كيف فقد نظام السيطرة لشي جين بين السيطرة؟
بروجيكت سنديكيت
2020-02-13 07:13
بقلم: شياو تشيانغ
بيركلي- يصف العالم السياسي النرويجي، شتاين رينغن، في كتابه الذي صدر عام 2016، "الدكتاتورية المثالية: الصين في القرن الحادي والعشرين"، الصين المعاصرة بأنها "نظام مبني على السيطرة"، بحجة أن نظام حكمها قد تحول إلى نظام جديد أصعب، وأكثر إيديولوجية من الأنظمة التي سبقتها. ويتحمل "نظام السيطرة" في الصين، الآن، المسؤولية الرئيسية عن وباء كورونا، الذي يجتاح هذا البلد والعالم.
وعلى مدار الأعوام الثمانية الماضية، اتخذت القيادة المركزية للحزب الشيوعي الصيني خطوات لتعزيز السلطة الشخصية للرئيس شي جين بينغ، فضلاً عن توسيع صلاحيات الحزب الشيوعي الصيني، على حساب الوزارات، والحكومات المحلية والإقليمية. كما شنت السلطات المركزية حملة قمع متواصلة على المعارضة، وانعكست هذه الحملة على جميع مجالات الحياة الاجتماعية، والسياسية في الصين.
وبموجب نظام السيطرة، اُغلقت المواقع الإلكترونية؛ واعتقل محامون، وناشطون، ومؤلفون؛ وزرع الخوف بمجرد التعبير عبر الإنترنت، أو نشر تقرير إعلامي. ومن الأهمية بما كان كذلك، أن النظام الذي بناه شي منذ عام 2012، يوجه أيضًا التقنيات الجديدة في الصين. إذ تُستخدم الحوسبة السحابية، والبيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي، لتعزيز سيطرة الحكومة المركزية على المجتمع.
لقد ظهرت أول حالة فيروس كورونا في ووهان، عاصمة مقاطعة هوبى، في 1 ديسمبر/كانون الأول، 2019. وفي وقت مبكر من منتصف الشهر، كان لدى السلطات الصينية دليل على أن الفيروس يمكن أن ينتقل بين البشر. ومع ذلك، لم تعترف الحكومة رسميًا بالوباء على شاشات التلفزيون الوطني، حتى 20 يناير/كانون الثاني. وخلال الأسابيع السبعة هذه، عاقبت شرطة ووهان ثمانية من العاملين في القطاع الصحي، لمحاولتهم إطلاق جرس الإنذار على وسائل التواصل الاجتماعي. لقد اتُّهموا بـ "نشر الشائعات"، والتشويش على "النظام الاجتماعي".
وفي الوقت نفسه، استمرت حكومة إقليم هوبي في إخفاء العدد الحقيقي لحالات الإصابة بفيروس كورونا، إلى أن التقى المسؤولون المحليون بالحكومة المركزية، في منتصف شهر يناير/كانون الثاني. وعلى عكس ما كان متوقعا، أضاعت الرقابة المفرطة، والتشويش البيروقراطي، كل الفرص للسيطرة على الفيروس، قبل أن ينتشر في مدينة ووهان، التي يسكنها 14 مليون نسمة. وبحلول 23 يناير/كانون الثاني، عندما أعلنت الحكومة أخيرًا عن فرض الحجر الصحي على سكان ووهان، كان حوالي خمسة ملايين شخص قد غادروا المدينة، مما تسبب في انتشار الوباء، الذي ينتشر الآن في جميع أنحاء الصين وبقية العالم.
وعندما أصبح، أخيرا، الحجم الحقيقي للوباء واضحا، كان الرأي العام الصيني مزيجًا متوقعًا من الغضب، والقلق، واليأس. والتجأ الناس إلى الإنترنت للتنفيس عن غضبهم، والتعبير عن إحباطهم. ولكن الأمر لم يستغرق وقتاً طويلاً لكي تتخذ الدولة إجراءات صارمة، لتحد بذلك، وبشدة، من قدرة الصحفيين والمواطنين المعنيين على تبادل المعلومات حول الأزمة.
وبعد ذلك، في 3 فبراير/شباط، بعد أن ترأس شي الاجتماع الثاني للجنة الدائمة حول الوباء، اُصدر أمر بأن يقوم جهاز الدعاية للحزب الشيوعي الصيني "بتوجيه الرأي العام، وتعزيز التحكم في المعلومات". وعمليا، هذا يعني، أن الذكاء الاصطناعي المتطور، وتقنيات البيانات الضخمة، تستخدم لمراقبة مجمل الرأي العام الصيني على الإنترنت. إن نظام السيطرة، الآن، في أوج نشاطه، مع استخدام خوارزميات التعرف على الوجه، والصورة، والصوت، لتوقع أي انتقاد محتمل للحكومة، وقمعه، ولسحق كل المعلومات "غير الرسمية" حول الوباء.
وفي 7 فبراير/شباط، توفي لي وين ليانغ، أحد الأطباء المبلغين عن المرض، الذين حاولوا إطلاق ناقوس الخطر بشأن تفشي المرض، بسبب فيروس كورونا، وهو الأمر الذي أدى إلى عاصفة نارية على وسائل التواصل الاجتماعي. وبدأ الشعب الصيني بإحياء ذكراه على أنه بطل، وضحية حاول أن يقول الحقيقة. وتوجه الملايين إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن حزنهم، والمطالبة باعتذار من الحكومة الصينية، وحرية التعبير.
ولأول مرة منذ وصول شي إلى السلطة، تواجه آلة الرقابة العالية التقنية التي يستخدمها، مقاومة شديدة من ملايين مستخدمي الإنترنت الصينيين. إن نظام السيطرة قيد الاختبار. وفي أغلب الاحتمالات، مع ذلك، سيستخدم تفشي المرض نفسه لتبرير مزيد من المراقبة، والسيطرة على السكان.
إن شي ديكتاتور جريء. ولكن ديكتاتوريته بعيدة من أن تكون "مثالية". إن هوسه بالسيطرة على المعلومات، حرمت المواطنين الصينيين من حقهم في معرفة ما يحدث في مجتمعاتهم، وربما داخل أجسادهم.
ومنذ 9 فبراير/شباط، تسبب تفشي المرض في مقتل أكثر من 900 شخص، وإصابة 40000 آخرين، في أكثر من 25 دولة. وعلى الرغم من كل التقنيات الرقمية المتقدمة، والقوة الاقتصادية والعسكرية الاستثنائية، التي تمتلكها الصين، فإن هذه الأخيرة تُحكم كما لو كانت دولة استبدادية قبل العصر الحديث. إن الشعب الصيني يستحق الأفضل. ولسوء الحظ، سيواصل هو وبقية شعوب العالم، دفع ثمن باهظ لاستبداد شي العالي التقنية.