آثار العراق.. استباحة إرهابية واجندات خفية
عبد الامير رويح
2015-03-10 12:04
تعددت جرائم تنظيم "داعش" الإرهابي وتنوعت أفعالهم الشيطانية من أعمال القتل الانتقامية بحق الإنسان، والتي اختلفت بين" النحر والحرق والرجم والاغتصاب وغيرها من طرق التعذيب الأخرى التي اشتهر بها هذا التنظيم الإرهابي المتطرف البعيدة كل البعد عن القيم والأخلاق، والذي يسعى الى نشر الدمار وتشويه صورة الإسلام في العالم بمختلف الطرق والأساليب الإجرامية كما يقول بعض المراقبين، الذين أكدوا على عصابات داعش الإجرامية المدعومة من جهات وأطراف دولية وإقليمية، قد اعتمدت وفي ظل خسائرها المتتالية الى اعتماد خطط وأساليب إجرامية قذرة من اجل طمس وتغيب الحقائق وقتل الحضارة والتاريخ الإنساني في سوريا والعراق، حيث امتدت أيدي هذه العصابات اليوم لتدمر الآثار التاريخية والمساجد ودور العبادة والقضاء على حضارات العراق التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين، وهو ما أثار حالة من الغضب والاستياء العالمي.
وبحسب بعض الخبراء فان تدمير ونهب وإخفاء الآثار العراقية من قبل عصابات داعش الإجرامية، هي خطة مدروسة ومعدة مسبقاً من قبل جهات ودول كبيرة تسعى الى تغيير بعض الحقائق التاريخية المهمة في هذا البلد وفي غيره من البلدان الأخرى، وهي خطوة متممة لما أعقب احتلال العراق الذي فقد الكثير من الآثار والمخطوطات والكنوز التاريخية، حيث تعرض وبحسب بعض التقارير ما يقارب على 15 ألف موقع أثري للسرقة والنهب والتدمير، بالإضافة إلى تعرض المتحف العراقي الوطني في بغداد إلى أكبر عملية سرقة آثار في التاريخ، وتم سرقة وتهريب أكثر من220 ألف قطعة أثرية ومخطوطة تاريخية مهمة، كانت وبشكل مباشر تحت حماية قوات الاحتلال الأمريكي، ويرى البعض ان الهدف من وراء مثل هكذا أعمال هو تغيب وتحريف بعض الحقائق، والعمل على تأسيس تاريخ جديد في العديد من مناطق العراق لخدمة جهات وأطراف سياسية معينة ودول إقليمية.
مدينة الحضر الأثرية
وفي هذا الشأن فقد قالت وزارة السياحة والآثار العراقية إن متشددي تنظيم داعش دمروا أطلال مدينة الحضر الأثرية التي يعود تاريخها إلى ألفي عام بشمال العراق. وقال مسؤول إن الوزارة تلقت تقارير من موظفيها في مدينة الموصل الواقعة تحت سيطرة التنظيم المتشدد تفيد أن الموقع الأثري في الحضر دمر. وأضاف أن من الصعب تأكيد التقارير وأن الوزارة لم تتلق أي صور توضح حجم الدمار الذي لحق بمدينة الحضر التي أدرج اسمها ضمن مواقع التراث العالمي عام 1987.
لكن أحد سكان المنطقة قال إنه سمع دوي انفجار هائل وإن آخرين في مناطق قريبة ذكروا أن مقاتلي داعش دمروا بعض أكبر المباني في الحضر وأنهم يدمرون مناطق أخرى بالجرافات. وتقع الحضر على بعد نحو 110 كيلومترات إلى الجنوب من الموصل أكبر مدينة عراقية وكان المتشددون بثوا مقطع فيديو ظهروا فيه وهم يحطمون تماثيل ومنحوتات في متحف المدينة حيث توجد قطع أثرية لا تقدر بثمن وتعود للحقبتين الآشورية والهلنستية قبل ثلاثة آلاف عام.
وهاجم المتشددون أطلال مدينة نمرود الآشورية جنوبي الموصل بالجرافات. ووصفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) الهجوم بأنه "تطهير ثقافي" وقالت إنه يصل إلى حد جرائم الحرب. وتعود الحضر إلى الإمبراطورية السلوقية قبل ألفي عام والتي سيطرت على جزء كبير من العالم القديم الذي غزاه الاسكندر الأكبر. وتشتهر بمعبد الأعمدة وسط موقع أثري مترامي الأطراف.
وقال سعيد مموزيني المتحدث باسم فرع الحزب الديمقراطي الكردستاني في الموصل إن المتشددين استخدموا متفجرات لنسف المباني في الحضر وإنهم يدمرونها أيضا بالجرافات. وقالت وزارة الآثار إن عدم وجود استجابة دولية قوية على هجمات داعش السابقة على المواقع الأثرية في العراق شجع الجماعة المتشددة على مواصلة حملتها. وأضافت الوزارة في بيان "التجاوب لم يكن بالمستوى المطلوب فساهم تباطؤ دعم المجتمع الدولي للعراق بتشجيع الإرهابيين على إقتراف جريمة أخرى بسرقة وتدمير آثار مدينة الحضر المدرجة على لائحة التراث العالمي والتي يعود تاريخها إلى القرن الثاني قبل الميلاد."
وتابع البيان "إن هذا العمل الجبان قد مس هذه المرة إرثا مسجلا على لائحة التراث العالمي منذ عام 1987 وينبغي أن ينبري العالم ومنظماته الدولية لمجابهة هذا الاعتداء الصارخ على الموروث الإنساني." وشبه علماء الآثار الهجوم على تاريخ العراق الثقافي بتدمير حركة طالبان لتماثيل بوذا في باميان بأفغانستان عام 2001. لكن الضرر الذي ألحقه التنظيم ليس فقط بالآثار القديمة لكن أيضا بأماكن العبادة الإسلامية التي لا تبايعه كان سريعا ولا هوادة فيه وعلى نطاق أوسع. بحسب رويترز.
وأظهر تسجيل مصور إسقاط تماثيل ومنحوتات من قواعدها الحجرية في متحف الموصل وتحطيمها بالمطارق. وأظهر التسجيل أيضا الحاق اضرار بتمثال ضخم لثور عند بوابة نركال المؤدية إلى مدينة نينوى. ويتبنى التنظيم تفسيرا متشددا للإسلام ويرفض المراقد الدينية من أي نوع ويتهم الغالبية الشيعية في العراق بالكفر. وفي يوليو تموز دمر التنظيم مرقد النبي يونس في الموصل. وهاجم أيضا مناطق عبادة للشيعة وفي العام الماضي منح المسيحيين في الموصل مهلة إما لاعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو مواجهة الموت بالسيف. واستهدف التنظيم أيضا الأقلية اليزيدية في جبل سنجار إلى الغرب من الموصل.
آثار النمرود
من جانب اخر ينتظر علماء الاثار اكتشاف حجم الدمار الذي لحق بمدينة نمرود الاثرية في العراق التي قام متطرفو تنظيم الدولة الاسلامية بتجريفها في خطوة اعتبرتها منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "جريمة حرب". فبعد الهجمات الوحشية التي تعرض لها متحف مدينة الموصل واحراق احدى اهم مكتباتها، على مسلحي يد الدولة الاسلامية قام التنظيم بتجريف مدينة نمرود الاثرية، وفقا لوزارة السياحة العراقية. وقال مسؤولون عراقيون في مجال الاثار، ان مسلحي داعش جلبوا شاحنات الى موقع نمرود الاثري الذي يقع الى جانب نهر دجلة وعلى بعد ثلاثين كيلومترا الى الجنوب من مدينة الموصل. وقال مسؤول رفض كشف اسمه "حتى الآن، لا نعرف الى أي حد تم تدمير الموقع".
وقال عبد الامير حمداني، وهو عالم آثار عراقي في جامعة ستوني بروك الاميركية، "انا فعلا محطم، الامر مجرد وقت فنحن ننتظر شريط الفيديو، الامر محزن". واشار الى منع حراس الموقع من الوصول الى اثار نمرود الواقعة وسط الصحراء في نينوى، وتعد جوهرة الحضارة الاشورية ويعود تاريخها الى الفي عام قبل الميلاد. ويضم الموقع نقوشا مذهلة وتماثيل مجنحة برؤوس بشرية.
ومن أبرز الآثار التي عثر عليها في الموقع "كنز نمرود" الذي اكتشف في 1988، وهو عبارة عن 613 قطعة من الاحجار الكريمة والمجوهرات المصنوعة من الذهب. ووصف العديد من علماء الآثار هذا الاكتشاف، بانه الاهم منذ اكتشاف قبر الملك الفرعوني توت عنخ آمون في العام 1923 واعظم اكتشاف في القرن العشرين. وقال حمداني "آسف للقول ان الجميع كان يتوقع هذا الامر. خطتهم (الجهاديون) هي تدمير التراث العراقي، موقعا بعد آخر".
واستنكرت ايرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو، الجمعة تدمير اثار نمرود. وقالت "لا يمكننا البقاء صامتين"، مؤكدة ان "التدمير المتعمد للتراث الثقافي يشكل جريمة حرب". ودعت "كل المسؤولين السياسيين والدينيين في المنطقة الى الوقوف في وجه هذه الهمجية الجديدة". كما دعت منظمة اليونسكو الى اتخاذ اجراءات اكثر صرامة لحماية المواقع الاثرية، لكن لايمكن القيام بشىء كبير في المناطق التي يسيطر عليها الجهاديون.
ويبرر المتطرفون تدمير آلاثار بانها اصنام كانت تستخدم للعبادة فيما يقول مختصون ان الجهاديين يهربون الاثار للحصول على موارد لتمويل دولة "الخلافة" التي يدعون. ويقول ستيوارت جيبسون الخبير في منظمة اليونسكو في شؤون المتاحف، ان تاثير المجتمع الدولي محدود على تنظيم الدولة الاسلامية. وقال "طالبنا شعوب المنطقة بادراك ضرورة حماية تراثها الثقافي". واضاف "اليوم للاسف، الناس في المنطقة اثارهم الرعب والباقون منا في الخارج يتطلع بيأس مطلق".
ودمر المتطرفون منذ سيطرتهم على مدينة الموصل، في العاشر من حزيران/يونيو 2014، عدد كبير من المواقع المقدسة والدينية والتاريخية. واكدت بوكوفا بانه تم "رفع المسالة الى مجلس الامن الدولي والمدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية" داعية "مجمل الاسرة الدولية (الى) توحيد جهودها" من اجل "وقف هذه الكارثة". ورات ان "التطهير الثقافي الجاري في العراق لا يوفر شيئا ولا احد، يستهدف الحياة البشرية والاقليات ويترافق مع التدمير المنهجي للتراث البشري الذي يعود الى الاف السنين". بحسب فرانس برس.
وقالت وزارة السياحة والآثار العراقية ان "عصابات" التنظيم قامت "بالاعتداء على مدينة نمرود الاثرية وتجريفها بالآليات الثقيلة مستبيحة بذلك المعالم الاثرية التي تعود الى القرن الثالث عشر قبل الميلاد وما بعده". ونقل العديد من آثار نمرود من الموقع الاثري الى متاحف عدة بينها متحفا الموصل وبغداد، اضافة الى متاحف في باريس ولندن وغيرها. الا ان ابرز القطع لا سيما التماثيل الآشورية الضخمة للثيران المجنحة ذات الرأس البشري، والقطع الحجرية المنقوشة، بقيت في الموقع.
إدانات دولية
في السياق ذاته وصف مجلس الأمن الجرائم التي يرتكبها تنظيم "الدولة الإسلامية" بـ"الأعمال البربرية الإرهابية"، مدينا عمليات القتل والاعتداءات المتكررة ضد الإرث الثقافي والحضاري في العراق. وشدد على ضرورة "دحر" التنظيم. وقال مجلس الأمن في بيان إن "أعضاء مجلس الأمن يدينون بقوة الأعمال البربرية الإرهابية المستمرة في العراق من قبل تنظيم الدولة الإسلامية."
وأكد المجلس أيضا أن هذه الجماعة "لابد من دحرها ولابد من القضاء على التعصب والعنف والكراهية التي تعتنقها." وأدان المجلس "التدمير المتعمد لآثار دينية وثقافية لا تعوض في متحف الموصل وحرق آلاف الكتب والمخطوطات النادرة من مكتبة الموصل." وكان مجلس الأمن الدولي قد حظر في وقت سابق كل التجارة في الآثار القادمة من سوريا التي تمزقها الحرب وهدد بفرض عقوبات على كل من يشتري نفطا من تنظيم "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة" المرتبطة بالقاعدة.
وحث الدول على وقف دفع أموال فدية للمخطوفين. ولم يعرف حجم الأموال التي يجنيها تنظيم داعش من الآثار التي تباع بشكل غير قانوني، ولكن دبلوماسيين بمجلس الأمن قالوا إنها كبيرة. ومن جهتها، أدانت إيرنا بوكوفا، مديرة اليونسكو، تدمير الآثار في متحف الموصل. وقالت في بيان "أدين هذا بوصفه هجوما متعمدا ضد تاريخ وثقافة العراق التي يبلغ عمرها قرونا وبوصفه تحريضا على العنف والكراهية."
الى جانب ذلك دان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند التدمير "الوحشي" لاثار تعود الى حقبة ما قبل وصرح هولاند امام صحافيين ان "الوحشية تطال الاشخاص والتاريخ والذاكرة والثقافة"، مضيفا ان "ما يريده هؤلاء الارهابيين هو تدمير كل اوجه الانسانية". وتابع ان "السعي الى تدمير التراث يعني السعي الى تدمير كل الذين يحملون رسالة ثقافة". وراى رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس في عملية التدمير "زوالا لجزء من الفكر البشري والعالمي".
على صعيد متصل أكدت دار الإفتاء المصرية أن تدمير القطع أثرية لا "أسانيد شرعية" له وأن التنظيم يعتمد في ذلك على الآراء "الشاذة والواهية والمضللة"." موضحة أن الحفاظ على التراث "أمر لا يحرمه الدين". وأكدت دار الإفتاء في بيان أن "الآراء الشاذة التي اعتمد عليها "داعش" في هدم الآثار واهية ومضللة ولا تستند إلى أسانيد شرعية". وأشارت إلى أن "هذه الآثار كانت موجودة فى جميع البلدان التي فتحها المسلمون ولم يأمر الصحابة الكرام بهدمها أو حتى سمحوا بالاقتراب منها". بحسب فرانس برس.
وأوضحت أن "الصحابة جاءوا إلى مصر إبان الفتح الإسلامي ووجدوا الأهرامات وأبو الهول وغيرها ولم يصدروا فتوى أو رأيا شرعيا يمس هذه الآثار التي تعد قيمة تاريخية عظيمة". وأضافت أن "الآثار تعتبر من القيم والأشياء التاريخية التي لها أثر في حياة المجتمع (...) وبالتالي فإن من تسول له نفسه ويتجرأ ويدعو للمساس بأثر تاريخي بحجة أن الإسلام يحرم وجود مثل هذه الأشياء في بلاده فإن ذلك يعكس توجهات متطرفة تنم عن جهل بالدين الإسلامي". وشددت على أن "الحفاظ على هذا التراث ومشاهدته أمر مشروع ولا يحرمه الدين".