نظرة جديدة في مظلومية الزهراء (ع) وكيفية مواجهتها للاستبداد الديني

آية الله السيد مرتضى الشيرازي

2025-11-08 06:42

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا محمد وأهل بيته الطاهرين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.

قال الله العظيم في كتابه الكريم: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ)[1].

وقال جل اسمه: (وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‏ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرينَ)[2].

المقدمة: سيتمحور البحث بإذن الله تعالى حول محاور ثلاثة:

المحول الأول: إنّ مظلومية السيدة الزهراء (عليها السلام) لا تزال مستمرة، وإنّ خذلاننا لها ولأهل البيت (عليهم السلام) لا يزال متواصلاً، إلا القليل أو القليل جداً ممن خرج.

المحور الثاني: إنّ الاستبداد السياسي يعدّ من أسوأ أنواع الاستبداد.

المحور الثالث: كيف قادت الزهراء (عليها السلام) الانقلاب الاستراتيجي – الناعم؟ وكيف واجهت المنقلبين على الأعقاب؟

وقد ابتدأ البحث ببصائر قرآنية حول مفردة التغيير وأنواعها، التغيير الناعم والخشن والمؤقت والاستراتيجي والدائم وغير ذلك، ثم تطرق البحث إلى شاهدين على ظلامة الزهراء (عليها السلام) أحدهما: الجهل الغريب، حتى من قبل كثير من العلماء، بالإرث الروائي الضخم الذي خلّفته صلوات الله عليها، والثاني: تقصيرنا المذهل في إيصال الخطبة الفدكية ونظائرها لمئات الملايين من المسلمين، بل إننا لم نوصلها حتى لعشرات الملايين، أو حتى للملايين ظاهراً مستشهداً بقصة رائعة عن كتاب مبتكر للأطفال عن الغدير.

وتناول البحث الاستبداد الديني موضحاً كيف يعتبر أخطر أنواع الاستبداد لأنه يشكل قوة متمركزة مكثفة ولأنه يذبحك باسم الدين، مستشهداً باتخاذ المستبدين أسماء وعناوين لاهوتية، متطرقاً إلى أسماء الخلفاء العباسيين: المعتصم بالله، القائم بالله، المستعصم بالله،... إلخ ثم استشهد بقصة من أغرب القصص وهي قصة ابن مقلة – الوزير المعذّب ثم انتقل البحث إلى أساليب السيدة الزهراء في مواجهة الاستبداد الديني التي تنوعت بين المقاطعة وبين الجهر والإعلان المعارضة وبين استخدام اللغة الرمزية ومعادلة الشعائر ليختم برثاء الإمام علي (عليه السلام) لزوجته الزهراء (عليها السلام) رثاء يبكي حتى جلاميد الصخور.

بصيرة عن بعض أبعاد مفردة التغيير

وينبغي قبل البدء أن نتوقف عند بصيرة قرآنية تلقي الضوء على بعض أبعاد مفردة (التغيير) الواردة في الآية الكريمة مرتين، فإنّ التغيير على أنواع: تغيير دفعي وتغيير تدريجي، فعلى سبيل المثال إذا وجدت خصلة سيئة أو صفة رذيلة في شريك حياتك أو مسؤولك أو الموظف لديك أو تلميذك أو أستاذك أو أحد أبنائك، فهل المطلوب هو التغيير الفجائي الدفعي أم التدريجي؟! أو بالتفصيل، وما هو ذلك التفصيل؟!.

كما أنّ التغيير قد يكون خشناً وقد يكون ناعماً، إذ قد تستخدم القوة الصلبة في التغيير، وقد تستخدم القوة الناعمة، كما قد يكون التغيير تكتيكياً، وقد يكون استراتيجياً، وقد يكون على المدى القصير، أو المتوسط، أو الطويل.

وذلك كله مما قد يكون من الصعب تمييزه وتحديده، إلا أن الأصعب حقاً هو التحلي بـ (الحكمة) والتميّز بـ (القدرة) على صناعة الخلطة المتوازنة من كل ذلك، واختيار المزيج المتناغم المتجانس في عملية مواجهة الطغاة والمستبدين وكيفياتها وذلك، بحسب كل من أ- المراحل الزمنية المختلفة، ب- وشاكلة المستبدين وطريقتهم، ج- وبحسب التيارات الحاكمة في المجتمع، د- وبحسب قابلية الشعب ودرجات وعيه وتحمله ومدى استعداده للتغيير ولدفع ضريبته، ولعل الحديث عن ذلك يأتي تفصيلاً بإذن الله تعالى.

الفصل الأول: مظلومية الزهراء مستمرة... وخذلاننا مستمر!!

إنّ مظلومية الزهراء (عليها السلام) لا تزال مستمرة حتى الآن، ولا يزال خذلاننا، إلا النادر ممن خرج، مستمراً. ويكفي أن نستشهد على ذلك بشاهدين:

قصة العالم الشهير الذي ناقشته حول عدد روايات الزهراء (عليها السلام)

الشاهد الأول: من تجربتي الشخصية، التي تعضدها مشاهدات أخرى كثيرة، حيث التقيت قبل أكثر من عقدين من الزمن بواحد من أهم علماء العامة، وجرى الحديث في مسائل متنوعة، فكان فيما قال: إنَّ الروايات المروية عن الزهراء (عليها السلام) لا تتجاوز أصابع اليدين، بينما المروية عن عائشة هي بالألوف!

والغريب أنّه استعرض من تلك الروايات القليلة المروية عن الزهراء (عليها السلام) روايةً مكذوبةً – واضحة الوضع والكذب – رواها عن توتّرٍ حَدَث، بزعم الراوي المأجور، بين علي والزهراء (عليهما السلام) حتى أصلح النبي (صلى الله عليه وآله) بينهما؟

فقلت له: إضافة إلى أن هذه القصة مكذوبة ومجعولة لأهداف مبيّتة، فإنَّ تلك الأخرى معلومة خاطئة تماماً (أنَّ الروايات عن الزهراء (عليها السلام) دون العشرة)، فنظر إلي بدهشة، وقال: كيف وأنا متتبع، والأمر مشهور؟ (لاحظوا الظلامة!)، قلت له: إنَّ الروايات الواصلة إلينا منها صلوات الله عليها، هي بالمئات وأكثر! وعندما وجدت استغرابه، بل نظراته المستنكرة، قلت له: أتريد الدليل؟ قال: نعم، فإن ذلك غريب جداً، بل هي دعوى يصعب إثباتها!

قلت: إنَّ أحد علمائنا، وهو السيد محمد باقر الموحد الأبطحي قدس سره (وكان حيّاً حينذاك)، جمعَ بعضَ ما تناثر في بطون الكتب من الروايات الواردة عنها، مستدركاً بها على ما رواه العلامة الشيخ عبد الله البحراني (قدس سره) في كتاب (عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال)، فبلغ مجموعها ما يقارب الألف رواية (بعد تقطيع الطوال جداً منها إلى فقرات مفيدة، كل منها في موضوع).

وعندما أبدى دهشته مزيجةً بنوع استنكار أو تكذيب، قلت له: الكتاب مطبوع، وسأرسل لك نسخة منه!!.

وموطن الشاهد هو استمرار ظلامتها، حتى أنَّ كثيراً من الخاصة والشيعة، فضلاً عن العامة، يتوهمون أنّ الروايات عنها صلوات الله عليها لا تبلغ العشرة؟ فمن المقصِّر؟ رغم أنّ الأمر سهل جداً، خاصة في هذا العصر، حيث لم تُبقِ وسائل التواصل الاجتماعي، والحاسوب، والذكاء الصناعي ونحوها، لذي عذر عذراً!

طباعة كتاب مبتكر عن الغدير بمليون نسخة!

الشاهد الثاني: أنَّه كان من المفترض أن نطبع من (الخطبة الفدكية) عشرات الملايين من النسخ، لِمَا تتوفر عليه من معارف في علم الكلام، والتفسير، والفقه، والتاريخ، والسياسة، والاجتماع، ولكونها وثيقة من أهم الوثائق التاريخية، التي تكشف عن جوانب مخفية عمداً أو غفلةً، عن صفحات من تاريخ ما قبل وبعد شهادة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولكن هل فعلنا ذلك؟ والعجيب أنّك تجد أكثر بيوت الشيعة خالية من هذه الخطبة وسائر كلماتها… أفهل توجد ظلامة أكبر من ذلك؟

مع أنّ طبع الخطبة، وهي عدة صفحات[3]، في عشرة ملايين نسخة أمر بسيط يقدر عليه تاجر واحد متوسط الوزن، فكيف وللشيعة ألوف التجار، بل وعشرات الألوف وأكثر بين عادي ومتوسط وعملاق (بين مليونير وملياردير)… بل إن مجموعة من الشباب، لو جعلوا همّهم ذلك، لأمكنهم بمتابعة تبرعات الغيارى والطيبين أن يطبعوه بعشرات الملايين من النسخ، ولكن، وكما سبق، الخذلان لا يزال مستمراً، وإلى الله المشتكى!

وممّا يوضّح سهولة الأمر وكونه عملياً، القضية التالية، فإنّ جماعةً من الشباب المؤمن المتحمّس فكّروا في طباعة مليون كتاب عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحيث إنّ هذا العدد الكبير بما يتطلّبه من أموالٍ ضخمةٍ بالنسبة إلى جماعة من الشباب لا يمتلكون إلا دخلاً متواضعاً، كان كبيراً جداً[4]، لذا توصّلوا إلى فكرةٍ مبتكرة، وهي أن يتكوّن الكتاب من (8) صفحات فقط (بدل 500 صفحة مثلاً)، فبذلك تنخفض التكاليف إلى أقلّ من اثنين بالمائة، ولكن بشرط أن يكون الكتاب مؤثّراً جداً وبشكلٍ نادر، كي يعوّضوا بالتأثير الكبير والفكرة المبتكرة عن حجم الكتابة...

وهكذا هداهم التفكير خارج الصندوق إلى أن يكون المخاطَب هم الأطفال، وأن يكون المحور هو الغدير، وأن يحاولوا غرس ضرورة نصب الرسول (صلّى الله عليه وآله) لخليفته، في أذهان الأطفال، حتى يكون ذلك لديهم بديهياً واضحاً لا يقبل الشكّ، وليُغنيهم عن عشراتٍ من الاستدلالات، وكي لا يمكن لأحدٍ أن يغيّر قناعتهم حتى لو احتجّ بعشرات الحجج.

فكتبوا الكتاب بهذه الطريقة:

الصفحة الأولى: صورة حافلة (باص) فيها أربعون طفلاً يذهب بهم السائق إلى المدرسة، وإلى جواره جلس مساعده، والقصة تقول بإيجازٍ مؤثّر: أنّ تلفون السائق رنّ، ولمـّا أجاب واستمع، انخطف لونه، إذ أخبره الطرف الآخر بأنّ والدته تعرّضت لحادث اصطدامٍ، وأنّها الآن في المشفى في حالةٍ خطرة، وأنّ حضوره فوراً ضروريّ، فأوقف السائق الحافلة فوراً على جانب الطريق، وقال لمساعده أن يقودها بدلاً عنه (ولم تعلّق القصة على هذه القضية...).

الصفحة الثانية: صورة إمام جماعةٍ حضر إلى المسجد، ولكنه عندما أراد أن يُصلّي ابتُلي بمغصٍ شديدٍ، فاعتذر للحضور، لكنه عيّن رجلاً من الصالحين ليُصلّي بهم الجماعة بدلاً عنه.

الصفحة الثالثة: صورة أبٍ له عشرة أطفال، لكنه اضطرّ إلى سفرةٍ تطول شهراً، فأوصى أمّهم بأن ترعى الأطفال في غيابه، وأعطاها مبلغاً من المال...

وهكذا إلى الصفحة الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة، كلّ صفحةٍ تحمل قصةً من واقع الحياة وممّا يُدركه ويستشعره كلّ شخصٍ بالفطرة والوجدان.

ثمّ يصل إلى الصفحة الثامنة، حيث رُسِمت لوحةٌ تعكس صورةً نورانيةً للرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في يوم الغدير وهو ينصب الإمام عليّاً (عليه السلام).

وهنا يختم الكتاب بالتعليق البليغ التالي: ألم تجدوا قائد الحافلة نصب خليفةً؟! وكذا إمام الجماعة؟! وكذا الأب؟! وكذا مدير المدرسة عندما يمرض؟! إلخ... إذ لم يكن من المعقول أن يتركهم دون خليفة. أيُعقل أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ترك أمّته كلّها من دون خليفة؟! هل يُعقل أنّ أيّ إنسان سويّ لا يمكنه أن يترك أربعين طفلاً أو عائلةً صغيرةً دون خليفةٍ عليهم، رغم أنّ ما ينجم عن عدم الاستخلاف هو ضررٌ قليلٌ عادة، وفي المقابل يترك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أمّته كلّها، وهي بمآت الألوف في زمانه، ثمّ بالملايين ومآت الملايين في الأزمنة اللاحقة، وهو الدِّين الخاتم، دون خليفةٍ عليهم؟!

هل يُعقل أن يترك جهوده وجهاده ودماء الشهداء كحمزة وجعفر الطيّار وغيرهما تضيع بإهمال نصب الخليفة؟!

فإن قيل إنّه اعتمد على عقل الأمّة؟! قلنا: أيّ عقلٍ هذا الذي اختلفوا فيه إلى حدّ سب بعضهم بعضاً وتكفير بعضهم بعضاً وقتل بعضهم بعضاً؟! حتى لقد شنّ بعضهم حروباً ساحقةً على بعضهم الآخر من حروب الردّة إلى حرب صفّين والجمل والنهروان، وإلى غير ذلك، والذي نجم كلّه عن رفضهم الخليفة الذي عيّنه الرسول (صلّى الله عليه وآله) يوم الإنذار، وفي خيبر، وغدير خمّ (أو حسب دعواهم من إهماله – والعياذ بالله – نصب الخليفة)؟!

الفصل الثاني: الاستبداد الديني اسوأ أنواع الاستبداد، لماذا؟

إنّ الاستبداد الديني لَهُوَ أسوأ أنواع الاستبداد، ذلك أنّ المستبدّ تمركزت في يديه السلطات بشكلٍ مكثّفٍ مضاعفٍ، إذ أنّ له القدرة الظاهرية (شرطةٌ، وعسكرٌ، ومخابراتٌ، وسجونٌ، وتعذيبٌ... إلخ) وله أيضاً سلطةٌ شرعيةٌ وقدسيّةٌ وما ورائيه، فهو يقتلك أو يسجنك أو يصادر أموالك ويسحق حقوقك باسم الدين؛ كل ذلك تحت لافتة تهمة معلبة جاهزة وهي أنك فاسقٌ أو مرتدّ، كما تبثّه أبواقه ومرتزقته وعلماء البلاط!

ويكبّرون بأن قُتلت وإنما --- قتلوا بك التكبير والتهليلا

والحاصل: أنّه يتسلّح بسلاح الدين لقمع المعارضين، وإسكات صوت كلّ ناهٍ له عن المنكر أو آمرٍ له بالمعروف، بل إنه يرتدي رداء العظمة الإلهية ليمرّر أغراضه الشخصية ويكرّس سلطته الاستبدادية.

ولذلك نجد الكثير من المستبدين يتسلّحون بالألقاب الدينية كـ(خليفة المسلمين)، (خليفة رسول ربّ العالمين)، و(ولي أمر الدين)، أو بأسماءٍ وألقاب مثل (القائم بأمر الله)، فإذا كان هو القائم بأمر الله، فكلّ معارضٍ له كافرٌ أو مرتدّ، لأنه عارض الله تعالى! أو مثل (المتّقي لله)، ومن يجرؤ على معارضة المتّقي لله إلا إذا كان عدوّ الله؟! أو مثل (المستعصم بالله)، فإذا كان هو المستعصم بالله، فكلّ من ينتقده فهو مستعصمٌ بالشيطان!

وهكذا تَضُخّ هذه العناوين في رَوْع الناس البسطاء، القدسيةَ والعصمة والإلهية!، ثمّ إنّ الأبواق تؤكّد ذلك، وتضع الأحاديث في وجوب إطاعة أولي الأمر مهما كانوا ومهما فعلوا...

الألقاب اللاهوتية للخلفاء كطريق للهيمنة وإلغاء الآخر

ومن الطريف والمؤلم أن ننظر مثلاً إلى قائمة أسماء الخلفاء العباسيين، حيث إنّه بعد السبعة الأوائل (من عبد الله السفّاح وإلى عبد الله المأمون)، الذين كانت لهم أسماء أو ألقاب ليست تكون بتلك القوة والدلالة، اختار من بعدهم عناوين ما ورائيه إلهيةً شديدة الإيحاء، وأولهم المعتصم بالله وآخرهم المستعصم بالله.

وهذه قائمةٌ بأسمائهم جميعاً، وهم (37) الذين امتدّت حكومتهم من عام (132هـ) إلى عام (656هـ).

{img_1}

مأساة الوزير – الخطاط الشهير ابن مقلة مع الخليفة!

ولكي نعرف حال هؤلاء الحاكمين بأمر الله فلنتوقف عند تعامل بعضهم، الراضي بالله، مع أشهر نابغة ظهر في عصرهم في الخط العربي وفي هندسته وهو ابن مقلة الشيرازي، وهذه صفحات من حياته نقتبسها مما جمعه بعض الباحثين بتصرف:

الإمام المهندس ابن مقلة، أبو علي محمد بن علي بن الحسين بن مقلة الشيرازي، وُلِد عام (272هـ=886م)، وتُوفِّي بها (328هـ=939م)، من أشهر خطَّاطي العصر العباسي وأول من وضع أسساً مكتوبة للخط العربي، ويُعتقد أنه مخترع خط الثلث ورائد ومؤسس قاعدتي خطي الثلث والنسخ، وإليه تُعزى نظرية الخط المنسوب.

وهو الذي تولى الوزارة ثلاث مرات وعزل ثلاث مرات ودفن ثلاث مرات!! ونفي وصودرت أمواله، وقطعت يده ولسانه في آخر عمره، بعد أن خط القرآن الكريم مرتين!!

انّ ابن مقلة أبدع في هندسة حروفها، وقدر مقاييسها، وكان خطّه يُضرب به المثل في عهده، فصار شيخ الخطَّاطين ومهندس صناعتهم.

وأورد أبو حيّان التوحيدي في رسالته “علم الكتابة” ما قاله ابن الزنجي: “أصلح الخطوط وأجمعها لأكثر الشروط ما عليه أصحابنا في العراق. فقيل له ما تقول في خط ابن مقلة؟ قال: ذاك نبيّ فيه، أُفْرِغَ الخطُّ في يده كما أُوحِي إلى النحل في تسديس بيوته”!!.

واستطاع هو وأخوه أبو عبد الله أن ينقلاه نقلة فنية نوعية ـ لم تتفق المصادر التاريخية حول دور كل منهما فيها ـ إذ ألّفا من الأقلام التي بلغت أربعة وعشرين، ستة أنواع هي الثلث والريحان والتوقيع والمحقق والبديع والرقاع، وهندس هو ـ أو أخوه ـ مقاييسها وأبعادها معتمدًا على العلاقة بين النقطة والدائرة، فجعل الألف قطرًا لهذه الدائرة ونسب إليها الحروف جميعا، ووضع معايير لضبط الخط والوصول به إلى صيغ جمالية محكمة مما شكل النقلة الأولى في الخط المنسوب، والتي ظلت أساسا بُنيت عليه كل التطورات اللاحقة.

كما أنه وضع قواعد دقيقة في ابتداءات الحروف وانتهاءاتها، وفي علل المدّات، وأنواع الأحبار، وفي أصناف بري القلم.

يقول إدوارد روبرتسن: إن ابن مقلة قد اخترع طريقة جديدة للقياس عن طريق النقط، وجعل الريشة وحدةً للقياس، فقد جعل من حرف الألف الكوفي مستقيماً بعد أن كان منحنياً من الرأس نحو اليمين كالصنارة، وقد اتخذه مرجعاً لقياساته، وخطا ابن مقلة خطوة أخرى، إذ هذّب الحروف، وأخذ الخط الكوفي كقاعدة، وأخرج من هذه الحروف اشكالاً هندسية، وبذلك أمكنه قياس هذه الحروف.

وابن مقلة هو الذي انتشر عنه الخط في مشارق الأرض ومغاربها، وذاع صيته في الدنيا، وبلغ به درجة عالية في نفوس الناس حتى وصفوه بأنه أجمل خطوط الدنيا.

قال عنه ياقوت الحموي: كان الوزير أوحد الدنيا في كتبه قلم الرقاع والتوقيعات، لا ينازعه في ذلك منازع، ولا يسمو إلى مساماته ذو فضل بارع.

وقال الثعالبي: خط ابن مقلة يُضرب مثلاً في الحسن، لأنه أحسن خطوط الدنيا، وما رأى الراؤون بل ما روى الراوون مثله!.

وَقيل إنه كتب كتاب هدنة بَين الْمُسلمين وَالروم فوضعوه في كَنِيسَة قسطنطينية وَكَانُوا يبرزونه في الأعياد ويجعلونه من جملَة تزايينهم في أخص بيُوت الْعِبَادَات ويعجب النَّاس من حسنه.

أقول: وبعد أن عرفنا جوانب من شخصيته فلنستعرض جوانب من محنته في مواجهة استبداد الخلفاء العباسيين:

1- تقلد الوزارة في عهد الخليفة العباسي (المقتدر بالله) سنة 316 للهجرة، إلى سنة 318 للهجرة، ثم إنّه بعد ذلك نفي إلى بلاد فارس بعد أن صودرت أمواله بأجمعها!.

2- ولما آلت الخلافة إلى (القاهر بالله) أرسل إليه يستدعيه واتخذه وزيراً سنة 320 للهجرة، ولم يزل وزيراً للخليفة القاهر إلى أن اتهم بمعاضدة علي بن بليق الذي خرج على الخليفة، فبلغ الخبر ابن مقلة أن الخليفة يريده فاختفى واستتر سنة 321 هجرية.

وبقي ابن مقلة متخفياً عن الخليفة، وكان يظهر بزي رجل أعجمي او بزي رجل مكدي او بزي رجل فقير ناسك، وأحياناً بزي امرأة.

3- إلا أن أكبر محنته بدأت زمن خلافة (الراضي بالله) 322 هجرية، إذ استوزره الخليفة الراضي فعاش ابن مقلة في هذه المرحلة حياة مترفة واستراحت نفسه عندما نال ابنه الوزارة. لكن حسّاده لم يتركوه والنعيم الذي اطمأن إليه، فكان يطارده سوء الحظ في كل وقت حيث ساق إليه سوء طالعه الوزير المظفر بن ياقوت الذي كان له تأثير كبير على الخليفة، فملأ صدره ضد ابن مقلة واحتال ابن ياقوت في القبض عليه فاتفق مع الغلمان الذين يعملون في دار الخلافة بإلقاء القبض عليه فور دخوله دهليز دار الخلافة، وأفهم الوزير المظفر الغلمانَ أن الخليفة لا يعارض هذا الإجراء وربما سرّه ذلك الأمر.

فلما وصل الوزير ابن مقلة الدهليز المتفق عليه في دار الخلافة، وثب عليه الغلمان وأطبقوا عليه ومعهم ابن ياقوت وأرسلوه إلى الخليفة الراضي وقد عددوا للخليفة ذنوباً وأسباباً تقتضي ذلك الإجراء وروجوا لذنوب لم يقترفها، وقام الوزير ابن ياقوت بالتنكيل بابن مقلة وساعد على ذلك حقد وغضب الخليفة عليه.

وبقي ابن مقلة عرضة للمحن والفتن إلى أن أصدر الخليفة الراضي(!) أمراً بقطع يده اليمنى الأولى سنة 324 للهجرة، وذلك بإيعاز من ابن رائق الذي استولى على مقاليد الحكم وقرن اسمه مع الخليفة في الدعاء على المنابر. وقيل أن يده أُلقيت في دجلة.

إلا أن الخليفة(!) عاد وندم على إصداره ذلك الأمر المجحف بحق ابن مقلة وأمر الأطباء بمعالجته في سجنه، وفي ذلك قال الحسن بن ثابت بن سنان بن قرة الطبيب، وكان يدخل على ابن مقلة لمعالجته: ”كنت إذا دخلت عليه في تلك الحال يسألني عن أحوال ولده أبي الحسين فأعرّفه أحواله فتطيب نفسه ثم ينوح على يده ويبكي” ويقول: ”قد خدمت بها الخلافة ثلاث دفعات لثلاثة من الخلفاء، وكتبت بها القرآن الكريم دفعتين، تقطع كما تقطع أيدي اللصوص“(!!).

فأسلّيه وأقول له: ”هذا انتهاء المكروه وخاتمة القطوع” فينشدني ويقول:

إذا ما مات بعضك فابك بعضاً --- فإن البعض من بعض قريب

ثم ندم الخليفة الراضي(!) على قراره المجحف، فأرسل إليه من يخلي سبيله وأكرمه ورشحه للوزارة من جديد قائلاً: ”إن قطع اليد ليس مما يمنع من الوزارة”. وكان ابن مقلة يشد القلم إلى ساعده ويكتب به، وأخذ يمرن يده اليسرى حتى أجاد.

(ولكن الخلافة كانت بالمزاجيات – يديرها مستبد يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فلنقرأ):

ثم بعد ذلك تعرض ابن مقلة لمحن شديدة قاسية وبشعة لا يحتملها عقل، عندما أمر الخليفة الراضي بالله بقطع لسانه (بعد أن كان قطع يده) وبحبسه أيضاً ولم يكن له من يخدمه، فكان يستقي الماء لنفسه من البئر فيجذب بيده اليسرى جذبة وبفمه جذبة الأخرى!!

واستمر ذلك العذاب حتى توفي ودُفن في سجنه ثم نبُش قبره وأخرج فدفن في بيت ابنه، ثم نبش مرة أخرى وأخرج فدفن في بيت زوجته[5].

ومن أشعاره:

ما سئمت الحيـاة لكن توثقت --- بأيمـانهم فبـانت يميني

ولقد حُطتُ ما استطعت بجهدي --- حفظ أرواحهم فما حفظوني

ليس بعد اليمـين لذة عيـشٍ --- يا حيـاتي بانت يميـني فبيني

الفصل الثالث: كيف واجهت الزهراء الانقلاب على وصي رسول الله؟

كيف واجهت الزهراء (عليها السلام) المنقلبين على الأعقاب، وكيف قادت انقلاباً استراتيجيّاً ناعماً مدويّاً في أعماق التاريخ، وعلى امتداد مجاهيل المستقبل؟

والجواب بإيجاز واختصار:

المقاطعة الشاملة

أولاً: عبر المقاطعة، إذ قاطعت القوم الظلمة إلى درجة أنها لم تكلّم الشيخين أبداً حتى استشهدت! وقد اقرّ بمقاطعتها للشيخين علماء الخاصة وصحاحهم أيضاً:

ففي صحيح البخاري: حدَّثنا يحيى بن بُكير، حدَّثنا اللَّيث، عن عقيل، عن ابن شِهاب، عن عروة، عن عائشة:

ثم إنَّ فاطمة (عليها السلام) بنت النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خُمُسِ خيبر.

فقال أبو بكر: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قال: لا نُورَث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آلُ محمدٍ صلى الله عليه (وآله) وسلم في هذا المال، وإني والله لا أغيّر شيئًا من صدقة رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم، ولأعملنَّ فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم.

فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة (عليها السلام) منها شيئًا، فوجدت[6] فاطمة (عليها السلام) على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلّمه حتى توفّيت، وعاشت بعد النبيِّ صلى الله عليه (وآله) وسلم ستة أشهر.

فلما توفّيت، دفنها زوجها عليٌّ ليلًا، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلّى عليها، وكان لعلي من الناس وجهٌ حياةَ فاطمة (عليها السلام). فلما تُوفِّيت استنكر عليٌّ وجوهَ الناس... انتهى!)[7].

وذكر ابن قتيبة الدِّينوري المتوفى سنة ٢٨١هـ، في كتابه الإمامة والسياسة:

فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة عليها السّلام، فإنّا قد أغضبناها. فانطلقا جميعًا فاستأذنا على فاطمةَ عليها السّلام، فلم تأذن لهما، فأتيا عليًّا فكلّماه، فأدخلهما عليها، فلمّا قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط، فسلّما عليها فلم تردّ عليهما السّلام.

فتكلّم أبو بكر فقال: يا حبيبة رسول الله! والله إنّ قرابة رسول الله أحبّ إليّ من قرابتي، وإنّك لأحبّ إليّ من عائشة ابنتي، ولوددتُ يوم مات أبوك أنّي متُّ ولا أَبقى بعده! أفتراني أعرِفك وأعرِف فضلك وشرفك، وأمنعُكِ حقَّكِ وميراثَكِ من رسولِ الله، إلا أنّي سمعتُ أباكِ رسولَ الله ﷺ يقول: لا نورث ما تركنا فهو صدقة.

فقالت: أرأيتُكما إن حدّثتكما حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه (وآله) تعرفانه وتفعلان به؟

قالا: نعم.

فقالت: نشدتكما الله! ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمةَ عليها السّلام من رضاي، وسخطُ فاطمةَ عليها السّلام من سخطي، فمن أحبَّ فاطمة عليها السّلام ابنتي فقد أحبَّني، ومن أرضى فاطمة عليها السّلام فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمةَ عليها السّلام فقد أسخَطني؟

قالا: نعم، سمعناه من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم.

قالت: فإنّي أُشهِدُ اللهَ وملائكتَه أنّكما أسخطتُمَاني وما أرضيتماني، ولَئِن لقيتُ النبيَّ لَأشكونَّكما إليه.

فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة عليها السّلام.

ثمّ انتحب أبو بكرٍ يبكي حتّى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: واللهِ لأَدعونَّ اللهَ عليك في كلّ صلاةٍ أُصلّيها.

ثمّ خرج باكيًا، فاجتمع إليه الناس فقال لهم: يبيتُ كلُّ رجلٍ منكم معانقًا حليلته، مسرورًا بأهله، وترَكتموني وما أنا فيه! لا حاجةَ لي في بيعتِكم، أَقِيلوني بيعتي...!!)[8].

الجهر بالحق والإعلان بالمعارضة والدفاع عن المظلوم

ثانياً: الجهر بالحق، والإعلان بالمعارضة على أعظم منصة إعلامية ذلك اليوم، وهي مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفي حضور جميع كبار القوم من أنصار ومهاجرين، ومن معارضين وموالين، إضافة إلى إعلانها ذلك كله وغيره عندما حضرنها نساء المهاجرين والأنصار، ويكفينا الخبر الآتي:

وقال سويد بن غفلة[9]: (لَمَّا مَرِضَتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) الْمَرْضَةَ الَّتِي تُوُفِّيَتْ فِيهَا[10]، دَخَلَتْ عَلَيْهَا نِسَاءُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ يَعُدْنَهَا،

فَقُلْنَ لَهَا: كَيْفَ أَصْبَحْتِ مِنْ عِلَّتِكِ يَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟

فَحَمِدَتِ اللَّهَ، وَصَلَّتْ عَلَى أَبِيهَا، ثُمَّ قَالَتْ: أَصْبَحْتُ وَاللَّهِ عَائِفَةً لِدُنْيَاكُنَّ، قَالِيَةً لِرِجَالِكُنَّ، لَفَظْتُهُمْ بَعْدَ أَنْ عَجَمْتُهُمْ[11]، وَسَئِمْتُهُمْ بَعْدَ أَنْ سَبَرْتُهُمْ[12]، فَقُبْحاً لِفُلُولِ الْحَدِّ، وَاللَّعِبِ بَعْدَ الْجِدِّ، وَقَرْعِ الصَّفَاةِ، وَصَدْعِ الْقَنَاةِ، وَخَتْلِ الْآرَاءِ[13]، وَزَلَلِ الْأَهْوَاءِ، وَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ.

لَا جَرَمَ، لَقَدْ قَلَّدْتُهْم رِبْقَتَهَا، وَحَمَّلْتُهُمْ أَوْقَتَهَا[14]، وَشَنَنْتُ عَلَيْهِمْ غَارَاتِهَا[15]، فَجَدْعاً وَعَقْراً وَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

وَيْحَهُمْ، أَنَّى زَعْزَعُوهَا عَنْ رَوَاسِي الرِّسَالَةِ، وَقَوَاعِدِ النُّبُوَّةِ وَالدَّلَالَةِ وَمَهْبِطِ الرُّوحِ الْأَمِينِ، وَالطَّبِينِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا[16] وَالدِّينِ، أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ.

وَمَا الَّذِي نَقَمُوا مِنْ أَبِي الْحَسَنِ (عليه السلام)؟ نَقَمُوا وَاللَّهِ مِنْهُ نَكِيرَ سَيْفِهِ، وَقِلَّةَ مُبَالاتِهِ لِحَتْفِهِ، وَشِدَّةَ وَطْأَتِهِ، وَنَكَالَ[17] وَقْعَتِهِ، وَتَنَمُّرَهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ[18]، وَتَاللَّهِ لَوْ مَالُوا عَنِ الْمَحَجَّةِ اللَّائِحَةِ، وَزَالُوا عَنْ قَبُولِ الْحُجَّةِ الْوَاضِحَةِ، لَرَدَّهُمْ‏ إِلَيْهَا، وَحَمَلَهُمْ عَلَيْهَا، وَلَسَارَ بِهِمْ سَيْراً سُجُحاً[19]، - لَا يَكْلُمُ حشاشه[20] [خِشَاشُهُ‏]، وَلَا يَكِلُّ سَائِرُهُ[21]، وَلَا يَمَلُّ رَاكِبُهُ، وَلَأَوْرَدَهُمْ مَنْهَلًا نَمِيراً صَافِياً رَوِيّاً، تَطْفَحُ ضَفَّتَاهُ، وَلَا يَتَرَنَّقُ جَانِبَاهُ، وَلَأَصْدَرَهُمْ بِطَاناً، وَنَصَحَ لَهُمْ سِرّاً وَإِعْلَاناً.

وَلَمْ يَكُنْ يَتَحَلَّى مِنَ الدُّنْيَا بِطَائِلٍ، وَلَا يَحْظَى مِنْهَا بِنَائِلٍ، غَيْرَ رَيِّ النَّاهِلِ، وَشُبْعَةِ الْكَافِلِ، وَلَبَانَ لَهُمُ الزَّاهِدُ مِنَ الرَّاغِبِ، وَالصَّادِقُ مِنَ الْكَاذِبِ، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ، وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ، سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا، وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ.

أَلَا، هَلُمَّ فَاسْمَعْ، وَمَا عِشْتَ أَرَاكَ الدَّهْرَ عَجَباً - وَإِنْ تَعْجَبْ، فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ: لَيْتَ شِعْرِي، إِلَى أَيِّ سِنَادٍ اسْتَنَدُوا؟ وَإِلَى أَيِّ عِمَادٍ اعْتَمَدُوا؟ وَبِأَيَّةِ عُرْوَةٍ تَمَسَّكُوا؟ وَعَلَى أَيَّةِ ذُرِّيَّةٍ أَقْدَمُوا وَاحْتَنَكُوا[22]؟ لَبِئْسَ الْمَوْلى‏، وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ، وَبِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا اسْتَبْدَلُوا وَاللَّهِ الذَّنَابَى بِالْقَوَادِمِ[23]، وَالْعَجُزَ بِالْكَاهِلِ[24]، فَرَغْماً لِمَعَاطِسِ[25] قَوْمٍ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً... أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ، وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ-

ثالثاً: الإنذار الشديد والتهديد الأكيد بالعقوبة العظمى على الظلم والاستبداد والعدوان والبغي، ويكفي أن نقرأ تتمة خطبتها السابقة إذ أكملت مسترسلةً:

وَيْحَهُمْ، أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ، أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى‏؟ فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟ أَمَا لَعَمْرِي، لَقَدْ لَقِحَتْ، فَنَظِرَةٌ رَيْثَمَا تُنْتَجُ، ثُمَّ احْتَلَبُوا مِلْ‏ءَ الْقَعْبِ دَماً عَبِيطاً[26]، وَذُعَافاً مُبِيداً، هُنَالِكَ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ، وَيُعْرَفُ الْبَاطِلُونَ غِبَّ[27] مَا أُسِّسَ الْأَوَّلُونَ.

ثُمَّ طِيبُوا عَنْ دُنْيَاكُمْ أَنْفُساً، وَاطْمَأَنُّوا لِلْفِتْنَةِ جَاشاً، وَأَبْشِرُوا بِسَيْفٍ صَارِمٍ، وَسَطْوَةِ مُعْتَدٍ غَاشِمٍ، وَبِهَرْجٍ شَامِلٍ، وَاسْتِبْدَادٍ مِنَ الظَّالِمِينَ، يَدَعُ فَيْئَكُمْ زَهِيداً، وَجَمْعَكُمْ حَصِيداً، فَيَا حَسْرَتَى لَكُمْ، وَأَنَّى بِكُمْ، وَقَدْ عَمِيَتْ عَلَيْكُمْ؟ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ؟

قَالَ سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ: فَأَعَادَتِ النِّسَاءُ قَوْلَهَا (عليها السلام) عَلَى رِجَالِهِنَّ، فَجَاءَ إِلَيْهَا قَوْمٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مُعْتَذِرِينَ، وَقَالُوا: يَا سَيِّدَةَ النِّسَاءِ، لَوْ كَانَ أَبُو الْحَسَنِ ذَكَرَ لَنَا هَذَا الْأَمْرَ قَبْلَ أَنْ يُبْرَمَ الْعَهْدُ، وَيُحْكَمَ الْعَقْدُ، لَمَا عَدَلْنَا عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ.

فَقَالَتْ (عليها السلام): إِلَيْكُمْ عَنِّي، فَلَا عُذْرَ بَعْدَ تَعْذِيرِكُمْ، وَلَا أَمْرَ بَعْدَ تَقْصِيرِكُمْ‏)[28].

وقد ندم القوم على بعض أفعالهم أشد الندم، (ولكن لماذا لم يقوموا بأية خطوة عملية)؟ فقد صرّح أبو بكر قبيل وفاته: (إني لا آسي على شيء من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن، ووددت أني تركتهن، وثلاث تركتهن ووددت أني فعلتهن، وثلاث وددت أني سألت عنهن رسول الله (صلى الله عليه وآله). فأما الثلاث اللاتي وددت أني تركتهن، فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء، وإن كانوا قد غلقوا على الحرب...)[29].

استخدام لغة الشعائر والتجسيدات الرمزية

رابعاً: استخدام الشعائر والتجسيدات الرمزية.. فالبكاء شعيرة وهو تجسيد ظاهر للحزن العميق والألم الكبير.. وبيت الأحزان.. وشجرة الأراك... وغيرها شعائر تبقى منابر إعلامية مُبهِرةً ورمزاً لتلك الظلامات العظمى على امتداد التاريخ.

وهذه إشارة إلى خبر الأراكه:

وقد روي عن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (سمعت أبي يقول: إنّ فاطمة (عليها السلام) كانت تأتي قبور الشُهداء فتبكي، ثمّ تأتي قبور البقيع بين اليوم واليومين، فكانت إذا وهجها الشّمس تفيّأت بظل أراكة هُناك، فبلغ الرّجلين ذلك فبعثا فقطعا الإراكة)[30].

وهذه إشارة إلى شعيرة البكاء الذي يهز عروش الظالمين:

فقد اجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقالوا له: يا أبا الحسن إنّ فاطمة تبكي الليل والنهار فلا أحد منّا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا، وإنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً.

فقال (عليه السلام): حباً وكرامة.

فلما رأته سكنت هنيئة له، فقال لها: يا بنت رسول الله إن شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إمّا أن تبكين أباك ليلاً وإمّا نهاراً.

فقالت (عليها السلام): يا أبا الحسن ما أقل مكثي بينهم وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فو الله لا أسكت ليلاً ولا نهاراً أو ألحق بأبي رسول الله.

فقال لها علي (عليه السلام): إفعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك.

ثم إنّه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان، وكانت إذا أصبحت قدّمت الحسن والحسين أمامها وخرجت إلى البقيع باكية، فلا تزال بين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين إليها وساقها بين يديه إلى منزلها)[31].

إنّ فلسفة الشعائر التي أمرّ الله تعالى بتعظيمها في قوله جل اسمه (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[32] هي هذه؛ ذلك أنّ المعاني المجرّدة لا تحرّك في العادة، الأنفس البشرية.. فإنّ النفس البشرية مجبولة على التأثر والانفعال عند المشاهد المجسّدة: المآذن، القباب، الأضرحة، الكعبة والصفا والمروة، والجمرات، و... فمع أنّ الله تعالى في كل مكان (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ)[33] إلا أنّه أمر بالطواف حول الكعبة كمشهد مجسّد لتعظيمه وعبادته، ومع أنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم إلا أنّه سبحانه أمر برجمه في الجمار الثلاث وهكذا..

وقد استخدم الإمام أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء (عليهما السلام) لغة الشعائر المتجسّدة في مظاهر ملموسة محسوسة: مرئيّة، أو ملموسة، أو غيرهما، أو ما يتجسّد لدى القوّة المتخيّلة: بكاء، إخفاء القبر،... وغير ذلك، على أوسع نطاق.

ثم إنّ كلّ من يضطلع بمعارضة سلاطين الجور، عليه أن يتسلّح أيضاً بأشكال رمزيّة، وقد ينبغي أن يتناغم بعضها مع لغة العصر، مع رعاية الضوابط، وهذا ما قد يأتي بحثه لاحقاً إذا شاء الله تعالى.

كيف قرأ الإمام علي (عليه السلام) مصيبة الزهراء (عليها السلام)؟

ولنختم بالرثاء والقراءة التي قرأها سيّد الأوصياء، وباب مدينة علم الرسول، وبطل الأبطال، على فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فإنّه أبلغ من رثاء جميع الخطباء! كيف وهو صاحب المصيبة العظمى، وهو المكلوم فؤاده، المضروبة زوجته، والمأمور بالصبر الذي هو أمرّ من العلقم، وهو الذي يمكنه الانتقام، ولكنّه لم يفعل، إذ (قيّدته وصيّة من أخيه صلى الله عليه وآله).

عن أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: (لَمَّا قُبِضَتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) دَفَنَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سِرّاً، وَعَفَا عَلَى مَوْضِعِ قَبْرِهَا، ثُمَّ قَامَ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنِّي، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ عَنِ ابْنَتِكَ وَزَائِرَتِكَ، وَالْبَائِتَةِ فِي الثَّرَى بِبُقْعَتِكَ، وَالْمُخْتَارِ اللَّهُ لَهَا سُرْعَةَ اللَّحَاقِ بِكَ.

قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي، وَعَفَا عَنْ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ تَجَلُّدِي، إِلَّا أَنَّ لِي فِي التَّأَسِّي بِسُنَّتِكَ فِي فُرْقَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ، فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ، وَفَاضَتْ نَفْسُكَ بَيْنَ نَحْرِي وَصَدْرِي، بَلَى، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ لِي أَنْعَمُ الْقَبُولِ - إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.

قَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ، وَأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ، وَأُخْلِسَتِ الزَّهْرَاءُ، فَمَا أَقْبَحَ الْخَضْرَاءَ وَالْغَبْرَاءَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ، وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ، وَهَمٌّ لَا يَبْرَحُ مِنْ قَلْبِي، أَوْ يَخْتَارَ اللَّهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا مُقِيمٌ، كَمَدٌ مُقَيِّحٌ، وَهَمٌّ مُهَيِّجٌ[34]، سَرْعَانَ مَا فَرَّقَ بَيْنَنَا، وَإِلَى اللَّهِ أَشْكُو.

وَسَتُنْبِئُكَ ابْنَتُكَ بِتَظَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ[35]، وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ، فَكَمْ مِنْ غَلِيلٍ مُعْتَلِجٍ بِصَدْرِهَا لَمْ تَجِدْ إِلَى بَثِّهِ سَبِيلًا، وَسَتَقُولُ وَيَحْكُمُ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ* سَلَامَ مُوَدِّعٍ لَا قَالٍ وَلَا سَئِمٍ، فَإِنْ أَنْصَرِفْ فَلَا عَنْ مَلَالَةٍ، وَإِنْ أُقِمْ فَلَا عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الصَّابِرِينَ.

وَاهَ وَاهاً وَالصَّبْرُ أَيْمَنُ وَأَجْمَلُ، وَلَوْ لَا غَلَبَةُ الْمُسْتَوْلِينَ، لَجَعَلْتُ الْمُقَامَ وَاللَّبْثَ لِزَاماً مَعْكُوفاً، وَلَأَعْوَلْتُ إِعْوَالَ الثَّكْلَى عَلَى جَلِيلِ الرَّزِيَّةِ.

فَبِعَيْنِ اللَّهِ تُدْفَنُ ابْنَتُكَ سِرّاً، وَتُهْضَمُ حَقَّهَا، وَتُمْنَعُ إِرْثَهَا، وَلَمْ يَتَبَاعَدِ الْعَهْدُ، وَلَمْ يَخْلَقْ مِنْكَ الذِّكْرُ، وَإِلَى اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمُشْتَكَى، وَفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْسَنُ الْعَزَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَيْهَا السَّلَامُ وَالرِّضْوَانُ)[36].

اللهمَّ عجِّل لوليِّك الأعظمِ الفرج في عافيةٍ منّا، واجعلنا وإياكم من الطالبين بثأر فاطمة الزهراء وأمير المؤمنين وابنها الشهيد بكربلاء، وسائرِ الشهداء مع إمام منصور من أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله).

اللهمَّ ارزقنا خيرَ الدنيا والآخرة، وجنبنا شرَّ الدنيا والآخرة، ونجّنا من أهوال يوم القيامة.

اللهمَّ ارزقنا علمًا نافعًا، وعملًا صالحًا، وقلبًا خاشعًا، ولسانًا ذاكرًا، وبدنًا على البلايا والابتلاءات صابراً.

اللهمَّ أرِنا الحقَّ حقًّا، واجعلنا نتّبعه بيسر وسهولة، وأرنا الباطل باطلاً، واجعلنا نجتنبَه بقوة وعزيمة.

اللهمَّ اجعلنا نُقدّم أكبر خدمةٍ لأهل البيت صلواتُ الله عليهم، واجعل جميع خطواتنا في طريق خدمة أهل البيت صلوات الله عليهم، ولا تفرق بيننا وبينهم طرفةَ عينٍ أبدًا.

اللهمَّ ارزقنا عافيةَ الدين والدنيا والآخرة، وارزقنا في الآخرة خيرَ الجزاء، اللهمَّ ارزقنا ذريةً صالحةً إلى يوم القيامة، وارزقنا الصحة والعافية، والأمن والإيمان والتوفيق والخيرات والبركات.

اللهمَّ احفظ بلادنا وجميع المؤمنين حيثما كانوا في مشارق الأرض ومغاربها، وامنحهم جوامع خيرِ الدارين.

وبذلك خلصنا إلى أنّ مظلوميةَ الزهراء (عليها السلام) لم تكن حدثًا تاريخيًا مضى وانتهى، بل هو حدثٌ متجدِّدٌ مستمرٌّ حتى هذه اللحظة، وأنّ خذلانَنا لها ولرسالتها لا يزال مستمرًّا، وذلك من الأسباب، حسب مقتضى القواعد، التي تدعو لحجب لطف الله تعالى عنّا، وعدم إذنه لوليِّه الأعظم بالظهور المبارك الذي يملأ الأرضَ عدلًا وقسطًا كما مُلِئت ظلمًا وجورًا.

ووصلنا إلى أنّ الاستبدادَ الدينيَّ يشكّل أكبر خطر على البشرية، لأنّه يتسلّح بأسلحة لا قِوام للناس بها، إلا إذا تسلّحوا بوعيٍ عامّ متجذِّر وإرادة قوية مستشهدين بشاهدين هامين من صفحات تاريخ المستبدين.

وانتهينا إلى أنّ السيّدة الزهراء تُعَدّ أكبر أُسوة في كيفية مواجهة الاستبداد الديني، إذ اتّخذت أساليب المقاطعة الشاملة، والجهر بالحقّ، والدفاعَ عن المظلوم علنًا مرارًا وتكرارًا، وفي كلّ مناسبة ممكنة، وفضح الظالمين، وإنذار المتخاذلين والمحتالين والمنتفعين والانتهازيين. مستعرضين بعضَ الشواهد التاريخية على ذلك كلّه.

ولنختم البحث بأعظم مصيبةٍ قرأها أعظمُ معصومٍ بعد الرسول على أعظمِ امرأةٍ عرفها التاريخ.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

* سلسلة محاضرات في تفسير القرآن الكريم

http://m-alshirazi.com

...............................................

[1] سورة الرعد: 11.

[2] سورة آل عمران: 144.

[3] قد لا تبلغ العشرين صفحة.

[4] لنفرض تكلفة كل كتاب دولاراً فالمجموع مليون دولار.

[5] https://islamonline.net

[6] أي سخطت عليه.

[7] البخاري في صحيحه، دار ابن كثير – دار اليمامة ـ دمشق: ج4 ص1549، ح3998.

[8] ابن قتيبة الدينوري، الإمامة والسياسة، تحقيق الشيري: ج1 ص31.

[9] قال العلامة في الخلاصة: سويد بن غفلة الجعفي قال البرقي: إنّه من أولياء أمير المؤمنين عليه السلام وفي أسد الغابة «أدرك الجاهلية كبيرا وأسلم في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ولم يره وأدى صدقته إلى مصدق النبيّ صلّى اللّه عليه وآله ثمّ قدم المدينة فوصل يوم دفن النبيّ (صلى الله عليه وآله) و كان مولده عام الفيل وسكن الكوفة...» وفي تهذيب التهذيب وثقه ابن معين والعجليّ مات سنة 80 و قيل 81 وقيل 88.

[10] قال ابن أبي الحديد في المجلد الرابع من شرحه على النهج «قال أبو بكر وحدّثنا محمّد بن زكريا قال حدّثنا محمّد بن عبد الرحمن المهلبي عن عبد اللّه بن حماد بن سليمان عن أبيه عن عبد اللّه بن حسن بن حسن عن أمه فاطمة بنت الحسين (ع) قالت: لما اشتد بفاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الوجع و ثقلت و في علتها دخلت عليها... الخ.

[11] لفظتهم: رميت بهم و طرحتهم بعد أن عجمتهم: أي بعد أن اختبرتهم و امتحنتهم.

[12] سئمتهم: مللتهم، و سبرتهم: جرّبتهم و اختبرتهم واحدا واحدا.

[13] ختل الآراء: زيفها و خداعها.

[14] أوقتها: ثقلها.

[15] شننت الغارة عليهم: وجهتها عليهم من كل جهة.

[16] الطبين: الفطن الحاذق العالم بكل شي‏ء.

[17] النكال: ما نكلت به غيرك كائنا ما كان.

[18] تنمر: عبس و غضب.

[19] سجحا: سهلا.

[20] كلمه: جرحه.

[21] يكل: يتعب.

[22] احتنكه: استولى عليه.

[23] الذنابى: ذنب الطائر، وقوادمه: مقادم ريشه.

[24] العجز: مؤخر الشي‏ء، والكاهل: مقدم اعلى الظهر ممّا يلي العنق.

[25] المعطس: لأنف.

[26] القعب: القدح، والدم العبيط: الخالص الطري.

[27] الذعاف: السم الذي يقتل من ساعته، الغب: العاقبة.

[28] الطبرسي، الاحتجاج على أهل اللجاج، نشر المرتضى ـ مشهد المقدسة: ج1 ص108-109

[29] تاريخ الطبري: ج2 ص617.

[30] المنتخب للطريحي: ص39.

[31] بحار الأنوار، ج43، ص177.

[32] سورة الحج: 32.

[33] سورة الحديد: 4.

[34] الكمد بالضم والفتح والتحريك الحزن الشديد والقيح المدة لا يخالطها دم.

[35] الهضم: الظلم والغصب، وإحفاء السؤال: استقصاؤه.

[36] الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج1 ص458-459.

ذات صلة

أزمة البنية التمثيلية في العراقالسيدة فاطمة الزهراء (ع): مظهر العظمة ومنتهى الكمالالهوية في شِراك الأيديولوجياهل الشعب يكره الديمقراطية ويرفضها؟كوميديا سوداء وديمقراطية المصالح