تصاعد العنف في مصر وتأثيره الفاعل على النسيج الاجتماعي
عبد الامير رويح
2018-01-10 06:58
شهدت مصر في السنوات الأخيرة العديد من الهجمات المسلحة والعمليات الإرهابية، التي أودت بحياة الكثيرمن رجال الامن والقوات المسلحة اضافة الى العشرات من المدنيين، وهو ما جعلها تحتل المرتبة الـ11 من بين 163 دولة على مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2017، وفقا لمعهد "الاقتصاديات والسلام" الأسترالي. تأتي تلك الهجمات المسلحة، التي استهدفت مساجد وكنائس وكمائن ودوريات للجيش والشرطة، بالرغم من تشكيل المجلس القومي لمكافحة الإرهاب، وإعلان حالة الطوارئ بالبلاد.
وشهدت مصر كما نقلت بعض المصادر، حدوث اكثر من 45 عملية إرهابية ارتكبت على مدار عام 2017 في الفترة من 1 يناير/كانون الثاني 2017 إلى 1 ديسمبر/كانون الأول 2017، راح ضحيتها 539 شخصًا و471 مصابًا، ويُلاحظ أن تلك العمليات شهدت ارتفاعًا ملحوظًا خلال الربع ما قبل الأخير من 2017 بواقع 19 هجومًا، يليها الربع الأول بواقع 16 عملية. ويعد شهر نوفمبر/تشرين الثاني هو الأكبر من حيث عدد القتلى والذين بلغوا زهاء 305 مدنيًا في حادث الروضة بسيناء. وتمثل محافظتا سيناء والقاهرة أهم المناطق التي شهدت أعمالًا إرهابية.
وتعتبر شبه جزيرة سيناء خط المواجهة الأول وخاصرة الجماعات المسلحة، وكانت مجموعة الأزمات الدولية ICG قد أصدرت تقريرًا حمل عنوان «مسألة سيناء المصرية» عام 2007 تحدثت فيه عن عودة الإرهاب إلى مصر منذ 2004، بينما اتسم رد الفعل الحكومي لنظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك بالاقتصار على المجال الأمني عن طريق اعتقال أو قتل من يتم الشك في انتمائه لتنظيمات إرهابية، فيما تم تجاهل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الكامنة في قلب قضية سيناء.
وفيما يتعلق بالقتل على أساس الهوية، تعرض الأقباط إلى تهجير من شمال سيناء إلى الإسماعيلية، إبان مقتل 12 قبطيًا في العريش شهر فبراير/شباط، كما اتشحت 44 أسرة مسيحية السواد في إبريل أثناء احتفالهم بـ «أحد السعف»،حيث تم استهداف كنيستين في الإسكندرية وطنطا، بالإضافة إلى مقتل 29 مواطنًا قبطيًا في حادث أتوبيس المنيا، فيما قتل 305 مسلم في أحد المساجد بشمال سيناء من المصلين.
سنة دامية
وفي هذا الشأن احتفل المصريون الاقباط الارثوذكس بعيد الميلاد في ظل اجراءات أمنية مشددة بعد عام شهد اعتداءات دامية ضد اكبر طائفة مسيحية في الشرق الاوسط. ومنذ أكثر من عام كان الاقباط، الذين يعد رأس كنيستهم البابا تواضروس الثاني داعما وفيا لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، هدفا لاعتداءات عدة خصوصا ضد الكنائس أوقعت اكثر من مئة قتيل.
وتجري احتفالات عيد الميلاد في ظل إجراءات أمنية واضحة حول الكنائس الرئيسية في القاهرة التي أحيطت بأحزمة أمنية من كل الجهات. وقال أسقف المنيا مكاريوس "هذا العام لن نكف عن مساندة الدولة والرئيس وعن لعب دورنا الوطني، ولكن نأمل ان يجد المسؤولون وسيلة للحد من الاعتداءات". ويبقى التهديد كبيرا: فقد تسبب اعتداء نفذه ارهابي مسلح ضد كنيسة في جنوب القاهرة الى مقتل ثمانية أقباط.
وتندرج الاعتداءات الاخيرة التي تبناها تنظيم داعش ضمن دائرة العنف التي بدأت في العام 2013 عقب إطاحة الجيش للرئيس الاسلامي محمد مرسي، والتي بدأت بعدها موجة هجمات جهادية خصوصا في شمال سيناء. واوقعت هذه الهجمات مئات القتلى من قوات الجيش والشرطة. كما يشكل الاقباط هدفا ثابتا للجهاديين.
وبدأت سلسلة الاعتداءات في كانون الاول/ديسمبر 2016 عندما استهدف تفجير انتحاري كنيسة مجاورة لمقر كاتدرائية الاقباط الارثوذكس في العباسية في القاهرة، وأدى الى سقوط 29 قتيلا. وتحت تهديد متطرفين، اضطرت عشرات من الاسر القبطية الى الفرار من شمال سيناء في شباط/فبراير. في نيسان/ابريل، أسفر هجومان آخران على كنيستين في الاسكندرية وطنطا عن مقتل 45 شخصا. في أيار/مايو، قتل 28 شخصا على الاقل بينهم العديد من الاطفال في هجوم على حافلة كانت تقل حجاجا مسيحيين في طريقهم الى أحد الاديرة بالمنيا (على بعد 200 كيلومتر جنوب القاهرة).
ويشكل الاقباط قرابة 10% من ال 96 مليون مصري وهم يقيمون في مناطق مختلفة من البلاد. ولكن تمثيلهم ضعيف في الحكومة ويقولون انهم مهمشون. وقام السيسي بمبادرات انفتاح متكررة على الاقباط، وهو يشارك في احتفالاتهم الرئيسية الى جوار البابا تواضروس الثاني. بحسب فرانس برس.
وفي نهاية 2016، أصدر السيسي القانون الخاص ببناء وترميم الكنائس الذي اعتبره الاقباط خطوة متقدمة. وكان العديد من الكنائس شيد بدون الحصول على تصريح إداري. وتسبب تشييدها أحيانا بوقوع مواجهات طائفية. وفي نهاية كانون الاول/ ديسمبر، هاجم مئات من الاشخاص كنيسة بنيت بشكل غير قانوني في بلدة أطفيح على بعد قرابة 100 كيلومتر من القاهرة، ما ادى الى إصابة العديد من الاشخاص بجروح. ويرى الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اسحق ابراهيم انه بعد الهجمات الجهادية، "فإن الملف الاهم (بالنسبة للاقباط) هو التوتر والعنف المرتبطان بممارسة الاقباط لعباداتهم". ويشير الى إغلاق المزيد من المنشآت الدينية التي كان يتردد عليها الاقباط منذ سنوات خلال السنة الفائتة.
اجراءات وتنديد
من جانب اخر قالت مصادر قضائية إن النيابة العامة المصرية أمرت بحبس متهم بتنفيذ هجوم على كنيسة وقتل 11 شخصا 15 يوما على ذمة التحقيق. وقال مصدر ”وجهت إليه تهم القتل العمد والشروع في القتل وحيازة سلاح وذخيرة دون ترخيص واستعمالهما في نشاط إرهابي“. ووقع الهجوم الذي أعلن تنظيم داعش الارهابي المسؤولية عنه في ضاحية حلوان بجنوب القاهرة. وقالت وزارة الداخلية إن المهاجم أصيب بالرصاص وهو يهاجم كنيسة مار مينا.
وقالت المصادر الأمنية والكنيسة إن المهاجم قتل اثنين من المواطنين المسيحيين في متجر ثم هاجم الكنيسة التي تبعد بضعة كيلومترات. وأصيب نحو أربعة في الهجوم. وشددت الشرطة إجراءات الأمن خارج دور العبادة المسيحية وشملت الإجراءات وضع بوابات للكشف عن المعادن أمام الكنائس الكبيرة. وفي وقت سابق قالت مصادر أمنية ووسائل إعلام محلية إن مسلحين على الأقل شاركا في الهجوم وإن أحدهما قتل بالرصاص بينما لاذ آخر بالفرار. ولم توضح وزارة الداخلية سبب الاختلاف بين الروايتين.
وقالت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إن المسلح أطلق النار في البداية على المتجر المملوك لمسيحي في مكان يبعد نحو أربعة كيلومترات فأردى رجلين قتيلين قبل أن يتوجه إلى كنيسة مارمينا حيث أطلق النار وحاول إلقاء عبوة ناسفة. وقالت وزارة الداخلية إن المسلح أطلق النار في مدخل الكنيسة وحاول إلقاء عبوة ناسفة داخلها. ووفقا لوزارة الداخلية والمسؤولين الكنسيين قتل تسعة على الأقل أحدهم رجل شرطة في الهجوم على الكنيسة. وقالت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إن امرأة توفيت متأثرة بإصابتها فارتفع عدد القتلى المدنيين في الهجوم على كنيسة مارمينا إلى ثمانية.
وبشأن المهاجم قال بيان الداخلية ”قامت القوات بالتعامل الفوري معه ونجحت في إلقاء القبض عليه عقب إصابته“. وقالت وزارة الداخلية إن المحققين حددوا هوية المهاجم وإنه نفذ عدة هجمات منذ العام الماضي. وتواجه مصر أيضا إسلاميين متشددين في محافظة شمال سيناء. وذكرت وزارة الصحة في وقت سابق أن خمسة أشخاص أصيبوا بينهم امرأتان في حالة خطيرة. وأقيمت جنازة مشتركة لثمانية من القتلى في كنيسة السيدة العذراء بحلوان. وقاد الصلوات على أرواحهم البابا تواضروس الثاني بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. وقال بيان رئاسي إن الرئيس عبد الفتاح السيسي قدم تعازيه لأسر القتلى وتمنى الشفاء العاجل للمصابين وطالب باستمرار تكثيف أعمال تأمين المنشآت المهمة في البلاد. بحسب رويترز.
وأدان شيخ الأزهر أحمد الطيب الهجوم ”الإرهابي الغادر“ على الكنيسة. وقال في بيان ”الهجمات الإرهابية النكراء التي تستهدف الأخوة الأقباط في أيام الأعياد تستهدف الوطن ووحدته أكثر مما تستهدف أتباع هذا الدين أو ذلك“. وقوبل الهجوم أيضا بإدانات عربية وأجنبية. وقالت الرئاسة المصرية في بيان إن السيسي تلقى اتصالا هاتفيا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر فيه عن تعازيه في ضحايا ”الحادث الإرهابي“ مشددا على ”تضامن الولايات المتحدة الكامل مع مصر ودعمها ووقوفها إلى جانبها في حربها ضد الإرهاب“.
احكام قضائية
في السياق ذاته قالت مصادر أمنية إن السلطات المصرية نفذت حكم الإعدام في أربعة أدانهم القضاء العسكري في قضية تفجير أودى بحياة ثلاثة طلاب عسكريين في 2015. وأضافت المصادر أن الحكم نفذ في سجن برج العرب غربي مدينة الإسكندرية الساحلية. وكانت عبوة ناسفة قد انفجرت في غرفة مجاورة لبوابة الاستاد الرياضي بمدينة كفر الشيخ عاصمة محافظة كفر الشيخ في أبريل نيسان 2015 مما أسفر عن مقتل ثلاثة من طلاب الكلية الحربية وإصابة اثنين آخرين.
وكان الضحايا قد تجمعوا في الغرفة للسفر إلى مقر الكلية بالقاهرة. والضحايا والمدانون في القضية من سكان كفر الشيخ التي تطل على البحر المتوسط. وكانت محكمة الجنايات العسكرية قد قضت في 2016 بإعدام سبعة في القضية بينهم ثلاثة غيابيا كما عاقبت خمسة بالسجن المؤبد منهم ثلاثة غيابيا واثنان حضوريا هما صلاح الفقي رئيس المكتب الإداري لجماعة الإخوان المسلمين بكفر الشيخ ونائبه. وعاقبت أيضا ثلاثة متهمين بالسجن 15 سنة غيابيا واثنين بالحبس ثلاث سنوات حضوريا.
وفي يونيو حزيران رفضت محكمة الطعون العسكرية طعونا على الحكم تقدم بها من حكم عليهم حضوريا وبذلك صار الحكم نهائيا وواجب النفاذ. وتعاد محاكمة المحكوم عليهم غيابيا أمام المحكمة التي أصدرت الحكم الأول إذا ألقت الشرطة القبض عليهم أو سلموا أنفسهم. بحسب رويترز.
ووقعت حوادث عنف عديدة في مصر منذ عزل الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان في 2013 بعد احتجاجات حاشدة على حكمه الذي استمر عاما. وحظرت السلطات جماعة الإخوان وأعلنتها منظمة إرهابية بعد عزل مرسي وتقديمه للمحاكمة مع قياديين آخرين في الجماعة وآلاف من أعضائها ومؤيديها. وكانت مصادر أمنية قد ذكرت أن السلطات المصرية نفذت حكم الإعدام يوم 26 ديسمبر كانون الأول في 15 إسلاميا متشددا أدينوا بشن هجمات أسفرت عن مقتل عدد من رجال الجيش والشرطة في شبه جزيرة سيناء في أكبر عملية تنفيذ أحكام بالإعدام في يوم واحد فيما يبدو منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم عام 2014.
حرب مستمرة
الى جانب ذلك قالت وزارة الداخلية المصرية إن تسعة متشددين ينشطون في محافظة شمال سيناء قتلوا في اشتباك مع الشرطة بمحافظة الشرقية. وقالت في بيان ”وردت معلومات لقطاع الأمن الوطني باتخاذ عدد من تلك العناصر لمزرعة كائنة بمنطقة الصالحية الجديدة بمحافظة الشرقية وكرا للاختباء... والتدريب على استخدام الأسلحة والمتفجرات والانطلاق منها لتنفيذ عملياتهم الإرهابية بشمال سيناء“.
وأضافت أن هجماتهم في المحافظة المتاخمة لإسرائيل وقطاع غزة ”أدت إلى استشهاد عدد من رجال القوات المسلحة والشرطة“. وقال البيان ”حال مداهمة القوات للمزرعة فوجئت بإطلاق الأعيرة النارية تجاهها حيث تم التعامل مع مصدر النيران مما أسفر عن مصرع تسعة عناصر“. وأضاف أنه جار تحديد هويات القتلى. وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن الجيش سيتصدى للمتشددين ”بكل العنف“. وكان السيسي قد أمر الجيش ووزارة الداخلية بالقضاء على المتشددين خلال ثلاثة أشهر بعد هجوم على مسجد في شمال سيناء قتل فيه أكثر من 300 شخص. بحسب رويترز.
وقال بيان الداخلية إن الشرطة عثرت في المزرعة بالشرقية وهي إحدى محافظات دلتا النيل على سبعة بنادق آلية وذخيرة مختلفة ألأعيرة ووسائل إعاشة. وتضمن البيان أن الشرطة توصلت أيضا إلى ”بؤرة إرهابية“ في القاهرة ألقت القبض على تسعة من عناصرها وضبطت بأماكن اختبائهم بندقية آلية وكمية من الطلقات وكمية من مادتين شديدتي الانفجار و”العديد من المواد والأدوات المستخدمة في تصنيع العبوات المتفجرة“. وأضاف البيان ”كشفت عمليات الفحص وجود روابط تنظيمية بين عناصر البؤرة الإرهابية المشار إليها وجماعة الإخوان الإرهابية“. لكن الجماعة التي أطيح بها من حكم البلاد في 2013 ثم حظرتها السلطات وأعلنتها جماعة إرهابية تقول إنها بعيدة عن العنف.