لماذا قد يرغب أي شخص بإن يكون رئيسا؟
بروجيكت سنديكيت
2021-04-10 04:10
بقلم: إليزابيث درو
واشنطن العاصمة- يتساءل المرء في كثير من الأحيان لماذا قد يرغب أي شخص بإن يصبح رئيسا للولايات المتحدة الامريكية. بالتأكيد هناك مشاعر الفخر والمجد بان يتم انتخابك لشغل اقوى منصب في البلاد والاستماع الى عبارة "فليحيا الزعيم" وتلقي التحية العسكرية وان يطلق عليك لقب "السيد الرئيس" كما سيتسنى لك ان تترأس حفلات العشاء الرسمية الانيقة ولن تضطر للانتظار في الطابور للذهاب الى حفل شاي ولقد رأينا في مرات عديدة شعر الرئيس وهو يتحول للأبيض (بالطبع شعر جو بايدن كان بالفعل ابيض ولكن ضغط المنصب سوف يؤثر عليك بطريقة او بأخرى).
ان مصادر هذا التوتر واضحة فأفضل الخطط الموضوعة قد تفشل والمفاجآت غير السارة تكمن في كل زاوية علما انه في بداية إدارة بايدن بدت الإدارة وكأنها نموذج للفعالية وخاصة مقارنة بفترة حكم دونالد ترامب الكارثية وحتى مع الفترة الانتقالية المختصرة –نتيجة لإصرار ترامب الكارثي والذي لا يقبله عقل بانه فاز بالانتخابات- بدا وكأن بايدن وكبار مساعديه مستعدون تماما للحكم. لقد جرى حفل تنصيب بايدن والذي حظي بحراسة مشددة -في خضم التوترات الناتجة عن هجوم 6 يناير على مبنى الكابيتول– بسلاسة وبعد ذلك بساعات فقط قام بايدن بالتوقيع على 17 امر تنفيذي وأصدر توجيهات تستهدف التراجع عن سياسات ترامب البارزة فعلى سبيل المثال وقف بناء الجدار الحدودي.
لقد كان الأولوية التشريعية والتنفيذية الأولى لبايدن هو التعامل بنجاح مع جائحة كوفيد-19 والتي خرجت عن السيطرة علما ان سوء إدارة ترامب للازمة الصحية طبقا لبعض الخبراء قد تسببت في وفاة مئات الالاف من الأمريكيين بلا داع.
ان القرارات الأولى لبايدن والتي تضمنت وقف الانسحاب من المنظمات المتعددة الجنسيات بالإضافة الى تطبيق سياسات صديقة للبيئة وتعكس المساواة في الحقوق كانت أكبر واوسع نطاقا مما فعله أي رئيس في العصر الحديث من اجل التخلي عن سياسات سلفه وتفكيكها. ان بايدن وهو شخص ودود ويسهل التواصل معه قد اثبت انه أكثر صرامة مما توقعه معظم الناس ولقد حافظ على دعواته للتعاون بين الحزبين ولكن لو لم يرغب الجمهوريون بالعمل معه مع وجود أسباب تجعلنا نفترض انهم لا يرغبون بذلك فلقد اظهر بايدن استعداده للمضي قدما بدونهم.
ان الجمهوريين الترامبيين والذين أصبحوا أكثر حزبية من أي وقت مضى قد وصلوا لدرجة معارضة مقترح الخبراء المتعلق بتعزيز قوة شرطة الكابيتول والتي من الواضح انها غير كافية حيث أصر بعض هولاء الترامبيين بإن الشغب الذي حصل في 6 يناير في كابيتول هيل بتحريض من ترامب وانتهى بوفاة خمسة اشخاص ليس مسألة مهمة.
بحلول منتصف فبراير كان هناك اجماع واسع النطاق في واشنطن- باستثناء أولئك المتعصبين لترامب- بإن بايدن لم يقع في خطأ واحد ولكن الذي حصل ان رئاسة بايدن السحرية في ظاهرها قد تعرضت لتسونامي من التحديات. لم يكن هناك الكثير مما يمكن لبايدن فعله الا إذا أراد الاستمرار في ممارسات ترامب، من اجل منع انتشار الاخبار في طول أمريكا الوسطى والمكسيك وعرضها بان ادارته ستكون أكثر تساهلا مع المهاجرين وبحلول أوائل ابريل، ارتفعت حالات عبور الحدود بشكل كبير لتصل الى اعلى مستوى لها منذ 15 عام بما في ذلك أرقاما قياسية من المراهقين والأطفال بدون ابائهم مما يتجاوز قدرة الحكومة على الاعتناء بهم.
لكن بايدن وعلى الرغم من إصراره الشديد على وجود إدارة شفافة، لجأ الى استخدام جمل طويلة من الكلام المعسول في تصرف نادر بالنسبة لبايدن من اجل القول بإن هذه لا تعتبر ازمة وإنها لا تختلف بالمرة عما يحدث في كل سنة في مثل هذا الوقت وفي زلة نادرة أخرى، لجأت ادارته للسرية فيما يتعلق بأوضاع بعض من مخيمات اللاجئين على الحدود.
ان قضية الهجرة قد اثبتت عدم قابليتها للحل سياسيا في الولايات المتحدة الامريكية منذ فترة طويلة حيث سارع الجمهوريون الى اغتنام فرصة إحراج بايدن بشأنها. ان تكليفه لنائب الرئيس كاميلا هاريس من اجل قيادة الجهود لتقليل ارقام الهجرة كان تشريفا ينطوي على تحديات. ان تعيين هاريس يعكس مقاربة " الأسباب الجذرية" أي محاولة إيجاد أسباب قيام هذه الاعداد الكبيرة من الناس من السلفادور وغواتيمالا وهندوراس بمغادرة منازلهم او ارسال أطفالهم في رحلة خطرة جدا شمالا. يُعتقد ان الأسباب الجذرية هي الحكومات الفاسدة والاقتصادات السيئة وعنف العصابات والتغير المناخي وهي أسباب لا يمكن حلها على المدى القصير.
لم تتوقع إدارة بايدن كذلك إعادة ظهور مشكلة عويصة أخرى وهي ان الأسلحة متوفرة بسهولة ولكن مع حدوث عمليتي إطلاق نار جماعي خلال أسبوع في أواخر مارس في اتلانتا ومن ثم بولدر، كولورادو تم وضع هذه القضية مجددا على الإجندة ولكن قضية التحكم بالأسلحة والسيطرة عليها تحظى بشعبية أكبر بكثير لدى العامة مقارنة بالسياسيين المنتخبين في واشنطن والذين ما زالوا يخشون قوة الجمعية الوطنية للبنادق على الرغم من تورطها بتحديات قانونية.
ان الذي تغير في السنوات الأخيرة هو تزايد قوة مناصري التحكم بالأسلحة وفي كرة مرة يحصل ذبح جماعي يقول أنصار قضية التحكم بالأسلحة لأنفسهم انه في هذه المرة لديهم فرصة حقيقية وهذا ما يقولونه حاليا. ان الاقتراح الأكثر شعبية هو توسيع نطاق التحقق من خلفية مشتري الأسلحة ولكن في واقع الامر فإن مطلق النار في بولدر قد اجتاز اختبار الخلفية. لقد أيد بايدن من بين أشياء أخرى تجديد الحظر على الأسلحة الهجومية ولكنه لن يسمح لهذه القضية في ان تقف في وجه أولويات أخرى.
ان أهم أولويات بايدن الان هو برنامج البنية التحتية الذي تبلغ قيمته ما يزيد عن 2 تريليون دولار امريكي. انا اعتقد ان قرار بايدن إنفاق هذه المبلغ الكبير على هذا البرنامج بالإضافة الى خطة انقاذ الجائحة التي سبقته والتي تبلغ قيمتها 2 تريليون دولار امريكي تقريبا يعكس الى حد ما تنافس غير ظاهر بين بايدن وباراك أوباما فاوباما كان حذرا، أما بايدن والذي كان مساعده المخلص في السابق يتعمد ان يكون جريئا. لقد قام أوباما بالمساومة مع الجمهوريين والذين عارضوا مقترحاته على أي حال.
ان مفهوم بايدن للبنية التحتية على اقل تقدير هو مفهوم سخي: يعرّف وزير النقل بيت بوتيجيج البنية التحتية على انها "الأساس الذي يمكّن الأمريكيين من الازدهار". ان برنامج بايدن يتجاوز بكثير المفهوم التقليدي للبنية التحتية المتمثل في الطرق والجسور والمياه –في واقع الأمور هي تشكل جزء صغير من الخطة- حيث تشمل الخطة أشياء كثيرة من بينها التغير المناخي والرعاية المنزلية لكبار السن. ان هناك جزء ثان يغطي المدارس والسكن بأسعار معقولة سوف يتم اقتراحه لاحقا. ان هذا البرنامج الضخم والضرائب من اجل تحمل تكلفته يواجه معارضة في الحزبين ولكن الحكم البرلماني بإن من الممكن إقرار البرنامج في مجلس الشيوخ بواحد وخمسين صوت (تسوية) سوف يساعد بايدن بشكل كبير جدا.
يصاب بعض الرؤساء " بمتلازمة ماونت رشمور" حيث يبذلون جهدا واضحا لتحقيق العظمة. ان بايدن والذي يتسم بالهدوء والتواضع يبذل مساعيه الخاصة لتحقيق الخلود.