السلام الايجابي والسلام السلبي

2015-01-08 12:39

شهد عام 2014 ذكرى مرور مئة عام على اندلاع الحرب العالمية الاولى. في هذا القرن، شهد العالم العديد من الصراعات الاقليمية والدولية. كذلك، اتسمت مظاهر العنف المحلي، احيانا بالقسوة والوحشية، وفقا لما تنقلهُ تقارير الصحف. ورغم رغبتنا بالسلام، لكننا نستمر في التعامل مع الآخرين وبقية العالم – الكائنات الاخرى والبيئة ذاتها- بطرق سيئة جدا. جميع الاديان تنادي برسالة السلام، مع ذلك، يتواصل العنف في كل انحاء العالم باسم الأديان. الافراد والحكومات يدّعون ايضا ان افعال العنف ليست خاطئة لأنها تأتي دفاعا عن الحق. نحن دائما نقول: "هم بدأوا العنف ونحن فقط نريد انهائه" ومع تطور التكنلوجيا الحالية، نحن لا نذكر ذلك فقط، بل نسعى لتأكيده.

تعريفات

منذ ستينات القرن الماضي، حاول العديد من المؤلفين التمييز بين السلام الايجابي والسلام السلبي. من بين هؤلاء (Johan Galtung) الذي عرّف السلام السلبي في عام 1964 بانه غياب العنف المباشر(الحروب)، بينما السلام الايجابي هو غياب العنف اللامباشر، بما يمكّن الافراد من التكامل. تعريف السلام الايجابي تطور اخيرا ليكتسب معنى الانسجام (harmony).

اما منظمة (Grains of peace) السلمية(1) فهي تنظر للسلام السلبي والايجابي بالطرق التالية:

يسمى السلام "سلبيا" عندما يُعرّف بما ليس فيه. لذا فان السلام السلبي هو غياب:

- الحروب

- الصراعات

- العنف (مادي، سايكولوجي، معنوي، ثقافي، بنيوي)

- الاضطهاد

- الشر

بما ان هذه التعريفات للسلام هي "فارغة"، وتركز على ما هو غائب، فان السلام يبقى غير محسوس للعديد من الافراد.

اما السلام الايجابي يُعرّف بما ينطوي عليه فعلاً، لذا فان تعريف السلام الايجابي هو توفّر:

- هدوء البال والانسجام والخير

- الروابط الانسانية

- قيم انسانية مشتركة (الاحترام، القبول، التحمس لأجل الآخرين، المساواة)

- شعور قوي بالانسانية العامة.

ان تعريف السلام الايجابي هو حقيقي وملموس: يستطيع المرء الشعور به بوضوح والتأكد من وجود مختلف عناصره.

كيف نشعر بالسلام؟

الشعور بالسلام يختلف طبقا لرؤيتنا تجاهه وما اذا كان يُعرّف طبقا لما ليس فيه او لما فيه فعلاً.

انت تستشعر السلام المعرّف سلبيا في حالة:

- وجود نقص في هرمون الادرينالين (المؤثر في الانفعالات وضغط الدم)

- كونك طائع وخاضع

- الشعور بالضعف

- الاحساس بالاختناق والضيق والضجر

- عدم الشعور بالثقة.

اما السلام الذي يُعرّف ايجابيا فهو عادة يُستشعر به باعتباره:

- أحسن طريقة للشعور بالخير

- كفرصة للتصرف واطفاء العنف

- قوة محفزة في حل الصراعات

- فرصة للاحساس بالقيمة والاثارة

- حالة من الديناميكية والشعور بالتكريم.

ان الذين يتصورون السلام كغياب للحرب او العنف، يتعاملون مع العنف باعتباره مفهوم جوهري واساسي، بينما السلام يبقى ثانويا، ومشتقا. ومع ان غياب النزاعات الحقيقية هي بالطبع هامة للسلام، لكنها تعكس فقط ما يسميه الفلاسفة "السلام السلبي". غير ان مفهوم "السلام الايجابي" – وجود شروط ضرورية لنكون احراراً في الكفاح السلمي وبلوغ طاقاتنا القصوى - يكتسب نفس الدرجة من الاهمية. الحياة في ظل حالة الفقر، الاساءات، الخوف او الاذلال هي ليست سلمية، بصرف النظر عن غياب العنف المادي. ذلك يعني ان، القتل هو عنف، ولكن كذلك، المجاعة التي يموت بها الفرد من الجوع. الاستغلال السايكولوجي والعاطفي والاقتصادي يُمارس كعنف تماما كما في العنف المادي. ولهذا السبب، يكون السلام، خاصة السلام كحرية الى وليس مجرد تحرر من – مرتبطاً بشكل وثيق بالعدالة، وان اي محاولة حقيقية لترسيخ السلام يتطلب معالجة قضايا واسئلة العدالة، الفردية والاجتماعية، باعتبارهما شكلين من العنف وسببين له.

ولابد ايضا وبنفس المقدار النظر الى الارتباط بين السلام مع الغير (Interpersonal peace) وسلام الفرد مع الذات (Intrapersonal peace). من الصعب الشعور بسلام داخلي اذا كنّا نعيش في اجواء من التهديد، التعصب، او التمييز، وكذلك، من الصعب مسايرة الاخرين والاستجابة للصراع بطريقة سلمية اذا كنا نعيش حالة داخلية من الاضطراب والاذلال والقهر. وكما ذكر غاندي، "هناك لغز دائم امامي وهو كيف يشعر الناس باحترام انفسهم عبر اذلال زملائهم البشر... انا ارى ان الذهن الانساني او المجتمع الانساني غير منقسم الى تقسيمات صارمة كالتقسيمات التي تسمى "اجتماعية"، "سياسية"، ودينية. دائما هناك فعل ورد فعل تجاه الاخرين".

كذلك من المهم ان نتذكر ان العنف لا يعني نفس معنى الصراع. الصراع يعني التصادم بين الرغبات المتعارضة. لذا عندما يجلس اثنان من لاعبي الشطرنج المتمرسين وجها لوجه، كل واحد يريد ان يربح اللعبة، ولكن فقط واحد منهما سيربح، هما لديهما رغبات متصارعة. هذا يسمى صراع، وليس عنف. العنف هو فقط استجابة واحدة للصراع– شكل واحد من السلوك من بين العديد من اشكال السلوك الاخرى. هناك استجابات اخرى غير عنفية، مثل المفاوضات، التعاون، التسويات، تغيير المفاهيم، وحتى الاقناع اللاعنفي.

لقد صرف الفلاسفة الاكاديميون المزيد من الوقت والجهد في حل المفارقات المنطقية، مثل هل يمكن للحلاق ان يحلق نفسه اذا كان دائما يحلق فقط اولئك الذين لا يحلقون انفسهم (بتراند رسل)، او ما اذا كانت الاسماء الملائمة تشير لنفس الفرد في كل العوالم الممكنة (Saul Kripke). البعض وجّه الانتباه لقضايا اساسية في السلام والعنف كمفكري التاريخ الكبار امثال روسو و كانط و بينثام. مع ذلك، اذا كان يجب على الفلسفة الاهتمام بمشاكل الناس وليس فقط بمشاكل الفلاسفة، فاننا نجد نقصا مخزيا في التركيز على هذه الجوانب الاساسية من حياتنا. مجلة (الفلسفة الآن) اتخذت خطوات هامة لسد النقص في معالجة هذه المشاكل المتصلة بفهم وترسيخ السلام مثل: تركيز الانتباه على ما اذا كان الانسان او لم يكن بطبعه عنيفا، اساليب الاستجابة للصراع والعنف، خطوات للتغلب على العنف اليومي مع الاخرين، بعض الارتباطات بين السلام والقيم الاخرى الهامة.

اخيراً نقول: لا يكفي الحديث عن السلام. يجب على المرء الايمان به. ولا يكفي الايمان به، بل يجب ايضا العمل لأجله.

Give(Thinking About) Peace A Chance, Philosophy Now, Nov - Dec 2014

.............................................
الهوامش
(1) هي منظمة سويسرية غير حكومية ذات رؤى وتوجهات عالمية، تأسست في جنيف عام 2005. نشاطاتها تتعلق بتعليم السلام، اشاعة ثقافة السلام وفهم ما بين الثقافات. كذلك تتولى المنظمة تصميم وانتاج مواد تربوية (بيداغوجية) واستعمالها ضمن اهداف مدرسية وغير مدرسية.
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي