لماذا يفضل الاقتصاديون حرية التجارة؟
حاتم حميد محسن
2015-05-12 05:51
ان دراسة التاريخ الاقتصادي ربما تساعد في تجنّب اسوأ الازمات الاقتصادية كالأزمة الاقتصادية الاخيرة. قبل 170 عاما وفي اول عدد لمجلة الايكونومست (عدد سبتمبر 1843) تطرقت المجلة لحرية التجارة وقادت حملة لدعمها.
في القرن التاسع عشر جرت في اوربا وامريكا نقاشات حول ما اذا كانت الافضلية لموضوع العوائق الكمركية ام لحرية التجارة وايهما يقود الى النمو الاقتصادي، فكانت تلك النقاشات هي المهيمنة على المسرح السياسي. حتى بدايات عام 1840 بدت سياسة الحماية هي الرابحة للجدال. في بريطانيا، جرى فرض رسوم كمركية عالية على الاستيرادات الزراعية عام 1819، بقانون عرف بـ (قانون الذرة). الاقتصادي الالماني (فردريك لست) جادل بان الرسوم الكمركية تعزز التنمية الصناعية عبر حماية الصناعات الناشئة، فاكتسبت افكارهُ قوة، خاصة في الولايات المتحدة. أحد المشرعين القانونيين في بنسلفانيا سخر عام 1833 قائلا ان قاموس تعريف الانسان يجب ان يتغير ليصبح هو "الحيوان الذي يجعل الرسوم الكمركية تتحدث" وهو القول الذي تردد كثيرا. مقابل هذا قام (جيمس ولسون) بتأسيس مجلة The Economist عام 1843 لدعم حرية التجارة. اول هدف له كان الغاء قانون الذرة في بريطانيا. هو جادل:
انها في الحقيقة، قوانين مررها البائع لإجبار المشتري لدفع مبالغ أكثر مما تستحقه المواد المباعة. هي قوانين سنها اصحاب المحلات الارستقراطيين الذين يحكموننا، لإجبار الامة للتعامل مع محلاتهم فقط.
لكن هذا الطموح كان أكبر من الغاء قانون الذرة. طبقا لـ (سكوت غوردن) المؤرخ الاقتصادي في جامعة انديانا، فان ولسون ومجلة الايكونومست دعما فكرة حرية التجارة عام 1840"بمستوى لا بأس به من الانسجام والكمال" مقارنة بصحف اخرى في ذلك الوقت. ولسون اعلن ان "الايكونومست" ستتضمن مقالات تُطبّق فيها مبادئ حرية التجارة بصرامة على جميع القضايا الهامة آنذاك".
اعتقد ولسون ان الحماية سببت " حربا بين المصالح المادية لدول العالم"، بكلمة اخرى، حربا بين الامم والطبقات. نظام الكمارك العالية لم يعد مفيداً من الناحية الاقتصادية، بريطانيا كانت قد علقت في كساد اقتصادي في بدايات 1840. بالمقابل، أنتجت حرية التجارة "الوفرة والاستخدام في العمالة". انها كانت ملائمة للاقتصاد البريطاني حيث "نسبة كبيرة من السكان والملكيات اعتمدت على التجارة والصناعة وحدهما". من جهة اخرى، جرى تجاهل افكار (لست) حول الحماية باعتبارها "قماط" غير ضروري لاقتصاد ناضج، كاقتصاد بريطانيا.
آراء الاقتصاديين الكلاسيك
الافكار المبكرة للايكونوميست حول حرية التجارة تأثرت بقوة بالاقتصاديين الكلاسيكيين امثال آدم سمث وديفد ريغاردو كما اشار الى ذلك المؤرخ (رث دودلي ادورد). ولسون كما سمث، ادرك ان التجارة كانت عملية تبادل باتجاهين. الدول احتاجت الى"زيادة الاستيرادات لتزيد الصادرات" لزيادة وترسيخ النمو الاقتصادي. يرى سمث في "ثروة الامم" ان المستهلكين يجب ان يشتروا السلع من اماكن تكون فيها الارخص ثمنا. جميع الحمايات خلقت احتكارات، والتي كانت "العدو الاكبر للادارة الجيدة". ريغاردو ذهب بعيدا في تأييد افكار سمث، مجادلا ان جميع الدول تستفيد من حرية التجارة بإنتاج ما لديها من افضل الاشياء قياسا بالدول الاخرى.
أفكار كنز المعارضة لحرية التجارة
غير ان بعض الاقتصاديين في الفترة الاخيرة اشاروا الى مواقف تتآكل فيها منافع حرية التجارة. الاقتصاديان Charles Bickerdike and Francis Edgeworth جادلا في بدايات عام 1900 الى ان مزيد من الدول يمكن ان تنتفع من فرض "رسوم كمركية مثلى" باستغلال قوتها الاحتكارية في الاسواق العالمية. ونفس الشيء، جادل (جون مايرند كنز) عام 1931 بان تطبيق الرسوم الكمركية في بريطانيا، البلد الكبير، سيساعد في انعاش الاقتصادات من الكساد الكبير.
في ورقة صدرت عام 1989 للكاتبين Michael Kitson & Solomos Solomou ايّدا فيها قوة ومزايا التفكير الكنزي. هما جادلا بان فرض الرسوم الكمركية العامة في بريطانيا عام 1932 "نفع الاقتصاد البريطاني" عبر نمو الصناعات الجديدة وعجّل من نسبة النمو في الاعوام 1932-37.
لكن الاقتصاديين سارعوا للاعتراف ان هذه السياسات تعمل فقط في ظروف محددة ومؤقتة. Bickerdike & Edgeworth دائما يؤكدان بان حرية التجارة هي سياسة يمكنها ان تعزز النمو فقط في المدى البعيد وعلى اساس عالمي. "الرسوم المثلى" كسياسة بالنسبة لهما هي "معاكسة للاخلاقية العالية". كنز ذاته لم ينحرف ابدا عن الرؤية بان حرية التجارة كانت أفضل سياسة في المدى الطويل. وحتى Mssrs Kitson & Solomou يعترفان بان انعدام المنافسة التي سبّبتها الرسوم الكمركية العامة ربما أضرّت بـ "النمو الاقتصادي الطويل الاجل" في فترة الطفرة الاقتصادية البريطانية للاعوام 1950-73. ان استمرارية فكرة ان حرية التجارة توفر ظروف مثلى طويلة الاجل للنمو ربما هي السبب الذي دفع الايكونومست قبل 170 عاما ولازالت لدعم حرية التجارة.