لماذا فشلت اللامركزية في العراق؟
إيهاب علي النواب
2017-02-06 09:31
يقصد باللامركزية هي توزيع السلطة بين الاشخاص والمستويات الادارية المختلفة سواء كان على مستوى مؤسسات ام دولة وعدم حصرها بجهة واحدة لاغير، بما ان اللامركزية هي الحالة او الوضع الذي يعطى فيه حق المشاركة في اتخاذ القرار للمستويات الادارية الأدنى، دون ان يلغي ذلك حق الجهة المركزية في اتخاذ القرار، فهي اسلوب في العمل يقوم على مبدأ توزيع سلطة صنع القرار والصلاحيات بين السلطة المركزية وهيآت أخرى مستقلة، اي بمعنى ان اللامركزية الادارية تتمثل في تفعيل دور السلطات الاقليمية والمحلية، وذلك باسناد مهام ادارية وتنموية لها تزيد من فاعليتها، وتعزز دورها في تحمل مسؤولياتها وصلاحياتها بالشكل الذي يعمل على دمج السكان المحليين في عمليات التنمية المحلية ويؤدي الى نجاحها.
ويبرز دور اللامركزية في التنمية المحلية من خلال الأتي:
1- الحد من البيروقراطية الادارية وتسريع وتسهيل عملية صنع القرار الاداري والتنموي، ما يساهم في ايجاد توزيع عادل نسبياً لسلطة صنع القرار والاستثمارات والموارد داخل الدولة.
2- تنازل مؤسسات الحكم المركزي عن جزء من صلاحيتها لصالح مؤسسات الحكم المحلية، كون هذه المؤسسات تتعايش مع مشاكل السكان المحليين بشكل مستمر وتدرك الاسباب والابعاد، وهذا الوضع يمنح هذه المؤسسات القدرة على ربط برامج ومشاريع التنمية بمختلف احتياجات المنطاق والاقاليم، اي انه يضمن تحقيق اهداف التنمية المحلية.
3- خلق الاتصال المباشر والمستمر بين مؤسسات التخطيط التنموي والسكان، وهذا يمكّن القائمين على التخطيط من الحصول على بيانات أكثر دقة حول أوضاع مناطقهم، ويساعد على اعداد وتنفيذ خطط تنموية واقعية وفاعلة في المجتمع.
4- ايجاد توزيع عادل لمكاسب التنمية، وتحسين المستوى التنموي والخدمي في جميع مناطق البلد، من خلال وصول الموارد والاستثمارات الى جميع مناطق وأقاليم الدولة، وهذا يقلل من فجوة الفوارق الاقتصادية والاجتماعية الاقليمية.
5- تخفيف العبء الاداري والتنموي عن مؤسسات ومؤسسات الحكومة المركزية، اذ ترفع الكاهل عن العديد من الصلاحيات والمهمات باسنادها الى مؤسسات اقليمية ومحلية، وهذا الوضع يمكن مؤسسات التخطيط المركزية من اخذ الوقت الكافي في الاشراف بشكل فعلي وعملي على متابعة خطط التنمية المحلية.
6- ترسيخ مبدأ الديمقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار التنموي على المستوى المحلي، وذلك باعتبار ان اللامركزية هي شكل من أشكال العملية الديمقراطية.
من الافضل المركزية ام اللامركزية؟
دائماً مايثار هكذا سؤال في من هو الافضل المركزية ام اللامركزية، فبالنسبة للدولة التي توجد فيها اقليات مختلفة فأن النظام الافضل يكون اللامركزي، لأنه يحافظ على هوية الاقليات وحقوقها اكثر من النظام المركزي، اما في الدول التي يدفع فيها مواطنيها ضرائب مرتفعة يكون النظام اللامركزي هو الافضل، لانه يضمن للمواطن ان ضريبته المدفوعة ستعود اليه بالفائدة.
وفي الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا يكون النظام اللامركزي هو المفضل لأنه أفضل طريقة لعمل الحكومة بشكل فعال وانتاجي واقتصادي، كما ان مسألة الاصلاح الاداري والسياسي غالباً ماترتبط باللامركزية. وقد يثار سؤال أخر هنا، هو لماذا لم تنجح اللامركزية في تحقيق التنمية الاقتصادية في دولة مثل العراق كما هو الحال في دول أخرى؟
ان الاجابة على هذا السؤال تكمن في أن التحول الحاصل في العراق ما بعد العام 2003، من نظام مركزي مغلق وشديد البيروقراطية والتركز، الى نظام لامركزي مفتوح مباشرة، هو الذي أعاق نجاح اللامركزية في العراق، اذ كان الافضل ان يتم التحول بشكل تلقائي وعلى مراحل من أجل ان يتفهم المجتمع العراقي دوره في الحياة الاقتصادية والسياسية، بعد ان كان معزول تماماً عن صناعة الاحداث قبل العام 2003، وبالتالي هذا التحول السريع وغير المخطط له جاء بنتائج عكسية سلبية على المجتمع العراقي.
وللخروج من هذه الأزمة لابد من احداث تغييرات تاخذ شكل سلسلة من القرارات والمراحل حتى لايكون التغيير مفاجىء كما حصل في العام 2003، ومن وجهة نظر متواضعة، أرى ضرورة العودة الى النمط المركزي لكن ليس كما موجود قبل العام 2003، ولضمان ذلك لابد من اعطاء مزيد من الحريات في ظل النظام المركزي للاعلام والقضاء والتعليم، ومن ثم يبدأ التحول تدريجياً الى مع مايتناسب وطبيعة المجتمع العراقي بمواطنيه وسكانه وتنوعهم وثقافتهم ومواردهم الاقتصادية والاجتماعية.