كيف تجعل الفشل طريقك للنجاح؟
بروجيكت سنديكيت
2015-01-25 07:58
اريك بارتون
واجه جون سكلّي العديد من حالات الإخفاق، لكن ربما تكون إحدى هذه الحالات على وجه الخصوص هي التي حددت مسيرة حياته المهنية في وقت لاحق.
عندما كان سكلّي مديرا تنفيذيا لشركة أبل في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، أعطى إشارة البدء في تنفيذ فكرة جهاز أطلق عليه اسم "أبل نيوتن"، والذي كان في الأساس الصورة المبكرة لجهاز "آي-باد"، مع توافر تطبيق إلكتروني يعمل كمساعد خاص مهّد الطريق لما يعرف اليوم بتطبيق "سيري".
كان المشروع، بنظر سكلّي، هو المستقبل. لذا، خصص مبلغ 100 مليون دولار أمريكي لتنفيذ فكرة ذلك المشروع. لكن، مع انعدام توفر شبكات الهاتف النقال، وخدمات الإنترنت المحدودة، لم يقدم مشروع "نيوتن" عملياً أي شيء، فقد كان سابقاً لأوانه.
توقعت شركة أبل أن تبيع مليون نسخة من جهاز "نيوتن" في عامه الأول. لكن بدلاً من ذلك، باعت الشركة 50 ألف جهاز فقط. في عام 1993، كانت شركة أبل على وشك الإفلاس، وأرغمت سكلّي على ترك الشركة.
ويستذكر سكلّي ذلك مؤخرا وهو في مدينة نيويورك: "كان ذلك أمراً محرجاً جداً ومؤلما عندما حدث. واستغرق التغلب عليه أعواماً. لقد أذلّني ذلك الأمر حقاً."
رغم ذلك، ومع مرور الزمن تيقّن سكلّي أن ذلك الإخفاق كان شيئاً آخر تماماً. فبالامكان تعلّم شيء من ذلك الفشل. إنه يملك الآن العديد من شركات التكنولوجيا، والعناية الصحية، ويستخدم سكلّي في عمله فكرة "نيوتن" كاختبار حقيقي أو نقطة فاصلة يستطيع معها تحديد الوقت المناسب للبدء في تنفيذ تقنية جديدة.
إن مقدرة سكلّي للاعتراف باخفاقه، واستعمال ذلك كوسيلة لصياغة قرارات مستقبلية، هي فكرة جديدة في إدارة الأعمال. قبل جيل مضى، كان يُتوقع من كبار المديرين أن يكونوا معصومين من الخطأ، على الأقل ظاهرياً.
ذلك ما يقوله غيرارد سيدج، أستاذ السلوك التنظيمي بكلية آيفي لإدارة الأعمال في لندن، بولاية أونتاريو الكندية. عندما كانوا يفشلون، كانوا يضعون اللوم على غيرهم، ثم يواصلون المسير آملين بعدم إثارة الموضوع مجدداً على الاطلاق.
بالطبع، لا يزال الأمر على حاله في بعض الشركات. ويقول سيدج "دعونا لا نخادع أنفسنا. في بعض المؤسسات، يعد الإخفاق حدثا يحمل في طياته نهاية طريق مدير كبير. إنه تجاوز للحدود، ويعني أنه حان الوقت لإلقاء اللوم على أحد."
أما في الشركات التي تدار بشكل أفضل، برأي سيدج، يُقبل الإخفاق على اعتباره أنه جزء من المجازفة. الإخفاق يعني الاستغراق في التأمل لاكتشاف سبب الخطأ، وما يمكن تعلمه، وفي الحقيقة لمكافأة العاملين لقاء مشاركتهم في تحمل المخاطر.
كيف تتعامل مع الفشل
بحسب سيدج، تكمن الخطوة الأولى في الاعتراف بالفشل وتحمّل المسؤولية. عندما يحصل خطأ، لا تبحث عن كبش فداء بين موظفيك لتطرده. اعتبره خسارة جماعية للفريق، وكن مستعداً للاعتراف بأنك المذنب – أو على الأقل أنك وافقت على ذلك الخطأ- الذي أدى إلى اتخاذ المسلك الخاطئ. ويقول سيدج: "ربما تكون أهم خطوة هي التأمل في الخطأ الذي حدث."
تعتقد لين ووتن، الأستاذة بكلية روس لإدارة الأعمال بجامعة ميتشغان الأمريكية، أنه يمكن لمراجعة الإخفاق أن يكون العامل الأكثر حسماً لضمان تعلم فريقك درساً من الفشل.
وتضيف: "عليك أن تنظر إلى الأمر من منظور آخر، وليس من خلف كرسي مكتبك، لكي تلتقي بأعضاء فريقك. هذه مهمة لا يمكن القيام بها عبر رسالة بالبريد الالكتروني."
تأكد من أن العاملين مرتاحون لمراجعة مرحلة ما بعد الإخفاق. عليهم أن يعرفوا أن هذه المراجعة ليست عملية البحث عمن يمكن أن نعتبره مسؤولاً عن الخطأ. عليهم أن يعلموا أنه لا بأس من إخبار المدير بما فعله من باب مشاركته في ارتكاب الخطأ. تقول ووتن: "عليك أن تبين لهم بأنك لست مستأسداً، بل أنت زميل. يريدون أن يعرفوا بأنك لن تهاجمهم.".
عليك التشديد، خلال عملية المراجعة بأكملها، على الثقة بأن الأمور ستسير نحو الأفضل. ربما لم تضع خطة جديدة بعد – فقد تولد تلك الخطة من اجتماعاتك بالموظفين- إلا أن فريقك بحاجة لأن يعرف كونك القائد الذي سيسير بهم في الاتجاه الصحيح.
تقول ووتن: "كمدير، عليك الاعتراف بالفشل دون أن تفقد زمام الأمور، إلا أن هذا سيكون صعباً."
بعد إكمال عملية إعادة النظر، حدد ما يمكن القيام به في المستقبل بشكل مختلف عن السابق. يحتاج فريقك أن يعرف ما الذي يُعتبر خارج الحدود المسموح بها لاحقاً، للتأكد من عدم الوقوع في نفس الخطأ. ثم عليك إعداد أهداف جديدة لكي يبذل موظفوك جهودهم لتحقيقها. وتحقق دورياً لتتأكد بأنك وصلت إلى المعايير التي حددتها، متجاوزاً ذلك الإخفاق بدون عودة.
من الفشل إلى النجاح
مرت بضع سنوات بعد فشل مشروع "نيوتن"، لكن سكلّي اكتشف في النهاية طريقة ليتعامل بها شخصياً مع الفشل. كان إخفاقه أمراً عامّاً يخص الجميع، ولذلك، توجّب عليه أن يتعامل مع ضربة أصابت كبرياءه، إضافة إلى مشاعر أخرى انتابته.
"ليس هناك ما يدعو إلى المزاح في الفشل. إنه أمر محرج، ويمكنه حقاً أن يزعزع شعورك بالثقة،" كما يقول سكلّي.
لم تنتهِ جميع الأوقات الصعبة التي واجهها سكلّي في شركاته إلى نهايات سيئة. فعندما كان يدير شركة بيبسي كولا، بين أعوام 1977 و1983، لاقى فشلاً آخر كانت نهايته أفضل بكثير.
كانت الشركة تحاول لسنوات أن تصمم عبوة زجاجية يمكنها أن تنافس عبوة كوكا كولا المشهورة بشكل الساعة الرملية. لكن جميع التصاميم انتهكت العلامة التجارية لكوكا كولا. لذا، اعترفت بيبسي بالإخفاق، واستدارت دورة كاملة. قررت الشركة أن تهب زبائنها حجماً أكبر؛ عبوة بلاستيكية بحجم لترين. ساهم ذلك في إعادة تعريف صناعة المشروبات الغازية.
والآن، يرى سكلّي إخفاقه مع شركة أبل بشكل مغاير تماماً. يُثبِت الرواج الأخير لجهاز آي-باد أن سكلّي كان على حق عندما اعتقد أن الجهاز يمثل المستقبل– وكل ما في الأمر أن الشركة طرحته في الأسواق قبل أوانه بكثير.
كان ذلك درساً تعلمه، وساعده ذلك في إنشاء عدة شركات جديدة في السنين الأخيرة، ومن بين ذلك عمله كمستثمر مؤسس لشركة "مترو بي سي إس" لتوريد أجهزة الهواتف النقالة، وكعضو مجلس إدارة بشركة "أوبن بيك" لصناعة التطبيقات والبرمجيات، بالإضافة إلى إنشاء شركة "أوبي" لصناعة أجهزة الهواتف النقالة الذكية الرخيصة لتسويقها في أسواق البلدان الناشئة، ومقرها سنغافورة.
ويضيف سكلي: "مثل أي شخص عمل مديراً تنفيذياً لسنوات عديدة، لاقيت في حياتي إخفاقات كثيرة. لكن يكمن السر في تحديد كيفية التعامل مع تلك الإخفاقات ثم التحول عنها."