتر ومراحل هذه التحولات والمصادر التي أثرت فيه وصنعت مساراته الفكرية والسياسية وصنعت سلوكه الديني والاجتماعي الذي جاء نسخة عنه في توتره وأزمته وتطرفه وأصالة الحرب والموت المقدس في قواعده ليصنع من الانتحار والقتل الجماعي صيغة مقدسة لهذا الموت الأبله والمجنون، ولتغادر الشهادة لديه مفهوم القداسة حين تغادر قداسة الحياة التي هي هبة الله تعالى.