عهد جديد: سوريا بلا امريكا
مسلم عباس
2018-04-01 05:58
أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في خطاب ألقاه الخميس، في أوهايو، أن بلاده ستنسحب قريبا من سوريا "وتترك الآخرين يهتمون بالأمر". وقال أثناء الإعلان عن هذه الخطوة المفاجئة: "نحن هناك لسبب واحد، وهو والتخلص من داعش ، والعودة إلى المنزل"، مضيفا: "نحن لسنا هناك لأي سبب آخر ولقد حققنا هدفنا إلى حد كبير".
اعلان ترامب المفاجئ اثارة حالة من الفوضى بين النفي او فضح عدم تشاوره مع مسؤوليه بشان قراراته، على شاكلة قرار فتح الحوار مع الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ اون، اذ قالت وسائل إعلام أميركية إن وزارتي الخارجية والدفاع (البنتاغون) تفاجأتا بتصريحات الرئيس دونالد ترمب التي قال فيها إن القوات الأميركية ستنسحب من سوريا قريبا.
ونقلت شبكة سي أن عن مسؤول عسكري رفيع قوله إن التقييم الحالي للبنتاغون لا يرى أنه من المناسب الانسحاب من سوريا، وهو ما يتوافق مع ما ذهب اليه جوزيف فوتيل قائد القيادة المركزية الأميركية الذي صرح في وقت سابق بتشديده على أن الولايات المتحدة يجب أن تبقى في سوريا إلى حين التوصل إلى اتفاق سلام هناك. كما ان وزارة الدفاع قالت في ديسمبر/كانون الأول 2017 إن لها في سوريا نحو 2000 جندي، وفي الشهر نفسه قال وزير الدفاع جيمس ماتيس في تصريحات صحفية إنه يتوقع أن تبدأ بلاده بإرسال مزيد من الدبلوماسيين والموظفين المدنيين إلى سوريا مع اندحار تنظيم داعش.
ومن غير المستغرب ان تكون السلطة المعنية بالقرارات الخارجية غائبة عن قرار الانسحاب من سوريا، فقد علقت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر ناويرت على تصريحات ترمب في ولاية أوهايو، بقولها إنه ليس لديها علم بأي خطة لسحب القوات الأميركية من سوريا.
فتش عن بن سلمان
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يوصف بانه الشخصية الأكثر ارتجالية وعجالة في سلوكه السياسي سارع الى اعلان موقفه من قرار ترامب، في حديث صريح لرفض هذه الخطة التي بدا انه لا يعلم أي شيء عنها رغم تفاخره بانها علاقة استراتيجية لا تشوبها الاختلافات.
ودعا بن سلمان عبر منبر مجلة تايم الأميركية الى إبقاء القوات الامريكية في سوريا من اجل التصدي للنفوذ الإيراني، كما رأى أن الرئيس السوري بشار الأسد باق في السلطة، وتمنى ألا يصبح "دمية" بيد إيران. ووفقا للحوار الذي نشرته المجلة على موقعها مساء الجمعة، استبعد ابن سلمان إزاحة الأسد من السلطة، وقال إن "بشار باق، لكن أعتقد أنه من مصلحة بشار ألا يدع الإيرانيين يفعلون ما يحلو لهم".
ورأى ابن سلمان أن وجود القوات الأميركية في سوريا هو المجهود الأخير لمنع إيران من توسيع نفوذها مع حلفاء إقليميين، حسب تعبيره. وأضاف أن هذا الوجود العسكري سيتيح لواشنطن الاحتفاظ بدور في تحديد مستقبل سوريا. لينفي بذلك المزاعم السابقة التي تقول بان التحالف الدولي جاء لمحاربة داعش فقط.
الخوف يطل براسه بين ثنايا كلام بن سلمان وهو يردد ايقونته الدائمة المتمثلة بما يعرف باسم "الهلال الشيعي"، قائلا إن إيران ستنشئ -بالاستعانة بالجماعات التابعة لها والحلفاء الإقليميين- ممر إمداد بريا من بيروت عبر سوريا والعراق وصولا إلى طهران.
عداد القتلى
الإعلان عن الانسحاب المفاجئ رافقته مخاوف من تلقي الولايات المتحدة الامريكية تهديدات جدية من طهران ودمشق وموسكو، هذه العواصم الثلاثة هددت بالرد على القوات الامريكية اذا ما أصرت على خططتها التوسعية، وفي هذا الاطار أعلن التحالف الدولي أن اثنين من عناصره قتلا وخمسة آخرين جرحوا، في انفجار عبوة ناسفة مساء الخميس بمناطق وجوده في سوريا.
ولم يتضمن البيان المقتضب للتحالف أي إشارة إلى جنسيات القتلى والمصابين، أو مكان وقوع التفجير، وقال إنه سيتم حجب التفاصيل المتعلقة بالواقعة بانتظار المزيد من التحقيقات.
المال او الانسحاب
التساؤلات التي طرحت من قبل اقرب المقربين الى ترامب وحتى اشدهم عداوة له، قالت صحيفة وول ستريت جورنال انها تملك الإجابة عنها او جزءا منها، اذ قالت ان دونالد ترامب أمر بتجميد تمويل أميركي في سوريا بأكثر من 200 مليون دولار، بما ينسجم مع إعلانه الخميس نيته سحب القوات الأميركية من سوريا قريبا جدا.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن البيت الأبيض أمر وزارة الخارجية بتعليق هذا التمويل ريثما تعيد الإدارة الأميركية النظر في دورها في سوريا بوجه عام. وذكر المسؤولون أن ترمب أمر بتجميد التمويل بعدما قرأ تقريرا إخباريا يشير إلى أن الولايات المتحدة تعهدت في الآونة الأخيرة بمبلغ 200 مليون دولار لدعم الجهود المبكرة لإعادة الإعمار في سوريا.
وكان وزير الخارجية الأميركي المقال ريكس تيلرسون قد تعهد بهذا المبلغ أثناء اجتماع للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية عقد بالكويت في فبراير/شباط الماضي.
أسوأ من اوباما
ويأتي قرار ترمب في وقت تتخذ فيه إدارته موقفاً متشدداً من طهران، خصوصاً عبر التغييرات الأخيرة التي أجراها الرئيس بتعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي، ومايك بومبيو بدلاً من وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون. كان تيلرسون قد أكد مراراً على دور أميركا في منع انتشار الجماعات الإيرانية في سوريا وسيطرتها على مزيد من المناطق، وأشار ترامب أن ذلك يحافظ على نفوذ الولايات المتحدة في أي تسوية محتملة للحرب في سوريا، وبحسب صحيفة "Politico" الأميركية فإن إسرائيل تؤيد هي الأخرى بقوة مواجهة الولايات المتحدة للنفوذ الإيراني في سوريا.
وسابقاً عطلت الولايات المتحدة مشروعاً إيرانياً لإقامة ممر بري ينطلق من الأراضي الإيرانية مروراً بالعراق إلى شمال شرق سوريا، مروراً بحلب وحمص وانتهاء بميناء اللاذقية على البحر المتوسط. وبحسب صحيفة "الغارديان" فإن إيران اضطرت إلى التراجع عن ذلك الممر، بسبب وجود قوات أميركية في شمال شرقي سوريا، في مناطق تسيطر عليها القوات الكردية، حيث رأى الإيرانيون في تجمُّع القوات الأميركية ردعاً لطموحات طهران.
ولذلك قررت إيران نقل ذلك الممر جنوباً بمسافة نحو (225.31 كم) لتجنُّب تجمُّعٍ للقوات الأميركية، وكانت مدينة الميادين التي تواجَد فيها تنظيم "داعش" محطة رئيسية لتحقيق المشروع الإيراني. وانتقد مقال لـ فريدا غيتيس نشرته شبكة "Cnn" الأميركية، الأربعاء 28 مارس/ آذار 2018، سياسة ترمب في سوريا، وقالت إنها أسوأ من سياسة أوباما، مشيرةً أن تلك السياسة جعلت من إيران وحلفائها لا سيما حزب الله أكثر قوة وتأثيراً عند حدود الأردن، وإسرائيل، حليفتي الولايات المتحدة.
وسحب ترمب للقوات الأميركية من سوريا قد يسمح لإيران بمزيد من التحرك داخل البلد الممزق، وفي الوقت الذي تتنافس فيه الدول الكبرى لحصد أكبر قدر من النفوذ. وفي ذات السياق، نقل موقع شبكة "Cnn" الأميركية عن مصدر من البنتاغون ومطلع بشكل مباشر على الحملة الأميركية على "داعش"، قوله إنه "من غير الواضح ما قصده الرئيس ترمب بتصريحاته عن سحب القوات الأميركية من سوريا"، لافتاً إلى أن تقييمات الجيش تشير بوضوح إلى أن الوقت الحالي ليس وقتاً للانسحاب، آخذين بعين الاعتبار التحديات العديدة في سوريا.
وأشارت صحيفة "Politico" إلى أن ترمب يرتكب نفس الخطأ الذي انتقد عليه رئيس أميركا السابق أوباما، وقالت إن ترمب عندما كان مرشحاً لانتخابات الرئاسة ألقى باللوم على سلفه لطريقة التعامل مع "داعش"، قائلاً إن "أوباما كان متسرعاً للغاية في سحب القوات الأميركية من العراق".