ارهابيو المستقبل

محمد علي جواد تقي

2018-04-19 07:05

الطفل الصغير الذي يتحدث عنه العلماء بأنه يبدأ يتحسس الاشياء من حوله ويسكتشفها بيده وفمه، وفي مرحلة عمرية لاحقة بسمعه وبصره، قبل ان يتعلم التعبير عن حاجاته وما يريد بلسانه، يواجه اليوم في بلاد الحروب الطاحنة تحدياً ماحقاً أشبه بالأزهار التي بدل استنشاق الهواء الطلق وامتصاص عناصر الحياة والنمو من التربة، تصدمها الغازات الخانقة وأرجل المحاربين وآلاتهم الحربية الثقيلة، فهم يموتون بصمت دون أي رد فعل منهم، وبأقل قدر من اجراءات الدفاع عن النفس والوقاية من المخاطر.

هذا الكائن البشري اللطيف الظريف الذي ينشر البهجة والسرور والاطمئنان النفسي لدى بعض العوائل والمجتمعات، يواجه في مجتمعات اخرى، دمار منزله ومحل سكنه، وفقدان أطرافه وتعرضه لجروح بليغة وفقدان بعض اطرافه، وموت المحيطين به أمام عينه، وحتى موته هو ايضاً، فهل تزول بسهولة آثار هذه الكدمات النفسية والجسدية على اطفال الحروب، وهم يعيشون اليوم مشردين في بقاع الأرض؟

أطفال الحروب بالأرقام

العالم يعرب عن خشيته البالغة من تداعيات الحروب والازمات في منطقة الشرق الاوسط، فنرى وسائل الاعلام والمنظمات الدولية والمحافل السياسية تتحدث عن هذه الحروب وآثارها السلبية على الامن والاستقرار العالميين، بيد أنهم قلما يتحدثون عن الآثار النفسية الخطيرة والمستقبلية على أطفال هذه الحروب، سوى بعض الصور والتقارير التي تكون دائماً مرفقة بأجندات سياسية، بين ضغوط او تشهير أو ابتزاز.

فعلى صعيد العالم، وحسب احصائيات الأمم المتحدة، هناك حوالي مليار طفل يعيشون في مناطق الحروب والصراعات، ومنهم ما يقارب الـ 300 مليون طفل دون الخامسة من العمر! وأوضحت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) أنه في عام 2013، كان هناك حوالي 28.5 مليون طفل خارج المدارس بسبب الصراعات الموجودة.

وتقدر المفوضية الأممية السامية لشؤون اللاجئين عدد الأطفال الذين اضطروا للنزوح أو اللجوء حتى نهاية العام الماضي بحوالي 32 مليون طفل حول العالم.

أما عن الحروب القريبة منّا، وتحديداً؛ سوريا، فان هذه المفوضية تقول إن "أكثر من نصف الأطفال اللاجئين يوجدون خارج قاعات الدرس"، وحسب تغريدة للأمم المتحدة فإن ثلاثة من كل أربعة لاجئين سوريين هم أطفال ونساء، ويشكل الأطفال أكثر من نصف اللاجئين السوريين، وتؤكد إحصاءات المفوضية ومنظمات أخرى معنية بحقوق الأطفال، منها "يونيسف" ومنظمة "أنقذوا الأطفال"، أن أطفال ثلاث دول عربية هي سورية والعراق واليمن كانوا من بين الأكثر تضررا من اللجوء أو النزوح الداخلي.

وحسب احصاءات اخرى فان عدد الأطفال السوريين خارج المدرسة حتى شهر شباط الماضي وصل إلى حوالي ثلاثة ملايين طفل!

وفي اليمن تقول منظّمة يونيسيف إن أكثر من أحد عشر مليون طفل يمنيّ بحاجة ماسّة للمساعدة الإنسانية.

وحسب المدير الإقليمي ليونيسف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خيرت كابالاري، فان هؤلاء الاطفال بحاجة الى مساعدة انسانية بسبب سوء التغذية التي يهدد اطفال اليمن في ظل الحرب والحصار المفروض على هذا البلد.

ويضيف كابالاري "إن الحرب في اليمن هي للأسف حرب على الأطفال، وقد أدّت الى مقتل نحو خمسة آلاف طفل خلال سنتين ونصف السنة"، المنظّمة لفتت الى ضرورة وصول اللقاحات التي يحتاجها نحو ستّمئة الف طفل لمكافحة امراض الخنّاق والسل والالتهاب السحائي.

وفي العراق لا يقل الوضع سوءاً عما عليه في سوريا واليمن، رغم محدودية الحرب على الارهاب، ولا توجد احصائية دقيقة عن عدد الاطفال المولودين من آباء مجهولين جاؤوا من بلاد شتّى للقتال في صفوف الجماعات الارهابية وقتلوا خلال المعارك التي خاضتها القوات العراقية للقضاء على تنظيم داعش وسائر التنظيمات الارهابية.

مدارس العنف ومستقبل البراءة

طيلة العقود الماضية غابت عنّا ثغرة خطيرة تسرّب منها العنف والدموية، ولم ننتبه اليه إلا بعد تغوّله وتحوله الى جماعات ارهابية تحمل الفكر التكفيري، وتضم بين عناصرها أشد الناس عنفاً وتوقاً الى القتل والفتك بالناس انتقاماً لما جرى لهم في بعض السجون العربية التي زجوا بها بتهم الانتماء الى جماعات اسلامية، فتعرضوا فيها الى أبشع انواع التعذيب النفسي والجسدي بشكل مفرط وغير مبرر، مما حوّل هذه السجون الى مدارس للعنف والارهاب، كما جرى في السجون الاردنية التي خرجت أمثال ابو مصعب الزرقاوي، وايضاً السجون المصرية والتونسية وحتى السجون الاسرائيلية التي قامت هي الاخرى بدور محوري في شحن شريحة كبيرة من الفلسطينيين بروح العنف ومشاعر الانتقام مما لاقوه من أذى مبرح في الزنزانات المظلمة وغرف التعذيب.

وعندما يتحدث الخبراء والعلماء عن التشوهات الذهنية والعقد النفسية التي تصيب أطفال الحروب، فانهم يشيرون الى احتمال تكرار تجربة مدارس العنف والارهاب في السجون العربية، فتكون الحروب العبثية والمفروضة على الشعوب في سوريا واليمن والعراق وليبيا وغيرها من البلاد المأزومة، مدرسة جديدة لجيل جديد من رجال العنف والارهاب وتحت رايات وشعارات جديدة ايضاً.

وقد حذر رئيس قسم الإعلام والشراكة الاستراتيجية، في منظمة يونيسف بالعراق جيفري بيتس، من أنه في "حال لم يحصل الأطفال على التعليم، والصحة، والحماية، فإنهم قد يصبحون وهم بالغين عرضة بشكل أكثر للانضمام إلى مسلسل العنف"، ويضيف بيتس في، تصريح لموقع قناة "الحرة"، أن "المعاناة النفسية والبدنية للأطفال في مناطق النزاعات ستحرمهم في المستقبل من أن يكونوا بالغين منتجين وأصحاء".

أما المسؤول الإعلامي لمنظمة يونيسف في اليمن، محمد الأسعدي، فانه يتوقع أن تكون آثار الحروب كارثية على الجيل الحالي إن لم يتم تدارك الأمور ومعالجة الوضع قبل فوات الأوان، ويستدل الأسعدي على ذلك، في حديث لموقع قناة "الحرة"، قائلا إن الأطفال "هم المتضررون في المقام الأول من الحروب والنزاعات"، ويضيف: "التأثير يكون خاصة من الناحية النفسية، شعور دائم بالرعب والخوف، انعدام القدرة على التركيز وقلة النوم، فقدان ملكات الإدراك والفهم أحيانا"، وبحسب المتحدث "فنحن نتحدث عن جيل كامل مهدد بالتخلف، مهدد بالتراجع التنموي، جيل معقد نفسيا وعنيف".

هذه الآثار السلبية غير المرئية ليست على شاكلة الآثار الواضحة للحروب مثل؛ دمار المباني والمنازل، والإصابات بجروح وعوق بدني مما يمكن متابعته ومعالجته بسهولة، إنما الامر يتعلق بكوامن النفوس وما ستكون عليه من طباع ومنهجية في السلوك والثقافة في قادم الايام، وإلا فان الارهابي الذي يكفّر ويفجر ويصنع الفجائع، يعد نفسه نموذجاً صالحاً بين أناس غير صالحين، وعلى الآخرين الثناء عليه ودعمه وتأييده وإلا فانه يحرك الشحنات الانتقامية الكامنة ويعاقب من يقف امامه بكل قسوة.

ليس هذا من باب التشاؤم المُقلق لمرحلة ما بعد الحرب، إنما هو استشراف لمستقبل عشرات الآلاف من الاطفال الذين قضوا طفولتهم بين الذبح والهدم والقصف والتشريد، ومن هم ولدوا في المخيمات ولم يتذوقوا طعم الامن والرخاء والعاطفة، مما يشوّه براءتهم، يكفي مثالاً على إسهام الفقر – كظاهرة اجتماعية- في انتاج اللصوص والمخربين في المجتمع، الى جانب انزلاق البعض نحو مهاوي الرذيلة والانحراف الاخلاقي، وكثيراً ما تعرض هؤلاء للسؤال عن السبب في لجوئهم الى هذه الطرق الملتوية للحصول على لقمة العيش، يأتي الجواب فوراً: نحن ضحايا المجتمع الذي اضطهدنا ولم يقدم لنا الطرق المستقيمة.

ولذا فان اطفال الحروب لا ينتظرون فقط الغذاء والدواء، ولا حتى وسائل الترفيه ليسنوا اجواء الحرب وما لاقوه من آلام ومعاناة، بل ايضاً ينتظرون جهوداً ممنهجة لإبعادهم عن أجواء الحرب، بكل ما تتضمنه من مشاهد عنف ودمار وموت، واستبدالها بأجواء العلم والفن والادب والانتاج المبدع.

فلتبادر المؤسسات الثقافية الى تشجيع الاطفال على الإنشاد والرسم وحفظ القرآن الكريم والاحاديث الشريفة، والتعرف على القيم الاخلاقية والانسانية التي عاشها المسلمون في فجر الاسلام، فهذا وغيره يبعث فيهم الأمل بالحياة الكريمة، بل وأكثر من ذلك؛ يجعلهم يتبصرون بروحهم الشفافة خلفيات الاحداث التي تسببت لهم كل هذا الدمار والمعاناة التي يتجرعونها والمسؤول، او المسؤولين الحقيقيين عن ذلك كله.

ذات صلة

التنمية المتوازنة في نصوص الإمام علي (ع)أهمية التعداد السكاني وأهدافهالموازنة في العراق.. الدور والحجم والاثرفرصة الصعود في قطار الثقافةموقع العراق في سياسة إدارة ترامب الجديدة