داعش في الموصل: وحشية ما قبل النهاية
عبد الامير رويح
2017-03-09 07:46
منذ انطلاق معركة تحرير مدينة الموصل من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، بدأت الجرائم والاعمال الوحشية التي يرتكبها مسلحو تنظيم داعش الإرهابي، تتكشف بشكل واضح من خلال شهادات السكان او من خلال اعترافات عناصر التنظيم الذين تم اعتقالهم أثناء المعارك، فقد نفذ هذا التنظيم الارهابي وبحسب بعض التقارير أبشع الجرائم التي تنوعت ما بين القتل والاغتصاب والتهجير والسرقات وغيرها، ففي وقت سابق أعدم تنظيم داعش الارهابي وكما نقلت بعض المصادر، 13 فتى في مدينة الموصل العراقية لمجرد أنهم شاهدوا مباراة لكرة القدم بالتلفزيون، وذلك بدعوى أن مشاهدة مثل هذه المبارايات "محرمة شرعا". وجرى إعدام الفتيان رميا برصاص الرشاشات، فلم يستطع ذووهم حتى سحب جثامينهم خوفا على حياة عائلاتهم.
كما قام هذا التنظيم الارهابي بتجنيد أو اختطاف الأولاد الصغار في العراق وإرسالهم فيما بعد إلى مراكز تدريبية خاصة، حيث يتم تدريبهم على استعمال السلاح. وبعد بلوغهم التاسعة من عمرهم يجري إرسالهم إلى خط الجبهة، وذلك إضافة إلى اعتماد التنظيم عليهم كـ"دروع بشرية" أو جواسيس أو "متبرعين" بدمائهم من أجل المسلحين الجرحى. كما اختطف التنظيم مجموعة كبيرة من النساء والفتيات لبيعهن فيما بعد إلى التجار العاملين في سوق "الخدمات" الجنسية في الشرق الأوسط، وذلك بأسعار تراوحت بين 500 دولار و43 ألف دولار أمريكي للمرأة أو الفتاة الواحدة. أما غيرهن من الأسيرات فجرى تزويجهن عنوة إلى أعضاء التنظيم، فيما حولت الأخريات إلى أداة المتعة لهم. هذا وذاع صيت الدواعش كمعذبي النساء ومغتصبيهن، الأمر الذي دفع الكثيرات منهن إلى الانتحار. ويمارس مسلحو التنظيم ايضا الاتجار بالأعضاء البشرية في السوق السوداء العالمية، معتمدين على جراحين "مستوردين" من الدول الخارجية. أما الأعضاء فتؤخذ سواء من المسلحين القتلى أو من أجساد الأسرى والمخطوفين الأحياء، بمن فيهم الأطفال من الأقليات القومية في سوريا والعراق.
الاغتصاب أمر طبيعي
وفي هذا الشأن يقول المسلح في تنظيم داعش عمار حسين إنه يقرأ القرآن طوال اليوم في زنزانته الصغيرة ليصبح شخصا أفضل. كما يقول إنه اغتصب أكثر من 200 امرأة من الأقليات العراقية ولا يبدي ندما يذكر على ذلك. وأتاحت سلطات المخابرات الكردية لرويترز فرصة نادرة لمقابلة حسين ومسلح آخر من داعش أُسرا خلال هجوم على مدينة كركوك في أكتوبر تشرين الأول قتل فيه 99 مدنيا وفردا من قوات الأمن. ولقي 63 من مسلحي داعش حتفهم أيضا.
وقال حسين إن أمراءه أو القادة العسكريين المحللين لداعش أعطوه وآخرين الضوء الأخضر لاغتصاب ما يرغبون من النساء اليزيديات وغيرهن من النساء. وأضاف حسين في مقابلة بعدما أزال ضابط كردي في مكافحة الإرهاب غطاء أسود عن رأسه "داعش ما قالولي (لم يقولوا لي) لكن تعرف أنت الشاب يحتاج لها (لهذا) الشيء. هذا طبيعي."وقال حسين إنه انتقل من منزل إلى منزل في العديد من المدن العراقية مغتصبا النساء من الطائفة اليزيدية والأقليات الأخرى في وقت كانت تنتزع فيه داعش السيطرة على مزيد من الأراضي.
ويقول مسؤولو أمن أكراد إن لديهم أدلة على قيام حسين بعمليات اغتصاب وقتل لكنهم لا يعرفون نطاقها. ويقول شهود ومسؤولون عراقيون إن مقاتلي داعش اغتصبوا عددا كبيرا من النساء اليزيديات بعدما اجتاح التنظيم شمال العراق في 2014. وأضافوا أنهم خطفوا كثيرا من النساء اليزيديات واتخذوهن جواري وقتلوا بعض أقاربهن الذكور. وسجلت جماعات حقوقية انتهاكات واسعة النطاق لداعش ضد اليزيديين.
وقال حسين إنه قتل أيضا نحو 500 شخص منذ الانضمام للتنظيم في 2013. وأضاف "اللي اتقتل اتقتل واللي اتذبح اتذبح." واسترجع كيف دربه الأمراء على القتل وهو أمر كان صعبا في البداية ثم أصبح أسهل يوما بعد يوم. وقال حسين "سبعة..ثمانية..تسعة..عشرة في المرة. 30 أو 40 نفر (شخص) ناخذهم من وراء القلعة اللي في سنجار (في الصحراء) ونقتلهم." وفي نهاية المطاف أصبح ذا كفاءة عالية ولم يتردد مطلقا في القتل. واستطرد "كنت أُجلسهم وأعصب أعينهم وأطلق النار على رؤوسهم. لقد كان الأمر طبيعيا."
ويرى حسين نفسه ضحية للمصاعب ونتاجا لمنزل مفكك وللفقر في مدينته الموصل. وقال حسين المحتجز في زنزانة على نوافذها قضبان معدنية منذ أسره في أكتوبر تشرين الأول "حالتنا المادية كانت تعبانة (صعبة). لا بيت.. ما عندي حد ينصحني..أبويا متوفي..أمي متزوجة وأنا وجدتي كنا في البيت (فقط)."
وحفر سجناء متشددون سابقون شعارات دينية على الجدران الأسمنتية للزنزانة. وكل ما يملك حسين بطانية سميكة ومصحفا. وعلى الأرض يوجد طبق به حساء وبعض الأرز. وتتدلى أصفاد معدنية سميكة على حائط قريب. وقال حسين الذي يبلغ من العمر 21 عاما حاليا إنه بدأ طريق التشدد الإسلامي عندما كان عمره 14 عاما فقط. وجذبه إلى التشدد إمام المسجد المحلي الذي كان يصلي فيه ثم انضم للقاعدة وينتظر حاليا الإجراءات القانونية ضده بصفته عضوا في داعش التي خلفت فرع القاعدة في العراق.
ووصف ضباط مكافحة الإرهاب أسيرا ثانيا يدعى غفار عبد الرحمن بأنه أقل صراحة وقالوا إنه لم يكشف شيئا يذكر خلال استجوابه عن خبراته كحارس لنقاط التفتيش وأحد رجال الإمداد والتموين في لداعش. ولم يفصح عبد الرحمن (31 عاما) طويل الشعر واللحية بينما كانت نظراته تنم عن ذهول وعدم فهم لما يجري. واعترف بأنه فتح النار على قوات الأمن في مداهمة لكركوك لكنه يقول إنه لم يقتل أحدا مطلقا. وأضاف أنه وشقيقه انضما لداعش لأن التنظيم كان سيقتلهما إن لم يفعلا ذلك لأنهما موظفان حكوميان. بحسب رويترز.
ولم يعلق آسروه الأكراد على قصته لكن السلطات العراقية تتشكك عامة في المقاتلين الذين يقولون إنهم لم يكن أمامهم من خيار. ولم يظهر خلال المقابلة أي ملمح من ملامح الغضب على عبد الرحمن إلا عندما سئل عن رأيه في رئيس الوزراء الشيعي حيدر العبادي وأشار إلى أن العراق سيعيش دائما في حالة من عدم الاستقرار لأن به عددا كبيرا من الطوائف.
مقبرة جماعية مرعبة
الى جانب ذلك يرجح ان تكون فجوة كبيرة في الارض تعرف ب"الخسفة" في عمق الصحراء جنوب مدينة الموصل بشمال العراق تتكدس فيها جثث قتلى اعدمهم الجهاديون، اكبر مقبرة جماعية تروي مأساة مروعة لضحايا تنظيم داعش. ويصف السكان هذا الموقع ب"الخسفة"، وهو منخفض كبير ناجم عن احدى الظواهر الطبيعية، ويعتقد الناس انه جراء سقوط نيزك في المكان. وقال سكان ان التنظيم المتطرف حول الخسفة الى "موقع للموت"، بعد سيطرته على الموصل في حزيران/يونيو 2014، واستخدمه لتنفيذ الاعدامات ومقبرة جماعية لالقاء جثث الضحايا.
وقال محمد ياسين (56 عاما) احد سكان بلدة حمام العليل القريبة من الخسفة، "كانوا يجلبونهم معصوبي الاعين وايديهم موثوقة خلف ظهورهم، ويركعونهم على طرف الخسفة ليطلقوا النار على رؤوسهم ويدفعوهم الى هناك". واكد ياسين وهو عسكري متقاعد انه شاهد منذ سيطرة تنظيم داعش على المنطقة ما لايقل عن ست عمليات اعدام عند الخسفة. وياسين يتواجد بحكم عمله كسائق شاحنة لنقل النفط يمر قرب المكان بشكل منتظم. وذكر بان الضحايا الذين قتلوا كانوا من الشرطة والجنود او موظفين حكوميين حكم عليهم بالاعدام لارتباطهم بالحكومة. واشار الى ان "الناس اصبحت تخاف هذا المكان اصبح مكانا للموت، لتنفيذ الاعدام".
واقتاد جهاديون حسين خلف هلال (73 عاما) في احد الايام الى الخسفة لاعدامه بتهمة انتهاك قوانين التنظيم لقيامه بمعالجة الناس بواسطة الطب التقليدي. وروى ما حدث معه قائلا "جاؤوا الى البيت وعصبوا عيوني وربطوا يداي خلف ظهري واخذوني بسيارة زجاجها داكن اللون". وتابع "اخذوني الى هناك بغية اخافتي، لانهم ارادوا مني مبايعتهم". واشار الى ان الجهاديين كانوا يجبرون الناس على رمي انفسهم داخل الخسفة بعد ارغامهم على تناول حبوب. لكن هلال طلب فرصة لمبايعة التنظيم فاقتادوه الى السجن بدلا من اعدامه.
من جهتها، تقول بلقيس ولي وهي باحثة عراقية في مجال حقوق الانسان ان قصص الاعدامات الجماعية كثيرة لما تردد على مسامعها طوال اشهر. واضافت "بدأت اسمع عن هذا المكان قبل حوالى عام، خلال مقابلات اجريتها مع اناس فروا من سيطرة تنظيم داعش". واشارت الى ان هؤلاء تحدثوا عن اناس اعدموا عند الخسفة و سجناء ابلغوهم عن نقل معتقلين لقتلهم في الخسفة. بحسب رويترز.
وتشير المعلومات التي حصلت عليها منظمة "هيومن رايتس وتش" وفقا لصور اقمار صناعية بان الخسفة ممتلئة . فيما ذكر عدد من السكان ان الجهاديين القوا قطع سيارات متهالكة وحاويات شحن بضائع داخل الخسفة. وبعد شهر على استعادة السيطرة على المنطقة من قبضة الجهاديين، ظهر ان عمق الخسفة يبلغ امتارا معدودة حيث تتواجد هياكل اليات ملقاة هناك. كما تناثرت عبوات ناسفة داخل وحول الخسفة، حيث تنتشر قوات من الحشد الشعبي. وقالت ولي ان "العدد الذي نسمعه مرارا خلال المقابلات هو اربعة الاف" في اشارة الى ان المعلومات المتوفرة لا تسمح بتحديد العدد. وتسعى منظمة "هيومن رايتس وتش" للقاء مسؤولين في الحكومة العراقية التي لديها فريق وزاري مختص بالمقابر الجماعية للقيام بعملية واسعة للبحث في الخسفة. واضافت ولي "نود ان نلتقي هذا الفريق باسرع وقت، لوضع علامات على الموقع لحمايته ومنع الناس من الذهاب كونه موقع ملوث". واضافت "بعد ذلك، تاتي المهمة الصعبة وهي جمع اشلاء ونقلها الى السطح (...) لينظر فيها اختصاصي الطب الشرعي للبدء بتحديد الهوية ثم يليها الجزء الاكثر صعوبة وهو البحث عن المزيد منها في الاسفل".
تدمير المنازل
على صعيد متصل يشتكي سكان الأحياء التي يسيطر عليها الجهاديون في مدينة الموصل العراقية من قيام عناصر تنظيم داعش بثقب جدران المنازل ثم إجبار سكانها على دفع أجور للعمال وذلك لتمكين المسلحين من التحرك بحرية خلال المعارك مع القوات العراقية والتخفي من مقاتلات التحالف الغربي. ونقل عدد من سكان مدينة الموصل أن المسلحين المتطرفين في المدينة باتوا يعانون ضائقة مالية ويجبرونهم على دفع أجور عمال يقومون بثقب الجدران التي تفصل منازلهم للسماح للمقاتلين بالتنقل بحرية عبرها. حيث قال أبو أسعد الذي يسكن في شارع البيبسي "داعش يحفرون جدران منازلنا بالإكراه".
وتابع وهو أحد عشرات السكان الذين يعانون المشكلة "يجبرونا على دفع سبعة آلاف دينار (خمسة دولارات يوميا) أجور للعاملين بهدم جدران بيوتنا". مضيفا أن عناصر التنظيم أبلغوا أصحاب المنازل التي فتحت على بعضها من خلال ثقوب كبيرة في الجدران أن الأموال المتحصلة تخصص لتمويل خطوط الدفاع ضد هجوم قوات الأمن. وتمكنت قوات الأمن العراقية من إكمال السيطرة على الجانب الشرقي من مدينة الموصل وأنهت مرحلة مهمة من العمليات العسكرية التي بدأتها في 17 تشرين الاول/اكتوبر 2016 ضمن عملية ضد معاقل الجهاديين في البلاد. بحسب فرانس برس.
وسلسلة الثقوب التي يحفرها التنظيم في المنازل هي بمثابة أنفاق تسمح للمسلحين بالتحرك من دون إمكانية تعقبهم بواسطة الطائرات العراقية ومقاتلات التحالف الغربي. واعتبر محمد جليل الذي يسكن حي النجار الواقع قرب ضفة نهر دجلة الذي يفصل بين شطري مدينة الموصل أن "داعش ينتهك تعاليم الدين الإسلامي بفتحه فجوات بين المنازل". موضحا أنه يستغرب "كيف يدعي داعش التزامه بتعاليم الدين الإسلامي ويسمح بكشف العائلات على بعضها البعض وخصوصا النساء بعد أن تصبح البيوت متصلة فيما بينها من خلال هذه الثقوب"؟
وتابع "عائلتي كبيرة ونعيش اليوم في خوف ورعب وحيرة ولا يوجد مكان نذهب إليه وإذا لم نغادر المنزل سنتعرض لأخطار العمليات العسكرية". وتابع متسائلا "كيف نستطيع السكن في المنزل مع مسلحين يطلقون النار منه باتجاه القوات العراقية التي سترد بالمثل"؟
التخفي بين لاجئين
في السياق ذاته جلس بضع مئات من الرجال ممن هربوا عبر خطوط القتال الأمامية في موجة نزوح للاجئين من مدينة الموصل العراقية على الأرض في طوابير أمام ضابط من المخابرات العراقية كان يتفحص الحشد بحثا عن متشددين متنكرين. وجذب الضابط فتى ودفعه للوقوف على منصة وسأل المجموعة إن كان ينتمي لتنظيم داعش. سرت همهمات مكتومة تبعتها إيماءات بالرأس وتعليقات بأصوات منخفضة.
وبعد ذلك جرى اقتياد الفتى إلى شاحنة صغيرة وقد قيدت يداه خلف ظهره. واعترف بأنه كان عضوا لثلاثة شهور في التنظيم وأنه أمضى أسبوعا في معسكر تدريب لكنه قال إنه كان يقوم بأعمال الطهي ولم يحمل سلاحا قط. ومع تزايد أعداد السكان الذين يهربون من المعارك بين المتشددين والقوات العسكرية العراقية التي تسعى لاستعادة ثاني أكبر مدينة في العراق من التنظيم تقوم وحدات أمنية بنقل المدنيين إلى مخيمات تديرها الحكومة واستئصال المتسللين من داعش بينهم.
وتسلل نحو 14 ألفا من السكان من المدينة وبدأوا مسيرة طويلة عبر صحراء جرداء. ومعظم هؤلاء من النساء والأطفال والعجائز لكن يوجد أيضا مئات من الشبان الذين يتعين فحصهم من قبل قوات الأمن. وكان الجميع جوعى وعطشى بعد ثلاثة أشهر من وقوع الأحياء الغربية تحت حصار فعلي من القوات الأمنية. وأصيب بعضهم خلال تبادل إطلاق النار في معركة قد توجه ضربة قاصمة لطموحات داعش في الاحتفاظ بأراض.
وقد يضطر قرابة 400 ألف شخص لترك منازلهم أثناء الهجوم الجديد المدعوم من الولايات المتحدة والذي بدأ هذا الشهر بعد أن انتهت القوات العراقية من تطهير الأحياء شرقي نهر دجلة الذي يقسم المدينة الواقعة في أقصى شمال العراق. وقال ضابط المخابرات شريطة عدم نشر اسمه إنه استخرج سبعة يشتبه في أنهم أعضاء بداعش في أول يوم في عملية النزوح الجماعي من غرب الموصل. وشاهدت.
وقال الضابط "المقاتلون لا يخرجون" مضيفا أن الموالين للتنظيم المتشدد لكنهم يلعبون أدوارا غير قتالية بشكل أساسي سيحاولون أكثر من غيرهم على الأرجح التسلل للإفلات من حملة الاعتقالات. وتتحفظ القوات الأمنية على بعض سكان الموصل الذين تشير إليهم على أنهم "مصادر" لمساعدتها في التعرف على المشتبه بهم. ووقف أحد "المصادر" وهو شاب نحيل يرتدي قناعا أخضر لإخفاء هويته مع ضباط المخابرات فيما سلمت دفعة جديدة من الرجال بطاقات الهوية ليتم فحصها في قاعدة بيانات على الكمبيوتر.
ومعظم أعضاء داعش يقتلون في معارك رغم أن القوات العراقية قبضت على عدد منهم أحياء بعضهم من جمهوريات سوفيتية سابقة والصين. وقال ضابط المخابرات إنه تعلم كيفية التعرف على المتعاونين مع داعش من الطريقة التي يتصرفون بها معه. وأضاف قائلا "يمكنك أن تعرف ذلك لأنهم يكونون خائفين. الذين لا يعملون مع داعش يشعرون بالخوف أيضا لكنه شعور مختلف عن الخوف الذي يشعر به من يعملون مع داعش." ويعتبر الجيش العراقي أن عملية الفحص فعالة حتى الآن لكنه لا يقدم أي أرقام.
وقال الضابط "لدينا آلية. لدينا أسماء ومصادر لكن حتى مع ذلك فنحن لا نعرفهم جميعا. لكن هناك أناس يتعاونون. معظمهم يتعاونون." وكان القمع والوحشية اللذان اتسم بهما حكم داعش في الموصل دافعا واضحا للبعض في تلك المجموعات المحتجزة للاستجواب إلى الكشف عن أنصار التنظيم بينهم. وقال الضابط "الناس يتعاونون لأن عامين مدة طويلة لتكون فيها تحت ضغط مستمر." وتابع بقوله "عندما تسأل .. من بينكم ينتمي لداعش.. سيشير أناس إليهم ويقولون لقد قاموا بكذا وكذا. مثلما فعل هؤلاء الشباب.. هذا الصباح أحضرت أحدهم وسألت إن كانوا يعرفونه. نهض اثنان منهم وقالا إنه من داعش."
وذكر مسؤول مخابرات أمريكي طلب عدم نشر اسمه أن بعض مقاتلي داعش هربوا من الموصل ومدينة الرقة السورية وسط فوضى القتال لكن الحصار الذي فرضته قوات مدعومة من الولايات المتحدة على المدينتين قلص مخاطر أن يهرب المتشددون لينفذوا هجمات في مناطق أخرى. ويصل الناس إلى موقع الفحص المبدئي خلف خطوط القتال إلى الجنوب مباشرة من الموصل وقد غطاهم الغبار. وكان بعضهم محمولا على محفات أو على ظهور آخرين.
وفي العادة فإن السجائر هي أول شيء يطلبونه. والتدخين كان محظورا في عهد داعش لكن الكثيرين كانوا يخاطرون بالتعرض للجلد في مقابل بضعة أنفاس من الدخان. وهرب معظم موردي البضائع وزادت الأسعار بشكل جنوني في غرب الموصل منذ أن قطعت القوات العراقية آخر طريق غربا يؤدي إلى أراض يسيطر عليها التنظيم في سوريا قبل ثلاثة أشهر. وعاشت الكثير من الأسر على الخبز وحده تقريبا.
وقال رجل عجوز كان ينتظر الفحص الأمني إن بعض الناس لاقت حتفها في منازلها من الجوع. وقال "لم يكن هناك شيء نشتريه. لدينا المال لكن ماذا يمكنك أن تفعل.. هل تأكل المال؟" وتابع قائلا "المشكلة ليست في أن الأسعار مرتفعة بل أن الطعام غير موجود. اضطر بعض الناس لترك أقاربهم الموتى في منازلهم." والرحلة من غرب الموصل محفوفة بالمخاطر وكثيرا ما يتفرق أفراد الأسر دون أي تأكيد بأنهم سيرون بعضهم مرة أخرى أو أين سينتهي بهم الحال.
ويقول مدنيون إن داعش استهدفتهم بقذائف المورتر وقناصة على طول الطريق الذي يستغرق ساعة على الأقل سيرا على الأقدام ونصف ساعة أخرى من التكدس في شاحنات عسكرية. وفقد راع يبلغ من العمر 16 عاما قطيعه عندما سقطت عليه قذيفة مورتر. وذبح الصبي الحيوانات المصابة وباع اللحم إلى رجال الشرطة العراقية الذين يقومون على تأمين المنطقة. وجلست الأسر القرفصاء في خندق بالصحراء المفتوحة في انتظار شاحنات لتحملهم في المسافة الباقية من الطريق. واستغلت بعض النساء الفرصة لخلع النقاب وارتداء حجاب ملون يظهر الوجه وهو ما كانت الجماعة المتشددة. بحسب رويترز.
وكان داود ضرغام يركب حافلة في طريقها إلى مخيم تديره الحكومة بعد الهرب من قرية قرب مطار الموصل. وقال إنه يشعر بالقلق من المستقبل. وأضاف قائلا "هناك حد لما يمكننا احتماله. نحن بشر من لحم ودم." وفي وقت لاحق كان الفتى الطاهي الذي اكتشف أنه من أنصار داعش يرتدي سترة رياضية زرقاء ويجلس على سطح شاحنة بينما ألقي عليها بثلاثة رجال آخرين غطت رؤوسهم أغطية وسائد. وعندما بدأ ضابط المخابرات يوجه إليه المزيد من الأسئلة أغرورقت عينا الفتى بالدموع. وقال له الضابط بنبرة شابها بعض العطف "لا تبكي" قبل أن تنطلق الشاحنة مخلفة وراءها سحابة من الغبار.