الجميع يخسر في عالم مفكك
بروجيكت سنديكيت
2023-02-01 07:55
بقلم: أندرو شنغ، شياو جينغ
هونغ كونغ- في الاجتماع السنوي الأخير للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، قدّم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس وبشكل غير عادي تقييمًا صريحًا للمأزق الحالي للنظام الدولي حيث قال إن "العالم يواجه عاصفة شرسة وعلى عدة جبهات " وأضاف "نحتاج إلى التعاون، ومع ذلك فإننا نواجه التشرذم."
في واقع الأمر فإن من الأفضل تشبيه تلك العاصفة الشرسة بتسونامي. إن مكونات ذلك التسونامي-بما في ذلك اضطرابات سلسلة التوريد وأزمة الطاقة وأزمة تكلفة المعيشة وتباطؤ النمو العالمي والاقتراب من الكارثة المناخية– كلها أو على أقل تقدير جزئيًا هي نتيجة لتداعيات الخلاف الكبير بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
إذا حصل بالفعل ما يسميه غوتيريس "الانقسام العظيم"، فسيكون لدى العالم "مجموعتان مختلفتان من قواعد التجارة وعملتان مهيمنتان ونسختان من الإنترنت واستراتيجيتان متعارضتان بشأن الذكاء الاصطناعي." ستكون التكاليف هائلة حيث سينكمش الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 1.5٪، أو بأكثر من 1.4 تريليون دولار من حيث القيمة السنوية كما سترتفع الأسعار فعليًا في جميع المجالات وسيكون هناك تراجع كبير في إيصال البضائع العامة على مستوى العالم.
ليس من الصعب أن نفهم السبب وراء ذلك فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كان العالم يجني مكاسب سلام غير مسبوقة، ومع إشراف الولايات المتحدة على نظام عالمي مستقر نسبيًا وقائم على القواعد، انطلقت العولمة وهذا مكّن أوروبا من أن تتعافى في فترة ما بعد الحرب وذلك في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بالإضافة الى معجزة شرق آسيا في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي وتطور وسط وشرق أوروبا في التسعينيات من القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والصعود الاقتصادي السريع والمفاجىء للاقتصاد الصيني.
في حين تم تمكين هذا التحول بفضل القيادة العالمية للولايات المتحدة، فقد أدى أيضًا إلى إضعاف الهيمنة الأمريكية تدريجياً بينما برزت دول أخرى. تساعد هذه الديناميكية في تفسير رد الفعل السلبي في الولايات المتحدة ضد العولمة والدول التي استفادت منها. ان الأمريكيين الذين شعروا انهم تخلفوا عن الركب كان لديهم حنين لحقبة القطبية الأحادية التي ترتكز على الولايات المتحدة وأنحوا باللائمة على القوى الصاعدة ذات النزعة التحريفية -وخاصة الصين– لدورها المزعوم في تراجع ازدهارهم علمًا أن هذا مهد الطريق للانقسام العظيم.
لكن الانقسام بين الشرق والغرب ليس هو الانقسام الوحيد الذي يهدد مستقبلنا الجماعي. لقد سلط غوتيريس الضوء أيضًا على المخاطر التي يثيرها الانقسام الذي يزداد عمقًا بين الشمال والجنوب، مشيرًا إلى أن سكان الشمال الأكثر ثراءً لا يدركون على ما يبدو "درجة الإحباط وحتى الغضب في الجنوب العالمي"، وفي حين أن الشمال يتمتع بجميع مزايا التصنيع والتكنولوجيا المتطورة، فإن الجنوب الغني بالموارد لا يزال يعاني من الفقر وعدم الاستقرار لأسباب ليس أقلها الإرث الاستعماري.
في واقع الأمر يصف نائب رئيس مجلس الإدارة في مؤسسة س اند بي غلوبال دانيال يرغين الانقسام بين الشمال والجنوب على أنه بالأساس تحدي يرتبط بانتقال الطاقة، فمن الثورة الصناعية التي كان محركها الفحم إلى عصر المعلومات المرتبط بالكهرباء، كانت الطاقة جزءًا لا يتجزأ من صعود الغرب إلى الهيمنة العالمية. أما الآن فيسعى الشمال إلى الابتعاد عن الوقود الأحفوري وبدون التضحية بالثروة المكتسبة من انبعاثاته السابقة، بينما يحث الجنوب على متابعة التنمية الصديقة للمناخ. يخلص يرغين إلى أن "الانقسام الجديد بين الشمال والجنوب يعكس الخلاف حول سياسات المناخ والانتقال وتأثيرها على التنمية ومن المسؤول عن الانبعاثات التراكمية والجديدة ومن الذي سيدفع".
يوضّح هذا حقيقة أشمل وهي أن مصالح السكان الأقل عددًا والأغنى والأكثر تقدمًا في السن في الشمال تختلف بشكل كبير عن مصالح السكان الأكثر عددًا وفقرًا وشبابًا في الجنوب. تحاول معظم البلدان في الجنوب العالمي تجنب الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك عندما يتعلق الأمر بالصراعات الجيوسياسية -وعلى الأخص فيما يتعلق بالتنافس الصيني الأمريكي- لأنها أكثر اهتمامًا بضمان تنميتها. بالنسبة لهذه البلدان يبدو أن الصراع غير المنطقي بين الشرق والغرب قد يؤدي إلى انكماش مضمون متبادل، إن لم يكن تدمير مضمون متبادل، وعليه فهي تحاول البقاء على الحياد.
لكن الجنوب لا يستطيع الهروب من عواقب أفعال الشمال فعلى سبيل المثال بينما جعلت حرب أوكرانيا أوروبا تتدافع للحصول على إمدادات الطاقة البديلة، تسببت تلك الحرب كذلك في نقص كبير في الغذاء والأسمدة في جنوب الكرة الأرضية، ونظرًا لأن المؤسسات الغربية (أو تلك التي يقودها الغرب) أصبحت تزيد من الشروط المتعلقة بالبيئة من أجل الحصول على تمويل التنمية، فقد يضطر الجنوب إلى البحث عن بدائل أخرى.
إذا اكتمل الانقسام الكبير وإذا اشتبكت القوى النووية مع بعضها البعض في حرب حامية الوطيس وإذا فشل الشمال في ترتيب وضعه المناخي، فإن الجنوب سوف تصيبه الأضرار الجانبية، ففي واقع الأمر لا يوجد بلد في الجنوب العالمي - ولا حتى الهند - لديه الثقل الاقتصادي أو السياسي أو العسكري لتحدي الشمال.
غالبًا ما يتباهى الشمال العالمي بمؤهلاته الديمقراطية. لكن الدعوة لتبني الديمقراطية مبنية على أساس قدرة النظام على تمثيل الآراء والثقافات والقيم المتنوعة -وليس فقط تلك التي يتبناها الأكثر ثراءً أو قوة. إذا كان للنظام العالمي أن يستمر ويبقى، فسيتعين عليه أن يعمل بشكل أساسي كديمقراطية عالمية- وهذا يعني موازنة احتياجات وأولويات الشمال مع احتياجات وأولويات الجنوب.
في الوقت نفسه، فإن سد الفجوة بين الشرق والغرب هو أمر بالغ الأهمية. يوحي الانقسام العظيم بوجود حلقة مفرغة: عندما نلقي باللوم فيما يتعلق بمشاكلنا على العالم الخارجي، فإننا بذلك نوجّه الموارد القيمة بعيدًا عن الحلول الفعالة، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلات وزيادة كمية الموارد المهدرة. إن هذا يقلل من فرصنا في معالجة التحديات المترابطة التي نواجهها -ليس أقلها تغير المناخ- مع زيادة مخاطر الصراع.
ونظرًا لذلك، فإن من الأخبار الطيبة أن نرى نائب رئيس الوزراء الصيني ليو هي يلتقي مؤخرًا بوزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين لمناقشة استعادة التعاون في سياسة الاقتصاد الكلي بين البلدين. لكن صقور الأمن القومي ما زالوا يهيمنون على الأجندة العالمية، لذلك تستمر الاعتبارات الدفاعية في تشويه السياسة الاقتصادية. ما لم تلتزم القوى القيادية في العالم وبكل مصداقية بمستقبل أكثر تعاونًا وشمولية، فقد نجد أنفسنا نعيش في عالم منقسم بشكل لا رجعة فيه، أي عالم يعاني من تغير المناخ ويتجه نحو صراع عالمي.