التمسك بتجنب حرب إقليمية شاملة في الشرق الأوسط
مجموعة الازمات الدولية
2024-08-05 05:27
دفعت عملية قتل قائد حماس إسماعيل هنية في طهران الشرق الأوسط إلى أكثر لحظاته خطراً منذ سنوات. يجب على جميع المعنيين فعل أقصى ما يستطيعون فعله لتجنب نشوب حرب إقليمية. وتتمثل الخطوة الأكثر أهمية، إضافة إلى ضبط النفس المتبادل، في وقف إطلاق النار في غزة.
لقد دفعت سلسلة من الأحداث العنيفة على مدى الأسبوع الماضي الشرق الأوسط إلى الاقتراب أكثر فأكثر من شفا حرب شاملة. وتمثَّل آخر هذه الأحداث، الذي وقع في 31 تموز/يوليو، في مقتل إسماعيل هنية، رئيس الجناح السياسي لحركة حماس والضيف رفيع المستوى على الحكومة الإيرانية، في العاصمة الإيرانية طهران في يوم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد. يترك الهجوم على هنية المنطقة بانتظار ردٍ انتقامي وَعَد به القائد الأعلى علي خامنئي، ويُذكَر أنه أعطى الضوء الأخضر لتنفيذه. في حين أن إسرائيل لم تعلن رسمياً مسؤوليتها عن الهجوم، فإنها بعثت بكل مؤشر غير مباشر بأنها الفاعلة. على نحو منفصل، وقبل يوم من عملية اغتيال هنية، قصفت إسرائيل فقتلت قائداً كبيراً في حزب الله وعدداً آخر من المدنيين وأحد أفراد قوات الحرس الثوري الإسلامي، في ضاحية بيروت، حيث يعيش عدد كبير من أنصار الحزب المدعوم من إيران.
قد يكون من الممكن العثور على مؤشرات على كيفية الرد الإيراني في الهجوم غير المسبوق الذي شنته في 13 نيسان/أبريل، عندما أطلقت أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيرة على إسرائيل رداً على قتل إسرائيل لضباط إيرانيين كبار في القنصلية الإيرانية بدمشق. نجحت الدفاعات الجوية الإسرائيلية–الأميركية المشتركة في اعتراض جميع القذائف، باستثناء عدد قليل منها، قبل وصولها إلى أهدافها. ويذكر أن تلك التي اخترقت الدفاعات الجوية أصابت شخصاً بجروح وتسببت بأضرار طفيفة في قاعدة جوية إسرائيلية. لكن هذه الحقيقة لا تثبت أن إيران غير قادرة على توجيه ضربة جديّة لإسرائيل.
في الواقع، ثمة ما يدفع إلى الاعتقاد بأن طهران أرادت توجيه رسالة دون حتى الاقتراب من أقصى درجات الضرر التي يمكن أن تحدثها في نيسان/أبريل. فقد حذرت الولايات المتحدة وجيران إسرائيل العرب من أنها ستطلق قذائف صاروخية، وبذلك ساعدت فعلياً في الرد الدفاعي – رغم أن ذلك لا يعني على الإطلاق جعل العملية خالية من المخاطر. هذه المرة، قد تشعر إيران بأن محاولة تحقيق الردع ستتطلب شن هجوم أكثر إيلاماً. وقد يعني هذا عدم توجيه تحذيرات كافية واستعمال ذخائر دقيقة. كما أن من المرجح أن تعمل بالتنسيق مع حلفائها غير الدولتيين في “محور المقاومة“، وهي شبكة شركاء طهران التي تشمل حزب الله في لبنان، والمقاتلين الحوثيين في اليمن والمجموعات شبه العسكرية في العراق، إضافة إلى حماس.
على نحو مماثل، قد يوفر رد الفعل الإسرائيلي على وابل الصواريخ التي أُطلقت عليها في نيسان/أبريل فكرة عن الكيفية التي سترد فيها على هجوم يُشن في آب/أغسطس. كان الرد الإسرائيلي في نيسان/أبريل محدوداً جداً، لكن دقيقاً للغاية؛ فباستهدافها بطارية دفاع صاروخية مرتبطة ببرنامج إيران النووي، بعثت إسرائيل برسالتها الخاصة بشأن قدرتها واستعدادها لفعل ما هو أسوأ بكثير. وهذا يشير بقوة إلى أن أي تحرك تصعيدي تقوم به طهران سيلقى رداً من نوعه. لكن من الصعب معرفة ما إذا كانت إيران تفهم هذا، فهي في مأزق. كما أوضح خامنئي أصلاً، فإن عدم الرد على عملية القتل، سيجعلها في نظر قادة إيران السياسيين، تبدو ضعيفة، ويخاطر بجعل أعدائها أكثر جرأة.
السؤال الآن هو ما إذا كان التصعيد الذي لا بد آتٍ يمكن احتواؤه ومنع حرب إقليمية شاملة. وهنا، كما في الماضي، ثمة ما يدفع إلى الأمل. قد يكون الأمر أكثر أهمية هو أن إيران والولايات المتحدة أشارتا على نحو متكرر بالكلام والأفعال أنهما تريدان تجنب سيناريو الوضع الأسوأ. فلكلتيهما دوافع قوية لتحاشي وقوع ذلك. لقد أشارت الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ إدارة الرئيس باراك أوباما إلى رغبتها القوية بإخراج الولايات المتحدة من النمط المستمر منذ وقت طويل والمتمثل في التشابكات المستنزِفة للموارد في الشرق الأوسط. ولا شك أن احتمال أن تُجرَّ إلى حرب إقليمية كبرى عشية انعقاد مؤتمر تقديم مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة في آب/أغسطس وقبل أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية لا بد أن يكون خياراً غير جذاب على الإطلاق بالنسبة للرئيس جو بايدن – وقد يكون أقل جاذبية للمرشحة لخلافته، نائب الرئيس كمالا هاريس.
القيادة الإيرانية، من جهتها تعرف أنه في حين أن طهران وحلفاءها يمكنهم أن يلحقوا ضرراً جدياً بالمصالح الإسرائيلية والأميركية في الشرق الأوسط، فإنهم لا يستطيعون أن ينتصروا في مواجهة مباشرة مع أكبر قوتين عسكريتين في المنطقة والعالم. ستُغرق حكومة مشكَّلة حديثاً قادت حملتها الانتخابية على أساس إعادة موازنة العلاقات مع الغرب ومعالجة الاستياء الاجتماعي–الثقافي نفسها في صراع قد يلغي هدفها الأول ويعمق المشاكل التي يسعى هدفها الثاني إلى معالجتها بعد أيام فقط على وجودها في السلطة. على هذه الخلفية، أشار حليف إيران في لبنان، حزب الله، إلى توخِّيه درجة من الحذر؛ فقد تعهد بالرد على قيام إسرائيل بقتل أحد كبار قادته، لكنه أصر على أن الرد الإسرائيلي من تلك اللحظة فصاعداً سيحدد مدى تصعيد الصراع.
علاوة على ذلك، أظهر اللاعبون الرئيسيون أنهم يمتلكون أدوات رئيسية لإدارة أزمة من هذا النوع. إذ أظهرت تجربة نيسان/أبريل أن الرسائل المباشرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، مصحوبة بدبلوماسية نشطة في القنوات الخلفية بين الولايات المتحدة وإيران، يمكن أن تكون فعالة. كما كان يمكن لحصيلة هجوم إيران في 13 نيسان/أابريل أن تكون أكثر سوءاً بكثير لو أن طهران لم تحذِّر منها مسبقاً، ولو لم تحضِّر إسرائيل وحلفاؤها دفاعاً قوياً وناجحاً على الأغلب استعداداً لذلك. من جهة أخرى، كان يمكن لإسرائيل أن ترد على نحو أكثر شراسة على وابل القذائف التي أطلقت عليها لو لم تنصحها إدارة بايدن بعدم القيام بذلك في محادثات مكثفة.
لكن مع أخذ كل هذه الاعتبارات في الحسبان، فإن مخاطر تصاعد الصراع تبقى مرتفعة، سواء لأنه لا يمكن إنكار أن الطرفين يرفعان الرهانات أو لأن النجاحات السابقة عندما يتعلق الأمر بالاحتواء قد تؤدي إلى حالة من الإفراط في الثقة، والمخاطرة وسوء الحسابات. لقد حذرت مجموعة الأزمات منذ وقت طويل من أنه في مواجهة ذات رهانات مرتفعة يتطلب الأمر سوء قراءة النوايا لمرة واحدة، وخطأ تقنياً أو خطأ واحداً في الاستهداف – كما كان يمكن أن يحدث في حال الضربة التي وقعت في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل وقتلت اثني عشر طفلاً في 27 تموز/يوليو وحضَّرت الأرضية للضربة التي وجهتها إسرائيل في 30 تموز/يوليو في ضواحي بيروت – أو سوء تواصل لمرة واحدة، كي تخرج الأمور بسرعة عن نطاق السيطرة. لقد أصبح احتمال أن تمضي إيران أو إسرائيل أبعد مما ينبغي – الأمر الذي سيؤدي إلى حرب مكثفة ستنتشر دون ضوابط، وتؤدي إلى مقتل عدد كبير من المدنيين في جميع أنحاء المنطقة وربما تَجرُّ لاعبين خارجيين مثل الولايات المتحدة إلى صراع مباشر مع إيران وحزب الله – من المرجح أن يكون أكبر الآن مما كان في نيسان/أبريل، وهو أمر مقلق جداً.
الأمر الأول الذي ينبغي فعله، ومن المؤكد أنه بدأ فعلاً، هو أن يعمل الطرفان من خلال جميع القنوات المناسبة (بما في ذلك تلك التي استُعملت في نيسان/أبريل إذا كانت متوفرة) لنقل الخطوط الحمراء بأوضح معنى ممكن في حال حدوث تبادل نيران بين إيران وإسرائيل. ومن المؤكد أن الأمر سيعود إلى البيت الأبيض لإيضاح عواقب تجاوز تلك الخطوط. سيتعين على واشنطن أن تبلغ طهران أنه كلما ذهبت أبعد، كلما تراجعت قدرتها على ضبط الرد الإسرائيلي المحتوم، وأنه خارج خطوط معينة ستصبح المخاطر غير قابلة للإدارة.
بالنسبة لإسرائيل، يتعين أن تكون رسالة الولايات المتحدة قاسية أيضاً. سواء كان هنية هدفاً مشروعاً أم لا، فإن توقيت ومكان وطريقة قتله كانت مزعزعة للاستقرار دون شك، الأمر الذي يوجِد مخاطرة تصعيدية لا بد أن تتحملها الولايات المتحدة الآن جزئياً، ومن شبه المؤكد أنها تعطل المحادثات، التي بدا أنها تحقق بعض التقدم، نحو التوصل إلى وقف لإطلاق النار واتفاق على إطلاق سراح الرهائن في غزة. في حين أنه لا شك في أن الولايات المتحدة ستساعد في الدفاع عن إسرائيل ضد أي هجوم قادم، ينبغي عليها أن توضح أن أي ردٍ على ذلك الهجوم يجب أن يكون محسوباً بدقة – كما كان في نيسان/أبريل – وأن إسرائيل لا تمتلك شيكاً على بياض لجرِّ الولايات المتحدة إلى أعمال قتالية متصاعدة قد تنجم عن ردٍ متهور.
وينبغي على القادة الإيرانيين والإسرائيليين أن يتصرفوا وفقاً لذلك، وأن يسمحوا لأنفسهم مرة أخرى أن يعملوا بموجب منطق إدارة المخاطر الذي ساد في نيسان/أبريل، وأن يفهموا أنهم إذا اختاروا اختبار حدود هذه المقاربة، فإن النتائج قد تكون كارثية.
ينبغي على الولايات المتحدة والوسطاء الآخرين أن يضاعفوا جهودهم لإيصال حرب غزة ... إلى وقف لإطلاق النار كان ينبغي أن يتم التوصل إليه منذ وقت طويل.
في الوقت نفسه، ينبغي على الولايات المتحدة والوسطاء الآخرين أن يضاعفوا جهودهم لإيصال حرب غزة، التي أطلقها هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على إسرائيل، إلى وقف لإطلاق النار كان ينبغي أن يتم التوصل إليه منذ وقت طويل. وهذه ضرورة إنسانية وأفضل طريقة لخفض حدة التوترات في المنطقة على نحو ذي معنى. وهذا يشمل حدود إسرائيل الشمالية المتوترة، حيث كرر حزب الله قوله بأنه سينهي شهوراً من إطلاق الصواريخ إذا تم التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة. منذ قدَّم الرئيس بايدن خطته لوقف إطلاق النار في 31 أيار/مايو، وافقت عليها حكومة الحرب الإسرائيلية حينذاك، وأقرها مجلس الأمن الدولي وأشارت حماس إلى استعدادها للالتزام بشروطها. لكن إسرائيل أضافت شروطاً على الخطة فيما يتعلق باستمرار سيطرتها على ممرين في قطاع غزة وعلى معبر رفح الحدودي مع مصر، إضافة إلى حركة الرجال الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة من مناطق نزوحهم في الجزء الجنوبي من القطاع. تعطي هذه الشروط الانطباع بأنها ليست مهتمة بالتوصل إلى هدنة. لقد اتهم مسؤولون في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو صراحة بالوقوف في طريق اتفاق خدمة لمصالحه السياسية الشخصية.
مهما كان السبب، فإن الوضع الحالي لا يُحتمل. بالنظر إلى الرهانات الإنسانية والأمنية، ينبغي على الولايات المتحدة أن تنتقل إلى مستوى مختلف من الضغط على إسرائيل للتوصل إلى الاتفاق. ويبدو أنها تدرك ذلك. ففي عشية 1 آب/أغسطس، أبلغ بايدن الصحفيين أنه كان قد أعطى نتنياهو رسالة “مباشرة جداً” هاتفياً. وقال الرئيس الأميركي: “كان لدينا أساس لوقف لإطلاق النار. ينبغي أن يتحرك بناءً عليه وأن يتحرك الآن“. مثالياً، سينجح هذا النوع من الضغط، وستوافق إسرائيل على الاتفاق الموجود على الطاولة، ولن تتراجع حماس بعد مقتل هنية، وسيتحرك الطرفان إلى تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق – التي تتوقف الأعمال القتالية بموجبها، وتبدأ القوات الإسرائيلية بالخروج من المراكز السكنية، ويبدأ تبادل الرهائن والأسرى، ويتوسع الوصول الإنساني. لكن تبيَّن أن الخطاب القاسي للإدارة ما هو في كثير من الأحيان إلا غطاء لسياسة تتمثل في الدعم الواسع الذي سمح لنتنياهو بإعاقة جهود السلام بينما يستمر القصف على قطاع غزة.
قد يكون هناك حاجة لإجراءات أقوى. فللتأكيد على رسالتها، قد يتعين على واشنطن الإشارة إلى استعدادها لاتخاذ خطوات أحجمت في السابق عن اتخاذها – بما في ذلك وضع شروط على نقل الأسلحة لأغراض غير دفاعية. سياسياً، ستكون هذه الخطوة صعبة التحقق، ولا سيما في عام الانتخابات. لكن ينبغي على الحزب الديمقراطي بزعامة بايدن وخصومه في الحزب الجمهوري (الذي يضم فصيلاً يعبِّر على نحو متزايد عن معارضته للحرب) أن ينظروا إلى حرب غزة من منظور الأزمة الراهنة والمخاطر التصعيدية التي تُوجدها.
وعليهم أن يسألوا أنفسهم ما إذا كانوا مستعدين فعلاً للقبول بخطر متزايد يتمثل في انجرار الولايات المتحدة إلى حرب شرق أوسطية أخرى في حقبة التزم فيها قادة الحزبين بوضع حد للحروب التي لا نهاية لها. إذا لم يحدث ذلك، سيتعين عليهم إيجاد طريقة لأن يوضحوا لرئيس الوزراء نتنياهو أنه لا يستطيع الاستمرار في عرقلة اتفاق وقف إطلاق النار الذي من شبه المؤكد أن يكون ضرورياً، وإن لم يكن كافياً، لتهدئة التوترات في هذه المنطقة المضطربة.