الذئاب المنفردة تعود الى أوروبا: جيل جديد اكثر تطرفا وشراسة

عبد الامير رويح

2017-10-30 05:00

الهزائم الكبيرة التي مني بها تنظيم داعش الارهابي في العراق وسوريا، اثارت مخاوف وقلق الكثير من دول العالم ومنها دول الاتحاد الاوروبي، التي باتت تخشى من تزايد الهجمات الارهابية على اراضيها، خصوصا وان العديد من التقارير قد أكدت أن ما يزيد عن أربعة آلاف مقاتل أوروبي انضموا إلى داعش في سورية والعراق، يضاف الى ذلك الخلايا النائمة موجودة في أوروبا وفي كل العالم، تلك المخاطر ازدادت مع تدفق أفواج اللاجئين التي سهلت عملية الانتقال والتسرب لإرهابيين أوروبيين الذين سعوا الى العودة لبلدانهم عبر طوابير اللاجئين. وهو ما دفع الحكومات الاوروبية الى وضع خطط واجراءات جديدة والقيام بعمليات استباقية، ضد عناصر التنظيم من اجل دفع بعض المخاطر المحتملة، حيث عقد وزراء داخلية مجموعة السبع الكبرى اجتماعا في جزيرة أسكيا الإيطالية لمناقشة سبل مواجهة العودة المحتملة للمقاتلين الأجانب إلى أوروبا، عقب سقوط معاقل تنظيم داعش في سوريا والعراق.

وكان وزير الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي قد حذر من أن الجهاديين الذي يخططون لشن هجمات ثأرية في أوروبا بعد هزيمة الجهاديين في سوريا، ربما يتسللون إلى أوروبا على متن مراكب المهاجرين المنطلقة من ليبيا. من جانبها، قالت إيطاليا إن مجموعة السبع ستناقش أيضا مصير مواطنيها المتطرفين العائدين من جبهات القتال مع الجهاديين، للحؤول دون أن يمثلوا مخاطر أمنية في السجون.

وقالت فرنسا إن مفاوضات ستجري حول الجوانب القانونية لمحاكمة العائدين، مع تساؤلات حول نوع الأدلة ضدهم والجهة التي جمعت تلك الأدلة وما إذا يمكن استخدامها في محاكم داخلية. يذكر أن عشرات آلاف المواطنين من دول غربية ذهبوا إلى سوريا والعراق للقتال في صفوف تنظيم داعش بين 2014 و2016، قبل أن يعود البعض منهم لشن هجمات أوقعت عشرات القتلى.

حماية مدنه

وفي هذا الشأن أعلنت المفوضية الاوروبية تخصيص نحو 120 مليون يورو لمساعدة الدول الاوروبية على حماية الاماكن العامة في مدنها التي باتت عرضة اكثر فاكثر لهجمات متطرفين اسلاميين بكلفة زهيدة، كما حدث في برشلونة. ونصت خطة العمل التي قدمت في بروكسل على تخصيص 18,5 مليون يورو بداية من 2017 ل "مشاريع عبر الدول تحسن حماية الفضاءات العامة" ومئة مليون يورو في 2018 لمساعدة "المدن التي تستثمر في حلول امنية". وكانت فرنسا شهدت في تموز/يوليو 2016 اعتداء داميا قتل فيه 86 شخصا بيد سائق متطرف دهسهم بشاحنة في يوم الاحتفال بالعيد الوطني في نيس (جنوب).

ومنذ ذلك التاريخ شهدت اوروبا عدة اعتداءات في اماكن يرتادها الجمهور كما حدث في جادة رامبلاس ببرشلونة في آب/اغسطس 2017. كما سجلت اعتداءات في اماكن عامة في الاشهر الاخيرة في مرسيليا وستوكهولم ومانشستر ولندن. وعلاوة على الاموال المخصصة لتحسين ضمان أمن الاماكن العامة، اقترحت المفوضية احداث شبكة خبراء حتى يتمكن الاوروبيون من تقاسم "الممارسات الجيدة" في مجال تأمين أماكن مثل المطارات ومحطات النقل البري والملاعب وهي اماكن مفتوحة تبدو "اهدافا سهلة" للارهابيين.

وقال المفوض الاوروبي لشؤون الامن جوليان كينغ في مؤتمر صحافي "مع تغيير الارهابيين لتكتيكهم، نكثف المساعدة التي نقدمها للدول الاعضاء لمواجهة هذه التهديدات". واضاف "نساعدهم على حماية الفضاءات العامة حيث يلتقي السكان، بالتوازي مع منع ارهابيين من الوصول الى مواد خطرة تدخل في صناعة عبوات ناسفة وتجفيف مصادر تمويل الارهاب". وانضم المفوض اثر ذلك الى مسيرة تكريما لضحايا الارهاب ضمت نحو 150 شخصا امام المقار الاوروبية حمل كل منهم وردة بيضاء في اليد.

وتشمل الاجراءات التي اقترحتها المفوضية في مجال مكافحة الارهاب ايضا على احداث "قطب للمعارف" حول امن "المواد الكيميائية والبيولوجية والاشعاعية والنووية، وذلك ضمن الشرطة الاوروبية" يوروبول. وعلى المستوى الخارجي تريد المفوضية تعزيز التعاون مع بلدان اخرى في مجال مكافحة الارهاب. وطلبت من الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي الاذن لها ب"بدء مفاوضات مع كندا بهدف ابرام اتفاق معدل حول معطيات ملفات المسافرين" جوا وذلك بعد الاتفاق الموقع في 2014 الذي عطلته محكمة العدل الاوروبية. بحسب فرانس برس.

كما طلبت المفوضية السماح لها ببدء مفاوضات لابرام اتفاقات مع تونس والجزائر ولبنان ومصر والمغرب والاردن وتركيا واسرائيل. وتشمل مثل هذه الاتفاقيات "نقل المعطيات ذات الطابع الشخصي بين يوروبول وهذه البلدان للتوقي من الارهاب والاشكال الخطرة من الجريمة، ومكافحتها". من جهة اخرى اعلنت المفوضية الاوروبية انها تعد لاقامة "وحدة اوروبية للاستعلامات" كان اعلن عنها رئيسها جان كلود يونكر في ايلول/سبتمبر.

منع الدعاية الجهادية

الى جانب ذلك اتفقت دول مجموعة السبع وعمالقة الانترنت في العالم مثل غوغل وفيسبوك على العمل معا لتكثيف الجهود لمنع نشر الدعاية الاسلامية المتطرفة على الانترنت. وقال وزير الداخلية الايطالي ماركو مينيتي بعد اجتماع مع نظرائه في مجموعة السبع استمر يومين إن "هذه هي أولى الخطوات تجاه تحالف كبير باسم الحرية". وأكد مينيتي أهمية الدور الذي يلعبه الانترنت في "تجنيد وتدريب وتشدد" المتطرفين.

وقال وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب إن الاتفاق يهدف إلى "إزالة المحتوى الجهادي من الانترنت خلال ساعتين من نشره". وقالت القائمة بأعمال وزير الداخلية الاميركي ايلين دوك إن "أعداءنا يتحركون بسرعة التغريدة (على تويتر) ونحتاج أن نواجههم بالسرعة نفسها". ومع اعترافها بالتقدم المحقق، شددت وزيرة الداخلية البريطانية امبر رود على ضرورة أن "تتحرك الشركات بشكل اسرع ليس فقط لازالة المحتوى المتطرف، بل ايضا لمنع نشره اصلا".

وأبدى مسؤولون كبار من شركات الانترنت العملاقة الذين حضروا الاجتماع الوزاري دعمهم للقضية لكنهم لم يقدموا توضيحات حول كيف يمكنهم التصدي للمتطرفين على الانترنت. وعلى هامش الاجتماع، وقعت الولايات المتحدة وايطاليا اتفاقا للتشارك في قواعد بيانات بصمات اليد في مسعى للكشف عن المتطرفين المحتملين الذين يتخفون في هيئة طالبي لجوء. وتهدف "مذكرة التفاهم التقنية" الموقعة بينهما الى كشف المشتبه بهم، والتفرقة بين المتهمين باعمال جنائية والارهابيين.

من جهته، قال الامين العام للانتربول يورغن ستوك إن قواعد البيانات الدولية للمنظمة يمكنها ان تشكل نظام تحذير مبكر ضد الارهابيين والتهديدات الاجرامية وتساهم في اقفال الثغرات المحتملة للارهابيين". ووعد رئيس الاتحاد الاوروبي دونالد توسك بتقديم دعم مالي أكبر للمساعدة في اغلاق طريق الهجرة المحفوف بالمخاطر من ليبيا إلى ايطاليا. وقال توسك إن الاتحاد سيقدم "دعما اقوى لجهود ايطاليا مع السلطات الليبية" وان هناك "فرصة حقيقية لاغلاق الطريق الرئيسي عبر المتوسط". وتراجعت اعداد المهاجرين انطلاقا من سواحل ليبيا، بنسبة 20 بالمئة هذا العام.

ولعبت ايطاليا دورا رئيسيا في تدريب قوة خفر السواحل الليبيين على وقف تهريب البشر عبر مياهها الاقليمية، وفي التوصل الى صفقات مثيرة للجدل مع ميليشيات ليبية لوقف انطلاق مراكب المهاجرين. كما ناقش الوزراء أفكارا حول سبل معالجة مشكلة محاكمة العائدين، وسط تساؤلات حول نوعية الأدلة المستخدمة، وكيفية جمعها، وإذا ما كان يمكن استخدامها في المحاكم المحلية. ودعت الولايات المتحدة وبريطانيا لتقديم مزيد من الجهد بخصوص أمن الطيران، خصوصا عبر مشاركة بيانات المسافرين.

ودعت مجموعة السبع -- بريطانيا، كندا، فرنسا، المانيا، ايطاليا، اليابان، والولايات المتحدة -- شركات الانترنت العملاقة للعمل مع شركائها الأصغر لقيام درع الكتروني ضد التطرف. وقال مينيتي "إن علاقة تنظيم داعش بالانترنت مثل علاقة السمك بالمياه"، مشيرا إلى أنه حان الوقت لتطوير دواء ل"برامجها الخبيثة للارهاب". وأوضحت الوزيرة رود أن الحكومة البريطانية ستقوم بدورها عبر تعديل القوانين بما يسمح بمعاقبة من يتابعون ويشاهدون المحتوى المتطرف على الانترنت بعقوبات حبس تصل إلى 15 سنة. بحسب فرانس برس.

لكن جوليان ريتشاردز الخبير في مركز جامعة باكنغهام لدراسات الامن والاستخبارات أشار إلى أنه من غير المرجح أن تحذو باقي دول مجموعة السبع حذو بريطانيا في هذا المضمار. وقال ريتشاردز إن "مقاربة بريطانيا الصعبة لتقديم اجراءات تشريعية تحاول أن تجبر الشركات على التعاون واقتراح فرض احكام طويلة بالسجن على من يتشددون على الانترنت، هي غالبا غير مستساغة او حساسة سياسيا في دول متقدمة عديدة اخرى".

من جانب اخر اعلنت وكالة يوروبول الخاصة بمكافحة الارهاب والاجرام في الاتحاد الاوروبي ان تنظيم داعش لا يزال يحتفظ ب"قاعدة صلبة من المؤيدين الموالين له" على شبكة الانترنت، رغم الخسائر التي يتكبدها على الارض في سوريا والعراق. وقالت وكالة يوروبول ان "المجموعات الجهادية تستخدم ايضا منصات صغيرة ومنتديات على الانترنت لبث دعاياتها الارهابية".

ونقلت الوكالة التي تتخذ من لاهاي مقرا لها في بيان ان التراجع النسبي للدعاية "الرسمية" للمجموعة الجهادية ، ادى الى تزايد نشاط المؤيدين للتنظيم الجهادي. واضافت ان هذا الامر "يكشف ان التنظيم لا يزال يحتفظ بقاعدته الصلبة من المؤيدين الموالين له على الانترنت". ونشرت يوروبول هذه الخلاصات بعد ان عقدت جلسة عمل استغرقت يومين ضمت خبراء من البوسنة والهرسك وتشيكيا واستونيا والمجر، تناقشوا حول سبل الكشف عن ما تنشره المجموعات الجهادية في العالم عبر الانترنت.

وتابع بيان الوكالة الاوروبية ان "المنظمات الجهادية وانصارها يواصلون استخدام منصات عدة لنشر دعاياتهم" الا ان "تدخل مزودي خدمات الانترنت دفعهم الى الانتقال للعمل على منصات اصغر حجما". واوضحت يوروبول انها كشفت وجود 1029 كيانا بمضامين تمجد الارهاب. وسبق ان اعلنت بريطانيا عن خطة لمحاربة نشر المضمون الجهادي على الانترنت اثر الاعتداءات الاخيرة التي استهدفت اراضيها. ودعت رئيسة الحكومة تيريزا ماي الى استخدام وسائل قادرة على تحديد المضامين "الخطرة" على الانترنت لوقفها.

جيل جديد

في السياق ذاته قالت وكالة المخابرات الداخلية الألمانية إن القصر العائدين من مناطق الحرب في سوريا والعراق قد يصبحون جيلا جديدا من المجندين لصالح تنظيم داعش. وقالت المخابرات الداخلية إن أكثر من 950 شخصا من ألمانيا ذهبوا للانضمام لداعش في سوريا والعراق نحو 20 في المئة منهم نساء وخمسة في المئة من القصر. وفي الوقت الذي يخسر فيه تنظيم داعش الأراضي التي سيطر عليها في العراق وسوريا من المتوقع أن تعود الكثير من النساء مع أطفالهن. وقال مدير المخابرات هانز جورج ماسن إن على ألمانيا أن تستعد لخطر انتشار التطرف بين الأطفال.

وقال ماسن ”نرى الخطر المتمثل في عودة الأطفال الذين خالطوا الجهاديين وتلقوا تعاليم منهم من مناطق الحرب إلى ألمانيا. قد يسمح ذلك بنشأة جيل جديد من الجهاديين هنا“. وفي العام الماضي نفذ صبي ألماني عراقي يبلغ من العمر 12 عاما محاولة فاشلة لتفجير عبوتين ناسفتين في بلدة لودفيجشافن بغرب البلاد. بحسب رويترز.

من جانب اخر قالت الشرطة الألمانية إنها صادرت كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة خلال مداهمة لأربعة مواقع في برلين فيما يتصل بالتحقيق مع ألماني يبلغ من العمر 40 عاما يشتبه في انتمائه لدوائر إسلامية متشددة. وفي عام 2016، تعرضت لألمانيا لعدة هجمات شنها متشددون إسلاميون من بينها هجوم في برلين في ديسمبر كانون الأول قتل فيه تونسي بالرصاص سائق شاحنة بولندي قبل أن يدهس بالشاحنة 11 شخصا.

وحذرت وكالة المخابرات الداخلية الألمانية من مزيد من هجمات المتطرفين الإسلاميين في ضوء تزايد أعداد المقاتلين الأجانب العائدين من سوريا والعراق. وقالت الشرطة إنها طلبت من ممثلي الإدعاء نظر القضية نظرا للمخاوف من أن الأسلحة المصادرة كانت ستستخدم في هجوم لكن لم يتم التوصل إلى معلومات عن خطة محددة.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي