كيف اصبحت باكستان ارضا لإرهابي داعش؟
عبد الامير رويح
2017-08-15 05:00
تزايدت اعمال العنف والارهاب في باكستان بشكل كبير في السنوات الاخيرة، بسبب تنامي الصراعات والحروب في المنطقة وانتشار الجماعات والتنظيمات المسلحة، التي تتبنى الفكر المتشدد ومنها تنظيم داعش الارهابي الذي استطاع وبحسب بعض المراقبين، ان يجد له موطئ قدم في هذه البلاد مستفيدا من حالة عدم الاستقرار الامني والصراعات المستمرة في المنطقة، وهو ما تنفيه السلطات الباكستانية بشكل دائم، ودولة باكستان تعيش كما نقلت بعض المصادر منذ عقود طويلة، حالة صراع شامل مع شبكات لا تُعدُّ ولا تحصى من الجماعات المسلحة والمتشددة التي أعلنت الحرب على الدولة.
وتُوَجِّه هذه الجماعات ضرباتها نحو عدد من المؤسَّسات والمكوِّنات على غرار الجيش والحكومة ورجال السياسة والطوائف الدينية، إلى جانب استهدافها الأقليات والمجموعات العِرقية، بل وحتى المدنيين. ويكتسب الموضوع أبعادًا مختلفة في بلد ذي أغلبية سكانية مسلمة، كما يضم أيضًا نحو 4% من السكان غير المسلمين، ويُشكِّل أتباع المذهب السني أغلبية السكان، إلى جانب أقلية من الشيعة بمختلف مذاهبهم.
الاحداث والتطورات الاخيرة دفعت الحكومة الباكستانية، الى اتخاذ اجراءات وخطط استباقية في سبيل مواجه التحديات والمشكلات الامنية، حيث قال المتحدث باسم الجيش الباكستاني في وقت سابق، إن الجيش شن عملية ضخمة في المناطق القبلية المضطربة لمنع تنظيم داعش من التقدم في المناطق المجاورة لأفغانستان. وتنفي باكستان منذ فترة طويلة أن للتنظيم موطئ قدم داخل الدولة التي تملك سلاحا نوويا رغم سلسلة هجمات أعلن التنظيم مسؤوليته عنها خلال العامين الماضيين.
وقال المتحدث العسكري اللفتنانت جنرال أصف غفور إن تنظيم داعش تزداد قوته داخل أفغانستان مما يدفع باكستان لشن عملية في المناطق القبلية. وقال غفور "هذه العملية ضرورية لأن داعش تزداد قوة هناك ويتعين علينا منع انتشار تأثيرها داخل الأراضي الباكستانية عن طريق وادي ريجال" مشيرا إلى واد تحيط به جبال يصل ارتفاعها إلى 14 ألف قدم. وقال إن عملية "خيبر4" التي تشارك فيها القوات الجوية الباكستانية ستركز على المناطق الحدودية داخل منطقة خيبر القبلية. وقال غفور إن هناك ملاذات آمنة عبر حدود خيبر للعديد من المنظمات الإرهابية التي لها صلة بهجمات وقعت في الفترة الأخيرة في باكستان منها هجوم باراتشينار.
عنف مستمر
وفي هذا الشأن أدت هجمات في باكستان إلى مقتل 37 شخصا على الأقل، وجرح 150 آخرين بجروح في بالوشستان، جنوب غرب البلاد، و في سوق مزدحمة في باراشينار، على الحدود مع أفغانستان. وفي كويتا، كبرى مدن إقليم بالوشستان المضطرب، تم استهداف الشرطة في هجوم تبناه تنظيم داعش وجماعة الأحرار، الفصيل المنشق عن حركة طالبان باكستان. وأعطت المنظمتان تفاصيل متضاربة وفقا لمركز سايت الأمريكي المتخصص في رصد المواقع الإلكترونية الجهادية.
وأعلنت ولاية خراسان فرع تنظيم داعش في باكستان وأفغانستان، مسؤوليتها عن العديد من الهجمات في الأشهر الأخيرة في بالوشستان، وأحيانا بالتحالف مع مجموعات إسلامية محلية مثل "جماعة الأحرار". وأوقع الانفجار أمام مكتب قائد الشرطة 13 قتيلا ونحو عشرين جريحا، بحسب فريد أحمد، كبير الأطباء في مستشفى المدينة. ومن بين الضحايا، تسعة قتلى من الشرطة وفقا لقائد شرطة المدينة عبد الرزاق شيما. كما أكد مسؤول آخر في الشرطة استهداف عناصرها دون أن يتمكن من تحديد طبيعة الانفجار. وفي المستشفى، كان الأطفال قرب أقاربهم على نقالات ملطخة بالدماء.
وهذا الإقليم المتاخم لإيران وأفغانستان هو الأكبر في باكستان، لكن سكانه البالغ عددهم سبعة ملايين نسمة يشكون من التهميش والحرمان رغم موارده من الغاز والمعادن. ويعاني الإقليم من أكثر من عقد من تمرد انفصالي وعنف الإسلاميين. وقد سمحت العمليات العسكرية ومشاريع التنمية بتقليص حجم أعمال العنف إلى حد كبير في السنوات الأخيرة، لكن الهجمات لا تزال تحدث بشكل متقطع.
والإقليم استراتيجي بسبب الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، وهو مشروع طموح للربط بواسطة الطرق والطاقة بين الصين وبحر العرب عبر مياه ميناء غوادار العميقة في بالوشستان. وفي شمال باكستان، أسفر هجوم مزدوج في سوق مزدحمة مع اقتراب عيد الفطر عن مقتل 37 شخصا على الأقل في بلدة تسكنها غالبية شيعية في منطقة القبائل. وقال نصر الله خان المسؤول المحلي الكبير إن الانفجار الأول وقع في ساعة الذروة في سوق باراشينار، كبرى مدن منطقة كورام القبيلة. وأضاف "عندما هرع المسعفون إلى المكان لمساعدة الجرحى، وقع انفجار ثان"، مشيرا إلى أكثر من 150 جريحا. بحسب فرانس برس.
وأكد مسؤول محلي آخر الحصيلة. لكن المسؤولين لم يتمكنوا من تحديد طبيعة الانفجار، الذي لم تعلن اي جهة مسؤوليتها عنه. من جهته، أدان رئيس الوزراء نواز شريف الهجوم "البشع" داعيا إلى تعزيز الأمن في البلاد. وسبق أن تعرضت أسواق هذه البلدة النائية قرب الحدود الافغانية، لتفجيرين كبيرين هذا العام أسفرا عن مقتل 22 و 24 شخصا على التوالي. ومذاك، أصبحت "الأسواق تحميها أسوار، ولا يسمح للمركبات بدخولها" كما قال ساجد حسين توري، وهو صاحب السوق المستهدفة.
النساء حمل السلاح
على صعيد متصل أطلقت حركة طالبان باكستان المتطرفة مجلة موجهة للنساء لتشجيعهن على حمل السلاح والالتحاق "بالجهاد" المجلة التي تُسمى " سُنّة خولة"، يظهر على غلاف عددها الأول الذي صدر سيدة منقبة من رأسها إلى أخمص قدميها. وذكرت افتتاحيتها أن الهدف منها هو "دفع المسلمات إلى العمل المسلح" و"الالتحاق بصفوف المجاهدات".
واقترحت حركة "تحريك طالبان-باكستان" التي تصدر المجلة الدعائية، في العدد الأول الذي تضمن 45 صفحة باللغة الانكليزية على النساء المسلمات "تنظيم اجتماعات سرية في بيوتهن ودعوة الأخوات للجهاد"، بالإضافة إلى "توزيع مؤلفات تتحدث عن إلزامية الجهاد وتنظيم دورات تدريب بدني على حمل واستخدام الأسلحة الخفيفة والقنابل". كما تقترح "سنة خولة" لقارئاتها، حوارا مع زوجة زعيم حركة طالبان-باكستان فضل الله الخرساني والذي تزوجت به في سن الرابعة عشر. وتدافع فيه عن زواج القصر، متساءلة "لماذا هذه الضجة والعويل حول مسألة زواج القصر؟ لا بد أن ندرك أن عدم تزويج الذكور والإناث البالغين قد يكون سببا لتدمير مجتمعنا".
وفي مقال دعائي آخر جاء على شكل رسالة مفترضة لطفل في السادسة من العمر يدرس في مدرسة دينية ويرتاد مركز تكوين لطالبان، يقول فيها إن شقيقه قتل خلال تفجير انتحاري في باكستان وأنه يساعد والدته في الاعتناء بالمجاهدين، قبل أن يضيف بأنه يتشوق للالتحاق بالجهاد . وفي تصريح لصحيفة الغارديان البريطانية، قال مايكل كوغلمان، المتخصص في شؤون جنوب آسيا في "ويدرو ويلسون سانتر" الأمريكي بإن "النساء هدف ديموغرافي استراتيجي" لأنه "باستطاعتهن التأثير على أبنائهن. وإذا التحقت النساء بالعمل العسكري سيكون بمقدورهن تشجيع أبنائهن وبناتهن على العمل العسكري أيضا".
فحركة طالبان استخدمت النساء في عمليات انتحارية منذ 2010-2011 بحسب "ديلي تايمز الباكستانية . لكن استخدام النساء في هذه العمليات كان ضئيلا مقارنة مع تنظيم "الدولة الإسلامية". وإطلاق مجلة "سنّة خولة" يوحي برغبة الحركة في محاكاة التنظيم المتطرف من خلال إشراك عدد أكبر من النساء في تمردهم كمقاتلات أو كزوجات للجهاديين. تور هامننغ باحث في الحركات الإسلامية في المعهد الجامعي الأوروبي صرح بأن جذب النساء والحديث صراحة عن الدور الذي قد يعهد إليهن، يتماشى مع أهداف المجموعات الإسلامية الناشطة في هذه المنطقة . بحسب فرانس برس.
ويصف المتخصص تور هامننغ المجلة بأنها "فظيعة وسيئة التصميم". ويعتبر أن النشرة تعد تقريبا تطويرا لجهود تنظيم داعش الذي لم ينشر أبدا مجلة رقمية باللغة الإنكليزية موجهة للنساء. بل كانت تتضمن فقط ملحقا خاصا بهن في نشرية "دابق" التي كانت توزع في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم المتطرف. ويضيف الخبير " "سنّة خولة"هي نشرية تؤكد طموح طالبان-باكستان لإعادة الاعتبار لنفسها، "وهي محاولة من الحركة لإعادة تنظيم أفرادها وشبكاتها التي تضررت من جراء المعارك على الأرض في السنوات الأخيرة".
مصير باكستان
الى جانب ذلك دعا رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف، الذي أقالته المحكمة العليا بتهمة الفساد الشهر الماضي، دعا أنصاره إلى الاستمرار في دعمه، وذلك بعد عودته إلى مدينة لاهور. وكان شريف قد بدأ رحله من العاصمة إسلام أباد وقطع على مراحل حوالي 400 كيلومتر بهدف حشد دعم الباكستانيين له، وتأكيد استمرار شعبيته، بعد القرار الذي أدى إلى عزله في 28 تموز/يوليو الماضي في قضية فساد.
واستقبل آلاف الباكستانيين رئيس الوزراء السابق نواز شريف الذي وصل إلى لاهور (شرق) العاصمة الثقافية لباكستان، وهم يرددون هتافات مؤيدة له وانتقادات لقرار المحكمة العليا بعزله. وقال شريف لحشد من أنصاره إن "هذا البلد يملكه مئتا مليون شخص، وليس قلة قاموا بإزاحتي بدون احترام تصويتكم"، معبرا عن رفضه للاتهامات وتشكيكه في كفاءة القضاة الذين اصدروا الحكم بعزله. وأضاف "لست خائفا، ولن أجلس في بيتي. لن أفعل ذلك قبل أن أغير مصير هذا البلد"، داعيا إلى "ثورة" بدونها "سيبقى الفقراء فقراء والعاطلون عن العمل عاطلين عن العمل".
وقام نواز شريف بجولته التي استمرت 4 أيام والقى خلالها خطبا حماسية، مستقلا سيارة مصفحة. وجرت الجولة وسط إجراءات أمنية مشددة، بعد انفجار آلية مفخخة في لاهور أسفر عن سقوط قتيل وعشرات الجرحى. وكانت المحكمة العليا الباكستانية قد أصدرت في 28 تموز/يوليو قرارا مثيرا للجدل ينص على "عدم أهلية" شريف لشغل منصب نائب في البرلمان، بعدما دانته بعدم الكشف عن راتب تمنحه له شركة يملكها أحد أبنائه في الإمارات العربية المتحدة، مما يعني تخليه عن منصبه على رأس الحكومة. وقد انتخب البرلمان في مكانه شهيد خاقان عباسي رئيسا جديدا للحكومة. ومن المقرر إجراء انتخابات جزئية في دائرته الانتخابية في سبتمبر/أيلول المقبل لاختيار نائب للمقعد الشاغر في ولاية البنجاب(وسط) بعد إسقاط عضوية نواز شريف.