الفصل الأخير من نزاع ناغورنو-كاراباخ
مركز كارنيغي
2023-10-04 07:10
يناقش توماس دي فال، في مقابلة معه، تشابك المصالح والمخاطر في سياق المعارك الأخيرة في الإقليم المُتنازع عليه.
مايكل يونغ: راقب كثر في العالم العربي وإيران عن كثب التطورات التي شهدها إقليم ناغورنو-كاراباخ. ما سبب ذلك برأيك؟ وبعبارة أخرى، من أي نواحٍ تُعتبر أحداث القوقاز امتدادًا لسياسات الشرق الأوسط؟
توماس دي فال: كنا في السابق ننظر إلى النزاع بين أرمينيا وأذربيجان ضمن سياق أوروبي. فقد كانت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الوسيط الأساسي، وكانت لروسيا والدول الغربية مصالح على جانبَي النزاع. أما تركيا، فقد دعمت أذربيجان، لكنها أرادت في الوقت نفسه التوصل إلى حلّ دبلوماسي للنزاع. وكانت لإيران مصالح أيضًا، إنما هامشية للغاية. لكن حرب العام 2020 غيّرت جميع هذه المعادلات. فقد قدّمت تركيا دعمها العسكري الكامل لأذربيجان، ما شكّل خطوة حاسمة في تحقيق الانتصار على الأرمن. ونشرت روسيا قوات حفظ السلام في الإقليم، وانهارت الصيغة التي اقترحتها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وتم تهميش الغرب.
في هذا السياق، اختلط حابل النزاع بنابل الديناميكيات الأوسع في الشرق الأوسط. فبدأت إيران بدعم أرمينيا بشكل أكبر، بسبب قلقها من إمكانية بسط أذربيجان وتركيا سيطرتهما الكاملة على حدودها الشمالية. أما إسرائيل فتدعم راهنًا أذربيجان، ربما بسبب العامل الإيراني. يُضاف إلى ذلك أن باكستان تزوّد أذربيجان بالأسلحة، في حين أن الهند تزوّد أرمينيا.
يونغ: تحدّث مراقبون عن واقع أن روسيا سمحت للقوات الأذرية بالتقدّم في ناغورنو-كاراباخ، معتبرين في ذلك إشارة إلى أن الكفة في موسكو تميل لصالح باكو. هل توافقهم الرأي، وما هي التداعيات الجيوسياسية الأوسع إذا كانت روسيا قد وقفت بالفعل، وبصورة ضمنية، إلى جانب أذربيجان؟
دي فال: لطالما كانت أذربيجان ماهرة في لعبة التفاعل بين روسيا والغرب، مقنعةً كل طرف بأنه شريك مفيد، لأسباب مختلفة بالطبع. فخلال الأسبوع الفائت، ظهر على نحو سافر كيف عمد الرئيس الأذري إلهام علييف إلى تقديم تطمينات إلى شركائه الغربيين، بمن فيهم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، بأنه لن يلجأ إلى استخدام القوة، لكنه ما لبث أن فعل عكس ما قال. من الواضح أن ثمة صفقة جانبية مع موسكو، إذ إن قوات حفظ السلام الروسية لم تُحرّك ساكنًا ولم تقم موسكو بإدانة الهجوم، وسرعان ما سيطرت أذربيجان على ناغورنو-كاراباخ. بعدئذٍ، تدخّل الروس للتفاوض بشأن وقف إطلاق نار كان في الواقع بمثابة استسلام كامل للطرف الأرميني في الإقليم. وشكّل ذلك انتصارًا ساحقًا للأذريين، لكن سيتعيّن عليهم تحمّل عواقب هذا التحوّل القوي نحو روسيا، وبعيدًا عن الغرب.
أما المسألة الثانية فتتعلّق بجمهورية أرمينيا، إذ يطالب الروس علنًا بإقالة رئيس وزرائها نيكول باشينيان من منصبه نظرًا إلى انحيازه الكبير إلى الغرب. ويبدو أن لدى باكو وموسكو وأنقرة أجندة مشتركة لإرغام يريفان على القبول بشروطها لشق طريق بري وفتح خط سكة حديد عبر الأراضي الأرمينية إلى إقليم ناخيتشيفان الأذري، على ألا يتمتع الطرف الأرميني سوى بحدٍّ أدنى من السيطرة وأن يتولّى حرس الحدود الروس مهمة الحراسة. وسيتم توجيه تهديدات مُبطّنة باستخدام القوة إن لم تقبل أرمينيا بذلك. يُحتمل أن هذه هي الجبهة المقبلة للنزاع التي ستضطر الحكومات الغربية إلى التعامل معها. فجأةً، بات على الغرب الاضطلاع بدور المدافع الأخير عن أرمينيا، فيما أصبحت إيران لسخرية القدر في مقعد الاحتياط.
يونغ: ثمة في الولايات المتحدة وإسرائيل من يدعمون أذربيجان لأنهم يرون في ذلك وسيلة لزعزعة استقرار إيران، التي تقطنها شريحة كبيرة من الأذريين الذين عبّروا في الماضي عن مشاعر مؤيدة للحكم الذاتي. هل هذه الحسابات واقعية؟ وكيف يمكن أن تؤثر نجاحات أذربيجان، المدعومة من تركيا، على الوضع في إيران؟
دي فال: هذا صحيح. ينظر كثر جدًّا إلى المنطقة من منظور روسيا أو إيران. كان جون بولتون من ضمن هذه المجموعة لفترة من الزمن، حين كان يشغل منصب مستشار الأمن القومي للرئيس دونالد ترامب، وقد حاول أن يجعل جهود الوساطة في النزاع تتمحور حول إيران. واستخدم الأذريون ذلك لمصلحتهم، فتمكّنوا من استمالة الكثير من المحافظين الجدد. لكنني أرى أن ثمة أشخاصًا من ذوي الآراء المتّزنة في باكو الذين يدركون أن زعزعة الاستقرار في إيران قد تنطوي على مخاطر، وأن الإيرانيين لديهم أيضًا أوراق ضغط قادرة على زعزعة الاستقرار في أذربيجان، مثل رجال الدين الشيعة أو بعض أفراد أقلية التاليش.
يونغ: تتعرّض الحكومة الأرمينية إلى انتقادات لاذعة محليًا لعدم بذلها ما يكفي من الجهود لمساعدة الأرمن في إقليم ناغورنو-كاراباخ. ما الدروس التي يمكن أن تستقيها أرمينيا من الكارثة الأخيرة في المنطقة؟
دي فال: ستعيش أرمينيا حالة من الاضطرابات لفترة طويلة. فخسارة ناغورنو-كاراباخ تشكّل أكبر هزيمة وصدمة للأرمن منذ سقوط مدينة كارس في أيدي الأتراك في العام 1920. والأمر أكبر من ذلك حتى على الأرجح. وكما ذكرت سابقًا، سيحاول كثر التخلّص من باشينيان، لكنني آمل أن تكون هذه لحظة التضامن والوقوف في صف واحد، بدلًا من تراشق الاتهامات والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد.