العنف يهدد بتمزيق سيادة القانون في لبنان

مجموعة الازمات الدولية

2021-10-20 12:18

استحضرت صدامات وقعت في 14 تشرين الأول/أكتوبر بشأن تحقيق قضائي في انفجار مرفأ بيروت عام 2020 الانقسامات الطائفية للحرب الأهلية اللبنانية وهددت ما تبقى من سيادة القانون. يجب أن يسمح حزب الله بأن يتم إجراء التحقيق وإلا فإنه سيخاطر بإضعاف الدولة أكثر.

تسببت جولة جديدة من العنف في لبنان بمقتل سبعة أشخاص ووضعت موضع الشك إمكانية إجراء تحقيق قضائي مستقل في أسباب انفجار مرفأ بيروت المدمّر في آب/أغسطس 2020. حدث إطلاق النار في بيروت في 14 تشرين الأول/أكتوبر عندما خرج أنصار الحزبين الشيعيين حزب الله وحركة أمل في مسيرة إلى قصر العدل، الواقع في حي مسيحي، للمطالبة باستبدال قاضٍ يحقق في انفجار المرفأ. يستحضر لجوء هذين الحزبين إلى السلاح، وكذلك بعض خصومهما، والطبيعة الطائفية بازدياد للعنف في لبنان الانقسامات التي سادت خلال الحرب الأهلية في البلاد بين عامي 1975 و1990. حزب الله، الذي يتمتع بالقدرة على تخفيف لهيب الأوضاع، ينبغي أن يفعل ذلك، وأن يسمح للمؤسسات القضائية بالقيام بعملها. وينبغي على الجهات الفاعلة الخارجية أن تستخدم نفوذها على القادة السياسيين اللبنانيين لإقناعهم باحترام سيادة القانون والسماح للتحقيق بالمضي قدماً إذا أُريدَ للبلاد أن تخرج من أزماتها المركبة.

ما تزال وقائع جوهرية حول حادث 14 تشرين الأول/أكتوبر – من أطلق النار أولاً ومن أطلق النار بقصد قتل الضحايا السبع الذين فقدوا حياتهم ذلك اليوم، وجميعهم من الشيعة ومعظمهم من أنصار الحزبين الشيعيين – ما تزال موضع جدال غاضب. من المرجح أن يظل من الصعب العثور على إجابات واضحة لهذه الأسئلة. إلا أن الواضح هو أن الصراع على تحقيق المرفأ يدفع لبنان أكثر فأكثر على منحدر انهيار الدولة.

لقد أوضح حزب الله وحلفاؤه بجلاء أنهم يريدون إزاحة القاضي، طارق البيطار، بأي ثمن. فثلاثة من الوزراء الأربعة السابقين الذين دعاهم للتحقيق هم أعضاء بارزون في معسكرهم السياسي. ويدّعي حزب الله بأن التحقيق منحاز ويتوقع على ما ذُكر أن يتم تجريمه بصورة غير عادلة من وجهة نظره. وقد هدد عدة وزراء مصطفين مع المعسكر الموالي لحزب الله بتعليق مشاركتهم في الحكومة الجديدة التي يرأسها نجيب ميقاتي، والتي استلمت مهامها بالكاد قبل شهر بعد مأزق استمر ثلاثة عشر شهراً حول تشكيل الحكومة أدى إلى تدهور سريع في الاقتصاد اللبناني وأحوال الناس المعيشية.

الاضطرابات تضع حكومة ميقاتي في موقف مستحيل؛ فالخضوع لضغوط حزب الله سيعزز التصور، الراسخ لدى كثيرين، بأن ميقاتي لا يعدو كونه واجهة للهيمنة غير المقيدة للحزب الشيعي. وسيلقي قدراً كبيراً من الشكوك على أية آمال بإمكانية عودة لبنان إلى مكانٍ يكون فيه المسؤولون محكومون بالقانون وخاضعون للمساءلة عندما ينتهكونه. إن فكرة أن المؤسسات المالية الدولية والحكومات العالمية يمكن أن تأتمن سلطات ونخبة سياسية لا تستطيع المحافظة على أساسيات سيادة القانون على مساعدة هائلة يحتاجها لبنان حاجة ماسة أمر غير واقعي.

إلا أن احتمالات ما يمكن أن يحدث إذا استمر القاضي البيطار في تحقيقه واستمرت الأحداث على مسارها الراهن مرعبة أيضاً. يمكن لمحاولات تنفيذ الاستدعاءات القضائية وأوامر الاعتقال التي أصدرها أن توقف فروع الأجهزة الأمنية التي تميل نحو معسكرات سياسية مختلفة ضد بعضها بعضاً وضد حزب الله. وقد يدعو الحزب للمزيد من الاحتجاجات ضد التحقيقات ومن المرجح أن يسيّر هذه الاحتجاجات مع حضور أمني قوي، متذرعاً بالعنف الذي حدث سابقاً.

مع ارتفاع حدة التوترات في مواجهة مستمرة، قد يقرر حزب الله أيضاً التحرك ضد القوات اللبنانية، وهي حزب سياسي يتهمه بتنظيم وتوجيه قتل أنصاره في 14 تشرين الأول/أكتوبر. يستشهد أنصار حزب الله بأدلة "لا يرقى إليها الشك" بضلوع القوات اللبنانية ويدّعون أن الحزب يدرب كوادره من أجل إعادة بناء بعض القدرة العسكرية التي كان يمتلكها أثناء الحرب الأهلية اللبنانية حيث كان يدير إحدى أقوى الميليشيات في البلاد، وهي اتهامات يرفضها حزب القوات اللبنانية.

بالنظر إلى تدني الثقة التي يظهرها حزب الله في النظام القضائي اللبناني، لا يمكن استبعاد أن يقرر قتل المرتكبين والمنظمين المزعومين لعمليات إطلاق النار في 14 تشرين الأول/أكتوبر، وبذلك يلقن خصومه درساً في الوقت نفسه. وقد يلجأ أتباع حزب الله وحركة أمل المدججين بالأسلحة، وبتأثير من الحملة الإعلامية التحريضية ضد القوات اللبنانية في وسائل الإعلام الموالية لحزب الله، إلى التصرف حتى دون أوامر، وأن يستهدفوا وجوداً حقيقياً أو متخيَّلاً للقوات اللبنانية في مناطق قريبة من أحيائهم. وقد يجد القاضي البيطار، الذي يصوَّر بشكل روتيني في الدوائر الموالية لحزب الله على أنه عميل أميركي، نفسه في خطر؛ وكذلك أقارب ضحايا انفجار المرفأ، الذين خرجوا في مسيرات للضغط من أجل استمرار التحقيق؛ أما الآن فقد يجدون ما يبرر خوفهم من هجمات تُشَن على مثل تلك التجمعات.

قد يكون احتمال حدوث مثل تلك التطورات كافياً لإقناع عدد متزايد من اللبنانيين، خصوصاً في المناطق المجاورة للوجود القوي لحركة أمل وحزب الله، بضرورة تسليح أنفسهم أو القبول بوجود مجموعات مسلحة بين ظهرانيهم تَعِدُهم بالحماية. وهذا يضع لبنان على مسار لحوادث أمنية عنيفة متكررة، ويؤدي إلى تفاقم حدة الانقسامات التي تعكس مثيلتها خلال الحرب الأهلية التي استمرت بين عامي 1975 و1990، والتي ستؤخر إلى ما لا نهاية الخروج من أزمة اقتصادية تشل البلاد.

إن حزب الله، أكثر من أي طرف آخر، وبالنظر إلى نفوذه السياسي والعسكري المفرط، يدفع البلاد على هذا المسار بالرمي بثقله وراء مقاومة حركة أمل وآخرين لإجراء التحقيقات. في الوضع الراهن، يبدو الحزب مصمماً على الاستمرار بالمطالبة باستقالة القاضي البيطار ويشعر بالمظلومية جراء مقتل أنصاره فيما يدّعي أنه كان احتجاجاً سلمياً. لكن في حين أن حزن أقارب الضحايا حقيقي، فإن موقف الحزب مخادع. فباستعراضه للقوة، ونوبات العنف التي تحدث أحياناً وتجاهل سلطة الدولة اللبنانية، غذى الحزب الاعتقاد بين بعض خصومه بأن حمل السلاح مناسب، بل هو الطريقة الوحيدة لمقاومة ما يتم تصوره على أنه ظلم. من غير المرجح أن يُظهر خصومه الذين لا يوازونه قوة تحدياً حقيقياً له، لكن حلقة العنف التي قد يطلقها هذا الوضع تحمل إمكانية أن تصبح مدمرة بشكل هائل، مع تفكك البلاد إلى مناطق تسيطر عليها جهات أمنية متنافسة مدفوعة بحوادث العنف المتكررة.

مع ازدياد مخاطر انهيار البلاد، فإن القرار الذي ينبغي على حزب الله اتخاذه هو ما إذا كان يريد أن يكون في لبنان دولة فعالة – دولة تكون فيها هي نفسها القوة المهيمنة. وهذا يتطلب حداً أدنى من احترام الآخرين، ولعمل مؤسسات الدولة. والمعيار الرئيسي لسلامة التحقيق الجاري في تفجير المرفأ يمكن أن يكون فقط جودة الأدلة وحيادية الإجراءات، وليس ما إذا كانت مفيدة أو ضارة سياسياً. يمكن القول إن مساعدة الحلفاء على إعاقة مجرى العدالة تلحق الضرر بحزب الله نفسه قبل أي جهة أخرى. إذ إنها لا تضع الحزب نفسه في دائرة الشك وحسب، بل يمكن أن تدفع لبنان أكثر فأكثر على مسار مدمر سيلغي النجاحات السياسية التي حققها الحزب ويمنعه من تحقيق بعض الطموحات المستقبلية التي قد تكون لديه.

يجب على حزب الله التراجع عن حملته ضد القاضي البيطار، وفي الوقت نفسه، أن يجري النظام القضائي تحقيقاً كاملاً في أحداث العنف في 14 تشرين الأول/أكتوبر. إن عائلات الأشخاص السبعة الذين قتلوا في ذلك اليوم تستحق الحقيقة والعدالة تماماً كأقارب أكثر من مئتي شخص قتلوا في تفجير المرفأ، لكن أي محاولة لتحقيق العدالة خارج إطار المؤسسات القضائية اللبنانية يمكن أن تؤدي فقط إلى المزيد من العنف وعدم الاستقرار والفوضى.

ينبغي على الأطراف الخارجية الساعية إلى دعم لبنان أن توضح لحكومة ميقاتي ولجميع الأطراف المعنية أن الاحترام الأساسي لسيادة القانون وإجراء تحقيق في انفجار المرفأ سيكون شرطاً رئيسياً لأي مساعدة ذات معنى للبنان. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تستخدم جميع أشكال الضغط التي تمتلكها، بما في ذلك ربما التهديد بعقوبات مستهدفة، لردع السياسيين عن إعاقة سير العدالة. ومن المرجح أن يظل حزب الله منيعاً على مثل تلك الضغوط، لكن كثيرين من بين حلفائه يسعون لأن ينظر إليهم كلاعبين سياسيين محترمين وليس إلى إحالتهم شعبياً إلى صفوف اللاعبين الخارجين على القانون. هؤلاء، إضافة إلى أي شخص آخر قد يكون موجوداً في دائرة ضوء التحقيق، أو قد يدخل هذه الدائرة، ينبغي تذكيرهم بأنهم هم أيضاً يواجهون خياراً مهماً.

https://www.crisisgroup.org

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا