لوحة العنف في أفغانستان: من يرسمها؟

عبد الامير رويح

2018-07-07 07:55

عادت اجواء الحرب من جديد الى أفغانستان بعد انتهاء اتفاق وقف إطلاق النار غير المسبوق بين حركة طالبان والحكومة وهو الأول منذ الاجتياح الأمريكي عام 2001، هذه الهدنة التي وصفها البعض ببداية الأمل من اجل إحلال السلام في هذا البلد، لم تدم طويلاً على رغم قرار الحكومة تمديد وقف إطلاق النار من طرف واحد، حيث استأنفت حركة طالبان عملياتها العسكرية في العديد من المناطق، وتصر حركة طالبان، التي أطاحت بها قوات بقيادة الولايات المتحدة من مقاعد السلطة في 2001، أنه لا يمكن البدء في أي محادثات مع الحكومة الأفغانية على خطة سلام إلا بعد إجراء مباحثات مع الولايات المتحدة بشأن انسحاب القوات الأجنبية. ويقول محللون ودبلوماسيون غربيون إن العرض الذي طرحه الرئيس غني لإجراء مباحثات سلام دون شرط أو قيد هيأ الساحة أمام المسؤولين الأمريكيين للبدء في مفاوضات عبر القنوات الخلفية مع طالبان رغم سياسة واشنطن التي تقوم على ضرورة أن يقود الجانب الأفغاني مباحثات السلام.

وأصدرت طالبان بيانا بمناسبة انتهاء وقف إطلاق النار قالت فيه إن صفوفها موحدة ودعت ما أسمته بالطرف الأمريكي الغازي إلى ”الجلوس مباشرة للحوار مع الإمارة الإسلامية لإيجاد حل لحالة الفوضى المستمرة“. وقدر دبلوماسي رفيع المقام على دراية بالمفاوضات التي أدت إلى وقف إطلاق النار أن فرص عقد محادثات بين طالبان والولايات المتحدة‭ ‬“50-50“. وأضاف المسؤول ”طالبان تريد التحاور مع الولايات المتحدة مباشرة عن الانسحاب لأنها لا تريد اقتسام الفضل في الانسحاب مع الحكومة“.

ورغم أن واشنطن قاومت لفترة طويلة المباحثات المباشرة مع طالبان فقد قال المسؤول إن التطورات الأخيرة تشير إلى أن ”الولايات المتحدة أقل رفضا لذلك الآن“. وفي أغسطس آب الماضي كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نهج عسكري أكثر تشددا إزاء أفغانستان بما في ذلك زيادة الضربات الجوية. وتقول قوات الأمن الأفغانية إن أثر هذه السياسة كان كبيرا غير أن حركة طالبان تتحرك في مساحات شاسعة من البلاد وإنه لا أمل يذكر فيما يبدو في تحقيق نصر حاسم في ضوء انخفاض عدد القوات الأجنبية إلى 15600 من 140 ألفا في العام 2014.

وقال توماس روتيج المدير المشارك لشبكة محللي أفغانستان، وهي مركز أبحاث مستقل، ”غني أدى ما عليه“. وأضاف ”والآن على الولايات المتحدة التحرك للخروج من هذا المأزق“ رغم أن ذلك سيمثل خروجا على السياسة الأمريكية التي تقضى بأن يقود الأفغان المحادثات الرامية لإنهاء الحرب الدائرة منذ 17 عاما. وبدا أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مستعد لتعديل السياسة عندما رحب بقرار الرئيس غني تمديد وقف إطلاق النار. وقال بومبيو ”كما أكد الرئيس غني في بيانه للشعب الأفغاني ستشتمل مباحثات السلام بالضرورة على مناقشة دور الأطراف والقوى الدولية. والولايات المتحدة مستعدة لدعم هذه المباحثات وتسهيلها والمشاركة فيها“. ووصف ريتشارد أولسون المبعوث الأمريكي الخاص السابق لأفغانستان وباكستان البيان بأنه مهم ”لأنه يشير إلى أن الولايات المتحدة مستعدة للتباحث في نهاية المطاف في المسألة الأكثر أهمية عند طالبان وهي انسحاب القوات الأجنبية“.

تمديد الهدنة

وفي هذا الشأن رفضت حركة طالبان دعوات من وجهاء وناشطين أفغان لتمديد وقف إطلاق النار قائلة إنها تكاد تكون دعوة للاستسلام للقوى الأجنبية. ورفض ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان ”شعارات“ السلام وحث نشطاء المجتمع المدني وغيرهم على عدم الانضمام إلى حركات قال إنها لعبة في أيدي القوات الأمريكية والدولية التي ترغب طالبان في خروجها من أفغانستان. وقال بيان ”لم يتحدثوا عن الاحتلال أو انسحاب الأجانب. هدفهم أن نتخلى عن السلاح ونقبل النظام الذي فرضه الغزاة“.

ومنحت الهدنة قوة دفع جديدة لدعوات السلام إذ التقى خلالها مقاتلون عزل من طالبان وجنود ومدنيين في وسط العاصمة الأفغانية كابول. ووصلت إلى كابول مجموعة صغيرة في مسيرة سلام سيرا على الأقدام من إقليم هلمند بجنوب البلاد واكتسبت شهرة بعد مناشداتها لكل الأطراف بإنهاء الصراع المستمر منذ 40 عاما. وفي منطقة جاني خيل عقد وجهاء اجتماعا حضره مئات الأشخاص وطالبوا قوات الحكومة ومقاتلي طالبان بوقف القتال في منطقتهم.

من جانب اخر أعلن الرئيس الأفغاني أشرف غني انتهاء وقف إطلاق النار مع حركة طالبان رسميا لكنه دعا مقاتلي الحركة إلى الموافقة على إجراء محادثات سلام شاملة. وقال غني في مؤتمر صحفي بالعاصمة كابول كرر خلاله دعوته لإجراء محادثات سلام شاملة ”القرار متروك الآن لطالبان سواء كانوا يريدون مواصلة القتل أو الانضمام لعملية السلام“. وكان غني أصدر أمرا للقوات الحكومية بتعليق العمليات الهجومية لمدة عشرة أيام بعد هدنة عطلة العيد التي استمرت من 15 حتى 17 يونيو حزيران وشهدت اختلاط مقاتلي طالبان العزل مع الجنود وأفراد الشرطة والمدنيين في شوارع كابول ومدن أخرى. بحسب رويترز.

ويعني الاعلان أن بإمكان قوات الأمن الأفغانية، التي تتخذ وضعا دفاعيا إلى حد كبير منذ العيد، استئناف عملياتها العادية ضد طالبان وكذلك متشددي تنظيم داعش الذين لم يشملهم وقف إطلاق النار. وأنعش وقف إطلاق النار الآمال في إنهاء قتال مستمر منذ 40 عاما في أفغانستان لكن ليس ثمة الكثير من توقعات مسؤولي الأمن والدبلوماسيين الأجانب في كابول بشأن تحقيق أي انفراجة وشيكة. وبينما دعت بلدان مجاورة وشركاء دوليون وحركات أهلية أفغانية إلى إحلال السلام، رفضت طالبان بالفعل المحادثات واستمر القتال العنيف في العديد من أنحاء أفغانستان. وقالت طالبان إنها هاجمت منطقة قلعة دشت في إقليم طخار الشمالي الذي سيطرت عليه لفترة وجيزة الشهر الماضي.

هجمات مستمرة

في السياق ذاته قال حاكم إقليم بادغيس الأفغاني إن حركة طالبان قتلت 30 من قوات الأمن واستولت على قاعدة عسكرية في الإقليم الواقع بغرب البلاد، وذكر عبد الغفور مالك زاي حاكم الإقليم أن طالبان هاجمت نقطتي تفتيش في الساعات الأولى من الصباح. وقال عبد العزيز بك رئيس المجلس الإقليمي في بادغيس إن طالبان استهدفت قاعدة عسكرية في منطقة بالامرغاب. وتابع بك ”تدفقت أعداد كبيرة من طالبان من عدة اتجاهات“ مضيفا ”بعد ساعات من القتال العنيف قُتل 30 من قوات الأمن الأفغانية وسيطرت طالبان على القاعدة“.

ومضى قائلا إن 15 من عناصر طالبان قتلوا في مناطق أخرى بالإقليم خلال الليل. وتابع أن المتشددين أعدوا لهجماتهم وقاموا بعمليات استطلاع في المنطقة خلال وقف إطلاق النار. وقالت طالبان إن قتالا عنيفا ما زال يجري وإن ”عشرات“ الجنود قتلوا حتى الآن. وأكد نقيب الله أميني المتحدث باسم شرطة بادغيس مقتل 30 جنديا وقال إن طالبان قتلت أربعة جنود في هجمات منفصلة استهدفت نقاط تفتيش أمنية في نفس المنطقة.

وتقاتل طالبان قوات حلف شمال الأطلسي التي تقودها الولايات المتحدة في إطار مهمة الدعم الحازم وقوات الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية بعد أن أطاحت قوات تقودها الولايات المتحدة بحكم الحركة عام 2001. وقال اللفتنانت جنرال البريطاني ريتشارد كريبويل نائب قائد مهمة الدعم الحازم إنه لم يطلع على تقارير للمخابرات تفيد بأن طالبان استغلت وقف إطلاق النار لاستطلاع أهداف في مناطق تسيطر عليها الحكومة. وقال كريبويل لصحفيين يغطون شؤون وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في واشنطن ”صراحة أعضاء طالبان الذين دخلوا كابول يوم السبت كانوا أكثر انشغالا بالتقاط الصور والذهاب للحلاقين وشراء الأيس كريم (البوظة) ومثل هذه الأمور“.

من جانب اخر خطف مسلحو طالبان 43 شخصا يعملون في بناء الطرق في هجوم في جنوب افغانستان أسفر عن مقتل أربعة عناصر أمن، وفق ما أفاد مسؤول. وهاجم المتمردون معسكرا للعمال في منطقة سبين بولداك في ولاية قندهار ليلا، بحسب ما قال المتحدث باسم المحافظ داوود أحمدي. وأفاد أن بين المخطوفين موظفون تقنيون وطهاة وسائقون. وأضاف أحمدي أن أربعة عناصر شرطة قتلوا وأصيب آخر بعدما تبادل عناصر الأمن الذين تم إرسالهم لانقاذ العمال إطلاق النار مع طالبان.

وأكد موظف من شركة انشاءات الطرق الافغانية خطف 43 شخصا. وأعلنت طالبان مسؤوليتها عن الهجوم لكنها أوضحت أن الهدف كان نقطة تفتيش تابعة للشرطة. وأفادت الحركة أن عناصر الشرطة فروا من نقطة التفتيش وتوجهوا إلى معسكر العمال حيث كان هؤلاء نياما وحاول المتمردون مطاردة عناصر الشرطة لكنهم لم يتمكنوا من العثور عليهم وسط العمال فقرروا خطف "العديد" من الأشخاص. بحسب فرانس برس.

وفي حادثة منفصلة وقعت في ولاية بادغيس الغربية ليلا، قتل ثمانية عناصر على الأقل من مجموعة مسلحة موالية للحكومة وأصيب ستة بجروح في مواجهات مع طالبان. وقال الناطق باسم حاكم الولاية نقيب الله أميني إن المواجهات في منطقة اب كاماري استمرت لساعتين تمكنت قوات الأمن بعدها من وقفها. وأفاد رئيس مجلس ولاية بادغيس عبدالعزيز بيغ أن 16 مقاتلا لقوا حتفهم.

مقتل الزعيم

الى جانب ذلك أكدت حركة طالبان الباكستانية في بيان مقتل زعيمها السابق مولانا فضل الله بضربة شنها الجيش الاميركي معلنة عن تعيين قائد جديد خلفا له. ويعتقد أن فضل الله أمر بتنفيذ عملية الاغتيال الفاشلة التي استهدفت ملالا يوسفزاي عام 2012 التي تحولت إلى رمز عالمي للكفاح من أجل حق الفتيات في التعليم وفازت لاحقا بجائرة نوبل للسلام.

وتقف حركته كذلك خلف مقتل أكثر من 150 شخصا بينهم قرابة مئة طالب بمدرسة في بيشاور في كانون الأول/ديسمبر 2014. واستهدفت القوات الأميركية فضل الله بضربة في إطار مكافحة الإرهاب بتاريخ 14 حزيران/يونيو في ولاية كونار في شرق افغانستان قرب الحدود مع باكستان. ولم يؤكد المسؤولون الأميركيون إن كانت الضربة نجحت في تحقيق هدفها لكن الرئيس الافغاني أشرف غني أكد لاحقا مقتل فضل الله.

وقال الناطق باسم حركة طالبان باكستان محمد خرساني أن فضل الله قتل في الضربة الاميركية. وقال "إن استشهاد جميع قادة حركة طالبان باكستان على أيدي الكفار هو أمر يدعو إلى الفخر"، في إشارة إلى سلفي فضل الله اللذين قتلا كذلك بضربات نفذتها طائرات دون طيار. وأضاف أن مجلس الشورى التابع للحركة أجمع على مفتي نور والي محسود ليحل مكان فضل الله كقائد للحركة. بحسب فرانس برس.

ولطالما اتهمت باكستان بدعم حركة طالبان الافغانية وتوفير ملاذ آمن لقادتها وهو ما تنفيه اسلام اباد التي تتهم جارتها افغانستان بايواء عناصر طالبان الباكستانية. ووصف الجيش الباكستاني بدوره مقتل فضل الله الذي اختفى في افغانستان منذ العام 2009 بأنه "تطور ايجابي". وكانت وزارة الخارجية الأميركية أعلنت في آذار/مارس مكافأة قيمتها 5 ملايين دولار للمساعدة في تحديد مكان قائد طالبان باكستان المرتبط أيضًا بمحاولة تفجير سيارة مفخخة في تايمز سكوير في العام 2010 في نيويورك.

وظهر الملا فضل الله كقائد إسلامي في وادي سوات شمال غربي العاصمة الباكستانية إسلام اباد منذ أكثر من عشر سنوات. وعرف باسم ”الملا راديو“ بسبب خطبه النارية التي يوجهها عبر محطة إذاعية. وأثار سخط الباكستانيين بسبب هجوم 2014 على مدرسة يديرها الجيش في مدينة بيشاور وهو الهجوم الذي قتل فيه رجال طالبان بالرصاص 132 تلميذا على الأقل. ويعتقد أيضا أنه أمر بقتل ملاله يوسفزي في 2012 وكانت في الخامسة عشر من عمرها بسبب دفاعها عن تعليم الفتيات.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي