مشاهد تصويرية من واقعة الغدير
آية الله السيد مرتضى الشيرازي
2018-08-28 07:00
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين سيما خليفة الله في الأرضين واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولاحول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(1).
البحث سيدور بإذن الله تعالى في هذا اليوم في محاور ثلاثة:
المحور الأول لمحة عن حقيقة هذه الولاية التي جعلها الله سبحانه وتعالى لرسوله ولأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليهما، وعن احدى خصائصها.
المحور الثاني: مشاهد سريعة من واقعة غدير خم
المحور الثالث: مقتطفات مقتضبة من خطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم الغدير
1- الاحكام الوضعية على نوعين: قابلة للانفكاك ولازمة
المحور الأول: - ويحتاج إلى بعض الدقة -: وهو فيما يخص قوله تعالى: (إنما وليكم الله)
فنقول: ان الأحكام الوضعية على نوعين: هنالك أحكام وضعية أٌوكِل أمر رفضها أو قبولها ووضعها أو رفعها إلينا، وهناك أحكام وضعية لازمة لا تنفك عن الشيء سواءاً قبلنا بها أم رفضناها، أشئنا أم أبينا، ومثال ذلك: الزوجية من جهة والأبوة من جهة ثانية. فان الزوجية حكم وضعي لكن هذا الحكم الوضعي أُنيطت اسبابه بنا فإن أجرى الرجل العقد بشرائطه كانت زوجة له، ثم إن طلَّق بشرائط الطلاق بانت عنه، أما الأبوة فهي حكم لازم بمعنى انه لو ولد له ولد فإنه ولده شاء أم أبى، قبل أم رفض، فهو حكم وضعي لازم ليس بمقدوره أن يغيره ولا بمقدوره أن ينفي عنه ولده، على تفصيل طويل في هذا البحث، وأن الأبوة ـ إضافة إلى ذلك ـ هل هي من الانتزاعيات ؟، وهل هي من الأمور الإضافية الحقيقية من قسم المضاف المشهوري أو غير ذلك؟ كل هذا له بحث يترك إلى مظانه.
ولاية الرسول والأئمة حكم وضعي لازم بل تكويني
نقول: ان ولاية أمير المؤمنين عليه صلوات المصلين هي حكم وضعي لازم(2) لا ينفك، ولم يوكل أمر القبول أو الرفض إلينا، بل (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) شئتم أم أبيتم، قبلتم أم رفضتم، أحببتم أم ابغضوا.
( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) اسبابه ليست بأيدينا، فان مسبِّب الأسباب سبحانه وتعالى هو الذي جعل الولاية لرسوله ثم للأئمة الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
بل نقول: ان الأمر فوق ذلك، اذ ليست ولاية الرسول والأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين حكما وضعيا كالولاية والقضاوة وما أشبه ذلك، بل هي حكم تكويني.
وبتعبير دقيق: ليس الجعل تشريعيا فقط بل هو في رتبة سابقة جعل تكويني، وتفصيل هذا البحث يترك للمستقبل، لكن كإشارة لتوضيح وتصور المعنى فقط: نضرب لذلك مثالا:
ان كون النار محرقة، هو جعل تكويني، بمعنى ان الله تعالى جعل النار محرقة تكوينا. وكذا (الشجرة مثمرة)، فانه بجعل تكويني، كذلك – نرى - بأن الولاية التي أفاضها الله سبحانه وتعالى على رسوله ولاية تكوينية(3) وليست مجرد ولاية تشريعية.
كذلك الولاية الموجودة لأمير المؤمنين.. وصولا إلى الإمام المهدي المنتظر صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هي ولاية تكوينية حقيقية ولست مجرد ولاية اعتبارية أو ولاية تشريعية، ويمكن الاستدلال على ذلك بنفس الآية الشريفة فإنها تضمنت عدة أدلة فيما استظهرناه على هذا المدعى إضافة للروايات الكثيرة إلى ما شاء الله وقد نتحدث عن ذلك في بحث قادم بإذن الله تعالى.
مشاهد من واقعة الغدير
المحور الثاني: وبمناسبة عيد الغدير الأغر يوم غد المبارك، ننقل لكم مشاهد سريعة من وقعة الغدير الأغر.
المشهد الاول: الموكب المهيب
الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في اليوم الخامس عشر من ذي الحجة، أي بعد أداء مناسك الحج بثلاثة أيام انطلق من مكة المكرمة باتجاه المدينة مروراً بمنطقة غدير خم ومعه موكب مهيب يربو على المئة وعشرين ألف إنسان بين راجل وراكبٍ جواداً أو ناقةً أو جملاً أو غير ذلك، وكان الموكب مهيباً جدا، ولنضع أنفسنا الآن في تلك الأجواء الروحانية العظيمة النادرة:
تصوروا: الرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بجلالته ومكانته وعظمته وهو بين ظهرانينا!، أية عظمة هذه! وأي مقام هذا! وأي توفيق كبير عظيم لمن وفق لكي يتشرف بخدمته ثم لم يجحد النعمة!.
أ- الحركة في 15 ذي الحجة والوصول في 18
انطلق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه أمير المؤمنين ومئة وعشرين ألف إنسان على بعض التواريخ، في اليوم الخامس عشر من ذي الحج متجها باتجاه ميقات الجحفة وغدير خم فوصل إلى غدير خم قبيل الظهر من يوم الاثنين الثامن عشر من ذي الحجة.
وغدير خم منطقة تقع في (الجحفة) على قول وعلى مقربة من الجحفة على قول آخر، فان البعض ارتأى بان الجحفة تمتد من أطراف مدينة رابغ الحالية إلى البحر الأحمر، فعليه يكون غدير خم في الجحفة.
ب- 183 كيلومتراً من المسيرة
المهم، ان الرسول ص وصل إلى غدير خم، والذي يبعد على بعض الأقوال 183 كيلومتراً عن مكة وعلى بعض الأقوال 190 كيلومتراً، وغير ذلك ليس بصحيح؛ لأن البعض من أهل العامة ادّعوا بُعده بمقدار 250 كيلومتراً عن مكة(4)، ولكن الجغرافيا تدل على أن الفاصل بين مكة وغدير خم يتراوح بين 183 أو 190 – على الخلاف في تحديد مسافة هذا الغدير -.
وعلى أية حال فان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وصل إلى غدير خم قبيل الظهر، ثم صلى صلاة الظهر بهم جماعة.
المشهد الثاني: إعداد المسرح الرباني
أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأبطال الأربعة المشهورين بالإيمان والبطولة والمقامات السامية: سلمان والمقداد وعمار وأبا ذر، بأن يعدوا المسرح الإلهي التاريخي الخالد، وقد تمّ تحديد منطقة بها شجرتان متقاربتان، فنحَّوا الأحجار وكنسوا الأشواك وكسحوها وشذبوا الأغصان المتدلية ثم نظفوا المكان ورشوه بالماء ثم وضعوا ستارة أو أثواب على الشجرتين كي تظللان المكان، مكان خطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونصبوا أيضا أحجارا عليها أقتاب الإبل بحيث بلغ ارتفاعها قامة إنسان، يعني حوالي 170 سنتيمتراً، وكان هذا هو المسرح الذي أعده أنصار الله سبحانه وتعالى لهذا اليوم التاريخي الخالد.
المشهد الثالث: هندسة موقع الرسول والوصي
نجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرتقي هذا المنبر ومعه أمير المؤمنين ومولى الموحدين عليه صلوات المصلين فيقف الرسول على قمة هذا المنبر ويوقف أمير المؤمنين إلى جواره على يمينه أدون منه بمرقاة، أي درجة، ثم يضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يده على كتف علي (عليه السلام)، وتصوروا ببصائركم هذا المنظر: اجتماع النورين النيِّرين الإلهيين، فأي منظر رائع عظيم هذا!
ثم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدأ بإلقاء الخطبة، الخطبة الغديرية التي لعلها استغرقت ساعة من الزمن أو أكثر أو أقل، إذ كانت خطبة مطولة، نعم جملة واحدة منها اشتهرت لدينا أكثر وهي "مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَوْلاهُ، اللّهُمَّ والِ مَنْ والاهُ وَعادِ مَنْ عاداهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ".
ثم ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واصل إلقاء هذه الخطبة إلى أن وصل إلى مقطع تضمن هذه الجملة التي تلوتها عليكم الآن، فقال لعلي عليه السلام: ادنُ مني. – وهنا لنتصور من جديد هذا الموقف الخالد ثم تصوروا جريمة جحد الأمة لحق أمير المؤمنين عليه الصلاة وأزكى السلام وإنكارهم لواضح البينات والحجج والآيات!.
ثم مد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يديه وأمسك بعضدي (العضد بين المرفق والكتف) علي عليه السلام ورفعه عاليا، فان النبي كان قوياً فخما مفخما كما جاء في صفته. حتى حاذت قدما علي ركبة رسول الله. ثم قال: "مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَوْلاهُ، اللّهُمَّ والِ مَنْ والاهُ وَعادِ مَنْ عاداهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ".
ثم بعد كلمات أخرى قال: "مَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقامَهُ مِنْ وُلْدي مِنْ صُلْبِهِ إلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَالْعَرْضِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأُولئِكَ الَّذينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا والاْخِرَةِ وَفِي النّارِ هُمْ خالِدُونَ".
وبذلك اتم الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الحجة على جميع العباد، في ذلك الزمن وإلى أبد الآباد.
المشهد الرابع: التهنئة العامة
عندما انتهت الخطبة نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتهافت المسلمون من كل حدب وصوب يقولون: (نعم سمعنا وأطعنا لأمر الله ورسوله بأنفسنا وقلوبنا وألسنتنا وأيدينا). وجاءوا لبيعة أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، لكن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكتفِ بهذه التهنئة بل أمر بامرٍ وهو ما سنسمعه في المشهد اللاحق .
المشهد الخامس: البيعة في خيمتين
امر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنصب خيمتين جلس هو – بأبي وأمي - في أحداهما وأجلس عليا – فداه أبي وأمي - في الخيمة الثانية وأمر الناس أن يأتوا زرافات ووحدانا ليبايعوه أولا في الخيمة الاولى ويباركون له ثم بعد ذلك ينتقلون للخيمة الثانية ليبايعوا عليا بإمرة المؤمنين، واستمرت هذه القضية مدة ثلاثة أيام.
والآن تصوروا مرة أخرى: صحراء قاحلة وحر شديد ورياح وبرد في الليل ولكن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حبسهم جميعاً في هذا الموضع كي تتم عليهم الحجة وتكمل البيعة فان الأمر كان أمراً إلهياً، وينبغي أن تسجل هذه الحادثة في ذاكرة التاريخ بما لا يمكن نكرانه أبداً.
وانما استمرت البيعة ثلاثة أيام (مباركةً وبيعةً) للخليفة الشرعي لرسول الله لأن كل واحد واحد منهم كان عليه ان يدخل إلى الخيمة لكي يبايع ويصافق وكانوا وقتئذ 120 ألفاً أو أكثرـ فمن الطبيعي أن يستغرق ذلك فترة زمنية كبيرة.
المشهد السادس: المنادي الجوّال
في هذا البحر المتلاطم من الناس نجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المشهد الآخر يقوم بإتمام الحجة مرة أخرى (ولاحظوا إتمام الحجة من كل الجهات) فقد أمر مناديا بأن يدور في غدير خم بين الخيم وبين الناس ويكرر لُباب وجوهر واقعة الغدير، يكرر هذه الكلمة: "مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَوْلاهُ، اللّهُمَّ والِ مَنْ والاهُ وَعادِ مَنْ عاداهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ".
وهو اتمام حجة آخر جديد: منادي الرسول يدور في كل مكان بشيراً ونذيراً.
المشهد السابع: علي في السَّحاب!
كانت للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عمامة تسمى (السحاب)(5)
فوضع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عمامته المسماة بالسحاب على رأس علي وفتح الحنك وألقاه على كتفه، وكانت هذه علامة نصبه للرياسة – كما جرت على ذلك سيرة العرب فانهم عندما كانوا يريدون ان ينصبوا شخصا رئيساً فكان الملك أو الأمير يفعل كذلك: يلبسه عمامته ويفتح الحنك ويلقيه على كتفه وكان هذا ايضا مشهداً من مشاهد الغدير، ومرة أخرى: تصورا انفسكم هنالك تشهدون مباشرة هذه الأحداث بالبث العقلي المباشر!.. والآن نحن ايضا في أجوائهم وفي طريقهم إن شاء الله.
المشهد الثامن: المؤامرات السرية
في الاتجاه والمشهد المقابل: اجتمع ثلة من المناقين وكتبوا تلك الصحيفة المشؤمة في هذه الأيام، حيث وقعوا في إحدى الخيم أو في زاوية من الزوايا أنه لإن مات محمد أو قتل، لنزوين الخلافة عن أهل بيته، ثم بعد ذلك قاموا بالمؤامرة الشهيرة وحاولوا قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما خرج من غدير خم متجها إلى المدينة في قضية العقبة والدِّباب التي دحروجها!!.
نجد هؤلاء في المدينة بعد ذلك وقد عقدوا اجتماعات متتالية وأضافوا أعضاءاً جدداً من المتآمرين والمتعاهدين على تلك الصحيفة المشؤمة مما يطول الحديث حوله(6)...
هذه كانت لقطات سريعة من بعض المشاهد المعبّرة عن جوانب من وقعة الغدير.
مقتطفات من الخطبة الغديرية الكبرى
المحور الثالث: مقتطفات من الخطبة المباركة للرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) لنعيش بعض تلك الأجواء النبوية ونحن على ضفاف الغدير.
وهذه الرواية والخطبة مذكورة في العديد من مصادرنا بأسانيد معتبرة عن الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه، عن الحذيفة ابن اليمان، وأيضا عن زيد بن أرقم وآخرين، يمكن أن تراجعوا (الغدير) و (العبقات) لتروا المصادر وهي بالعشرات بل وأكثر.
أ- ديباجة الخطبة
فان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ابتدأ الخطبة بالحمد والثناء فقال: "الْحَمْدُ لله الَّذي عَلا في تَوَحُّدِهِ"، اذ قد يكون الإنسان متوحدا في جزيرة منعزلا مهملا أو محبوسا مكبّلاً لكنه "الْحَمْدُ لله الَّذي عَلا في تَوَحُّدِهِ وَدَنا في تَفَرُّدِهِ وَجَلَّ في سُلْطانِهِ وَعَظُمَ في أَرْكانِهِ، وَأَحاطَ بِكُلِّ شَيْء عِلْماً وَهُوَ في مَكانِهِ، وَقَهَرَ جَميعَ الْخَلْقِ بِقُدْرَتِهِ وَبُرْهانِهِ، حَميداً لَمْ يَزَلْ، مَحْمُوداً لا يَزالُ وَمَجيداً لا يَزُولُ، وَمُبْدِئاً وَمُعيداً وَكُلُّ أَمْر إلَيْهِ يَعُودُ...".
والخطبة طويلة وينبغي أن يبدأ الخطباء الكرام واساتذة الجامعة والمدرسين، ديباجة حديثهم، دروسهم، وخطبتهم، ببعض هذه الخطبة على الأقل إحياءا لأمر الغدير.
ثم قال:
ب- الإمام العامة الشاملة:
"فَاعْلَمُوا مَعاشِرَ النّاسِ ذلِكَ فيهِ وَافْهَمُوهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ قَدْ نَصَبَهُ لَكُمْ وَلِيّاً وَإماماً فَرَضَ طاعَتَهُ عَلَى الْمُهاجِرينَ والأنصار وَعَلَى التّابِعينَ لَهُمْ بِإحْسان، وَعَلَى الْبادي وَالْحاضِرِ، وَعَلَى الْعَجَمِيِّ وَالْعَرَبِيِّ، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ وَالصَّغيرِ وَالْكَبيرِ، وَعَلَى الأبيض والأسود، وَعَلى كُلِّ مُوَحِّد ماض حُكْمُهُ، جاز قَوْلُهُ، نافِذٌ أَمْرُهُ، مَلْعُونٌ مَنْ خالَفَهُ، مَرْحُومٌ مَنْ تَبِعَهُ وَصَدَّقَهُ، فَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ وَلِمَنْ سَمِعَ مِنْهُ وَأَطاعَ لَهُ". وكان مما قال:
ج- علي الخليفة على الأمة وعلى تفسير كتاب الله
"مَعاشِرَ النّاسِ، هذا عَلِيٌّ أَخي وَوَصِيّي وَواعي عِلْمي، وخَليفَتي في أُمَّتي عَلى مَنْ آمَنَ بي وَعَلى تَفْسيرِ كِتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وَالدّاعي إلَيْهِ وَالْعامِلُ بِما يَرْضاهُ وَالْمُحارِبُ لأعدائه وَالْمُوالي عَلى طاعَتِهِ وَالنّاهي عَنْ مَعْصِيَتِهِ.
إنَّهُ خَليفَةُ رَسُولِ اللهِ وَأَميرُ الْمُؤْمِنينَ وَالإمامُ الْهادي مِنَ اللهِ، وَقاتِلُ النّاكِثينَ وَالْقاسِطينَ وَالْمارِقينَ بِأَمْرِ اللهِ".
هـ- حكم منكر الولاية والشاك في حديث الغدير
ثم بعد ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مقطع آخر اوضح بأن الغدير وولاية الأمير هي الفاروق بين الحق والباطل والفاصل بين الجنة والنار، فقال: "مَعاشِرَ النّاسِ، إنَّهُ - أي علي عليه السلام - إمامٌ مِنَ اللهِ، وَلَنْ يَتُوبَ اللهُ عَلى أَحَد أَنْكَرَ وِلايَتَهُ وَلَنْ يَغْفِرَ لَهُ، حَتْماً عَلَى اللهِ أَنْ يَفْعَلَ ذلِكَ بِمَنْ خالَفَ أَمْرَهُ وَأَنْ يُعَذِّبَهُ عَذاباً نُكْراً أَبَدَ الاْبادِ وَدَهْرَ الدُّهُورِ. فَاحْذَرُوا أَنْ تُخالِفُوهُ، فَتَصْلُوا ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرينَ".
ثم يقول (صلى الله عليه وآله وسلم) : "وَمَنْ شَكَّ في شَيْء مِنْ قَوْلي هذا فَقَدْ شَكَّ في كُلِّ ما أُنْزِلَ إلَيَّ، وَمَنْ شَكَّ في واحِد مِنَ الأئمة فَقَدْ شَكَّ فِي الْكُلِّ مِنْهُمْ، وَالشّاكُ فينا فِي النّارِ".
ثم يشير صلوات الله عليه إلى بعض ارهاصات المستقبل وينذر ويحذر إذ يقول:
د- أئمة الضلال وأصحاب الصحيفة الملعونة
"مَعاشِرَ النّاسِ، إنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ بَعْدي أَئِمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى النّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ. مَعاشِرَ النّاسِ، إنَّ اللهَ وَأَنَا بَريئانِ مِنْهُمْ".
مَعاشِرَ النّاسِ، إنَّهُمْ وَأَنْصارَهُمْ وَأَتْباعَهُمْ وَأَشْياعَهُمْ فِي الدَّرْكِ الأسفل مِنَ النّارِ وَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرينَ.
ألا إنَّهُـمْ أَصْحـابُ الصَّحيفَـةِ، فَلْيَنْظُـرْ أَحَـدُكُمْ فـي صَحيفَتِـهِ!!.
(قال: فذهب على الناس - إلاّ شرذمة منهم - أمر الصحيفة)
وَسَيَجْعَلُونَ الاْمامَةَ بَعْدي مُلْكاً وَاغْتِصاباً، ألا لَعَنَ اللهُ الْغاصِبينَ الْمُغْتَصِبينَ، وَعِنْدَها سَيَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ مَنْ يَفْرُغُ، وَيُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نار وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ.
مَعاشِرَ النّاسِ، إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَكُمْ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَميزَ الْخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ.
مَعاشِرَ النّاسِ، إنَّهُ ما مِنْ قَرْيَة إلاّ وَاللهُ مُهْلِكُها بِتَكْذيبِها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ، وَمُمَلِّكُهَا الاْمامَ الْمَهْدِيَّ وَاللهُ مُصَدِّقٌ وَعْدَهُ.
مَعاشِرَ النّاسِ، قَدْ ضَلَّ قَبْلَكُمْ أَكْثَرُ الأولين، وَاللهُ لَقَدْ أَهْلَكَ الاْوَّلينَ، وَهُوَ مُهْلِكُ الاْخِرينَ. قالَ اللهُ تَعالى: (أَلَمْ نُهْلِكْ الأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمْ الآخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)
و- امتدادات الغدير: المهدي عجل الله تعالى فرجه هو خيرة الله وخاتم الأوصياء
ثم يقول صلوات الله وسلامه عليه مشيراً إلى بعض امتدادات الغدير: " أَلا إنَّ خاتَمَ الأَئِمَّةِ مِنَّا الْقائِمَ الْمَهْدِيَّ. أَلا إنَّهُ الظّاهِرُ عَلَى الدّينِ. أَلا إنَّهُ الْمُنْتَقِمُ مِنَ الظّالِمينَ. أَلا إنَّهُ فاتِحُ الْحُصُونِ وَهادِمُها. أَلا إنَّهُ غالِبُ كُلِّ قَبيلَة مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَهاديها. أَلا إنَّهُ الْمُدْرِكُ بِكُلِّ ثار لأولياءاللهِ. أَلا إنَّهُ النّاصِرُ لِدينِ اللهِ. أَلا إنَّهُ الْغَرّافُ مِنْ بَحْر عَميق. أَلا إنَّهُ يَسِمُ كُلَّ ذي فَضْل بِفَضْلِهِ وَكُلَّ ذي جَهْل بِجَهْلِهِ. أَلا إنَّهُ خِيَرَةُ اللهِ وَمُخْتارُهُ. أَلا إنَّهُ وارِثُ كُلِّ عِلْم وَالْمُحيطُ بِكُلِّ فَهْم. أَلا إنَّهُ الْمُخْبِرُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمُشَيِّدُ لأمر آياتِهِ. أَلا إنَّهُ الرَّشيدُ السَّديدُ. أَلا إنَّهُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ. أَلا إنَّهُ قَدْ بَشَّرَ بِهِ مَنْ سَلَفَ مِنَ الْقُرُونِ بَيْنَ يَدَيْهِ. أَلا إنَّهُ الْباقي حُجَّةً وَلا حُجَّةَ بَعْدَهُ وَلا حَقَّ إلاّ مَعَهُ وَلا نُورَ إلاّ عِنْدَهُ. أَلا إنَّهُ لا غالِبَ لَهُ وَلا مَنْصُورَ عَلَيْهِ. أَلا وَإنَّهُ وَلِيُّ اللهِ في أَرْضِهِ، وَحَكَمُهُ في خَلْقِهِ، وَأَمينُهُ في سِرِّهِ وَعَلانِيَتِهِ". إلى آخر كلام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
ز- نص بيعة الغدير
نختم ببيعة الغدير، ونقرأ جميعا لنُسمِع أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ما أمرنا الرسول به، الرسول يقول: فقولوا بأجمعكم: "إنّا سامِعُونَ مُطيعُونَ راضُونَ مُنْقادُونَ لِما بَلَّغْتَ عَنْ رَبِّنا وَرَبِّكَ في أَمْرِ إمامِنا عَلِيٍّ أَميرِالْمُؤْمِنينَ وَمَنْ وُلِدَ مِنْ صُلْبِهِ مِنَ الأئمة. نُبايِعُكَ عَلى ذلِكَ بِقُلُوبِنا وَأَنْفُسِنا وَأَلْسِنَتِنا وَأَيْدينا. عَلى ذلِكَ نَحْيى وَعَلَيْهِ نَمُوتُ وَعَلَيْهِ نُبْعَثُ. وَلا نُغَيِّرُ وَلا نُبَدِّلُ، وَلا نَشُكُّ وَلا نَجْحَدُ وَلا نَرْتابُ، وَلا نَرْجِعُ عَنِ الْعَهْدِ وَلانَنْقُضُ الْميثاقَ. وَعَظْتَنا بِوَعْظِ اللهِ في عَلِيٍّ أَميرِالْمُؤْمِنينَ والأئمة الَّذينَ ذَكَرْتَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ مِنْ وُلْدِهِ بَعْدَهُ، الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَمَنْ نَصَبَهُ اللهُ بَعْدَهُما. فَالْعَهْدُ وَالْميثاقُ لَهُمْ مَأْخُوذٌ مِنّا، مِنْ قُلُوبِنا وَأَنْفُسِنا وَأَلْسِنَتِنا وَضَمائِرِنا وَأَيْدينا. مَنْ أَدْرَكَها بِيَدِهِ وَإلاّ فَقَدْ أَقَرَّ بِلِسانِهِ، وَلا نَبْتَغي بِذلِكَ بَدَلاً وَلا يَرَى اللهُ مِنْ أَنْفُسِنا حِوَلاً. نَحْنُ نُؤَدّي ذلِكَ عَنْكَ الدّاني وَالْقاصي مِنْ أَوْلادِنا وَأَهالينا، وَنُشْهِدُ اللهَ بِذلِكَ وَكَفى بِاللهِ شَهيداً وَأَنْتَ عَلَيْنا بِهِ شَهيدٌ"
نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون وإياكم من خلّص خدمة أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ومن الموفين ببيعته والصادقين والثابتي القدم في ولايته،
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.