البعد الاقتصادي المستقبلي في تقريب القرآن الى الاذهان

سورة الاعراف/32 نموذجا

د. حازم فاضل البارز

2015-02-17 01:32

قال تعالى في محكم كتابه العزيز:

"قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين امنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون".

لا ريب أن نجاح الاقتصاد لبلد أو أمة ما، يتطلب تخطيطاً علمياً سليماً، مع توفير الآلية التنفيذية السليمة، لتحويل التخطيط إلى منجز اقتصادي يُشار له بالبنان، فهناك نوع من الترابط بين عنصري التخطيط والتنفيذ في المجال الاقتصادي، وفي جميع الحالات يعود الامر لصناع القرار، أو القادة، فهم الذين يتحكمون بعمليتي التخطيط والتنفيذ، لاسيما فيما يتعلق بالافراد والعقول والكفاءات الصحيحة والمناسبة لإنجاز هذا العمل أو ذلك[1].

ولا شك أن المجتمع المتمدن في منظور القرآن الكريم هو المجتمع الذي لا يقتصر في كماله على الجانب المعنوي، دون أن يضم إليه الكمال المادي والقدرة الاقتصادية التي تحفظ لأفراده كرامتهم وتسهل معايشهم وتمنحهم القدرة على الرفاه في العيش والحياة الهانئة، فالقرآن الكريم لا يدعو إلى مجتمع يترفع أفراده عن حد الفقر والاكتفاء بالأقل الأدنى فحسب، وإنما يدعو الى مجتمع يتحسس أفراده السعة والرفاهية في العيش وتجاوز مرحلة الحد الأدنى إلى مرحلة التزين بالنعم الإلهية والتمتع بالطيبات من الرزق، في ضمن إطار إنساني يحفظ للإنسان إنسانيته وينميها [2].

حيث نرى آية الله العظمى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) يشير إلى ذلك من خلال تفسيره لهذه الآية، إذ يرى إن (قل) يا رسول الله (من حرم زينة الله التي أخرج لعباده) جميع انواع الزينة من المساكن والمتنزهات والحلي والملابس والمراكب وغيرها (والطيبات من الرزق) المأكل الحلال، أو المراد: كل رزق، والاستفهام على سبيل الإنكار، أي أنها ليست بمحرمة ولا حق لأحد في تحريمها، فما يفعله الرهبان ليس صحيحاً[3].

(قل) يا رسول الله (هي) أي الزينة والطيبات – باعتبار كل واحد منهما – (للذين آمنوا في الحياة الدنيا) فما يتناوله الكفار منها حرام لا يجوز، في حال كونها (خالصة) للمؤمنين بلا مشاركة الكافرين لهم إطلاقا – حتى على وجه الحرام – (يوم القيامة) فإن من الطيبات للمؤمنين في الدنيا والاخرة، لكن الكفار يشاركون المؤمنين زوراً في الدنيا، ولا يقدرون على ذلك في الاخرة، وهناك احتمال آخر: أي أن الطيبات خالصة في الآخرة لمن آمن في الدنيا، فتكون جملة واحدة، لا جملتان، ثم لا يخفى أن كون الطيبات للمؤمن في الدنيا – على المعنى الاول – لا يقتضي جواز تناولها من يد الكافر غير الحربي، بحجة أنها ليست له، فإن الله سبحانه جعل في الدنيا لغير الحربي حرمة، لأجل استقامة أمور العالم (كذلك) أي كما فصلنا الأمور السابقة، واضحة لا لبس فيها (نفصل الآيات) الدالة على الأصول والفروع (لقوم يعلمون) فإن العلماء هم الذين يستفيدون من هذه الآيات[4].

وفي هذا الصدد نرى ما كتبه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لمحمد بن أبي بكر لما ولاه مصر فقال فيه: (واعلموا يا عباد الله أن المتقين حازوا عاجل الخير وآجله، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم، أباحهم الله من الدنيا ما كفاهم به وأغناهم، قال الله عز وجل: ((قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين امنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون))[5].

سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم، فأكلوا معهم من طيبات ما يأكلون، وشربوا من طيبات ما يشربون، ولبسوا من أفضل ما يلبسون، وسكنوا من أفضل ما يسكنون، وتزوجوا من أفضل ما يتزوجون، وركبوا من افضل ما يركبون، أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا، وهم غداً جيران الله تعالى، يتمنون عليه فيعطيهم مايتمنون، لا ترد لهم دعوة، ولاينقص لهم نصيب من اللذة، فإلى هذا يا عباد الله يشتاق إليه من كان له عقل ويعمل له بتقوى الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله)[6].

وقد ضرب الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم مثلا قرية آمنة فتح الله عليها أبواب نعمه ووفر لها جميع ما تحتاجه في إقامة العيش الرغيد والحياة الهانئة، لتستقوي بها على طاعة الله وتقيم بها عبوديته، ولكنها كفرت بأنعمه سبحانه وطفقت تصرف ذلك في طغيانها وعصيانها، الأمر الذي جعل ذلك سببا في زوال تلك النعم واستبدالها بما يقابلها من الخوف والجوع، وهوما يوحي بأن الرفاه المادي أمر مطلوب قرآنياً ولكن بشرط أن يجعل وسيلة للعبودية والطاعة لله سبحانه، قال تعالى: " وضرب الله مثلاً قرية كانت أمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كُلِّ مكانٍ فَكَفَرتْ بأنعُمِ اللهِ فأذاقها اللهُ لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون"[7].

حيث يرى (قدس سره) في تفسيره لهذه الآية (وضرب الله مثلاً) لكل أمة أنعم الله عليها بالنعم فأبطرتهم النعمة فكفروا (قرية كانت امنة مطمئنة) لا خوف ولا اضطراب لها (يأتيها رزقها رغداً) واسعاً (من كل مكان) من النواحي المختلفة (فكفرت بأنعم الله) لم تؤد شكرها (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) فشمل جسدهم الجوع والخوف (بما كانوا يصنعون) بسبب كفرانهم[8].

وكذلك يرى أية الله العظمى المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) إن أكثر العالم يعاني من غياب التوازن الاقتصادي على الرغم من التطور الهائل في وسائل الانتاج كافة، ما يعني ان هناك خللاً في البنية الاقتصادية العالمية، وأن الفشل في البرمجة والتخطيط والتنفيذ هو الذي يقف خلف هذا الارباك الاقتصادي العالمي، ولقد شطر المختصون العالم بالمنظور الاقتصادي إلى شمال وجنوب، فالأول هو الشطر المتنعم الغني كما تشير كثير من الوقائع، والثاني هو الشطر الفقير الذي يعاني من أزمات وموجات متواصلة من الجوع، غير أن أحداً لا يستطيع نفي الفقر بصورة مطلقة من دول وشعوب الشمال، ما يدل على فشل النظام الرأسمالي في ترسيخ قاعدة التوازن الاقتصادي أو ذاك، كما فشل النظام الشيوعي الاممي فشلا ذريعا أثبتته الوقائع التاريخية التي لا تزال ساخنة حتى الان، ولا نحتاج الى ادلة لكي نثبت مشاهد الفقر في دول وشعوب الجنوب فهي تعلن عن نفسها بوضوح من دون حاجة إلى التنقيب أو البحث، ولعلنا نستطيع أن نتساءل من الذي يقف وراء هذا الارباك الاقتصادي العالمي وقبل ذلك من هو المتضرر الاول من نتائج هذا الارباك؟![9]

إن الانظمة الاقتصادية والسياسية التي قادت وتقود العالم هي التي تقف وراء ذلك، كما ان المتضرر بالدرجة الاولى هو الفقير المسحوق الذي يزداد انسحاقاً، في وقت يزداد الاثرياء ثراء، ولعل الأزمة الاقتصادية التي عصفت ولا تزال تعصف بالعالم نتيجة منطقية لسوء الانظمة الاقتصادية سواء الرأسمالية أو الاشتراكية منها، وهنا يستحسن أن نتساءل عن سبل الخلاص عالميا أو على مستوى الدول والشعوب ؟![10]

ان للإسلام تجربة مثبتة بالأدلة والوقائع مع الاقتصاد وكيفية التخطيط والبرمجة والتنفيذ، فبرغم سعة الدولة الاسلامية في عهد الامام علي (عليه السلام) إلا أن الفقر كاد ان ينعدم تماماً بين افراد الامة الاسلامية عموماً، ما يدل على حسن الرؤية ونجاح التخطيط الاقتصادي وتميّز الخطوات التنفيذية التي قللت من الفقر إلى أدنى مستوياته حيث أن الاقتصاد له الأهمية الكبرى في السياسة وكلما كان التوازن الاقتصادي اقوى كانت السياسة اكثر سداداً ورشداً، فلننظر إلى الاسلام كيف جعل من الدولة الاسلامية البعيدة الافاق الشاسعة الاراضي، الكثيرة النفوس، أمة غنية كاد أن يصبح الفقر فيها خبراً لكان[11].

وهذا يعني ان ثمة سياسة اقتصادية متوازنة اتبعها الامام علي (ع) آبان حكمه حققت توازنا دقيقا بين الانتاج والاستهلاك. وقادت بدورها الى غياب الفقر وقد تم ذلك عبر سياسة اقتصادية تقوم على الدقة والتوازن والمساواة التامة وهو امر معروف عن سياسة الامام علي (عليه السلام) مع الرعية في عموم امصار الدولة العربية آنذاك[12].

وإن الجانب التنفيذي يحتاج الى قدرة على التطبيق الصحيح للفكر، بمعنى لواردنا تطبيق الفكر الاسلامي بخصوص الاقتصاد، لابد ان يكون التطبيق سليماً، سواءاً في الامور الصغيرة او الكبيرة، فالقضية تستند الى المبدأ وضرورة تطبيقه في جميع الحالات[13]، لذا يقول سماحة المرجع الديني أية الله العظمى السيد صادق الشيرازي(دام ظله) في هذا المجال أيضا: كان امير المؤمنين (عليه السلام) يطبق الاسلام تطبيقا دقيقا في الامور الصغيرة والكبيرة لأن الأمر الصغير كبير إذا كان حكم الله، والكبير كبير لأنه حكم الله، فالمقياس حكم الله، وبحسابه يكون كل شيء منتسباً الى الله تعالى كبيراً بهذا المنظار الواقعي العميق.

كان امير المؤمنين علي عليه السلام يقيم سيرته بين الناس وفي مختلف أدوار الحياة، كما كان عليه السلام هكذا دقيقاً وعميقاً في حياته الشخصية[14].

كذلك فإن العقل الاقتصادي وحده قد لا ينجز المهمة الاقتصادية المطلوبة بنجاح، إذا كان الفرد لا يحمل بعض الصفات المهمة والاساسية في التفكير والعمل، ومنها على سبيل المثال سمة الحرص التي يجب أن يتحلى بها رجل الاقتصاد أو المسؤول السياسي الذي يوجه القائمين على هذا الجانب تخطيطاً وتنفيذا، وبمعنى القائد الاعلى كرئيس الدولة او رئيس الوزراء حسب نوع النظام السياسي، والحرص هنا يعني عدم التجاوز على المال العام مهما قل او كبر حجم التجاوز[15].

وكما يقول أيضا المرجع السيد صادق الشيرازي (دام ظله): أن نجاح الاقتصاد لبلد ما يؤدي إلى سياسة ناجحة وبالعكس، بمعنى هناك جدلية متبادلة بين الجانبين السياسي والاقتصادي، لهذا يندر في الحكومات القمعية أو المتخلفة وجود اقتصاد قوي، فحين تسوء السياسة يسوء الاقتصاد والعكس يصح بطبيعة الحال، لذا يستدعي الحال وجود نوع من التوازن الاقتصادي الداعم للسياسة الجيدة، وقد اثبتت تجارب المسلمين فيما سبق على نجاح الدولة الاسلامية في القضاء على الفقر على الرغم من سعة أراضيها، لذا يذكرنا (قدس سره) بقول للإمام الصادق عليه السلام: (الاقتصاد هو الكسب كله).

والاقتصاد في المنظور الاسلامي، يهدف إلى القضاء على الفقر كلياً، من خلال التخطيط السليم من لدن الكفاءات المختصة العالية، والعقول التي تتمكن من اتقان العمل التخطيطي المناط بها، وليس كما هو الحال واقعاً، حيث يهمش ذوو الكفاءات ويسيطر الجهلاء على المناصب الكبيرة، مقابل تردي متواصل لأوضاع الامة اقتصادياً ثم سياسياً أو العكس، لذلك فالاقتصاد في المنظور الاسلامي يضع كل ذي موهبة وقدرة في مكانه المناسب، مع تنفيذ دقيق للخطط الموضوعة، لأن الرجال المكلفين هم من الحرص ومخافة الله بحيث ينجحون في مهاهم نجاحاً كبيراً[16]. لذلك يتساءل آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) بهذا المجال قائلاً: هل رأى العالم أو قرأ أو سمع نظاماً اقتصادياً يستطيع أن يقتلع جذور الفقر عن الناس حتى يكون من بواعث العجب والدهشة رؤية فقير واحد في طول البلد الاسلامي وعرضها، ولوكان ذاك مسيحيا غير مسلم؟ وهل استطاع العالم المعاصر، والتجارب الاقتصادية الكثيرة من وضع نظام اقتصادي هكذا؟ والجواب على ذلك: النفي طبعاً، فاليوم وقد بلغت الحضارات قمتها، والأنظمة الاقتصادية ذروتها، لا تكاد تجد بلداً واحداً إلا والفقر قد نشر أجنحته السوداء والفقراء ملأوا الارض، والجوع والحرمان شملا الشرق والغرب والجنوب والشمال، لذلك نلاحظ أن أغنى البلدان في العالم تنطوي على الفقر، ويوجد فيها فقراء، والسبب هو التطبيق الاقتصادي الخاطئ، ووضع الفوارق الطبقية بين شرائح المجتمع الواحد، أما الاسلام فهو يرفض الطبقية، ويدعو الى المساواة في الفرص وغيرها، ويؤكد على سلامة عقول ونوايا الافراد لتحقيق الهدف المنشود من التخطيط الاقتصادي الجيد[17].

ووفق ما قالته النظرية القرآنية لا سيما في سورة الاعراف/الآية 32، عقب تفسيرها من قبل سماحة آية الله العظمى الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، نرى البعد الاقتصادي هو استجابة لجانب من حاجات الإنسان بوصفه فرداً مستقلاً وبوصفه جزءا من مركب المجتمع، فكل فرد - بوصفهِ إنسانا خاصاً - له حاجات لابد من إشباعها، وقد اتاح القرآن والاسلام للأفراد اشباعها عن طريق الملكية التي أقرها ووضع لها اسبابها وشروطها وحين تقوم العلاقات بين الافراد، ويوجد المجتمع، يكون لهذا المجتمع حاجاته العامة أيضاً التي تشمل كل فرد بوصفه جزءاً من المركب الاجتماعي، وقد ضمن القرآن والإسلام للمجتمع إشباع هذه الحاجات عن طريق الملكية أيضاً بشتى انواعها[18].

ولعل مثل هذه القضية تبدو أكثر أهمية وإلحاحاً عندما نتأمل الواقع المعاشي المتدهور الذي يواجهه العراق نتيجة سوء الانظمة الاقتصادية التي مر بها، فيستحسن أن نجد الحلول والخطط والبرامج لإحداث تحول حقيقي في هذا الواقع المعاشي المريب وإيجاد الاجواء الكفيلة بتحقيق وضع انساني افضل للمواطن وفق سورة الاعراف/الآية/32 وقبل هذه الحلول نقول: عكست الأحداث الخطيرة التي مر بها العراق أثارها على كافة مرافق الحياة مما كان له الاثار السلبية على المستوى المادي والاجتماعي، بسبب تفاقم مشكلة التضخم النقدي الجامح والذي اضحى السمة البارزة للاقتصاد العراقي، فالطلب الكلي قد تجاوز بكثير العرض الكلي، بسبب طبيعة المشروعات القائمة والتي أثرت على عمليات الاستيراد والانتاج المحلي في وقت واحد، الى جانب استمرار حالة العجز في الموازنة المالية حيث كان اعتمادها وبشكل رئيسي على التدفق النقدي كوسيلة لتمويله، وما رافق ذلك من شيوع ظاهرة البطالة الناجمة من انكماش النشاط الاقتصادي وتدهور الناتج المحلي الاجمالي نتيجة لتوقف استيراد السلع الاستهلاكية وحتى الانتاجية والمواد الاولية اللازمة لتشغيل الصناعة الوطنية، من هنا يتضح لنا تأثير اداء الاقتصاد العراقي بجملة من العوامل أهمها:

استمرار الخلل الهيكلي في قطاعات الاقتصاد الوطني المتمثل بضيق قاعدة الانتاج وضعف ادائها على الرغم من حصول بعض التطورات في معدلات النمو، وانحصار الممارسات التخطيطية في نطاق الانفاق الاستثماري وليس تخطيط الاستثمار والانتاج والاستهلاك، وعدم توفر صورة شاملة عن العديد من المشاريع وحساب متطلباتها وتأمين استقلالها عند وضعها ضمن البرنامج التنموي، وإن السياسة الاقتصادية قد تجاوزت الطاقة الاستيعابية وحدود السوق المحلي اللازمة لتنفيذ الاستثمار حيث أن اغلب تلك السياسات تجاوزت القدرة الذاتية على توفير عناصر الانتاج ومستلزماته، وأزاء ذلك كله ولتجاوز المستويات المنخفضة في الانتاج والادخارات فلم يكن للمشروع التنموي العراقي في هذه المرحلة إلا التوجه نحو الاعتماد على الايرادات النفطية كمحفز لزيادة النمو الاقتصادي، والتشغيل، وكذلك في تمويل وإعادة تأهيل مشاريع البنية الاساسية (كالطرق والجسور وتوفير الكهرباء ومياه الشرب والخدمات الصحية العامة والتعليم) الى جانب العمل في الوقت الحاضر على توفير الاستثمار الاجنبي كأداة في معالجة الموازنة ما بين الموارد المتاحة والاستثمارات المطلوبة، مع الاخذ بعين الاعتبار وضمن المنظور بعيد المدى العمل على توسيع الطاقات الانتاجية وبتقليل الاعتماد على النفط كمصدر اساسي في الدخل القومي، من خلال استغلال الايرادات النفطية في توسيع الطاقة الانتاجية لمختلف قطاعات الاقتصاد، وبما يجعلها احد وسائل التنمية الاقتصادية وليس عبثا عليها، وتتكفل بتحويل القطاع النفطي من قطاع مهيمن ومصدر للعوائد فقط إلى قطاع منتج للثروات.

وهكذا تمثل تلك الطروحات الاطار العام لوضع الحلول للنهوض بالاقتصاد العراقي ضمن سياسات وتوجهات يمكن تحديدها بالتوجه نحو سياسة اقتصاد السوق، وتكييف الاقتصاد نحو الخصصة وهي: عملية التحول نحو القطاع الخاص، وتنمية الصناعات الصغيرة، والاستثمار الاجنبي وتعزيز الاقتصاد الدولي، اذ يواجه العراق تحديات كثيرة ومتشعبة، فلابد من تجاوزها بمواقف عملية وعلى وفق المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال تهيئة ظروف الاصلاح والتقويم على اسس منطقية وعلمية وعملية، الأمر الذي يستلزم رسم الاطر العامة لمثل تلك التوجهات المتمثلة بوضع السياسات الكفيلة للإصلاح الاقتصادي، إلى جانب القيام بالمراقبة والاشراف وصولا الى استعادة عافية الاقتصاد العراقي، وتمكين المتغيرات التي تحكم عملية التنمية من أداء مهامها على الوجه الأكمل بعد الانحرافات التي عانت منها في الفترة السابقة بسبب الخلل الذي اصابها وبالتالي عرقلة الية الاقتصاد العراقي وفاعليته، وعليه فلابد من تصحيح تلك المسارات ضمن رؤية بنائية وعلى نطاق الاقتصاد العراقي ككل، تتمثل برسم سياسة اقتصادية هدفها التنسيق ما بين مكونات ومضامين الاقتصاد العراقي ليتم على ضوئها وضع الاسس الملائمة للتنمية والنهوض الاقتصادي المطلوب في المرحلة الحالية[19].

وآخر دعوانا أن الحمد للهِ رب العالمين.

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

................................
الهوامش:
 
[1] القبسات: 364
[2] ينظر: معالم الحضارة القرآنية: 171.
[3] تقريب القرآن الى الأذهان: 2/174.
[4] المصد نفسه: 2/174
[5] سورة الاعراف: 32
[6] الأمالي: 26
[7] سورة النحل: 112
[8] تبيين القرآن: 292
[9] القبسات: 515 -516
[10] المصدر نفسه: 516
[11] المصدر نفسة:516
[12] المصدر نفسه: 516 - 517
[13] المصدر نفسه: 364
[14] المصدر نفسة: 365
[15] القبسات: 367
[16] المصدر نفسه: 367
[17] المصدر نفسه: 367 - 368
[18] ينظر: الفقه: الاقتصاد: 417
[19] ينظر: مجلة المستقبل/العدد (3): 96 – 147 – 148.
..................................................
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم
1- اقتصادنا: الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي،ط1،1317 هـ.
2- الامالي: الشيخ الطوسي، مؤسسة البعثة، دار الثقافة، قم المقدسة، ط1، 1414 هـ.
3- تبيين القرآن: آية الله العظمى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، مؤسسة فاطمة الزهراء عليها السلام الثقافية، دار العلوم، ط6، 1433 هـ - 2012 م
4- تقريب القرآن الى الاذهان: آية الله العظمى الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي، دار العلوم، بيروت – لبنان، ط2، 1432 هـ - 2011م.
5- القبسات: اية الله العظمى الامام السيد صادق الحسيني الشيرازي، مؤسسة الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم). الثقافية، ط1، 1434 هـ.
6- المستقبل: مجلة فصلية – (نحو تقويم الاقتصاد العراقي): عبد الرسول عبد جاسم، مطبعة الارشاد الحديثة، بغداد – العراق، العدد (3)، 2006 م
7- معالم الحضارة القرانية: عقيل الحيدري، منشورات الاجتهاد، الغدير للطباعة والنشر، قم المقدسة، ط1، 1429 هـ - 2008 م.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا