عودة الشيوعية في روسيا
بروجيكت سنديكيت
2021-10-30 11:44
بقلم: نينا خروتشوفا
موسكو- قبل أكثر من سنة بقليل وبينما كنت في إجازة تفرغ علمي من الجامعة الامريكية التي كنت أقوم بالتدريس فيها ، عدت الى مسقط رأسي موسكو وبالطبع لم أعود الى معقل حرية التعبير ولكن كان ما يزال هناك بعض الحرية فلقد تنقل زعيم المعارضة اليكسي نافلني في طول البلاد وعرضها محاولا حشد الدعم للسياسيين غير الخاضعين لقبضة الكرملين ولقد كانت هناك احتجاجات شعبية كما كانت المنظمات غير الحكومية تعمل في البلاد ولم يلتزم الصحفيون والمحللون بالضرورة بخطاب الكرملين وكان يُنظر الى الحزب الشيوعي على نطاق واسع على انه من بقايا الماضي.
ومنذ ذلك الحين، تم سجن نافلني وسحق حركة الاحتجاجات التي كان يحشد لها كما تم حظر مؤسسة محاربة الفساد التابعة له بسبب " التطرف" واعضاءها الآن أما يخضعون للتحقيق أو في المنفى وفي كل يوم تقريبا نجد ان هناك صحفي أو مؤسسة إعلامية أو مناصر لحقوق الانسان أو منظمة مستقلة يتم ادراجهم " كعميل أجنبي" أو – الأسوأ من ذلك " غير مرغوب فيه".
ان انحدار روسيا الى انعدام الحرية خلال العام الماضي كان حادا ولكن لم يذهب بعيدا فعلى سبيل المثال فلقد تم سن القانون الذي بموجبه تم عمل تصنيفات العميل الأجنبي في عام 2012 بهدف تعطيل أو تشويه سمعة المنظمات أو الأشخاص الذين ينخرطون في "نشاط سياسي" مع تلقيهم التمويل من الخارج.
لكن أصبح هناك تعسف بشكل متزايد في تطبيق القانون ولدرجة ان إعادة التغريد صار الان يبرر تصنيف شخص ما على انه عميل أجنبي (ان تصنيف "غير مرغوب به" يجلب لك الحظر) وفي هذا العام فقط تم إضافة رقم قياسي وصل الى 101 كيان الى قائمة العملاء الأجانب. ان الإجمالي هو 359 بما في ذلك 88 شخص ومنظمة مرتبطين بالإعلام.
طبقا للحكومة الروسية فإنه يجب ادراج هؤلاء " العملاء" لانهم " يؤثرون على سياسة الدولة". ان التأثير على السياسة هو بالطبع الهدف الأساسي للصحافة والعمل المتعلق بالدفاع عن القضايا وهنا تكمن المشكلة فالرئيس فلاديمير بوتين يريد ان يبقى متحكما في السياسة الروسية للمستقبل المنظور مما يعني أنه ينظر للنقد على أنه تهديد وجودي.
وفي خضم اسكات الأصوات والاضطهاد، تمكنت مجموعة غير متوقعة من البقاء وأصبحت المعارضة الوحيدة الحقيقية للكرملين وهذه المجموعة هي الحزب الشيوعي وهذا يعود الى حد كبير الى استراتيجية نافلني المتعلقة "بالتصويت الذكي" حيث يتم حث الناخبين على دعم أي مرشح يتمتع بأفضل فرصة لهزيمة المرشح المدعوم من الكرملين علما ان أداء الشيوعيين كان قويا خلال الانتخابات البرلمانية والإقليمية في الشهر الماضي.
رسميا، حصل مرشحو الحزب الشيوعي على 18،9% من التصويت الشعبي لمجلس الدوما (البرلمان) مقارنة بنسبة 49،8% لحزب روسيا الموحدة التابع للكرملين ولكن الشيوعيين رفضوا الإقرار بالنتائج وأصروا ان هناك تزويراً بالانتخابات وفي واقع الأمر وطبقا لتقديرات بعض الخبراء فإنه كان من المفترض أن يحصل الشيوعيون على حوالي 30% من الأصوات وأن يحصل حزب روسيا الموحدة على 35%.
يبدو أنه بالنسبة للعديد من الروس فإن الشيوعيين أكثر احتراما من بوتين ولكن هذا الحزب يختلف عن الحزب الشيوعي القديم فبعيدا عن حرمان انفسهم من ملذات الحياة ، فإنه يمكن مشاهدة أعضاء الحزب الشيوعي وهم يرتدون المعاطف المصنوعة من الفراء ويسافرون للخارج ويقودون السيارات الأجنبية ويستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي والبعض -مثل المدير التنفيذي الزراعي ذو الشخصية الكاريزمية بافيل جرودينين (الذي مُنع من الترشح في انتخابات الشهر الماضي)- هم من أصحاب الملايين وبينما ما يزال الحزب بقيادة غينادي زوغانوف الذي يبلغ من العمر 77 عاما ، الا أنه يتم دعمه -وتشكيله- بشكل متزايد من أعضاء أصغر سنا.
لو نظرنا الى نيكولاي بوندارينكو الملقب ب " نافلني الأحمر" والبالغ من العمر 36 عاما لوجدنا أن بوندارينكو انتقد بشدة إصلاحات الرواتب التقاعدية لسنة 2018 والمصممة بشكل سيء وعندما اقترحت وزيرة إقليمية بإن بإمكان الروس أن "يأكلوا جيداً" بمبلغ زهيد يصل الى 3500 روبل (50 دولار امريكي) بالشهر قام بوندارينكو بتوثيق جهوده لإثبات خطئها مستخدما قناته على اليوتيوب.
على الرغم من وجود تهديدات لمنعه من المشاركة بالانتخابات، تم السماح لبوندارينكو بالترشح في انتخابات مجلس الدوما الشهر الماضي وعلى الرغم من الدعم الذي حظي به بموجب نظام التصويت الذكي لنافلني، الا أنه خسر الانتخابات لمصلحة مرشح حزب روسيا الموحدة ولكن
يجب عدم استبعاد إمكاناته فلقد قاد مؤخرا احتاجاً أتهم فيه حزب روسيا الموحدة بـ "الاستيلاء على الدولة والحكومة".
وهناك أيضا أناستاسيا أودالتسوفا البالغة من العمر 43 عامًا وهي مثل بوندارينكو خسرت الانتخابات الأخيرة بشكل غير متوقع لكنها لا تزال تحظى بشعبية كبيرة -وبشكل متزايد– ولكن تم انتخاب نجمة صاعدة أخرى وهي إيكاترينا إنغاليتشيفا الأنيقة، لعضوية مجلس الدوما لمدينة موسكو في عام 2019 بفضل التصويت الذكي.
ومن المفارقات بعض الشيء أن التحول الحديث للحزب الشيوعي يعكس شوقاً للماضي: في عام 1917، وعد بلاشفة لينين بالعدالة والمساواة التي يتم تقديمها من قبل الدولة الرحيمة والعادلة وإن كانت صارمة وبالإضافة الى ذلك مثل نافلني الليبرالي فإن الشيوعيين اليوم يمثلون رؤية ثابتة ويمكن التنبؤ بها ولا يخضع بموجبها الناس لأهواء رجل واحد. ان هذه الرؤية قائمة على أساس منطق أن جميع معارضي الكرملين يوحدون صفوفهم بشكل متزايد فهذه هي "روسيا الموحدة" التي يمكن أن تقف في وجه حزب روسيا الموحدة التابع لبوتين.
ان هذا النهج لا يقتصر على روسيا ففي الانتخابات البرلمانية الأخيرة لجمهورية التشيك تم الإطاحة باندريه بابيش -الذي يعرف أيضا بلقب دونالد ترامب التشيكي – من منصبه كرئيس للوزراء وذلك بسبب ان ائتلاف مجموعات المعارضة تمكنوا من تنحية اختلافاتهم الايدولوجية جانباً من أجل تشكيل "ائتلاف معاً " علما ان زعيم ذلك الائتلاف بيتر فيالا من المرجح ان يترأس الحكومة القادمة مع ائتلاف معارض آخر وكما ذكر فيالا " لقد ضاق الناس ذرعا بالسياسات الشعبوية وأرادوا سياسات عادية ولائقة وقائمة على أساس الكفاءة". ان المعارضة الهنغارية تقدم أيضا مرشح موحد لمنصب رئاسة الوزراء في الانتخابات البرلمانية العام القادم بالإضافة الى قائمة انتخابية واحدة.
بالطبع ما تزال جمهورية التشيك دولة ديمقراطية وعليه فإن بابيش يستعد للانتقال الى صفوف المعارضة. ان الإطاحة ببوتين سيكون أمرا أكثر صعوبة ويمكن توقع المزيد من الإجراءات الكاسحة التي تستهدف سحق الحزب الشيوعي ولكن هذا النهج ينطوي أيضا على مخاطر كامنة بالنسبة للكرملين فحقيقة ان الرئيس يدعي أن الديمقراطية الروسية "لم تمت" ويشير الى "المعارضة المفعمة بالحيوية" في البلاد كدليل على ذلك يظهر أن لديه مصلحة في التظاهر على الأقل بأنه لم يقود روسيا لتصبح دولة شبه شمولية.
يذكر بوتين أنه يريد الاستقرار فقط ولكن نظامه يدفع بروسيا نحو مزيد من عدم الاستقرار. إذا دفع الكرملين الحزب الشيوعي إلى العمل السري من خلال وضع القواعد وتنفيذها بشكل متقلب كما فعل مع الليبراليين الروس، فسوف يتزايد خطر حدوث انفجار اجتماعي وإذا قرر الشيوعيون في روسيا الوقوف في وجه القمع، فإن هؤلاء الشيوعيين – نعم، الشيوعيون – يمكن أن يصبحوا قوة لا يستهان بها.