أثر الاعتدال في الحد من التعصب في الحياة الاجتماعية
مؤتمر الاعتدال في الدين والسياسة
2017-03-21 08:43
أ.م.د. شيماء ياسين الرفاعي-م.د. منى ياسين الرفاعي
لما كان مجتمعنا الإسلامي منبثق عن أمة الاعتدال والصراط المستقيم بمعنى أنها تستغل جميع طاقاتها وجهودها في البناء والعمران المادي والتربوي والعلمي والثقافي من غير إفراط ولا تفريط، نجدها تحقق التوازن بين الفرد والجماعة، وبين الدين والدنيا وبين العقل والقوة وبين المثالية والواقعية وبين الروحانية والمادية وغيرها.
وهذا الاعتدال في كل الأمور من أهم مزايا المنهج الإسلامي؛ فقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالاستقامة والاعتدال ونهاهم عن الغلو والانحلال، و”إن الدين الإسلامي يعارض التطرف والتعصب، ويحترم التعددية الثقافية والدينية والحضارية وينبذ العنصرية” (1)، ويدعو للوسطية؛ قال تعالى:- (يَاأَهْلَ الكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) ، وقال سبحانه :(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَةً وسَطَاً لِتَكُونُواْ شهداء على النَّاسِ وَيَكُونَ الرَسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيَداً).
ولا شك أن أهم أهداف التربية قديماً وحديثاً، هو إيجاد الفرد الصالح النافع لنفسه وأمته، وإن جنوح الفرد يميناً أو يساراً بالغلو والتطرف، أو اللامبالاة والتهاون، لهو مؤشر خطير يستوجب صحوة كل من يضطلع بمسئولية التربية النظامية وغير النظامية لبحث أسباب هذا التطرف وسبل علاجه للجيل الحاضر، وإعداد العدة لوقاية الجيل الجديد من استفحال تلك الظواهر فيه.
حينما يفتقد أفراد المجتمع الوعي السليم، والقدوة الرشيدة، ويقعوا فرائس الصراعات النفسية بين الحلال والحرام، بين الفطرة ومستجدات العصر، يبحثون عن سبل وأساليب أخرى يجدون فيها تعبيراً عن الرفض للصور غير المقبولة بالمجتمع ويتمردون على واقع يرون أنه لا يعبر عن حاجاتهم ومتطلباتهم؛ كاللجوء إلى شكل من أشكال التطرف أو التكفير وهجرة المجتمع، أو الغلو في العبادة أو التعصب في الأفكار والممارسات، أو حتى التفريط والتهاون في الأصول.
هذا وإن قضية الحد من التعصب في المجتمعات لا تتم إلا بإحياء دور العقل ودراسة الظروف الاجتماعية التي ساعدت على تفشي تلك الظواهر.
من هنا جاء بحثنا الموسوم بـ: (أثر الاعتدال في الحد من التعصب في الحياة الاجتماعية) ليلقي الضوء على هذه الظاهرة والتعرف على أسبابها، وسبل مواجهتها.
وتقتضي دراستنا هذه البحث في بيان معنى الاعتدال، والأسس الواجب توافرها فيه، وبيان مفهوم التعصب، والوقوف على أسبابه وممارساته وبيان أهم مظاهره في نواحي الحياة الاجتماعية المختلفة، ومن ثم تسليط الضوء على دور الأسرة والمؤسسات التربوية والدينية في ترسيخ أسس الاعتدال وتحجيم ظاهرة التعصب ومن ثم القضاء عليها للوصول إلى مجتمع متماسك وقوي قائم على التسامح واحترام وجهات النظر، وجعل غاية جميع أفراده المصلحة العامة وتذليل الصعوبات للإرتقاء والبناء الإيجابي الناتج عن تجسيد المنهج الاعتدالي.