أسباب فشل الشركات الناجحة
ثلاثة إجراءات تكمن خلف انهيار الشركات
انسياد
2018-10-22 05:08
إيفز دوز/كيلي ويلسون
شهد قطاع الأعمال عبر التاريخ أسماء لشركات كبرى نجحت في الهيمنة على قطاعاتها، لتتراجع وتتخفى خلف إنجازاتها السابقة، أو حتى تختفي. لذا فإن فهم أسباب فشل الشركات الكبرى وكيفية تفادي هذا المصير، موضوع يشغل الباحثين، ناهيك عن النمو الذي يشهده قطاع الاستشارات.
استمرار تعرض الشركات الناجحة للفشل، يعد دليلاً على الفهم غير الكافي لأسباب زوال الشركات. حيث يرى البعض أن الخيارات والالتزامات غير المسؤولة والإجراءات التي تتخذها الإدارة العليا هي المسؤولة عن النتائج الاستراتيجية وتحديد مصير الشركة. من هذا المنطلق، فإن الأداء المتميز مرتبط بالرؤساء التنفيذيين الحاليين (أمثال: جاك ويلش في جنرال إلكتريك، ولو جيرستنر في آي بي إم، وآلان مولالي في فورد أو أندي غروف في إنتل)، وكذلك الأداء الضعيف رغم وجود الرئيس التنفيذي في منصبه لفترة قصيرة (إلين كولمان في دوبونت، فريتز هندرسون في جنرال موتور، كريستوفر جالفين في موتورولا، أو جورغن سينترمان في آه بي بي).
يرى طرف آخر أن اندحار الشركات يتسبب به الهياكل والإجراءات ونماذج العمل التي تعزز من الفكر المتحجر في الشركة مما يجعل التكيف والتغيير أمراً في غاية الصعوبة وحتى مستحيلاً. وأخيراً يرى أنصار نظرية النمو الاقتصادي "شومبيتر"، أن أسباب فشل الشركات تكمن بعدم قدرتها على التكيف مع البيئة الخارجية المختلفة بشكل جذري- والذي أصبح واضحا في العديد من القطاعات بدءاً بقطاع التجزئة وصولاً إلى قطاع النشر والاتصالات وعدم قدرتهم على مواجهة التغيرات التكنولوجية السريعة.
في حين تبدو الحجج الثلاثة مقنعة تماماً، إلا أن أي منها لم ينجح في إعطاء تفسير كافي لأسباب وكيفية فشل الشركات- مما يستدعي وجود رؤية أكثر شمولية لمسيرة الشركة. كنا محظوظين لوجود آراء مدعومة بأبحاث على مدار 20 عاماً حول تجربة نوكيا: الشركة التي شكلت وجه القطاع لتهيمن عليه كأحد أقوى العلامات التجارية في العالم، لتختفي بعدها عقب بيعها لشركة مايكروسوفت.
حاز كتابنا الآخير الذي يتناول رحلة نوكيا: "نغمة الرنين: استكشاف صعود وسقوط نوكيا في الهواتف المحمولة"، على جائزة تيري بوك الفخرية لأكاديمية الإدارة 2018،. لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت أبعد من تجربة نوكيا، في محاولة لشرح أسباب فشل الشركات الناجحة. وجدنا أن أسباب هلاك الشركات عبارة عن مزيج من إدارة الاختيارات، وقدرة المؤسسة على التكيف، وتطور القطاع، بحيث يلعب كل عامل دوراً أكثر أو أقل مع الوقت، إلى أن يصبح الترابط فيما بينهم قاتلاً.
إدارة الخيارات
تساهم خيارات الإدارة بشكل واضح في تراجع الشركة، ولكن لا يقتصر الأمر فقط على القرارات التي يتخذها الفريق الإداري. فبذور الركود الاستراتيجي تكون نتاج خيارات اتخذتها الإدارة قبل عقد من الزمن أو أكثر. تؤدي تلك القرارات إلى انتهاج اسلوب استدلالي والغطرسة والتزامات غير مدروسة، تخلق بدورها سياق يتم من خلاله اتخاذ إجراءات مستقبلية.
الاعتماد بشكل كبير على أسلوب استدلالي، لا سيما من خلال التعلم غير الواعي أو غير المقصود الذي تختبره الشركة أثناء نموها وتجاوزها لحالات الأزمات، ليصبح من المبادئ الأساسية خلال عملية صنع القرار. على سبيل المثال، وجدت "بولارويد" في مرحلة مبكرة عقب استثمارها بشكل كبير في تطوير التكنولوجيا، أن سوق الكاميرا الباهظة الثمن محدود وغير كافي لاستمرارية الشركة. في ظل تلك الأزمات، تبنت "بولارويد" نموذج "رازر بليد" والذي بموجبه تبيع الكاميرا بسعر التكلفة، على أن تحقق هامش ربح كبير من بيع الأفلام المخصصة للكاميرا (بنسبة تقارب 70%). ترسخ هذا الأسلوب البسيط، الذي يعتمد على الربح من مبيعات الأفلام فقط، ورسم مستقبل قرارات الإدارة لثلاثين عاماً. ورغم إدراك "بولارويد" للحاجة للاستثمار في التكنولوجيا الرقمية في فترة مبكرة من عام 1985، أطرت فرق الإدارة المتتابعة في الشركة هذا التحدي على نطاق ضيق من حيث طباعة الصور الرقمية، بدلاً من إنتاج كاميرا بسعر معقول (كما فعلت كل من سوني وكانون منافسيها اليابانيين). عقب توالي العديد من الرؤساء التنفيذيين، وإعادة الهيكلة والتوجهات الاستراتيجية الجديدة، تقدمت "بولارويد" بطلب إعلان الإفلاس.
قد يتأتى التأطير المعرفي غير الملائم أيضاً بسبب "الالتزامات غير المدروسة" – قرارات سابقة تجعل الشركة رهينة لها وباتجاه يصعب تغييره. يوفر نظام تشغيل سيمبيان بشركة نوكيا، خير مثال على ذلك. في البداية تبنت مجموعة من منتجي الهواتف المتحركة نظام تشغيل سيمبيان في 1998، في محاولة منها للتصدي لخطر دخول مايكروسوف لهذا القطاع. مع مرور الوقت، ترتب عن التزامات شركة نوكيا ومواصلة استثمارها بأجهزة تعتمد على نظام التشغيل هذا، آثار سلبية على قدرتها في التكيف مع منصة او منهج أيكولوجي.
يولد النجاح نوع من الغطرسة، وبالإضافة إلى الرغبات الجامحة للعديد من الفئات من أصحاب المصلحة، قد يركز المدراء على القضايا التشغيلية التي تقود بدورها إلى زيادة الكفاءة وتحقيق نتائج أفضل على المدى القصير وليس الاستدامة والنمو على المدى الطويل. وذلك ما حدث في "آي بي إم" في ظل قيادة سام بالميسانو، الذي صب جل تركيزه على مضاعفة العوائد على الأسهم كل خمس سنوات، وعجز عن رؤية حقيقة تغير البيئة التنافسية. من دون الاستجابة لذلك التغيير، عانت "آي بي إم" من مشاكل جوهرية – بالرغم من عدم ظهورها للعيان حتى بعد انقضاء عدة سنوات.
قدرة المؤسسة على التكيف
تقود الخيارات التي تتخذها الإدارة إلى تطبيق هياكل وإجراءات ونماذج عمل تؤدي في حال بقيت على حالها إلى عدم الكفاءة، وقد تصبح عائقاً كبيراً أمام الحاجة الملحة للتكيف.
لم يمضِ وقت طويل في "آي بي إم" عقب تولي جيني رومتي لمنصب الرئيس التنفيذي خلفاً لبالميسانو لتبدأ المشاكل بالظهور. حيث قل عملاء الأجهزة لصالح الحلول السحابية وبرمجيات ساس (SaaS) مما كان له تأثيراً كبيراً على أداء الشركة. كانت شركة "آي بي إم" عالقة في نموذج عمل تكاملي، بحيث كانت مبيعات الأجهزة مرتبطة بهامش عالي لمبيعات البرمجيات، وطفرة بخدمات الاستشارات في "آي بي إم" التي تتولى أمور تحميل البرمجيات ومتابعتها. فرض نموذج العمل هذا على مدار سنوات تحديات على مبادرات النمو وجعل التغيير أمر في غاية الصعوبة. بعد اتخاذ خيارات جريئة وعملية إعادة هيكلة صعبة وشاقة، بدت "آي بي إم" أخيراً قادرة على المواجهة في بيئة تنافسية جديدة.
ثبت أن الهياكل التنظيمية قد تكون بمثابة عائق بوجه الحاجة الملحة لتغيير نماذج الأعمال القديمة. وجدت كل من نوكيا و "اي بي بي" نفسيهما عالقتين في نزاعات ومنافسات داخلية بسبب هياكل أثبتت عدم قدرتها على إدارة مجموعات مختلفة تريد حماية مصالحها في سبيل حماية أركانها. في ظل هذا السيناريو، وتحت ضغط الأداء، تقوم المجموعات بفلترة المعلومات المضللة والمعطيات مما يعطي الإدارة انطباعاً خاطئاً عن أداء الشركة. كما يحول الافتقار إلى التعاون الداخلي، من محاولة الأشخاص لربط المعلومات التي تشير إلى التغييرات في البيئة الخارجية، وبذلك يصبح من الواضح الدور الكبير الذي تلعبه الهيكيلية في دفع الشركة نحو الفشل.
البيئة المتغيرة
عندما تتغير طبيعة القطاع لا بد أن يترتب عن ذلك خسارة، وربما تكون الشركات الناجحة أكثر عرضة للخطر كونها غارقة في علاقات مع شركاء وموردين وعملاء رئيسيين، عندما يتعلق الأمر برؤية مستقبلية. بالإضافة لذلك، فإن خيارات الإدارة ومدى تكيفها مع التغيير سيحدد صعوبة أو سهولة الأمر أمام الشركة، لتتراجع عن نموذج عملها الحالي، وتدرك أن البيئة المحيطة بها تتغير بشكل جذري.
لم يدرك أعضاء مجلس الإدارة في "كوداك" السرعة التي تتغير فيها البيئة المحيطة (من الأفلام إلى التصوير الرقمي)، وبالتالي فإن خيارات مجلس الإدارة عززت من أهمية الأفلام. وبدعم من مجلس الإدارة في "آي بي إم"، صب بالميسيانو تركيزه على رفع عوائد المساهمين، مما أدى لفشله برؤية تحول المنافسة إلى الخدمات السحابية وخدمات عند الطلب. كما كانت نوكيا غارقة في التركيز على المنتجات، ولم تستطيع إدارتها من تصور مستقبل يعتمد على منصات ابتكرتها كل من آبل وجوجل.
النجاة من العاصفة
في حين تلعب التحولات الخارجية في طبيعة القطاع دوراً كبيراً في فشل الشركات بمرحلة متأخرة، إلا أن الترابط بين تلك التغيرات، والخيارات السابقة والحالية للإدارة والهياكل ونماذج الأعمال التي تبنتها الشركة هي المسؤولة في النهاية عن قدرة الشركة على ركوب التغيير أو الفشل. فقط الشركات التي اتخذت إدارتها قرارات سيئة ولديها هياكل تنظيمية ونماذج أعمال ضعيفة، تستسلم للقوى الخارجية للتغيير.