الديمقراطية والمغزى المفقود
بروجيكت سنديكيت
2015-05-20 10:49
ريتشارد ك. شيرون
نيويورك ــ لعل اتخاذ القرار بهجر السلام والرخاء النسبيين إلى الحرب الوحشية وعدم الاستقرار يبدو منافياً للعقل. ولكن الشباب الذين ولِدوا ونشأوا في مجتمعات ديمقراطية يستسلمون بشكل متزايد لإغواء الجماعات المروجة للموت مثل تنظيم الدولة الإسلامية، فيتركون منازلهم وأسرهم لكي يشنوا حرباً جهادية في أماكن نائية. ولكن لماذا خسرت الديمقراطية ولاء هذه الأرواح التي لا تهدأ، وكيف يمكنها أن تعود إلى الاستيلاء على قلوب وعقول أولئك الذين قد يحذون حذوهم؟
ذات يوم كتب الفيلسوف فريدريك نيتشه "الإنسان يفضل أن يريد لا شيء على أن لا يريد أي شيء على الإطلاق". إن اليأس الكئيب الذي يبثه انعدام الحياة، والعجز، واليأس أقل جاذبية من القوة ــ حتى ولو وجِدَت هذه القوة في العنف، والموت، والدمار.
المسألة باختصار في المغزى. فوجود المغزى يحفزنا، ويربطنا ببعضنا البعض، وينظم حياتنا. وغيابه ــ في حالة فشل المثل والمؤسسات الديمقراطية في توفير شعور ملموس بالقدر الكافي بالوحدة والمغزى ــ يدفع الناس إلى البحث عن الشعور بالمعزى في مكان آخر، وهو ما يقودهم في بعض الأحيان إلى قضايا خبيثة.
وهذا هو التحدي الثقافي الذي يواجه الديمقراطية اليوم، وأولئك الذين يرغبون في الحفاظ على الحرية ووعد المجتمعات الديمقراطية يخاطرون بتجاهل هذا التحدي. فهو التحدي الذي ينبغي لنا أن نعترف به ليس فقط لما ينبئنا به عن الظروف المعيشية في البلدان الديمقراطية المتقدمة في مختلف أنحاء العالم، بل وأيضاً لأن أي أزمة تمثل في نفس الوقت فرصة ــ في هذه الحالة، لاستعادة المغزى الكامن في قلب الديمقراطية.
إن الجاذبية التي تتمتع بها مجموعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية في نظر شباب نشأوا وتربوا في بلدان ديمقراطية يسلط الضوء على التفاوت المتنامي في هذه المجتمعات في الفرصة التعليمية والاقتصادية، والذي يغذي النزعة الهازئة، والانعزالية، والغضب بين أولئك الذين يجدون أنفسهم محرومين من دخول عالم النخبة الاجتماعية. إن مشاعر اليأس والقنوط في القلب تحرض على التطرف عند الأطراف.
ومن غير الممكن أن تستمد النخب في الديمقراطيات المتقدمة ــ ولنقل أعلى 1% دخلا ــ الشعور بالارتياح من مثل هذه الحال. فحتى أكثر الرحالة انعزالية، الذين ينتقلون من سوق إلى أخرى أو من ملعب ثقافي إلى آخر، لابد أن يفكروا في أطفالهم. فأي ثقافة قد يمتصونها؟ ومن أين يستمدون شعورهم بالأمل والمستقبل؟
يتعين على المدافعين عن الديمقراطية أن يقرروا الآن ليس فقط كيف يمكنهم خلق فرص العمل وضمان الازدهار المادي للشباب اليوم، بل وأيضاً كيف يغذون أرواحهم في الوقت ذاته. وإذا فشلوا، كما رأينا، فمن المؤكد أن آخرين سوف يشغلون الفراغ، وربما من خلال الدعوة إلى الفوضى باسم مستقبل الخلاص.
ولكي تفوز المجتمعات الديمقراطية في هذه المسابقة عالية المخاطر فيتعين عليها أن تنظر إلى ما هو أبعد من تحقيق النصر في ساحة المعركة وأن تركز على الفوز بالقلوب والعقول من خلال قوة الأفكار ووعد المغزى والمعنى ــ تماماً كما فعل تنظيم الدولة الإسلامية. وإذا تصورنا أن الديمقراطيات قادرة على دحر مثل هذه القوى التي تستخدم أدوات إيديولوجية مدعومة بالموارد الجيدة والإعلام المخضرم الداهية بالاستعانة بالبنادق وحدها فإن هذا لن يقودنا إلا إلى الخسارة المؤكدة. فهي معركة المعاني والأفكار، ولن يتسنى تحقيق النصر في هذه المعركة إلا باستخدام الأفكار التي تلهم الأمل والعمل والتماسك الذاتي والمجتمعي.
ويجب أن يبدأ هذا الجهد باجتماعات مفوضة شعبيا، وتضم قطاعاً عريضاً من علماء السياسة وعلماء الأنثروبولوجيا وعلماء أصول الدين والعقيدة والفلاسفة والفنانين، بين آخرين، من مختلف ألوان الطيف السياسي، بدعوة من الجامعات والمؤسسات المماثلة في مختلف أنحاء العالم. وعلى مدى فترة محددة، ينبغي لهذه الاجتماعات أن تنتج تقريراً واضحاً ومكتوباً بعناية لجماهير الناس.
ولابد أن يتناول التقرير بإصرار وصراحة قضايا أساسية حول أهمية الديمقراطية اليوم. فما الذي يكمن عند منابع الحياة الديمقراطية؟ وكيف يمكن التعبير عنها وتأسيسها وممارستها وصيانتها بأفضل طريقة؟ وما هي المصادر الثقافية والفكرية والروحية العميقة للحرية والتسامح والإنتاج؟
الحق أننا نعيش في زمن محفوف بالمخاطر. ومع تعرض المثل الديمقراطية للتهديد في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك داخل البلدان الديمقراطية، فلا يجوز لنا أن نتعامل مع أسسها الثقافية والإيديولوجية المشتركة باعتبارها من الأمور المسلم بها. ولا ينبغي لنا أبداً أن نسمح بتلاشي حيوية الديمقراطية والمغزى من الحياة في ظلها.
إن التحدي الماثل أمامنا يتطلب استجابة منسقة من قِبَل أكثر المفكرين عمقاً وإبداعا. هذا هو هدفنا اليوم؛ ويتعين علينا أن نلزم أنفسنا به بقدر من الحماس لا يقل عن حماس أعداء الديمقراطية في ملاحقة أهدافهم.