ساحل العاج: العصيان العسكري يثير شبح الحرب الاهلية
عبد الامير رويح
2017-05-16 07:04
حركة عصيان والتمرد في ساحل العاج التي تعيش اليوم حالة من عدم الاستقرار، بسبب استمرار واتساع رقعة التمرد العسكري والإضرابات، وهو ما قد يسهم بحسب بعض المراقبين في ادخال البلاد في أزمة أمنية كبيرة قد تكون بداية لحرب أهلية طويلة، خصوصا وان القوات المتمردة التي تطالب بحقوق وعلاوات إضافية، قد أغلقت ثاني أكبر مدينة في البلاد، وسيطرت على مقر الجيش الوطني ووزارة الدفاع، وسط العاصمة التجارية أبيدجان. وصعد المتمردون بحسب بعض المصادر ضغطهم على الحكومة التي تواجه تحدي كبير، بإغلاق مخارج بواكيه واحتجوا في عدة مواقع، بما فيها مدينة كورهوجو الشمالية. وقد أطلق الجنود النار في الهواء لتفريق سكان احتشدوا للاحتجاج على التمرد، مما أجبر السكان على الاحتماء بمنازلهم والهروب من الشوارع.
وأفاد سكان في بواكيه بأن المتاجر أغلقت أبوابها، إذ أطلق جنود -كثير منهم ملثمون- النار في الهواء وجابوا شوارع المدينة في سيارات مسروقة. كما سيطر الجنود المتمردون على مدينة أوديانيه (شمال البلاد)، ووقع إطلاق نار متقطع في دالوا مركز زراعة الكاكاو الرئيسي في جنوب غرب ساحل العاج.
وفي بيان أذاعه التلفزيون الحكومي هدد رئيس الأركان الجنرال سيكو توري الجنود "بعقوبات تأديبية صارمة" إذا لم ينهوا تمردهم. ويطالب المتمردون، وهم مقاتلون سابقون، بدفع علاوات وامتيازات كانت الحكومة التزمت بها في تسوية معهم عقب حركة عصيان في يناير/كانون الثاني الماضي، لكنها واجهت صعوبات في دفعها بعد هبوط أسعار الكاكاو، سلعة التصدير الأساسية في البلاد؛ مما أدى إلى انخفاض في الميزانية المتاحة.
ودفعت الحكومة بالفعل خمسة ملايين فرنك أفريقي (8371 دولارا) لكل فرد من نحو 8400 جندي أغلبهم من المقاتلين السابقين في حركة متمردة ساعدت الرئيس الحسن وتارا في الوصول إلى السلطة. وخرجت ساحل العاج من صراع امتد من عام 2002 إلى 2011 لتصبح صاحبة واحد من أسرع الاقتصادات نموا على مستوى العالم وجذبت اهتمام المستثمرين الأجانب. لكن التمرد كشف عن استمرار وجود انقسامات عميقة خاصة في صفوف الجيش الذي تشكل من متمردين سابقين ومقاتلين موالين.
تمرد الجيش
وفي هذا الشأن ترك جنود ساخطون ثكناتهم وأغلقوا الشوارع في عدة مدن وبلدات في أنحاء ساحل العاج بما شمل العاصمة التجارية للبلاد وأطلقوا النار في الهواء فيما يكتسب احتجاجهم بشأن خلاف على دفع علاوات زخما. وبدأ احتجاج الجنود خلال الليل في بواكيه ثاني أكبر مدن البلاد قبل أن ينتشر بسرعة لمناطق أخرى. ونصب الجنود، وأغلبهم متمردون سابقون ساعدوا الرئيس الحسن واتارا على الوصول للحكم، حواجز حول مقر الجيش الوطني ووزارة الدفاع وأغلقوا جزءا من وسط مدينة أبيدجان.
وقال مصدر في وزارة الدفاع إن مجلس الأمن الوطني عقد اجتماعا طارئا لمناقشة الأزمة. ويحتج الجنود على تأخر دفع علاوات وعدت بها الحكومة بعد عصيان في عموم البلاد في يناير كانون الثاني لكنها واجهت صعوبات في دفعه بعد انخفاض أسعار الكاكاو المنتج الأساسي للتصدير في البلاد بما أضر بعائدات ساحل العاج.
وقال متحدث باسم 8400 جندي شاركوا في عصيان يناير كانون الثاني إنهم سيتنازلون عن مطالبات بمزيد من النقود بعد لقاء بالسلطات في أبيدجان. وقال أحد قادة عصيان يناير كانون الثاني ممن بقوا في بواكيه وطلب عدم ذكر اسمه "لم يكن هذا الذي من المفترض أن يقولوه" مفسرا تصرفات الجنود. وأضاف أن الجنود المتمردين سيغلقون الطرق المؤدية إلى بواكيه إذا لم تستجب السلطات لمطالبهم.
وفي أبيدجان فر موظفون بالشوارع في الحي الإداري من المدينة فيما سمع دوي إطلاق نار. ورأى شاهد ثلاث شاحنات تقل جنودا من الحرس الجمهوري أطلقوا طلقات تحذيرية أجبرت المتمردين على التقهقر إلى داخل مقر الجيش وأعقب ذلك مواجهة في قلب المدينة. وقال دبلوماسي يقيم في أبيدجان "إنهم يستعرضون قوتهم هذه المرة... إنهم بالتأكيد أكثر قوة (من يناير)" مشيرا لرد الحكومة على الاضطرابات. بحسب رويترز.
وعقد الرئيس وتارا ووزيرا الدفاع والداخلية وقادة أمنيون اجتماعا طارئا لمناقشة العصيان. ولم يتسن الوصول إلى وزارة الدفاع أو متحدث باسم الحكومة للتعليق. وقال سكان ومصادر عسكرية إن جنودا في مدن أوديانيه ومان وكورهوجو خرجوا للشوارع احتجاجا في تكرار للانتشار السريع الذي حدث في عصيان يناير كانون الثاني.
الى جانب ذلك قتل احد الاشخاص بالرصاص في بواكيه في شمال ساحل العاج بعد حصول تمرد من قبل عسكريين ووقوع اعمال شغب ادت الى وقوع ضحايا. واعلنت عائلة الرجل الذي اصيب بجروح خطيرة بالرصاص انه توفي في المركز الطبي الجامعي. واشارت مصادر محلية الى ان الرجل اصيب برصاصة اطلقها احد الجنود المحتجين الذين توجهوا الى مقر متمردين سابقين لم يتم الحاقهم بالجيش ويطلق عليه اسم المسرحين.
ولفتت المصادر الى ان المتمردين كانوا أطلقوا النار في الهواء في بواكيه لمنع السكان من مغادرة بيوتهم، وتابعت سيطر المتمردون على موقع حول ساحة مركز الشرطة في وسط مدينة بواكيه واطلقوا النار في الهواء لمنع تجمع احتجاجا على أعمالهم.
واوضحت المصادر ان المفاوضات أخفقت مع القيادة العسكرية في بواكيه لايجاد حل للتمر، ونبهت من ان“المتمردين يستعدون لمواجهة مع الجيش الموالي للحكومة اذا تدخل. من جهتها، اتخذت القوات الموالية للحكومة من جانبها الجمعة تدابير امنية كثيفة في العاصمة ابيدجان، وهددت المتمردين بفرض عقوبات عليهم.
اضراب الموظفين
الى جانب ذلك تشهد ساحل العاج تحركات اجتماعية في عدة مدن في خضم اضراب الموظفين الذي يشل الثانويات والمدارس. وفي الشرق في حي "لا ريفييرا سول بيني" عطل اطفائيون حركة السير دون ان تعرف دوافع تحركهم بوضوح، بحسب عدة وسائل اعلام محلية. واغلق معظم المعاهد والثانويات العامة في العاصمة الاقتصادية للبلاد ابوابه.
وقال طلاب في حي ادامي الشعبي بابيدجان "نعود الى منازلنا، اساتذتنا في اضراب". وغادر طلاب آخرون مؤسساتهم في كوكودي. وطال التمرد الاجتماعي مدنا داخلية وخصوصا بواكيه ثاني اكبر مدن البلاد ومركز التمرد المسلح في الاسابيع الاخيرة ودالوا (وسط غربي) ومان (غرب)، بحسب وسائل اعلام محلية. وفي بواكيه (وسط) خرج مئات التلاميذ الى الشوارع وعطلوا حركة المرور.
وقال احدهم واسمه مامادو سورو "نطلب من الحكومة تسوية اوضاع المدرسين لاستئناف الدروس". واشتكى كواسي كواديو جوستن الذي سيجتاز امتحانات البكالوريا هذا العام من "تاخير في الدروس" ووصف الاضراب بانه "وضع فوضوي". وقال تلميذ آخر "نحن لا نعرف لماذا تتاخر الحكومة في حل مشكلة الموظفين في حين انها انهت مشكلة العسكريين". ويطالب المضربون بزيادة في المرتبات ودفع حوافز متاخرة ويحتجون على اصلاح التقاعد الذي طبق العام 2012 وظهرت آثاره عام 2016 مع تقاعد موظفين طالهم هذا الاجراء.
وقضى الاصلاح برفع سن التقاعد من 55 الى 60 عاما وحتى 65 لبعض المراتب العليا. وتم رفع المساهمات من 6 الى 8,33 بالمئة من الراتب في حين تم تخفيض المعاشات بنسب تراوحت بين 30 و50 بالمئة. ويعتبر الكثير من المراقبين ان التنازلات التي قدمت للعسكريين عززت موقف الموظفين واقتناعهم انه يمكنهم اخضاع الحكومة. ياتي ذلك رغم تلاوة بيان نقابي من خلال التلفزيون يدعو الى تعليق الاضراب.
وفي اتصال هاتفي قال رئيس الائتلاف الذي يضم خمسين نقابة تيودور غنايا زادي انه تلا البيان عبر التلفزيون اثر "تعرضه لضغوط". واضاف انه دعي للتباحث مع رئيس الوزراء امادو غون كوليبالي. وبحسب اقواله فان رئيس الوزراء ابلغه ضرورة توجيه نداء لاستئناف العمل "والا فاننا سنتحمل مسؤولية كل ما يحدث. ولذلك تكلمت كما طلب مني. وهذا لا يلزم احدا سواي. لا يلزم رفاقي". وتابع "اشعر بالقلق على امني" مشيرا الى انه "ليس واثقا من المشاركة في مفاوضات جديدة". بحسب فرانس برس.
وطلبت بعض النقابات من عناصرها العودة الى العمل مؤكدة انها ستشارك في مفاوضات الثلاثاء. وبحسب مصدر مقرب من السلطة فانه لم يصدر "اي تهديد او ضغط". وتؤكد الحكومة انها لبت مطالب المضربين بشان اصلاح التقاعد كما تعرب عن تفاؤلها باستئناف العمل.
إغلاق الميناء الرئيسي
في السياق ذاته أطلق أفراد غاضبون من قوات الأمن النار في الهواء ومنعوا الوصول إلى الميناء الرئيسي في ساحل العاج مما أجبر شركات منها مؤسسات لتصدير الكاكاو على غلق أبوابها. يأتي ذلك بعد تمرد قامت به قوات الأمن لم تظهر حتى الآن أي بوادر على انحساره. وأمر الرئيس الحسن واتارا الذي يواجه أيضا موجة إضرابات في القطاع العام وزير دفاعه وقادة الجيش بعقد محادثات عاجلة مع أفراد قوات الأمن بشأن شكواهم في مسعى لإنهاء حالة الاضطراب.
وخرجت قوة الأمن -التي تعمل تحت سلطة وزارة الدفاع- من قاعدتها في الميناء بالعاصمة التجارية أبيدجان. وقال مسؤول بالجمارك إنهم احتلوا مواقع عند مداخل الميناء وهو أحد نقطتي تصدير رئيسيتين للكاكاو مما أدى إلى توقف حركة التصدير. وساحل العاج هي أكبر دولة منتجة للكاكاو في العالم. وقال موظف في شركة لتصدير الكاكاو طلب عدم نشر اسمه لأنه ليس مفوضا للتحدث لوسائل الإعلام "أغلقنا المصنع والمخازن لتأمين الكاكاو..طلبنا من موظفينا الذهاب إلى منازلهم." بحسب رويترز.
وبعد اجتماع لمجلس الوزراء قال المتحدث باسم الحكومة برونو كوني "رئيس الجمهورية...يطلب من كل الجنود وأفراد الأمن والشرطة ومسؤولي الجمارك ووكلاء خدمة الغابات وحراس السجون تسهيل إعادة الهدوء." وقال وزير الدفاع آلان ريشار دونواهي إن الحكومة على اتصال بالفعل مع هؤلاء الأفراد. وأضاف للصحفيين "ننوي استعادة السيطرة على الجيش حتى يكون حقا في خدمة الأمة".