الموصليون: بين قسوة الحرب العسكرية ومخلفات الحرب النفسية
زينب شاكر السماك
2017-04-25 06:20
مع دخول معركة الموصل شهرها السابع وتمكن القوات العراقية بدعم من تحالف تقوده الولايات المتحدة الامريكية في أكتوبر تشرين الأول الماضي من ارجاع الجانب الشرقي من مدينة الموصل والتي تعتبر اخر معقل حضري لتنظيم داعش الارهابي بالعراق.
300 الف فرد فروا من الموصل منذ بدء هجوم القوات الحكومية لاستعادة المدينة وبحسب تقديرات الأمم المتحدة ان حوالي 400 الف شخص لا يزالون عالقين ومحاصرين في الشطر الغربي والذي في فبراير شباط أعلنت القوات العراقية المرحلة الثانية من الحملة العسكرية لاستعادتها من براثين داعش الارهابي.
باستمرار هذه الحرب التي أصبحت عبارة عن حرب شوارع دامية في ازقة وشوارع عدة أحياء في الشطر الغربي من الموصل بما فيها المدينة القديمة حيث تواجه القوات العراقية مقاومة شرسة من قبل تنظيم داعش وذلك لوجود جامع النوري الذي أعلن منه زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي قيام دولة خلافته المزعومة قبل قرابة ثلاث سنوات في الأراضي التي سيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق.
الا يتوانى التنظيم المتشددة من التحصن بين المدنيين لاتخاذهم دروع لعرقلة تحرير المناطق، لذا تحولت المناطق التي تجري فيها المعارك الى ساحات حرب حقيقة يشعر فيها الاهالي بالرعب والفزع، وقد يموت بعضهم جراء هذه العمليات أو يصاب.
من اجل ذلك تواجه المنظمات الإنسانية صعوبات وعراقيل كبيرة لتلبية كل الحاجات والمتطلبات الاغاثية لهم. يقول سكان الموصل الذين تمكنوا من الهرب إنه لا يوجد طعام تقريبا سوى الطحين (الدقيق) المخلوط بالماء وحبوب القمح المسلوقة. وما تبقى من طعام أصبح باهظ الكلفة بعيدا عن متناول أغلب السكان أو مخصص لرجال داعش وأنصارهم.
نقص حاد في المواد الغذائية
حتى الأطفال الرضع لم يسلموا من عواقب الحرب القائمة في الموصل حيث يعاني الأطفال دون سن الستة أشهر من نقص غذاء حاد فقد وصل وزن الطفل الرضيع الى حجم 2.5 كغم وهو نصف الوزن الطبيعي، وأسباب هذا النقص الكبير الذي يعاني منه الأطفال بسبب استمرار الحرب والتي بسببها قطعت القوات العراقية طريق الإمداد الرئيسي للتنظيم من الموصل إلى سوريا وحاصرت المتشددين داخل المدينة ما تسبب في نقص حاد في المواد الغذائية. وفق رويترز.
قالت ايزابيل ليجال منسقة المشروع بمنظمة أطباء بلا حدود "هذا أمر جديد في العراق. أغلب الأطباء (العراقيين) لم يشهدوه من قبل." وأضافت أن جانبا من المشكلة يتمثل في اعتياد الأمهات العراقيات على إرضاع أطفالهن حليبا صناعيا وهو ما أصبح من المستحيل تقريبا العثور عليه في الموصل. وقالت مينغيتي إنه حتى إذا أرادت الأمهات إرضاع أطفالهن رضاعة طبيعية فستجد كثيرات منهن الأمر صعبا بسبب المشقة البدنية والقلق النفسي من جراء العيش في منطقة حرب. وتابعت "الأم تشعر بتوتر شديد ولا يمكنها أن تجد ما يكفي من الطعام ولذا لا يمكنها أن تفرز كميات كبيرة من الحليب."
الهزال الشديد
من اجل ذلك افتتح في مستشفى بالعراق عنبر جديد متخصص للتعامل مع الأعداد المتزايدة من الأطفال القادمين من الموصل الذين تظهر عليهم اعراض الهزال الشديد الذي أصابهم من جراء سوء التغذية مع استمرار الحرب وأغلبهم دون الستة أشهر يدفع الأطباء الذين يعالجونهم في مستشفى بالعراق للخوف من تدهور حالاتهم إذا ما أعطوهم ما يكفيهم من الغذاء لتسكين آلامهم.
في العنبر يتابع فريق من منظمة أطباء بلا حدود نمو الأطفال الرضع بالجرامات ويطعمونهم عجينة خاصة أساسها من الفول السوداني تؤهلهم تدريجيا لتناول الغذاء وزيادة وزنهم. على أحد الأسرة رقد رضيع عمره ستة أشهر ووزنه 2.4 كيلوجرام أي أقل من نصف وزن الطفل العادي في مثل سنه.
كما يعالج هؤلاء المرضي من ذوي الأجسام الضئيلة من أمراض أخرى ترتبط بسوء التغذية الذي يضعف جهاز المناعة ما يجعلهم عرضة لإصابات أخرى. قالت طبيبة الأطفال روزانا مينغيتي في المستشفى الذي تديره جماعة أطباء بلا حدود في القيارة على بعد 60 كيلومترا جنوبي المويل "في العادة أزمات التغذية أكثر شيوعا بكثير في افريقيا ليس في مثل هذا البلد. لم نتوقع ذلك." وعدد الحالات المسجلة حتى الآن يقل عن المستوى الذي يعتبر حرجا لكنه يسلط الضوء على ما يواجهة المدنيون من صعوبات وهم محتجزون رهائن فعليا لدى داعش.
مريضان على السرير
لكن بالرغم من ان مستشفى منظمة أطباء بلا حدود متخصصة للأطفال الرضع والذين يعانون من نقص في الغذاء الا انها اضطرت الى ان تستقبل أطفال أيضا دون سن الخمسة عشر عام وذلك لعدة أسباب منها نقص أطباء الأطفال في المنطقة الذين اما ان قتلوا بنيران داعش الإرهابي او ان هربوا من حكمه الظالم الى خارج العراق. بحسب رويترز.
وأيضا اعداد الأطفال تتزايد يوم بعد يوم مع استمرار الحرب في الموصل لذلك يتم تحويل أطفال كثيرين إلى المستشفى. هذا ما ادى الى ازدحام عنبر الأطفال حتى أصبح كل سرير يحمل مريضين. وعلقت لافتات على أبواب الكبائن المتنقلة التي تمثل عنابر مختلفة تمنع الزوار من الدخول بأسلحتهم.
أصابات الحرب
يصل كثير من الأطفال الرضع إلى المستشفى بمشاكل في التنفس من الالتهابات الشعبية والالتهاب الرئوي وأغلبهم من مخيمات النازحين التي يتيح ازدحامها للفيروسات فرصة الانتشار. ويعاني رضيعان يرقدان تحت البطاطين من الاختناق الوليدي الذي يحدث عندما لا يصل الاكسجين الكافي إلى دماغ الطفل الوليد وبقية أعضائه قبل وأثناء وعقب الولادة مباشرة.
وقالت مينغيتي إن أم كل من الطفلين كانت على الأرجح بحاجة لولادة قيصرية لكنها عجزت عن الوصول إلى المستشفى وتمت الولادة في البيت ومن ثم حدثت مضاعفات. وعلى سرير آخر رقد طفل لا يكاد يتحرك إذ أصيب بشظية عندما رفع والده صندوق متفجرات لإبعاده. وانفجر الصندوق في يديه وأصيب الاثنان وعدد آخر من أفراد الأسرة.
الصحة النفسية
لا يفارق الذهن ذلك التعبير المرسوم على وجه الطفلة دعاء نواف ابنة الثمانية أعوام. فقد أصيبت الطفلة بحروق في الرأس واليدين في ضربة جوية شنتها قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة سقط فيها أكثر من 100 قتيل في حي الموصل الجديدة الشهر الماضي كان من بينهم والداها. وقالت مينغيتي وهي تبحث في جيبها عن بالونة نفختها وأعطتها للطفلة "قالت لي الأسرة صباح اليوم إنها تعاني من بعض المشاكل خاصة في الليل ولذلك سنجهز (تقييما) للصحة النفسية لها."
ليس الأطفال من يعانون من حالات نفسية بسبب الإصابات البالغة التي يتعرض اليها الأبرياء من جراء الحرب الطاحنة في الموصل اليأس يهاجم الطالب العراقي أحمد خلف وهو يرقد في مستشفى بعد أن فقد ساقه عندما أصيب بشظية صاروخ أثناء فراره بحياته من متشددي تنظيم داعش في الموصل. وفق رويترز.
ويحاول خلف تقبل اضطرار الأطباء لبتر ساقه اليمنى من فوق الركبة. ويخضع الشاب لعلاج نفسي من الصدمة، وهو أمر غير معتاد في العراق، لمساعدته على التكيف مع إعاقته الجديدة. وقال خلف للطبيب النفسي "الجلسات النفسية ساعدتني لكن تهاجمني أفكار بشأن ما حدث لي خاصة ان المستقبل مجهول بالنسبة لي لكن إن شاء الله أحاول أرجع للمدرسة وأكمل دراستي."
وتقدم جماعة هانديكاب انترناشونال الإنسانية النصح لخلف وأكثر من 5300 آخرين نزحوا من الموصل. وتوفر المنظمة أيضا إعادة تأهيل بدني لنحو 1200 شخص أصيبوا بجروح بالغة ومنها بتر أعضاء.
الانتظار لتلقي العلاج
وبخلاف المعاناة من صدمات الإصابات يعاني العراقيون الذين أجريت لهم عمليات بتر للأطراف للحصول على أطراف صناعية. وفي مركز متخصص تديره اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أربيل يحتاج المرضى إلى الانتظار شهرين لتلقي العلاج. وتحاول العيادة في أربيل الاستعانة بمزيد من المتخصصين للمساعدة في علاج 210 حالات من الموصل وما حولها في محافظة نينوى.
ومن الذين يتدربون على معاودة المشي أحمد عمار، وهو فني سيارات وأب لخمسة أبناء، كان يتولى مسؤولية مرأب للسيارات في غرب الموصل. وقال عمار وهو يتدرب على ساق صناعية في مستشفى في أربيل "فتحت باب الجراج وانفجرت عبوة ناسفة". وتابع يقول الى وكالة رويترز "قطعوا قدمي من الكاحل وثبتوا قدما صناعية لكن تعرضت لغرغرينا وقطعوا ساقي من الركبة. داعش هي من زرعت العبوة الناسفة."
كرة القدم
العديد من سكان الموصل في كرة القدم متنفسا لطي صفحة الأيام السوداء التي قضوها تحت سلطة تنظيم "داعش". بين البيوت شبه المدمرة، وحول الملعب المسيج الذي لا تتخطى مساحته 120 مترا مربعا والمغطى بطبقة جديدة من العشب الاصطناعي، تجمع بعض شبان حي السلام في شرق الموصل، لتشجيع رفاقهم بالهتافات.
وطغى الحماس على مباراة نظمت في إطار الأنشطة التي يسعى مسؤولو قطاع الرياضة والشباب في مدينة الموصل إلى إعادة إطلاقها. وهم يعملون على إعادة تأهيل ساحات كرة القدم وافتتاحها أمام الفرق الشعبية في شرق ثاني مدن العراق.
تبدأ المباراة ويبدأ الصراخ بين اللاعبين لتحديد التمركز وتنسيق التمريرات. يقول ليث علي (23 عاما) لوكالة فرنس برس "كل ذلك كان ممنوعا". ويضيف الشاب بسرواله القصير والطامح للاحتراف "نحن نلعب الآن من دون مراقبة داعش. كانوا يفرضون علينا القوانين، كأن يكون السروال شرعيا تحت الركبة، وإيقاف اللعب وقت الصلاة".
لكن اليوم، واصل الشبان مباراتهم على وقع صوت آذان الظهر. أيهم، الذي كان حاضرا مع الجمهور الذي لم يتعد الثلاثين شخصا، يشير إلى أن "كرة القدم هي متنفسنا. والشبان هنا لاعبون ماهرون. ليث مثلا، لديه تسديدة لا تخيب بقدمه اليسرى، لكن لا دعم للمواهب".
وتعد لعبة كرة القدم الخماسية (ميني فوتبول) من الألعاب الشعبية في الموصل، ويعد نادي الموصل من أبرز الأندية على صعيد كرة القدم في العراق، وكان يتحضر للعودة إلى مسابقة الدوري العراقي في العام 2014، إلا أن دخول تنظيم داعش إلى المدينة حال دون مغادرته لخوض مباريات التأهل التي أقيمت خارج الموصل.