إما أن تُنجِز أو تخرس
بروجيكت سنديكيت
2015-02-19 12:52
لوسي بي. ماركوس
نيويورك ــ في السياسة العامة، أو محادثات السلام، أو الحملات الانتخابية، أو وضع استراتيجية الشركات، لا يكون عرض النوايا والوعود والتعهدات كافياً أبدا. فكل هذا ليس أكثر من خطوة أولى نحو نهاية مرغوبة ــ ويصبح بلا معنى على الإطلاق ما لم تتخذ الخطوة الثانية والثالثة وكل الخطوات الضرورية اللاحقة. وعلاوة على ذلك فإن اتخاذ الخطوة الأولى يبدأ العد التنازلي من ثقة الآخرين في اتخاذ الخطوات التالية حقا، وإلا المخاطرة بخلق انطباع زائف بأن الفشل في تحقيق هدف معين يعكس نوايا خاطئة (أو في غير محلها)، وليس التنفيذ غير الكافي. وبوسعنا أن نرى أمثلة لهذا حيثما نظرنا تقريبا.
ولنتأمل هنا إعلان البنك المركزي الأوروبي في يناير/كانون الثاني عن اعتزامه تنفيذ برنامج التيسير الكمي. في ذلك الوقت، بدا وكأن العديد من القادة يعتقدون أن هذا التحرك من قِبَل البنك المركزي الأوروبي سوف تكون كافية: فيذاع الإعلان، وتُطبَع النقود، وتعود الاقتصادات إلى مسارها. ولكن من المؤسف أن هذه ليست الكيفية التي تعمل بها السياسة النقدية: فلن يكون التيسير الكمي كافيا، ولا ينبغي لأحد أن يتعامل مع هذا الأمر بسذاجة.
فمن أجل إعادة الاقتصادات إلى مساريها الصحيح، يشكل التيسير الكمي خطوة مفيدة، ولكن فقط كجزء من حزمة أكبر من التدابير. ففي غياب إصلاحات اقتصادية أخرى، لا يستطيع التيسير الكمي في حد ذاته أن يُحدِث التغيير المطلوب لدفع النمو. وإذا لم يتم تنفيذ الإصلاحات وفشل النمو في التحقق، فمن المرجح أن يلقي الساسة باللائمة على التيسير الكمي، وليس فشلهم في اتخاذ كل الخطوات الأخرى التي يجب أن تأتي لاحقاً على المسار إلى التعافي الاقتصادي.
ولنتأمل الآن حرية التعبير. في أعقاب المذبحة التي شهدتها مجلة شارلي إبدو الساخرة في باريس الشهر الماضي، اندفع زعماء العالم إلى مشهد الحدث وساروا في دعم حرية التعبير كمبدأ أساسي للمجتمعات المتحضرة. وكانت الخطوة الطبيعية التالية الواجبة بالنسبة لكثيرين منهم هي العودة إلى الديار والبدء على الفور في تنفيذ ذلك المبدأ. ولكن ما حدث بدلاً من ذلك هو أنهم عادوا إلى ديارهم فحسب.
صحيح أن النظام العسكري في مصر ــ الذي أثار ظهور وزير خارجيته الدهشة عندما ظهر بالقرب من مقدمة المسيرة في باريس ــ أطلق سراح الصحفي بقناة الجزيرة بيتر جرسته من السجن، ثم أفرج عن صحفيين آخرين، محمد فهمي وباهر محمد، بكفالة. ولكن أين تخلي النظام عن السلطة التي سمحت له بسجنهم في المقام الأول؟
وفي ساحة أخرى، وهي مفاوضات السلام، كان اتفاق وقف إطلاق النار مؤخراً في أوكرانيا مجرد محاولة أخرة لإنهاء الحرب بين حكومة البلاد والانفصاليين الذين تدعمهم روسيا والتي ظلت مستعرة طيلة قسم كبير من العام الماضي في منطقة دونباس في شرق البلاد. وطيلة فترة القتال، كانت محاولات وقف القتل تأتي وتذهب، وأصبح ضحايا الحرب الأبرياء ــ ناهيك عن قسم كبير من المجتمع الدولي ــ ضجرين وساخرين.
إن أكثر اتفاقيات السلام فعالية هي تلك التي تشكل جزءاً أصيلاً من عملية سلام. وتمثل الخطوة الأولى ــ التوقيع على الاتفاقية ــ التزام الأطراف باتخاذ الخطوات اللاحقة الضرورية. والجميع ينصرفون وهم يعلمون على وجه التحديد ماذا ينبغي لهم أن يفعلوا، وماذا يتوقعون أن يفعل الآخرون، وما هي العواقب التي قد تترتب على امتناعهم عن اتخاذ تلك الخطوات. وعندما تفشل الاتفاقيات فإن هذا لا يرجع عادة إلى مضمونها، بل ما غاب عنها، أو ما يفعله الموقعون خلافاً لما اتفقوا عليه. ولا تكون خريطة الطريق إلى السلام مفيدة إلا إذا اتبعها الجميع. وإلا فإن الهدف يضيع.
وتُعَد الحملات الانتخابية مثالاً دقيقاً بامتياز لهذه الظاهرة، والآن يدخل العالم "موسماً آخر من الخطوة الأولى". سوف يشهد هذا العام انعقاد سبعة انتخابات عامة على الأقل في بلدان الاتحاد الأوروبي (وسوف تعقد فرنسا انتخابات إقليمية في مارس/آذار). وقد صوتت اليونان بالفعل (وانتخبت حكومة تبدو حتى الآن غير قادرة على تجاوز النوايا والتعهدات)، وسوف تشهد الأشهر المقبلة انتخابات في إستونيا، وفنلندا، والمملكة المتحدة، والدنمرك، والبرتغال، وبولندا، وأسبانيا. أضف إلى هذا الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام القادم ــ والتي تسبقها الحملة التي بدأت بالفعل ــ فيصبح من الممكن أن نتوقع الكثير من الوعود في كل مكان.
الواقع أن الناخبين في هذه البلدان محاطين بالنوايا الطيبة، والتأكيدات الرنانة، والتعهدات المهيبة، وهم يتوقعون من الأحزاب والمرشحين الوفاء بكل هذا إذا انتخبوهم. من المؤكد أن الأحزاب والمرشحين يحاولون إقناع الناخبين على أساس سجلات أدائهم السابقة (ومن خلال تفنيد سجلات خصومهم). وإذا لم ينفذوا نواياهم ووعودهم وتعهداتهم، فإن القدرة على الوصول إلى المعلومات والاتصالات الفورية حاضرة على النحو الذي يجعل الوعود الفارغة غير قادرة على إقناع أغلب الناس.
والشركات أيضاً تدير حملات. فهي ترسل قادتها إلى الهيئات التشريعية للتعبير عن الندم والأسف العميق عن مخالفات خطيرة وتَعِد بالسلوك الحسن في المستقبل. ورغم هذا فإن العناوين الرئيسية لا تزال مثل أي وقت مضى عامرة بقصص عن سلوكيات غير أخلاقية، إن لم تكن إجرامية صريحة، تمارسها الشركات. ومن المؤسف أن كثيرين من قادة الشركات يصرون على النظر إلى العالم انطلاقاً من مبدأ "نحن" ضد "هم"، بدلاً من محاولة فهم لماذا، في ظل غياب التحرك النشط، لا يثق فيهم أحد.
إن البدايات شديدة الأهمية؛ ولكن هذا هو كل شيء. فلا يوجد حل سهل لاقتصاد منطقة اليورو، أو لليونان، أو أوكرانيا، أو أي من التحديات الكبرى الأخرى التي نواجهها اليوم. ولكن ما لم يكن القادة والزعماء على يقين من أن التصريحات والوعود الانتخابية واتفاقيات السلام سوف تؤدي إلى عمل واضح وهادف، فينبغي لهم أن يفكروا مرتين قبل أن يفتحوا أفواههم.