رسالة من سيدة موصلية: لست جارية

مروة حسن الجبوري

2017-07-12 04:10

في عصر التكنولوجيا والاجهزة الذكية والثقافة هناك نساء يُعاملنَ معاملة الجواري، وسوق يُعرضن فيه للبيع أو الاستئجار، كما كانوا في الجاهلية الأولى، وقد تُباع لأكثر من عشرة اشخاص أو اقل على حسب جمالها وديانتها.

مرعب جداً أن ترى هذه الأفعال تُمارس من قبل من يدّعون الجهاد الاسلامي الزائف الذي هتك حرمة المرأة وجعلها جسر لوصولهم لتلك الخبائث النتنة.

إن الافصاح عن هذه الجريمة ليس بهذه السهولة التي من الممكن أن يعرضها الاعلام، وإن سمح وعرضها فهناك الكثير من القصص الأخرى التي تروى من قبل السيدات اللاتي تعرضن للبيع والاستئجار، أن تشعر ان هذه المرأة عرضت للبيع بثلاثة رؤوس من الجنود، ويتم تسليمها عند تسليم المبلغ، حكاية ترويها السيدة (لوفيان الايزيدية) عن فراغ عقولهم وامتلاء أجسادهم بتلك الاسلحة السوداء التي يضربون بها النساء، وبعدها يتم تصفية مجموعة من الفتيات والمتزوجات والعجزة، في تلك الليلة المرعبة والملتهبة بنار حقدهم وحالك السواد في الليل فلم اشعر بشيء غير الظلام، شيء من الرهبة، كنت أشعر دائماً بأن هناك وحش مرعب يختبئ خلف افعالهم. وفي يوم ما سيكشف عن أنيابه ويبتلع قريتنا بكاملها .عرفوا من الاسماء إننا من الطائفة الأخرى، وبدأ الشيخ في انتخاب الأجمل من النسوة، وإن كان عمر الفتاة أقل من تسع سنوات، كانت أسلاك الكهرباء تضرب أمامي لمن ترفض الخروج، وتُسجن في زنزانة تحت الارض وحولها كلاب، بعد لحظات تقدموا نحوي لم أكن جميلة كبقية الفتيات ومن سوء الحظ أصبحت في أعينهم جميلة، وكأن شيئاً ما جذبهم نحوي، كان ذلك الشعور لا يمكن وصفه بكل أبجدية الحروف، ولم أستطع تحمله فأغمضت عيني وفتحتها لعله كابوس وأفيق منه، من دون جدوى الحديد يطوق يدي ورقبتي، حتى وصلت إلى السوق الكبير، ووضعت رأسي على جدار السوق، وأغمضت عيني، أنتظر من يأتي لينقذني،

كنت أرى شقيقتي وهي تُباع على الجانب الآخر من السوق، وأخي المقيد في السلاسل من الحديد، يُدار به في الأسواق، كاد رأسي أن ينفجر، ففتحت عيني وافتقدت أمي، أدركت أنها مريضة وقد تكون في حالة خطرة، لعدم أخذها للعلاج، جاء من يشتري شقيقتي ودفع ثمنها وأخرجها من الزنزانة، لم أعرف بماذا شعرت في وقتها، ما أتذكره هو دموعها ويدها الصغيرة وهي تلوح لي بالوداع، لم أكن أتمنى أن تأتي هذه اللحظة أبداً، كنت خائفة عليها من إفتراسهم، من كل شيء حولها. من الضياع من القتل .. من كل شيء.

في تلك الأيام وتحت أشعة الشمس أقف منتظرة صاحب المال لست أنا الوحيدة، هناك الكثير من الفتيات تنتظر المجهول.

تحقق كل ما كنت أخاف حدوثه، بعد اسبوع من العرض، جاء شيخ كبير في العمر، ودفع ثمني وثمن فتاة أخرى، أخرجني من السوق بعدما رمى على رأسي قطعة قماش سوداء ونقاب حتى لا أكون عورة .

كنت وقتها هادئة جداً وقد أكون جسد خاوي، وصلتُ أنا والفتاة إلى دار هذا الشيخ، جدارن رطبة ورائحة القتل تفوح منها، مجموعة حطب وآثار الرصاص في كل مكان، لا أعرف اين أنا، هناك أربعة نسوة في الدار، طلبوا منا أن نجهز أنفسنا، فهذه ليلة الأمير، ويرغب أن تكون مميزة، جلستْ عند رأسي تسرح خصلات شعري الذابلة من أشعة الشمس، تلون وجهي بتلك الالوان الشاحبة، ألبستني ثوب طويل وعليه بعض الأحجار، سحبت يدي وأدخلتني إلى حجرة الامير .

استفقت فجأة وأنا أصرخ، أمسك بي وضرب رأسي بسلاحه، وأجبرني على تقبيل قدميه، لكني لم أستطع تقبيلها، فقص شعري وجلدني أربعة عشر جلدة ..

.. أسرع لغرفة الفتاة التي كانت معي، وأمر جنوده أن ترى ماذا فعل بي حتى أكون عبرة لها. كنت أصرخ وهي تبكي، لم أستطع تحمل كل تلك الاوجاع، يا إلهي !.

نظرتُ إلى الأعلى لا شيء غير الدخان المتصاعد، منظر مخيف. لم أستطع التحمل أكثر من ذلك، فصرخت بكل قواي حتى أصبحت في النهاية لا أشعر بالمكان، وبعد ساعات عرفت إنني في ردهة الجرحى، يدي مغلولة وقدمي، أغمضت عيني ثم بدأت بفتحها رويداً رويداً خوفاً من رؤيتهم مرة أخرى مع كل شقة لعيني كنت أرى ضحية جديدة. أصوات مخيفة في كل مكان، أراد الله أن لا أعاشرهم لسوء حالتي، فقد منع الطبيب من خروجي من الردهة بسبب النزف الحاد، رغم الوجع إلا إنني سعيدة بهذه الهدية التي منحني إياها القدر.

وبعد أيام فرغت الردهة ولم يبقَ أحد غيري والطبيب فيها، وهذا من غير المعتاد أن تكون الردهة صامتة كهذا اليوم، حتى وجبة الطعام تأخرت كثيراً، وإن كانت لا تعتبر وجبة فهي ثلاث حبات من التمر مع كاسة من لبن فقط، تغير حال الطبيب، وبدأت تظهر عليه ملامح القلق، حاول كثيراً الاتصال بمجموعته، فكان جوابهم ليس الآن انتظر، جملة واحدة جعلتني أواجه قدري بكل ما فيه، الموت أو الحياة، عندما طلبوا منه أن يتخلص مني بأي طريقة كانت ويهرب نحو الصحراء، إن فقد الاتصال بهم ليلاً، جسدي ممزق ولا أملك القوة الكافية للهروب، فكرتُ كثيراً ولم أجد غير إنني أتحدث مع هذا الطبيب وأطلب منه أن لا يقتلني، أتوسل به بكل شيء بالسماء وما فيها والارض وما عليها، لم يوافق وطلب مني ان ألتزم الهدوء، وإلا سيتصل بهم ويبلغهم بطلبي، الصمت سار في المكان، وأصوات الرصاص تعلو، وكلما ارتفعت اصوات الرصاص ارتبك الطبيب اكثر، أخذ يحلق لحيته السوداء، وغير ملابسه، وحمل معه المال والسلاح، صرخت الى اين تذهب وتتركني، أرجوك توقف. أمسك بفمي ودفع فيه العلاج، ورحل.

الصورة غير واضحة في عيني، ولم اعد اسمع تلك الاصوات، هناك فوضى تدور في رأسي، وهلوسات أتحدث فيها، أول مرة أتجرع هذا النوع من الدواء، سرحتُ في عالم لا يعرفه غيري، وصحوت عند اول قطرة ماء أريقت على وجهي، أين أنا، من أنتم، لا تقتلوني أرجوكم .

تغير الحال، وجوه ضاحكة غير تلك الوجوه الغبرة، ملامحهم مستبشرة، ملابسهم مختلفة، ومعهم الماء والطعام، لم اتجرأ لقول كلمة واحدة، يحاول أحدهم أن يفتح القيد ويُخرج يدي، وآخر جلس عند قدمي يقطع السلاسل، مازلت أشعر بالدوار، أراقوا الماء عليّ، واخرجوني بسيارة الاسعاف، اسمع همهمات بينهم، منهم من كان يقول انها جريحة، وآخر كان يرد انها بحاجة الى طعام، على الطريق العام وقفت السيارة وأنزلوني منها، ضمدوا الجراح وجهزوا لي ملابس وصحن فيه رز وقطعة دجاج، لا أظن بأن أحداً شعر بالجوع كما شعرت أنا، سألوني عن حالتي الصحية وكيف أشعر الآن، لم أتمكن من الرد عليهم، خائفة أن يكونوا من اصحاب الامير، وفعلوا هكذا حتى أعود معهم الى حجرة الامير، لكن سرعان ما دخل الأمان إلى قلبي، وحدثتهم عن اسمي وعائلتي، وقلت أنا ميتة في كل الاحوال سأقول لهم ولا يهم ماذا يحصل.

رد احدهم وقال لي: نحن هنا من أجلكم اختاه لا تخافي، منذ ثلاثة أيام ونحن في قتال مع هذه المجموعة، وقد تم تحريركم، ومازالت بعض المناطق لم تحرر بعد، حمدت ربي كثيراً لانني أُنقذت من الوحش، وقصصت لهم ما حصل معي ومع عائلتي.

حملوني على أكتافهم وجاءوا بي إلى مخيم صغير، وقالوا لي أنت لست جارية، في وصية مرجعي أنت الأخت وواجبي أن افديك منحري، اجلسي يا اختاه، وكلنا نخدمكم حتى تعودون إلى دياركم وتجتمعون مع عوائلكم، أُترجم الشكر بدموع مقلتي، أخذوا يبحثون عن بقايا عائلتي التي لا أعرف ماهو مصيرهم، هل مازالوا على قيد الحياة أم قُتلوا ..

لوفيان هي الراوية لما حصل معها عندما كانت اسيرة في يد داعش، وفي تقرير مفصل عن حياة الإيزيديات عند داعش، نشرت في ديسيمبر 2014، منظمة العفو الدولية تقريراً عن حياة النساء الإيزيديات عند داعش، اعتبرت فيه أنّ "الممارسات التي يقوم بها داعش في حق النساء والفتيات الإيزيديات، يمكن تصنيفها ضمن جرائم الحرب، فالعنف الهائل المطبق على النساء، والعنف الجنسي الذي يشمل الاغتصاب والعبودية الجنسية، هو عنف شديد غير مقبول. إذ بعد أن يجبر التنظيم المرأة الإيزيدية على تغيير دينها، واعتناق الإسلام، يقوم ببيعها أو يزوجها. وقد يقتل المقاتلون النساء بعد الانتهاء منهنّ". كما ذكر التقرير أنّ "العديد من الإيزيديات المستعبدات جنسيّاً، هنّ من أعمار صغيرة جداً، أربعة عشر وخمسة عشر عاماً".

في أبريل الماضي، شهدت 20 سيدّة من الهاربات من قبضة داعش لمنظمة هيومان رايتس ووتش، بما جرى معهنّ أثناء احتجازهنّ. فجاءت الشهادات صادمة ومذهلة، إذ تشير إحداهن إلى أنه "تشاركها سبعة من المقاتلين، واغتصبت بعض النساء وهنّ معصوبات الأعين، مكبّلات الأيدي والأرجل، وضربت النساء كلّما حاولن الفرار. غير العنف النفسي المطبّق بشدّة، كأن يقولوا لهنّ أن ينسين أقرانهنّ وأولادهنّ، لأنّهن الآن زوجات لمقاتلي التنظيم وسيحملن أطفالهم، أو أن يسوقوهن إلى الخارج مهددين بقتلهنّ، ثمّ يطلقون طلقاتٍ في الهواء، فتذعر النساء من لحظة الموت".

وزارة حقوق الانسان أكدت من ناحيتها وجود جرائم اغتصاب بحق نساء موصليات وفي مناطق أخرى تسيطر عليها (داعش). ويؤكد المتحدث بإسم الوزارة كامل أمين إن الوزارة رصدت تلك الجرائم عبر مصادرها الخاصة، مشيراً الى انها لم تتفاجأ من حدوث مثل تلك الحالات، وقال ان هناك حالات اغتصاب أكبر، ولكن لم يتم ابرازها في وسائل الاعلام، فضلاً عن طبيعة المجتمع الموصلي الذي يتكتم على حدوث مثل تلك الجرائم.

وأكد امين ان وزارة حقوق الانسان وثّقت جرائم الاغتصاب والانتهاكات الأخرى وطرحتها في اجتماعات مجلس حقوق الانسان في جنيف، حيث تواجد وفد من الوزارة، وقال إن تلك الجرائم تم عرضها في مؤتمر دولي أُقيم في لندن وحضره وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري لمناقشة بروتوكول اعد بمبادرة من الحكومة البريطانية للحد من استغلال النساء واغتصابهن اثناء الحروب والصراعات.

و دعا أمين إلى تطبيق قرارت مجلس الأمن الدولي فيما يتعلق بالجرائم الارهابية. وبين ان تنظيم (داعش) الارهابي لديه سوابق في جرائم الاغتصاب اذ مورست مثل هذه الجرائم في سوريا وفي الانبار ايضاً. واشار الى الوثيقة التي أصدرها التنظيم وفيها قمع للحريات وفرض الجزية على المسيحيين وتهديم الآثار وقتل ائمة الجوامع، هذه الاحصائية نقلاً عن انتهاكات(داعش) وعمليات اغتصاب نساء.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي