في فرنسا: عندما يصبح الإرهاب شماعة للإقصاء
عبد الامير رويح
2018-01-09 06:19
مع حلول العام 2018 لا تزال السلطات في فرنسا في حالة تأهب إزاء تهديدات إرهابية محتملة ارهابي "مستمر" رغم تراجع عدد الهجمات في البلاد خلال 2017، هذه الحالة التي اثارت الخوف والقلق تعيشها فرنسا منذ موجة الاعتداءات الجهادية التي حصدت منذ 2015 أرواح 241 شخصاً وما تبعها من تطورات اخرى، اجبرت السلطات في هذا البلد على اتخاذ اجراءات وخطط امنية في سبيل توفير الامن والاستقرار، ويرى بعض المراقبين ان السلطات الفرنسية تواجه اليوم تحديات كبيرة، تفاقمت حدتها بعد الخسائر الكبيرة التي لحقت بتنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق، وتقدر الحكومة الفرنسية أن حوالى 1700 فرنسي انتقلوا الى المناطق التابعة لسيطرة التنظيمات الإسلامية في العراق وسوريا. ومن أصل هذا العدد، قتل ما لا يقل عن 278 فيما عاد 302 إلى فرنسا هم 244 بالغا و58 قاصرا. أما الآخرون، فإما قبضت عليهم القوات التي تقاتل تنظيم داعش في سوريا والعراق، أو قتلوا في المعارك، أو فروا إلى آخر الجيوب المتبقية او بؤر جهادية أخرى ولا سيما في ليبيا.
وبحسب الاستخبارات الفرنسية فإن "بضع عشرات" من البالغين الفرنسيين من جهاديين وزوجاتهم موجودون حاليا في مخيمات او سجون في سوريا والعراق. ومنذ اعتداءات تشرين الثاني/نوفمبر 2015 التي نفذ قسما منها جهاديون عادوا من سوريا اصبح هؤلاء "العائدون" الشغل الشاغل للسلطات الفرنسية. والقضية الشائكة في هذا الملف هي كيف ستتعامل السلطات مع زوجات هؤلاء الجهاديين واطفالهم، علما بأن الرئيس ايمانويل ماكرون أكد في تشرين الثاني/نوفمبر انه سيتم النظر "بكل حالة على حدة".
احتفالات رأس السنة
على غرار رأس السنة في 2016 في ختام عام شهد اعتداء نيس (86 قتيلا وأكثر من 450 جريحا) وقتل كاهن داخل كنيسته، احتفلت فرنسا بالعام الجديد في ظل إنذار أمني. وأعلنت وزارة الداخلية تعبئة نحو 140 ألف عنصر من قوات الأمن والإغاثة في مجمل الأراضي الفرنسية، وتتركز الجهود في المنطقة الباريسية حيث تكون التجمعات عادة أكبر من سواها على غرار جادة الشانزيليزيه حيث تتوقع السلطات قدوم نحو 300 ألف شخص.
يقول مفوض شرطة باريس ميشال ديلبويش "مستوى الإنذار الإرهابي لا يزال مرتفعا". فقد أوقفت السلطات رجلا في الـ21 وامرأة في الـ19 لا رابط ظاهريا بينهما على ما يبدو لكن كلا منهما كان يخطط لتنفيذ اعتداء تباعا بالقرب من ليون (وسط شرق) وفي المنطقة الباريسية. وكان المشتبه به يعتزم مهاجمة عسكريين بينما المرأة كانت تريد التحرك خارج باريس، بحسب ما أفاد مصدر قريب من الملف، ووضع الاثنان قيد التوقيف الاحترازي.
ويقول ديلبويش إن عمليتي التوقيف دليل على وجود "تهديد غامض داخلي مع أشخاص يحتمل أن ينتقلوا إلى التنفيذ (...) بوسائل بدائية لكنها تشكل خطرا رغم كل شيء". ويشير مصدر أمني رفض الكشف عن هويته إلى أن السلطات تركز على "التهديد الداخلي خصوصا خلال فترة نهاية العام". ويقول محققو مكافحة الإرهاب إن العام 2017 شهد خصوصا حملات توقيف في أوساط مؤيدين للتيار الجهادي وسلسلة من محاولات الاعتداءات وأيضا هجومين داميين هما قتل شرطي على جادة الشانزيليزيه في أبريل الماضي وقتل فتاتين بالسكين في مرسيليا (جنوب شرق) في أكتوبر.
وأعلن تنظيم داعش تبنيه للهجومين، لكن المحققين لم يعثروا بعد على رابط بين منفذ هجوم مرسيليا والتنظيم. ويقول رئيس مركز تحليل الإرهاب جان شارل بريزار إن "مستوى التهديد والرغبة في التنفيذ لم يضعفا. هناك عشرات التهديدات التي يتم الإشارة إليها بشكل منتظم". ويضيف بريزار أن الفارق مع الحصيلة الدموية للعام 2016 (92 قتيلا ومئات الجرحى) هو "وجود مخططات لا يتم تنفيذها ما يدل على فعالية أجهزة الاستخبارات التي تحصل اليوم على الكثير من المعلومات من المنطقة (العراق وسوريا) نفسها مع عودة الكثيرين من هذه المنطقة وعمليات توقيف وقدرات تقنية متزايدة".
وبعد أكثر من عامين على إعلان حالة الإنذار إثر اعتداءات 13 نوفمبر 2015 التي راح ضحيتها 13 قتيلا، تم في أكتوبر إقرار قانون جديد لمكافحة الإرهاب ندد به المدافعون عن الحريات العامة. تقول لجنة القوانين المكلفة بمراقبة تطبيق القانون الجديد إن هذا الأخير أتاح إقامة 33 طوق حماية (العديد منها حول أسواق لعيد الميلاد) بين الأول من نوفمبر و15 ديسمبر و24 إجراء مراقبة إدارية ومتابعة (ما كان يعرف سابقا بالإقامة الجبرية) وإغلاق ثلاثة مراكز عبادة.
لكن التحديات لا تزال هائلة، ومنها الجهاديون الذين يغادرون العراق وسوريا بعد الهزائم التي لحقت بتنظيم داعش، وكذلك إطلاق سراح جهاديين قريبا مسجونين في فرنسا وتحديد يزداد دقة للتهديد "الداخلي". وذكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة مع صحيفة "ايل موندو" نشرت الأربعاء أن "هزيمة داعش ليست نهاية التهديد الإرهابي الذي يظل مستمرا". ومنذ نوفمبر 2015 أوقعت سلسلة اعتداءات غير مسبوقة في فرنسا 241 قتيلا.
ويقول رئيس مركز تحليل الارهاب جان شارل بريزار ان "مستوى التهديد والرغبة في التنفيذ لم يضعفا. هناك عشرات التهديدات التي يتم الاشارة اليها بشكل منتظم". ويضيف بريزار ان الفارق مع الحصيلة الدموية للعام 2016 (92 قتيلا ومئات الجرحى) هو "وجود مخططات لا يتم تنفيذها ما يدل على فعالية اجهزة الاستخبارات التي تحصل اليوم على الكثير من المعلومات من المنطقة (العراق وسوريا) نفسها مع عودة الكثيرين من هذه المنطقة وعمليات توقيف وقدرات تقنية متزايدة". بحسب فرانس برس.
والتحديات لا تزال هائلة، ومنها الجهاديون الذين يغادرون العراق وسوريا بعد الهزائم التي لحقت بالتنظيم ، وكذلك اطلاق سراح جهاديين قريبا مسجونين في فرنسا وتحديد يزداد دقة للتهديد "الداخلي". وذكر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في مقابلة مع صحيفة "ايل موندو" ان "هزيمة داعش ليس معانها نهاية التهديد الارهابي الذي يظل مستمرا".
وأظهر الاستطلاع أنه عند سؤال الفرنسيين عن أمنياتهم في عام 2018 عبر 36% منهم عن رغبته في القضاء على الإرهاب بينما أبدى 25% منهم رغبته في انخفاض معدلات البطالة، وهو ما يعني أن الأمن أصبح يتصدر اهتمام الفرنسيين قبل التوظيف وأن أولويات الشعب الفرنسي اختلفت بواقع الأحداث التي شهدتها البلاد، وهو ما سيظهر بوضوح في سياسات الرئيس ماكرون خلال سنوات حكمه المقبلة.
الدعاية والتجنيد
من جانب اخر اعتقل مقاتلون أكراد في سوريا إميلي كونيغ (33 عاما) التي تعد من ابرز وجوه التيار الجهادي الفرنسي ولعبت دورا كبيرا في الدعاية والتجنيد لتنظيم داعش عبر شبكات التواصل الاجتماعي، كما اعلنت والدتها. وقالت الوالدة البالغة 70 عاما والمقيمة في لوريان (شمال غرب) لصحيفة "ويست فرانس" ان ابنتها اتصلت بها عبر الهاتف في وقت سابق لتقول لها "انها معتقلة في معسكر كردي وتم استجوابها وتعذيبها"، مطالبة السلطات الفرنسية بالتدخل "لاعادتها" الى فرنسا مع اطفالها الثلاثة.
ويبدو ان إميلي كونيغ في رفقة اطفالها الثلاثة الذين ولدتهم في سوريا. وهي من اوائل الذين ذهبوا الى سوريا في 2012. وفي ايلول/سبتمبر 2014، ادرجتها الامم المتحدة في لائحتها السوداء لأخطر المقاتلين. وقد اعتنقت اميلي كونيغ الاسلام لدى تعرفها الى زوجها الاول الجزائري الأصل الذي سجن بتهمة الاتجار بالمخدرات. وقد تعلمت اللغة العربية وسمت نفسها سمرا وحاولت توزيع منشورات تدعو الى الجهاد.
وفي ربيع 2012 استدعيت للمثول امام المحكمة في فرنسا فرفضت نزع النقاب عن وجهها وتشاجرت مع احد الحراس وصوّرت المواجهة في شريط فيديو نشرته على يوتيوب. وعلى الاثر تركت الجهادية الشابة طفليها في فرنسا وغادرت البلاد الى سوريا للالتحاق بزوجها الجديد الذي قتل في وقت لاحق. ولم تشارك اميلي كونيغ في المعارك لكنها ظهرت في اشرطة فيديو دعائية. ووعدت في منتصف 2013 بأن "الجهاد لن يتوقف طالما ان ثمة اعداء يتعين علينا محاربتهم". واعترضت اجهزة الاستخبارات ايضا اتصالات تحرض فيها محدثيها على مهاجمة زوجات الجنود الفرنسيين.
وبينما مني تنظيم داعش بهزيمة على الاراضي العراقية السورية، اعتقل رمز جهادي فرنسي آخر في الفترة الاخيرة، هو توماس بارنوان (36 عاما) الذي وقع في منتصف كانون الأول/ديسمبر في ايدي المقاتلين الأكراد في سوريا التي ذهب إليها للقتال في 2014. وتقول اجهزة الاستخبارات الفرنسية ان "بضع عشرات" من الشبان الفرنسيين، المقاتلين الجهاديين وزوجاتهم، موجودون في الوقت الراهن في معسكرات او في سجون بالعراق وسوريا. بحسب فرانس برس.
ومسألة النساء اللواتي يرافقهن اطفالهن هي الاصعب. وقد اعلن الرئيس ايمانويل ماكرون في تشرين الثاني/نوفمبر ان مصيرهن سيناقش "كل حالة على حدة". وتقول والدة اميلي كونيغ ان ابنتها اعلنت "توبتها" اليوم. واضافت "تريد العودة، وتطلب العفو، من عائلتها ومن اصدقائها ومن بلادها. وهي تعرب عن اسفها لكل ما قالته وتؤكد انها تريد ان تسدد ديونها في فرنسا".
الاطفال والقوانين
في السياق ذاته قال مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية إن ثلاثة أطفال فرنسيين بالميلاد، وهم أبناء لزوجين يشتبه في أنهما متشددان من تنظيم داعش، كانوا محتجزين لدى السلطات العراقية عادوا بالطائرة إلى باريس. وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن تلك هي أول واقعة تتسلم فيها فرنسا أطفالا من العراق.
وتواجه فرنسا، مثل دول أوروبية أخرى، صعوبات في كيفية التعامل مع المشتبه في أنهم متشددون وأسرهم الذين يحاولون العودة من مناطق حرب في العراق وسوريا وكذلك المحتجزين بعد أن سلم التنظيم مناطق واسعة من الأراضي كان يسيطر عليها تحت ضغط من حملات عسكرية. كما عانت فرنسا من سلسلة من الهجمات التي نفذها متشددون على أراضيها على مدى السنوات الثلاث الماضية وتكافح لمواجهة خطر التشدد في الداخل إضافة إلى المخاطر التي يشكلها تسلل مقاتلين من داعش عائدين عبر حدودها.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية ”تم ترتيب عودتهم بالتنسيق مع السلطات في العراق“. وذكرت وسائل إعلام فرنسية أن الأسرة غادرت فرنسا وتوجهت إلى العراق في 2015 وقتل الأب خلال معركة الموصل ثم اعتقلت القوات العراقية الأم وأطفالها الأربعة في يوليو تموز. وقال فينسنت برونجارت وهو المحامي الممثل للأم إنها لا تزال هي وأصغر أطفالها رهن الاحتجاز في العراق فيما يقيم أطفالها الثلاثة الباقون، وأعمارهم بين الثالثة والثامنة، الآن في دار للرعاية بعد أن عادوا إلى فرنسا. بحسب رويترز.
وكشفت رويترز في سبتمبر أيلول عن أن السلطات العراقية تحتجز نحو 1400 زوجة وطفل أجنبي وهم من أسر من يشتبه في أنهم متشددون في داعش في مخيم واحد بعد أن طردت القوات الحكومية التنظيم المتشدد من الموصل التي كانت آخر معقل حضري كبير له في البلاد. ولم يتضح إن كان الأطفال الثلاثة الذين عادوا ضمن ذات المجموعة.
الى جانب ذلك قررت أسرة في فرنسا إطلاق اسم "جهاد" على رضيعها، فأبلغت البلدية القضاء الذي سينظر في إمكانية منح اسم "جهاد" لطفل وليد؟ ورغم أن كلمة جهاد في اللغة العربية لها معاني كثيرة منها بذل الجهد والكفاح، فإن بلدية تولوز الواقعة جنوب غرب البلاد أبلغت مدعي الجمهورية بالأمر مشيرة إلى الأوضاع الحالية في فرنسا التي شهدت اعتداءات جهادية، وفق مصدر قضائي. وقالت النيابة إنه لم يتم اتخاذ أي قرار حتى الآن و"الإجراءات جارية". ويتيح القانون لمدعي الجمهورية إحالة الأمر لقاضي شؤون الأسرة.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2016، أحالت بلدية نيس (جنوب شرق) إلى القضاء أمر تسمية رضيع "محمد نزار مراح" في تماثل مع منفذ اعتداء تولوز ومونتوبان في 2012 والذي يحاكم شقيقه حاليا بباريس بتهمة التواطؤ في القتل. ورأت بلدية نيس حينها أن اختيار الوالدين "يمكن ان يكون متعارضا مع مصلحة الطفل"، فهو بمثابة إشادة بالإرهاب. وأحالت النيابة الأمر إلى قاضي الأسرة قبل أن يتخلى الوالدان عن الاسم.
وكان حكم في 2013 على أم بالسجن لمدة شهر مع وقف التنفيذ وبغرامة قيمتها ألفي يورو لإرسالها ابنها المدعو جهاد البالغ من العمر ثلاث سنوات إلى المدرسة وقد ألبسته قميصا كتب عليه "أنا قنبلة" و"جهاد ولد في 11 أيلول/سبتمبر". وصدر الحكم بسبب القميص "المستفز" وليس بسبب اسم الطفل. وفي فرنسا لم يعد بإمكان المسؤولين عن مصلحة الأحوال المدنية منذ 1993 التدخل لمنع أي اسم. ونادرا ما تقدم طلبات إلى النيابة لتغيير اسم.
ذكرى شارلي إيبدو
من جانب اخر حلت الذكرى الثالثة للهجوم الإرهابي الذي تعرضت له مجلة (شارلي ايبدو) الفرنسية الساخرة، ومثل نقطة البداية لسلسلة من العمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا خلال السنوات الأخيرة، ولعبت دورا رئيسا في تغيير ملامح المشهد الفرنسي على مختلف الأصعدة. وكان مسلحان قد هاجما في السابع من يناير 2015 مقر المجلة الأسبوعية في باريس وقتلا 12 شخصا بينهم عدد من أهم رساميها كما وأصيب 11 شخصا. وبمناسبة الذكرى الثالثة على وقوع هذا الهجوم الإرهابي، حمل غلاف عدد المجلة عنوان "ثلاث سنوات داخل صندوق" في إشارة إلى التهديدات التي تتلقاها المجلة ومحرريها باستمرار، كما حمل الغلاف رسمة لرسام الكاريكاتير الشهير ريس، تظهر القلق الذى يعانى منه موظفو المجلة حيث ظهر على الغلاف أحد الموظفين وهو ينظر من خلف باب حديدي، معلقا على رسمته بـ "جدول أعمال داعش؟ لقد أعلناه".
وأكد مدير تحرير المجلة في هذا العدد على الأهمية البالغة للحرية، وأنها جزء لا يتجزأ من الديمقراطية. وشكل هجوم شارلي ايبدو نقطة تحول فاصلة في تاريخ البلاد حيث إنه كان بمثابة حلقة البداية لسلسة من العمليات الإرهابية الدامية التي تعرضت لها فرنسا وخلفت أكثر من 240 قتيلا، فبعد مجزرة "شارلي إيبدو" بيوم واحد في 8 يناير، قتل شخص شرطية وأصاب موظفا بلديا بجروح في مونروج جنوب باريس، وفي اليوم التالي، احتجز رهائن داخل متجر يهودي في باريس وقتل أربعة منهم قبل أن تقتله الشرطة.
وكان من أبرز العمليات الإرهابية التي تعرضت لها البلاد أيضا هجوم 13 نوفمبر 2015 الذي يعد أسوأ اعتداء إرهابي في تاريخ فرنسا وأوروبا حيث هاجم انتحاريون العديد من المواقع وقتلوا 130 شخصا وأصابوا 350 آخرين في عدة مواقع مستهدفة من بينها قاعة باتاكلان للحفلات الموسيقية، وحانات ومطاعم وستاد "دو فرانس" شمال العاصمة، وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجمات.
وفي 14 يوليو 2016، اقتحم شخص يقود شاحنة حشدا في مدينة نيس جنوب فرنسا بعد وقت قليل من إطلاق الألعاب النارية احتفالا باليوم الوطني، وقتل 86 شخصا وأصاب أكثر من 400 آخرين، وتبنى تنظيم (داعش) الإرهابي أيضا الاعتداء. كما وقع حادث إرهابي في 26 يوليو من العام ذاته وأعلن داعش مسئوليته عن مقتل قس ذبحا في كنيسته في بلدة سانت إتيان دو روفريه في غرب فرنسا.
ونتيجة لكل هذه الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا أصبحت قضية الإرهاب على رأس الأولويات الفرنسية، وأعلن الرئيس ايمانويل ماكرون في أغسطس الماضي، في أول خطاب له في السياسة الدولية خلال مؤتمر سفراء فرنسا بباريس، أن "مكافحة الإرهاب" يجب أن تكون "أولى" أولويات الدبلوماسية الفرنسية، مؤكدا أن "أمن الفرنسيين هو سبب وجود دبلوماسيتنا".
واتساقا مع ذلك أقر البرلمان الفرنسي قانون مكافحة الإرهاب في 18 أكتوبر 2017 بأغلبية ساحقة 415 صوتا مقابل 127 وامتناع 19. ودخل القانون حيز التنفيذ في الأول من نوفمبر الماضي تزامنا مع انتهاء حالة الطوارئ في البلاد، ومن شأن هذا القانون أن يجعل عدة إجراءات فرضت بعد اعتداءات باريس، ومن ضمنها قوانين الطوارئ دائمة، فهو يعطي السلطات صلاحيات جديدة دائمة لمداهمة منازل وإغلاق مراكز عبادة وتقييد حرية الحركة.
ورغم الانتقادات التي وجهت له بأنه يمكن أن يقوض الحريات العامة، لم يلق قانون مكافحة الإرهاب اعتراضا كبيرا من قبل الفرنسيين الذين لا يزالون تحت وطأة الهجمات الإرهابية، وهو ما أظهره استطلاع للرأي أجري مؤخرا وكشف أن 57 في المائة من الفرنسيين يؤيدونه. ويؤكد فريديريك دابي نائب المدير العام لمركز "ايفوب" للاستطلاعات الفرنسي أنه منذ وقوع الاعتداءات الإرهابية الدامية في بداية 2015 أصبحت قضايا الأمن والإرهاب على رأس أولويات الشعب الفرنسي قبل البطالة والأوضاع الاقتصادية، وهو أمر لم تعهده البلاد من قبل.