الإرهاب في عهد السيسي: بين هاجس فقدان الامن وخطر الحلول الترقيعية

عبد الامير رويح

2018-04-10 06:08

الملف الامني في مصر يعد من اهم والتحديات للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي فاز مؤخرا بولاية رئاسية ثانية، بعد حصوله على 97.08% من الأصوات الصحيحة (21 مليونا و835 ألفا و387 صوتا)، في الانتخابات. حيث جددت الهجمات الإرهابية الأخيرة ومنها الهجوم الإرهابي الذي وقع بمدينة الإسكندرية التساؤلات حول فعالية السياسة الأمنية التي انتهجها السيسي خلال سنوات حكمه. فالسيسي وكما نقلت بعض المصادر، استقى شرعيته من وعوده بمحاربة الإرهاب المستشري في أرجاء البلاد وحربه ضد الجماعات الاسلامية المسلحة التي تحاول إضعاف الحكومة وإثارة الرأي العام من خلال استهداف مؤسسات الدولة ورجال الأمن والقيام بعمليات إرهابية مستمرة في العديد من مناطق البلاد.

ويرى بعض المراقبين ان مصر ومع وجود الكثير من التيارات الإسلامية المتشددة، ستعيش حرب وصراعات طويلة قد تمتد لسنوات وقد تؤثر على خطط واهداف الحكومة المصرية وقادتها. خصوصا وان الجماعات الارهابية ربما ستسعى وفي ل الحملة العسكرية الكبيرة، الى تغير خططها وعملياتها الانتقامية التي ستكون اكثر تأثير. وللإرهاب جذور عميقة في مصر فهو لم يبدأ مع وصول الرئيس السيسي لسدة الحكم في يونيو/حزيران 2014. ويمكن بشكل ما اعتبار مصر المنبع الأول للحركات الإسلامية السياسية التي تقف وراء الإرهاب وتستخدمه لتنفيذ أهدافها السياسية باسم الدين وهو ما يدفعنا إلى سك مصطلح "الإرهاب المتأسلم أو الإسلاموي" « Islamized Terrorisme »، أي المتدثر برداء الإسلام، خلافا للصفة المنتشرة في الغرب عن إرهاب هذه الحركات والمعروف "بالإرهاب الإسلامي".

مع تأسيس جماعة "الإخوان المسلمون" المصرية في 1928 كجماعة دينية سلمية لها أهداف دعوية ثم دخولها المعترك السياسي للبلاد في الأربعينيات من القرن المنصرم، بدأ استخدام العنف لتحقيق مآرب سياسية، ومع تغلغلها أكثر في نسيج المجتمع المصري وصدامها المباشر مع السلطات اتسعت رقعة العنف وهو ما انتهى بحظر الجماعة في الخمسينيات ومنعها من ممارسة أي نشاط سياسي وملاحقة أعضائها. بيد أن العنف لم ينته، بل على العكس ازداد بعد تكوين عشرات المجموعات والتنظيمات المسلحة السرية التي اتخذت السلاح وسيلة لها مثل "التكفير والهجرة"، "الجماعة الإسلامية"، و"الجهاد" وغيرها الكثير من التنظيمات التي انبثق عنها وعن فكرها اليوم عشرات أخرى فاق استخدامها للعنف مستوى أسلافها مثل "تنظيم داعش" و"القاعدة" و"بوكو حرام".

زادت وتيرة العمليات الإرهابية في مصر في عقود السبعينيات والثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي في ظل مواجهة شاملة بين الدولة وتلك الحركات الإسلاموية (الإسلامية السياسية) وكان أهمها اغتيال الرئيس أنور السادات في العام 1981، الهجمات على الأقباط، والهجمات على السياح التي توجت في العام 1997 بحادث معبد حتشبسوت الفرعوني في البر الغربي بمدينة الأقصر جنوبي البلاد والذي أسفر عن مقتل 58 سائحا أجنبيا.

فيما شهد العالم مع بداية الألفية الثالثة أكبر عملية إرهابية، 11 سبتمبر/أيلول 2001، كانت مصر لا تزال تعاني من الإرهاب الداخلي الذي استوعب كثيرا من الدروس خلال مواجهاته مع قوات الأمن في العقود الفائتة وسارع لتغيير تكتيكاته باستهداف رجال الشرطة أنفسهم والضباط المسؤولين عن مكافحة الإرهاب وكذلك مصادر الدخل للدولة المصرية مثل قطاع السياحة؛ فتوالت الضربات على الفنادق والمزارات السياحية في سيناء (طابا 2004، وشرم الشيخ 2005 ودهب 2006) والقاهرة (سوق خان الخليلي 2005).

وسادت الفوضى مصر بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 وانهيار منظومة الدولة الأمنية المتمثلة في جهاز الشرطة، بيد أن الحوادث الإرهابية في تلك الفترة وحتى بداية العام 2013 انخفض عددها بشكل ملحوظ وانحصرت تقريبا في شبه جزيرة سيناء، غير أن إزاحة الجيش الرئيس محمد مرسي عن الحكم في 3 يوليو/تموز 2013 فتح الباب واسعا أمام الهجمات الإرهابية التي قامت بها تنظيمات غاضبة على ما أطلق عليه انقلابا عسكريا، غير أن التحول الأكبر بدأ عند إعلان جماعة "أنصار بيت المقدس" ولاءها ومبايعتها لتنظيم داعش في العراق وسوريا وتغيير اسمها إلى "ولاية سيناء" ومنذ ذاك الوقت تسارعت وتيرة الهجمات على كل ما يمثل الدولة المصرية في سيناء ومدن أخرى في الجمهورية.

واحتلت مصر المرتبة السادسة عربيا والحادية عشرة عالميا على "المؤشر العالمي للإرهاب" للعام 2017، فمنذ وصول السيسي للحكم شهدت البلاد موجة غير مسبوقة من الإرهاب راح ضحيتها 184 و663 و293 قتيلا في أعوام 2014 و2015 و2016 على التوالي ومعظمهم سواء من رجال الشرطة أو الجيش بينما عدد الضحايا في صفوف المدنيين وصل إلى 396 مدنيا في عام 2016 وحده.

حملة عسكرية

في هذا الشأن وبينما يشّن الجيش المصري هجوما كاسحا لسحق فرع داعش في سيناء، لا يرجح محللون إنزال الهزيمة بهذه الجماعة الجهادية خلال فترة قصيرة. وبدأت عملية الجيش في التاسع من شباط/فبراير الماضي بعد أن كلف الرئيس عبد الفتاح السيسي، الجيش والشرطة بالقضاء على الجهاديين في سيناء في غضون ثلاثة أشهر.

ومنذ ذلك الحين، تم تمديد الموعد النهائي، وبدأت القوات المسلحة عمليتها الأكثر شمولية المستمرة حتى الآن لإنهاء التمرد الجهادي الذي نفذه اعتداءاته الأولى قبل خمس سنوات. وينشر الجيش بانتظام مجريات العملية التي أكد أنها أفضت الى قتل أكثر من 100 جهادي بينما فقد 20 جنديًا على الأقل. ويقول زاك جولد، المحلل في مجموعة أبحاث "سي ان ايه" الكائنة بالولايات المتحدة إن "مصر تقوم بعمل جيد بالفعل في السيطرة على كيفية تقديم الأخبار".

ويتابع "حتى داعش تواجه تحديا لنشر أي بيانات ما يشير إلى أن مصر تسيطر على الأمر (...) لكنه يجعل من الصعب معرفة ما يجري فعلا وما إذا كان التأثير على المدى الطويل سيكون مختلفا". وشنت القوات المصرية عدة عمليات في شبه جزيرة سيناء ضد الجهاديين الذين قتلوا مئات الجنود ورجال الشرطة.

وبايعت جماعة أنصار بيت المقدس المصرية تنظيم الدولة الاسلامية في 2014 واكتسبت الخبرة وحظيت على دعم لوجستي من الجماعة الدولية التي كانت تسيطر على أرض أعلنت عليها "الخلافة" في العراق وسوريا. وسرعان ما كثّف الجهاديون في سيناء من هجماتهم ضد المدنيين، وزرعوا قنبلة على متن طائرة روسية تقل سياحاً من منتجع شرم الشيخ في عام 2015 ما أسفر عن مقتل جميع ركابها وعددهم 224 شخصًا.

وابتداءً من أواخر عام 2016، بدأوا أيضًا باستهداف الأقباط المسيحيين، وقتلوا أكثر من مائة في تفجيرات كنائس وعمليات إطلاق نار في جميع أنحاء البلاد. وصدر إنذار السيسي بعد المذبحة التي نفذها مسلحون يشتبه بأنهم من تنظيم داعش وراح ضحيتها أكثر من 300 مصلٍ في مسجد في سيناء مرتبط بالصوفيين الذين يعتبرهم التنظيم كفرة.

وكتب المدون "ايجيغرينفلاي" غير المفصح عن هويته ويكتب على موقع "ايجيبت ديفنس ريفيو"، "يبدو أن هناك تركيزا أكبر على فاعلية استهداف المسلحين الأفراد مع إضعاف إمداداتهم اللوجستية". وأضاف "في حين ركزت الهجمات المصرية السابقة على منطقة معينة مستقلة عن المناطق الأخرى في وقت واحد، يبدو أن عملية سيناء 2018 نسقت الجهود في نهاية الأمر في جميع أنحاء البلاد".

وشارك نحو 60 ألف جندي وفق الجيش في الحملة التي بدأت بعد فترة من جمع المعلومات الاستخبارية في شبه الجزيرة الواقعة على الحدود مع إسرائيل وقطاع غزة. ويقول عمر عاشور الأستاذ المساعد في معهد الدوحة للدراسات العليا إن العملية الأخيرة كانت مختلفة عن الهجمات السابقة من نواح عدة.

وأشار إلى "حملة دعائية/وتغطية إعلامية مكثفة، وإلى حجم القوى التي حشدت ... والتعاون المستمر مع الميليشيات أو التشكيلات القبلية المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش النظامي، والتنسيق التكتيكي والتشغيلي المتزايد مع إسرائيل". ووفقا للمحللين فإنه من المرجح أن تؤدي العملية إلى إضعاف تنظيم داعش في سيناء والذي لا يضم أكثر من ألف مقاتل يعتمدون بشكل متزايد على هجمات الكر والفر، وتفجيرات الطرق، وهجمات القنص.

لكن العملية لن تحقق انتصارا حاسما وتضع نهاية لهذه الهجمات. وتقول ستيفاني كارا الباحثة المشاركة مع "ريسك ادفايزوري غروب" لشمال إفريقيا "يبدو أن الجيش يعتمد على مزيج من الضربات الجوية والعمليات البرية لتقليل قدرات الجماعات الإرهابية في شمال ووسط سيناء". واضافت "مع ذلك، لا يبدو ان الحملة الاخيرة تختلف بشكل كبير عن العمليات التي شهدتها المنطقة في السنوات القليلة الماضية. ويبدو أن الجيش يستخدم نفس التكتيكات التقليدية التي استخدمها في الماضي". بحسب فرانس برس.

في المقابل، توعد التنظيم بمهاجمة المنشآت ذات الصلة بالانتخابات ومضاعفة جهوده لمهاجمة السياح في جميع أنحاء مصر. ويقول جانتزين غارنت محلل شؤون الشرق الأوسط لدى شركة تحليلات "مجموعة نافانتي" إن تنظيم داعش "يواصل عملياته ضد قوات الأمن في سيناء لكن من المؤكد أنها اختلت".

هجمات مستمرة

الى جانب ذلك قتلت الشرطة المصرية ستة متشددين ينتمون لجماعة تتهمها وزارة الداخلية بتنفيذ تفجير في مدينة الإسكندرية الساحلية استهدف مدير أمن الإسكندرية. وقُتل شرطيان في الإسكندرية ثاني كبرى المدن المصرية عندما انفجرت قنبلة، تم وضعها أسفل سيارة متوقفة على جانب طريق، أثناء مرور موكب مدير أمن الإسكندرية اللواء مصطفى النمر. ونجا مدير الأمن من الحادث.

وقالت وزارة الداخلية في بيان ”نجحت أجهزة وزارة الداخلية في توجيه ضربة أمنية مؤثرة للجناح المسلح لجماعة الإخوان الإرهابية (حركة حسم) وتمكنت في زمن قياسي من كشف بؤرة إرهابية لعدد من عناصر الحركة بإحدى الشقق السكنية بمحافظة البحيرة وتبادل إطلاق الأعيرة النارية مع عناصرها مما أسفر عن مصرع 6 عناصر“.

ولم تعلن أي جهة على الفور مسؤوليتها عن الانفجار الذي ألقت وكالة الأنباء الرسمية باللوم فيه على جماعة الإخوان المسلمين المحظورة. ونشر تنظيم داعش تسجيلا مصورا في وقت سابق حذر فيه المصريين من المشاركة في العملية الانتخابية وحث الإسلاميين على مهاجمة قوات الأمن والقيادات الأمنية. وحددت الشرطة هوية ثلاثة من القتلى. وقالت الوزارة إن تحقيقاتها أوضحت أن نفس الجماعة نفذت التفجير الذي أدى إلى مقتل شرطيين اثنين واستهدف مدير أمن الإسكندرية لكنها لم تحدد إن كان القتلى شاركوا في التفجير. بحسب رويترز.

وظهرت حركة حسم المتشددة في 2016 وأعلنت مسؤوليتها عن عدة هجمات استهدفت قوات الأمن وقضاة ومنها حادث اغتيال أحد أفراد الشرطة. وتقول السلطات المصرية إن الحركة هي الجناح المسلح لجماعة الإخوان المسلمين لكن الإخوان تقول إنها تنبذ العنف. وتنفي جماعة الإخوان التي أطيح بها من الحكم في 2013 أي صلة لها بالهجمات التي وقعت في مصر منذ ذلك الوقت والتي أسفر أحدها عن مقتل النائب العام هشام بركات في يونيو حزيران 2015.

احكام مشددة

على صعيد متصل وافق مجلس النواب المصري على تعديل قانوني يشدد عقوبة حيازة المتفجرات لأغراض إرهابية لتصل إلى الإعدام، وذلك في وقت تواجه فيه البلاد منذ بضع سنوات هجمات يشنها متشددون إسلاميون من بينهم جماعة موالية لتنظيم داعش. وقالت مصادر في البرلمان إن المجلس وافق بشكل نهائي وبأغلبية الثلثين على تعديل إحدى مواد قانون العقوبات المعمول به منذ عام 1937.

ونص التعديل على أنه ”يعاقب بالسجن المؤبد كل من أحرز أو حاز أو استورد أو صنع مفرقعات أو مواد متفجرة أو ما في حكمها قبل الحصول علي ترخيص بذلك وتكون العقوبة الإعدام إذا وقعت الجريمة تنفيذا لغرض إرهابي“. وتضمن التعديل معاقبة ”كل من أحرز أو حاز أو استورد أو صنع بغير مسوغ أجهزة أو آلات أو أدوات تستخدم في صنع المفرقعات أو المواد المتفجرة أو ما في حكمها أو تفجيرها“ بالسجن المؤبد أو المشدد. ويشمل أيضا معاقبة كل من علم بارتكاب أي من الجرائم السابقة ولم يبلغ السلطات بالسجن.

الى جانب ذلك قالت مصادر قضائية إن محكمة مصرية عاقبت عشرة رجال بالإعدام شنقا لإدانتهم بتشكيل جماعة مسلحة والتخطيط لشن هجمات على مؤسسات الدولة. وأضافت المصادر أن محكمة الجنايات في محافظة الجيزة المجاورة للقاهرة عاقبت أيضا خمسة متهمين بالسجن المؤبد. بحسب فرانس برس.

وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية إن المحكوم عليهم مؤيدون لجماعة الإخوان المسلمين وتولوا حماية مظاهرات نظمتها الجماعة بعد عزل الرئيس محمد مرسي المنتمي إليها في 2013. وقال مصدر إن اثنين من المحكوم عليهم بالإعدام حوكما غيابيا بينما حوكم غيابيا واحد فقط من المحكوم عليهم بالسجن المؤبد. وكان 16 متهما قد أحيلوا للمحاكمة وتوفي أحدهم خلالها.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي