اليمين الهندوسي والتطرف الهندوسي

وكالات

2017-04-22 07:21

عصر أحد الأيام في الآونة الأخيرة خرج عشرات من الشبان الهندوس على دراجات نارية رافعين السيوف وقد انسدلت حول أعناقهم أوشحة بلون الزعفران وانطلقوا عبر حي من أحياء المسلمين بالقرب من عاصمة أكثر الولايات الهندية ازدحاما بالسكان وهم يرددون "يحيا الإله رام".

في الأسابيع السابقة يقول مسؤولو الشرطة إن أفراد تلك المجموعة وأقرانهم عملوا كمخبرين وساعدوا في الكشف عن آلاف من محال القصابين التي يديرها مسلمون حيث تم إغلاقها وكانوا يحثون الضباط على منع الشبان المسلمين من التحدث مع الفتيات الهندوسيات في الشوارع.

والتنظيم الذي يجمع هؤلاء هو تنظيم هندو يوفا فاهيني (قوة الشبان الهندوس) ويمثل ميليشيا خاصة أسسها عام 2002 الكاهن والسياسي المحلي يوجي أديتياناث لتأكيد هيمنة الديانة الرئيسية في الهند التي اعتبر أنها تضعف بسبب ديانات الأقليات.

ومنذ تعيين أديتياناث الشهر الماضي رئيسا لوزراء ولاية أوتار براديش التي يبلغ عدد سكانها 220 مليون نسمة 20 في المئة منهم مسلمون ازدادت جرأة التنظيم وأصبح يعلن صراحة عن جذوره الهندوسية ويمارس ضغطا على الشرطة.

وأحدث تعيين أديتياناث البالغ من العمر 44 عاما والمعروف بتصريحاته النارية المناهضة للمسلمين والحملة التي شنها على "جهاد الحب"، أي إقناع الهندوسيات باعتناق الإسلام، صدمة في أوساط بعض الهنود الذين يقولون إنه يقوض وضع الهند كدولة علمانية.

ويخشى هؤلاء الهنود إهدار خطة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي القائمة على "التنمية من أجل الجميع" بسبب سياسات متشددة تمنح الأولوية للهندوس بما ينطوي عليه ذلك من إمكانية إذكاء التوترات الطائفية التي تندلع من حين لآخر في الهند منذ نالت استقلالها قبل 70 عاما، ورفض أديتياناث إجراء حديث معه لهذا التقرير.

وقال بانكاج سينغ أحد كبار قادة تنظيم قوة الشبان الهندوس لرويترز في مقابلة على هامش المسيرة التي جرت في أوناو الواقعة على مسافة ساعة بالسيارة من لكناو عاصمة الولاية "من الممكن أن تسيل الدماء وسيتألم المسلمون."

وبثت مثل هذه التعليقات الرعب في نفوس البعض من أبناء الطائفة الإسلامية الذين أخذوا موقفا دفاعيا في أوتار براديش منذ الانتخابات التي جرت هذا العام وحشد فيها أديتياناث الأغلبية الهندوسية ليحقق فوزا كاسحا لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم.

وفي مقابل نجاح هذه الحملة كافأ الحزب الكاهن بتعيينه في واحد من أقوى المناصب في الهند الأمر الذي زاد من جرأة الميليشيا قولا وفعلا على الملأ على خلاف تصرفاتها في عهد الحكومة السابقة.

تأسست الميليشيا في أوتار براديش ويمولها أعضاؤها الذين يسعون للفوز بالحظوة عند أصحاب النفوذ على المستوى المحلي. ويقول التنظيم إن عدد أعضائه يبلغ مليونين ويتزايد، وفي أوناو تنحى رجال الشرطة وأفسحوا المجال لأعضاء التنظيم عندما عطلوا حركة المرور وأطلقوا أبواق دراجاتهم النارية ورددوا هتافات التأييد للهندوس في الشوارع المزدحمة. أما من خرج من المسلمين لمشاهدة الحدث فقد وقف بهدوء على باب بيته متفرجا.

خرج رئيس الوزراء الهندي مودي نفسه من صفوف اليمين الهندوسي إذ أنه ينتمي لحزب بهاراتيا جاناتا وحركة راشتريا سوايامسيفاك سانغ القوية التي خرج الحزب من عباءتها وتربى مودي في أحضانها في بداية حياته السياسية.

غير أنه منذ وصل مودي إلى رأس السلطة من خلال فوز كاسح عام 2014 ركز جهده على الإصلاحات الاقتصادية التي يأمل أن تدفع بالهند للعصر الحديث وتتيح فرص عمل كافية للأعداد المتنامية من الباحثين عن عمل.

ومثل أديتياناث حزب بهاراتيا جاناتا خلال انتخابات ولاية أوتار براديش هذا العام وساعد مودي في تدعيم نفوذه وهو يسعى لإعادة انتخابه في الانتخابات العامة على مستوى البلاد عام 2019، غير أن هذا الكاهن تحدى نظم الحزب في كثير من الأحيان كما أنه لا يمثل جزءا من آلة حركة راشتريا سوايامسيفاك سانغ الأمر الذي أثار مخاوف من أن يكون مودي قد أطلق قوى دينية قومية متشددة من عقالها وسيواجه صعوبات في احتوائها.

وقال جيلز فرنييرز أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة أشوكا "حزب بهاراتيا جاناتا لا سيطرة له على هذا التنظيم. والتنظيم لا يستجيب إلا لأديتياناث ولا أحد غيره"، وقال أحد المعاونين المقربين من مودي إن مهمة أديتياناث هي الحفاظ على القانون والنظام في الولاية، وأضاف "المسؤولية تقع على كاهله. فمن واجبه أن يتولى أمر هذه الجماعة من اللجان الأهلية"، ورفض دالجيت سينغ تشودري المدير العام المشارك للشرطة في أوتار براديش خطر أن يتصرف التنظيم خارج إطار القانون.

وقال "نحن لا نتساهل مع تولي أي جماعة من اللجان الشعبية تنفيذ القانون بنفسها وفي الوقت نفسه كل شخص حر في تزويدنا بالمعلومات"، وأضاف "لم نتلق أي شكوى في الآونة الأخيرة من حركة هندو يوفا فاهيني ولذا فما من سبب يدعونا لأخذ أي إجراء ضدها."

المصدر الأصلي لقوة أديتياناث هو معبد قديم في جوراخبور بشرق أوتار براديش يبجل الناس فيه الكاهن حليق الرأس، وفي أعقاب تعيينه رئيسا لوزراء الولاية الشهر الماضي جمع أحد أتباعه التراب من على سجادة سار عليها أديتياناث حتى يتعبد له.

وقد قام التنظيم على هذا الإخلاص وتطور إلى جماعة قوية تعمل على تحقيق العدل كما ثبت أن لها تأثيرا كبيرا في استمالة الناخبين، وقال نالين كولي الناطق العام بلسان حزب بهاراتيا جاناتا إن الفضل في انتصار الحزب في أوتار براديش لا يرجع فقط إلى أديتياناث وميليشياه الخاصة. غير أن سينغ لم يبد شكا يذكر في أهمية دور التنظيم في تحقيق نتيجة الانتخابات.

وقال سينغ "مودي فاز في أوتار براديش بفضل قوة أديتياناث على الأرض"، وكان من أوائل التوجيهات التي أصدرها أديتياناث بعد أن أصبح رئيس وزراء الولاية فرض حظر على المسالخ التي تدار في أوتار براديش دون ترخيص.

وتوجد في أغلب الولايات الهندية قوانين تحظر ذبح الأبقار التي يقدسها الهندوس في حين يتطلب ذبح الجاموس إذنا من حكومات الولايات.

ويشكو القصابون في أوتار براديش منذ مدة طويلة من تقاعس السلطات عن إصدار تراخيص جديدة رغم أن الحكومة السابقة سمحت لهم بمواصلة العمل بما يضمن وظائف وغذاء للمسلمين الذين يهيمنون على هذا النشاط.

ويمارس التنظيم ضغوطا على الشرطة لتطبيق قواعد تدعو لفرض حظر تام على المسالخ المخالفة للقوانين وعلى بيع اللحوم في المحال التي تعمل بلا ترخيص، وقال سينغ "حملنا الشرطة على إغلاق 45 ألف محل صغير للحوم في أقل من 24 ساعة... لم يكن ذلك ليتحقق لولا مخبرينا." وأضاف أنه يرفع تقريرا يوميا إلى أديتياناث. وقال إن الشرطة "تعلم أننا الأبطال الحقيقيون الآن".

قالت أم لأربعة أطفال اسمها تشانداني قريشي إن زوجها يعمل كناسا في محل للحوم في لكناو. وكانت أسرتها تعتمد على أجره اليومي البالغ 300 روبية (أربعة دولارات) في تلبية احتياجاتها الأساسية، وأضافت وهي تجلس في بيتها المكون من حجرة واحدة "رجال رئيس الوزراء جاءوا بأعلام برتقالية وكسروا زجاج محالنا ورموا السكاكين والموازين في الشارع... لم نستطع منعهم"، وقد لجأ أصحاب المسالخ الكبيرة للقضاء مطالبين بإصدار قرارات لتعطيل العمل بأوامر أديتياناث بحظر المسالخ غير المرخصة ونظم آلاف القصابين احتجاجات ضد الحظر غير أن البعض يشك أنهم سينجحون في مسعاهم.

وقال محمد فيزان الذي ورث محلا لبيع اللحوم عن جده "لا أعتقد أن بوسعنا هزيمة أديتياناث. من الأحسن أن نبدأ بيع شيء آخر"، وقال كيشاف براساد ماوريا نائب رئيس وزراء أوتار براديش ورئيس حزب بهاراتيا جاناتا في الولاية إن حكومته لن تسمح للمسالخ ببيع لحوم الأبقار والجاموس. وتريد الحكومة من أصحاب المحال الاتجاه لبيع الدجاج والبيض بدلا من اللحوم، وأضاف "نشاط الألبان أكثر ربحية من تجارة اللحوم"، وقال أيضا إن أعضاء التنظيم يتصرفون كمواطنين يتمتعون بالمسؤولية. وأضاف "سيكون من الخطأ اعتبارهم حكومة موازية."

في لقاء جماهيري في أوناو وقف سينغ على مسرح متداع وراح يوزع تماثيل لآلهة الهندوس على الشبان تكريما لهم على منع بيع اللحوم ومنع الزيجات بين الأديان وإنشاد الشعر تكريما للأبقار، وعمل أفراد التنظيم أيضا على تقديم معلومات لجماعات من الشرطة اشتهرت باسم "فرق مكافحة روميو" للتدخل ومنع لقاءات الشبان والفتيات على الملأ.

وقال مسؤول بالشرطة يشرف على 64 من هذه الفرق إن هذه الوحدات تشكلت لمعالجة التحرش الجنسي بالنساء لكنه سلم بأن أفراد التنظيم ضغطوا على رجال الشرطة في بعض الحالات لاستهداف المسلمين الذين يشاهدون برفقة نساء من الهندوس. وطلب هذا المسؤول عدم نشر اسمه، ويقول المسلمون إنهم مستهدفون دون غيرهم.

وقال إرشاد شيخ الذي اعتقلت الشرطة ابنه في الآونة الأخيرة "يحسبون أولادنا أشرارا.، أما سينغ قائد التنظيم فرفض ما يقال عن تعمد الفرق استهداف المسلمين، وقد التقى في اللقاء الجماهيري بأب لهندوسية عمرها 21 عاما أرغمها أفراد من التنظيم في الآونة الأخيرة على إلغاء زواجها من مسلم، وأضاف "على مر القرون يلعب المسلمون لعبة قذرة تتمثل في تحويل الهندوسيات للإسلام. لكنهم إذا لمسوا فتاة من الهندوس الآن فبإمكاننا أن نحاربهم بالسيوف"، وقال الأب سوبهاش تشاندرا إنه يرحب بتدخل التنظيم، وأضاف "نصب لها الولد المسلم فخا وأرادها أن تتحول عن دينها. أنا محظوظ لأن رجال يوجي أديتياناث أنقذوا حياة ابنتي. كيف يمكن لهندوسي أن يصبح مسلما؟ إنه لإثم أن تجعل شخصا آخر يتحول عن دينه".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي