فشل السياسة التشريعية الاستثمارية للحكومة العراقية
مؤتمر الإصلاح التشريعي
2018-12-15 06:39
أ.م.د. بتول صراوة عبادة-أستاذ مساعد في كلية القانون-جامعة المستنصرية
(بحث مقدم الى مؤتمر (الاصلاح التشريعي طريق نحو الحكومة الرشيدة ومكافحة الفساد) الذي اقامته مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام وجامعة الكوفة/كلية القانون 25-26 نيسان 2018)
تعمل الحكومة العراقية على موائمة التشريعات الاستثمارية العراقية مع متطلبات وشروط البيئة الدولية للإستثمار وتأسيس مؤسسات تعمل على توفير المناخ الملائم للاستثمار الأجنبي والمحلي فضلاً عن العمل على تشريع القوانين التي تنظم عمل القطاع الخاص من خلال توسيع الاستثمار وتشجيعه.
فاستراتيجية التطوير وإعادة البناء والإصلاح الهادف إلى رفع مستوى التشغيل وتوفير وظائف لتستقبل العاطلين عن العمل وكذلك إعادة الخدمات في قطاع الماء والكهرباء واعمار وتوسيع الطرق (البنى التحتية) واتخاذ سياسة تهدف إلى دعم القطاع الخاص وتوسيع مشاركته في بناء الاقتصاد العراقي تتطلب من الحكومة تحديد توجه استراتيجي واهداف واضحة ورسالة ورؤية استثمارية تتلاءم مع الواقع السياسي والأمني العراقي.
أهمية البحث
ان المبادئ التي يجب أن يلتزم بها العراق بعد عام 2003 تتمثل بأيديولوجية رأسمالية وفق النهج الليبرالي ونظام السوق حيث الملكية الخاصة والمشروعات الفردية والانفتاح الاقتصادي الكامل على العالم، وحرية النشاط الخاص في الداخل فضلاً عن حرية حركة السلع والخدمات ورأس المال تجاه الخارج وحرية الاستثمار والتملك الأجنبي والانخراط في نظام الانتاج والتسويق، وهذا يعني الالتزام بمبادئ المؤسسات الدولية المالية والنقدية بكل اشتراطاتها وتلبية جميع مطالبها ومتطلباتها. وحوافز الاستثمار التي تضمنها قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 والتعديل الأول لقانون الاستثمار قانون رقـــم (2) لسنة 2010 حددت الاسباب الموجبة لتشريع هذا القانون بـ (المساهمة في دفع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتطويرها، وجلب الخبرات التقنية والعلمية وتنمية الموارد البشرية، فضلا عن إيجاد فرص عمل للعراقيين بتشجيع الاستثمارات (المحلية والأجنبية) وتتجلى اهمية هذا القانون بان نصوصه تضمنت العديد من المزايا والضمانات والاعفاءات والحوافز للمستثمرين الاجانب وبالشكل الذي يخدم اهداف التنمية وهذا القانون حل محل قانون الاستثمار الاجنبي رقم (39) لسنة 2003.
وتسعى الحكومة جاهدة لتشجيع وجذب الاستثمارات ولكن للوقت الحالي لم تنجح في ذلك، ولم ينعكس ذلك على واقع الاستثمار في العراق ولا على الواقع الاقتصادي والاجتماعي.
مشكلة البحث
تكمن مشكلة البحث في السعي الدائم من قبل الحكومات العراقية الى تحفيز وتشجيع الاستثمار ومحاولة خلق بيئة تشريعية ملائمة للإستثمار الأجنبي وجذبه الى الاستثمار في العراق ولكن النتائج المتحققة ليست على مستوى آمال العراقيين وطموحاتهم، مما يقودنا الى صياغة التساؤل التالي: أين مكمن الخلل في السياسة التشريعية الاستثمارية للحكومات العراقية؟
فرضية البحث
انطلاقا من المشكلة الاستثمارية القائمة يفترض البحث أن هناك علاقة بين السياسة التشريعية الاستثمارية للحكومات العراقية والنتائج الخجولة المتحققة لناحية الاستثمارات التي يجنيها العراق.
أهداف البحث
1- التعرف على الخطوات التشريعية الاستثمارية للحكومات العراقية منذ عام 2003.
2- مدى ملاءمة هذه التشريعات للتوجهات الجديدة في هيكلة الاقتصاد العراقي.
3- وضع رؤية تشريعية استثمارية واضحة توافق بين الواقع التشريعي الاستثماري الراهن والمستقبل التشريعي الاستثماري المنشود بما يحقق التنمية الاقتصادية.
وللوصول الى أهداف البحث تم تقسيمه على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الاطار العام للإقتصاد العراقي والسياسة التشريعية الاستثمارية منذ عام 2003.
المطلب الأول: الاطار العام للإقتصاد العراقي بعد عام 2003.
المطلب الثاني: السياسة التشريعية الاستثمارية.
المبحث الثاني: العوامل المؤثرة في السياسة التشريعية الاستثمارية.
المطلب الأول: مقومات الاستثمار في الاقتصاد العراقي
المطلب الثاني: الظروف المحلية والدولية.
المبحث الثالث: الرؤية الاستثمارية التشريعية
المطلب الأول: توجه استراتيجي استثماري جديد.
المطلب الثاني: سياسة تشريعية استثمارية شاملة تلائم التوجه.
النتائج والتوصيات
المبحث الأول:
الاطار العام للإقتصاد العراقي والسياسة التشريعية الاستثمارية منذ عام 2003
تعرض العراق للحصار والعقوبات الاقتصادية بعد حرب الخليج الثانية (1991)، واستمر هذا الوضع إلى الغزو الأميركي للعراق عام (2003)، وعمل الاحتلال الأميركي على تدمير الدولة العراقية تدميرا كاملا، ليعيد صياغة الدولة العراقية وفق منظوره وتوجهاته الليبرالية. فحول الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق، وشجع الاستثمار الأجنبي، وقضى على المقومات الاقتصادية العراقية. فما هو الاطار العام للإقتصاد العراقي بعد عام 2003؟ وما هي السياسة التشريعية الاستثمارية التي اعتمدت؟
المطلب الأول: الاطار العام للإقتصاد العراقي بعد عام 2003
حددت السياسة الامريكية أهدافها تجاه العراق فيما تتعلق بتوجهات الليبرالية الجديدة وتحول الاقتصاد العراقي إلى اقتصاد السوق عبر تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية وأحداث نقلة نوعية في الاقتصاد العراقي فضلاً عن ذلك تطبيق الديمقراطية ونشر مبادئ حقوق الإنسان وفق برامج ايديولوجية تدار ليبرالياً وفق مبادئ الإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع المؤسستين الدوليتين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وكذلك منظمة التجارة العالمية وباعتبار العراق عضواً مراقباً إلى أن يتم انضمامه، ادت سياسة برايمر عن انقسام الشعب العراقي مكونات واطياف تتصارع فيما بينها مع تدمير مؤسسات الدولة وفي الاطار الاقتصادي كما ادت الى تدمير الاقتصاد العراقي من ناحية توقف المصانع والشركات عن العمل وتراجع القطاع الزراعي (1).
وفي خطاب الاتحاد أشار الرئيس جورج بوش في 11/10/٢٠٠٣ حين حدد أهداف الاستراتيجية الأمريكية الالتزام بتوسيع التعاون الدولي في مجال أعمار العراق (2)، وفي معرض خطابه ركز على موضوع الاقتصاد حيث ذكر أن العراقيين بمساعدة الولايات المتحدة الامريكية يمكن أن يبدؤوا بعملية الاعمار والاصلاح، وجدد على توسيع التعاون مع أجهزة الدولة العراقية وتطوير عمل المؤسسات من اجل مساعدتها في اجراء الإصلاحات الاقتصادية، وأخيراً فقد دعى إلى ضرورة قيام المجتمع الدولي على تقديم الدعم ومساعدة الشعب العراقي لبناء اقتصاده وإعادة إعماره، لذلك وضعت أفكار جديدة وفق النموذج الرأسمالي في تحرير الاقتصاد العراقي من هيمنة الدولة وسيطرتها المركزية على كافة مرافق الحياة، وفي ضوء ما تقدم تأتي أهمية إعادة تأهيل الاقتصاد العراقي من خلال تبني سياسات الإصلاح الاقتصادي في سبيل اعادة تأهيل القطاعات الانتاجية وهي الأولويات الضرورية لتحقيق التقدم الاقتصادي (3).
من جهة أخرى فقد ساد الوسط السياسي التصريحات المتنوعة في التوجهات الاقتصادية الجديدة لنظام الحكم في العراق، والتي كانت تتمحور حول ضرورة إجراء الإصلاح الاقتصادي في التحرك نحو سياسة اقتصاد السوق وتشجيع القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية أن جوهر هذه السياسة اعتمدت على تأثير المنظمات الدولية في الاقتصاد العراقي بعد الاحتلال، وبالذات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، للتحول الاقتصادي من اسلوب التخطيط المركزي والنظام الشمولي في التحول إلى النظام الاقتصادي القائم على آليات السوق وتفعيل دورها في النمو الاقتصادي والسعي الجاد على قيام نظام حكم ديمقراطي لإدارة شؤون البلاد أن ممارسة العراق لنظام حكم ديمقراطي يعد تحولاً مساعداً نحو الإصلاح الاقتصادي كون النظام الديمقراطي يكون موضع ثقة من قبل المجتمع الدولي، كما أنه عامل مشجع مهم للمستثمرين الأجانب والمحليين إذ تزداد ثقتهم بسيادة القانون وعدم الانفراد بالقرارات الاقتصادية والسياسية والتي تشكل مصدر قلق للمستثمرين، إذ يحتاج المستثمر إلى بيئة سياسية مستقرة ولا تخضع لأهواء منفردة، وان الاصلاح السياسي والاقتصادي ضرورة في كل النظم السياسية، كونه يهدف إلى منع الفساد من خلال تفكيك ظاهرة الإدارة البيروقراطية التي تشكل البيئة الخصبة لإنتاج الفساد (4).
تحددت بنية الاقتصاد العراقي وتبلورت بتزايد اعتماده على قطاع النفط الخام، والتوسع غير المستدام لقطاع الخدمات غير المنتجة وبخاصة الجهاز العسكري، وإهمال القطاعات المنتجة كالزراعة والصناعة على نحو متواصل، وانهيار الاستثمار الإنتاجي في النشاطات الاقتصادية غير العسكرية، وتدهور في مساهمة القطاع الخاص في الناتج، كل هذه الأمور أدت إلى تعميق السمات الريعية للاقتصاد العراقي.
ولم تقدم التجربة الاقتصادية في العراق، دليلا على مسار مختلف، لحد الآن، في إدارة المال العام أو مقومات نهضة صناعية –زراعية- عمرانية طال انتظارها (5).
ان الاقتصاد العراقي هو اقتصاداً ريعياً اذ يشكل النفط الخام نسبة (٩٥%) من الناتج المحلي الاجمالي بالاسعار الثابتة لسنة ٢٠١١، وعلى الرغم من اسهم النفط تراجعت منذ سنة ٢٠٠٢ حيث كانت (٥٤، ٦%) وتشكل الانشطة الصناعات التحويلية والكهرباء والماء والنقل والاتصالات والبنوك والتأمين تشكل بمجموعها (٨، ٥%) من الناتج المحلي الاجمالي بالرغم من ان هذه الانشطة يجب ان تلعب الدور البارز في الاقتصاد وهذا يستدعي من القائمين برسم السياسات الاقتصادية إلى توجيه النظر لتطوير هذه الانشطة بهدف الانتقال بالاقتصاد العراقي من اقتصاد أحادي ريعي إلى اقتصاد متنوع الموارد القادرة على تحفيز وتنمية الاقتصاد الوطني وتوفير فرص عمل جديدة فضلاً عن تطوير هذه القطاعات ساعد في تطوير الصناعة الحديثة بهذه القطاعات (6).
ان الملاحظ من الاحصاءات تشير إلى ارتفاع نسبة مساهمة الانشطة السلعية في توليد الناتج المحلي الاجمالي من (٥٨، ٩%) في عام ٢٠١٠ إلى (٦٥، ٧%) عام ٢٠١١ وحافظت على نفس النسبة تقريباً عام ٢٠١٢، إذ بلغت (٦٥، ٤%) وانخفضت إلى (٦٢,٤%) في عام ٢٠١٣ واحتل نشاط النفط الخام مركز الصدارة فيها إذ اسهم بنسبة (٥٢، ٤%) و (٤٩، ٤%) في عامي ٢٠١٢ و ٢٠١٣ على التوالي من مجموع الانشطة، وهذا يعزى بشكل رئيسي إلى ارتفاع أسعار النفط في الاسواق العالمية وزيادة انتاج العراق من النفط الخام واكتشاف وتطوير حقول جديدة، وقد ادى ارتفاع الاهمية النسبية لقطاع النفط والتعدين في الناتج المحلي الاجمالي إلى تراجع الاهمية النسبية لباقي القطاعات الاخرة في عامي ٢٠١٢ - ٢٠١٣، اما نسبة مساهمة قطاع الصناعة التحويلية في عام ٢٠١٣ لم يطرأ عليها تغيير عما كانت عليه في عام ٢٠١٢، إذ بلغت (١، ٧) وهي نسبة متدنية على الرغم من أهمية دور هذا القطاع في تصحيح الاختلال الانتاجي وهيكلية الصادرات فيها إذ ارتفعت اسهاماته ونفس الحال بالنسبة لقطاع الكهرباء والماء، إذ بلغت نسبة اسهاماته في عامي ٢٠١٢- ٢٠١٣ على التوالي (١، ٣%) (7)
المطلب الثاني: السياسة التشريعية الاستثمارية
عقدت الحكومة العراقية المؤقتة في عام ٢٠٠٤ عدد من الاتفاقيات مع المنظمات المالية الدولية: وهي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لمحاولة ايجاد حل لمشاكل العراق الاقتصادية من خلال وضع آلية جديدة لتطبيق سياسات الاصلاح الاقتصادي في العراق في ظل الأزمة الهيكلية التي يعاني منها هذا الاقتصاد مقابل القبول بالشروط المعروفة بالوصفة الجاهزة، والمتضمنة المبادئ الأساسية للسير في الاصلاح الاقتصادي وفقاً إلى الاجراءات الرئيسة يجب تنفيذها من قبل العراق وهي ثلاثة:
تحرير التجارة من خلال رفع كافة القيود الكمركية والإدارية التي تمنع وتعيق انتقال السلع والخدمات والبضائع ورؤوس الأموال من وإلى العراق.
خصخصة القطاع العام أي تحويل المؤسسات الاقتصادية الحكومية إلى مؤسسات خاصة بضمنها القطاع النفطي الشديد الحساسية وانقسامه لعمليات الاستثمار الأجنبي والشركات الأجنبية الاحتكارية.
تقليص النفقات العامة وذلك من خلال الغاء الدعم الحكومي لأسعار الوقود والمحروقات والغاء البطاقة التموينية الغذائية والدوائية وترشيق الجهاز الإداري للدولة والضغط على فقرة رواتب المتقاعدين.. وغيرها من النفقات (8).
أتخذ الحاكم الامريكي بول بريمر جملة من القرارات والتشريعات بعد سقوط النظام بدأت في المحاولات لخصخصة حوالي ٢٠٠ من مؤسسات الدولة بإجراءات وقوانين عدة، فتم السماح للشركات الأجنبية بالتملك بنسبة (١٠٠%) من الأرباح فضلاً عن إمكانية تحويل أرباح الشركات دون الخصم الضريبي الى الخارج، كما تولى الامريكان تمثيل العراق في اجتماعات المنتدى الاقتصادي في عمان وحضور الحاكم الامريكي بول بريمر مؤتمرات عالمية في المجال الاقتصادي هدفه لترويج للمشاريع الاستثمارية في العراق إذ ألقى كلمة كان الهدف الرئيسي منها هو فتح الاقتصاد العراقي على العالم، وهي اشارة إلى ضرورة رفع العقوبات المفروضة على العراق من قبل الأمم المتحدة، كذلك شارك ممثلين عن سلطة الائتلاف في المفاوضات مع منظمة التجارة العالمية والتي تهدف إلى انضمام العراق إلى المنظمة مستقبلاً، وبهدف جذب الاستثمارات الاجنبية عمدت إدارة الائتلاف إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الهادفة على تشجيع الشركات الأجنبية للدخول إلى العراق إذ خفضت الضرائب على الشركات الأجنبية من ٤٥% إلى (١٥%) كحد ادنى، هذه الإجراءات كانت تحظى باهتمام كبير من قبل صناع القرار في الولايات المتحدة الامريكية، وتعطي العراق الافضلية في امتلاكه لأكثر قوانين الاستثمار الأجنبي انفتاحاً على العالم ذي الرقم ٣٩ الصادر من سلطة الائتلاف المؤقتة حول الاستثمار الأجنبي في ١٩ سبتمبر أيلول ٢٠٠٣، كما لم تتوقف إجراءاته وقراراته وقوانينه عند هذا الحد، ففي يوم ١٧ تموز ٢٠٠٣ عمل بريمر على اتخاذ خطوتين رئيسيتين في برنامج الإصلاح الاقتصادي على المدى الطويل اولهما حين أعلنت لجنة ماكفيرسون بأن العراق سيبدأ بإبدال العملة الجديدة، أي إلغاء العملة القديمة خلال ثلاثة اشهر تبدأ من ١٥/كانون الاول/أكتوبر ٢٠٠٣، وثانيهما ساهمت سلطة الائتلاف بسن قانون استقلالية مصرف مركزي عراقي وهو البنك المركزي العراقي، اذ يهدف أن تكون هذه المؤسسة المالية المهمة مستقلة عن الحكومة أي مشابهة إلى المؤسسة المالية في الولايات المتحدة الأمريكية. (البنك الاحتياطي الفيدرالي الامريكي)، وكأداة اقتصادية مهمة في أي بلد حديث يتمتع بالاستقرار وفي محاولة في إحياء النظام المالي وقبلها كان قد عقد ماكفيرسون مباحثات سرية مع عدد من شركات الطباعة بشأن تكلفة طباعة العملة الجديدة وتاريخ تسليمها، وهكذا بنى بريمر قواعد بيانات للاقتصاد تتماشى مع بيئة اقتصاد السوق وعناصره الجديدة ويشير الكاتب منول منرز وهو يوضح تعميماً شاملاً لتحرير تعميماً شاملاً لتحرير الاقتصاد العراقي على أربعة مراحل تبدأ:
بتحويل ملكية المشروعات الحكومية. ·
اعتماد سياسة مالية متشددة. ·
اعتماد سياسة نقدية متشددة.
تحرير الاسعار ومعدلات الفائدة وتحرير المصارف والمشروعات العامة وتحويلها نحو القطاع الخاص، على أن السياسة النقدية تدار وفقاً لمتغيرات العرض والطلب.
وفي مجال التشريعات يجري بشكل مستمر العمل على موائمة التشريعات العراقية مع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، والعمل على تحديث خطة التشريع للقوانين العراقية والتي تحتوي على٢٧ فقرة بين قانون نافذ ومشروع قانون وتتضمن القوانين المطلوبة من قبل المنظمة.
أن احتياجات العراق إلى استثمارات كبيرة هو جزء من حل المشاكل التي تواجه الاقتصاد، كما ادت الخلافات السياسية الى عدم الموافقة على قانون البنى التحتية الذي قدمته الحكومة إلى البرلمان عام (٢٠١١) وميزة هذا القانون انه يشجع الشركات الاجنبية على الاستثمار في العراق واقامة المشاريع المختلفة مقابل ذلك يدفع العراق تكاليف انشاء المشاريع بالدفع الاجل وقد خصصت الحكومة العراقية ٣٥ خمسة وثلاثون مليار دولار تكلفة اقامة المشاريع في ظل قانون البنى التحتية فهذا القانون يحد من الفساد الاداري ويعطي ميزة لجودة المشروعات وسرعة انجازها على ان تكون مواصفات عالمية عالية الجودة. مما أدى إلى حرمان الشعب العراقي من مزايا هذا القانون لذلك يحتاج العراق إلى استثمارات ضخمة حتى تستطيع في نهاية الأمر من تقليل كلفة المشاريع سواء للمستثمر الأجنبي أو المحلي، فضلاً عن ذلك فإن معالجة مياه الصرف الصحي وايجاد الحلول لها تساهم حتماً في خفض نسبة التلوث في العراق مع توفير بيئة عراقية نظيفة وخالية من كل الأمراض أن وضع استراتيجية لإيجاد حلول تنفيذ مشاريع البنى التحتية تحتاج إلى تضافر الجهود الوطنية فضلاً عن إتخاذ إجراءات إدارية سواء ما يتعلق منها بالهيكل الإداري والتنظيمي أو ما يتعلق بالجانب الوظيفي من اجل رفع كفاءة ومستوى الأداء(9).
المبحث الثاني:
العوامل المؤثرة في السياسة التشريعية الاستثمارية
المطلب الأول: مقومات الاستثمار في الاقتصاد العراقي
ان الأداء الاقتصادي الحكومي بشكل عام يعتمد الى حد كبير على ثلاثة عوامل هي: (10)
اولا: وجود التخصيصات المالية.
ثانيا: المعرفة الفنية لإدارة التصرف بالمال العام.
ثالثا: توفر البيئة الاقتصادية المناسبة للإنجاز.
وكانت معظم النصوص القانونية المتعلقة بالسياسة التشريعية الاستثمارية، الصادرة في ظل النظام السابق هي شكلية ولا تعمل بأسس علمية إلا القليل منها، كذلك جاءت هذه القوانين لبعضها في صورة ضمنية من قوانين أخرى ذات علاقة بالاستثمار وليس بشكل نصوص قانونية مستقلة واضحة المعالم وتخص الاستثمار بمختلف أنواعه، حيث أصدرت الحكومة العراقية آنذاك قانون رقم (٦٤) لسنة ١٩٨٨ الذي استهدف تشجيع وتنظيم ودعم الاستثمارات العربية بما في ذلك تحويل (١٠٠%) من صافي الأرباح المعدة للتوزيع من حصة المستثمر العربي في المشروع العربي (11)، إلا إن هذا القانون تم إيقافه ولم يفعل بشكل أساسي خاصة بعد صدور القرار رقم (٢٣) في عام ١٩٩٤ على اثر أزمة العلاقات العربية بعد حرب الخليج، بالإضافة أن هناك قانون آخر شجع الاستثمار المحلي نوعاً ما، أطلق عليه (قانون الاستثمار الصناعي رقم (٢٠) لسنة ١٩٩٨، وإن السمة الأساسية لهذا القانون إلغاء وتحرير قيود التراخيص (12).
وفيما يتعلق بحركة الاستثمار المالي في العراق لم تظهر بشكل بارز وفعلي ولم تنظم إلا بعد تأسيس سوق بغداد للأوراق المالية في سنة (١٩٩١)، لكن تأثير الاستثمار المالي لم يتوضح إلا بعد صدور قانون شركات الاستثمار المالي المرقم (٥) لسنة ١٩٩٨ (13).
نستنتج من خلال التشريعات القانونية أعلاه والتي تخص الاستثمار على مختلف اتجاهاته أنه لم يكن هناك قانونا خاص بالاستثمار من حيث العمل والتطبيق وإنما مجرد تشريعات ظاهرية تتحكم في نصوصها السلطة التنفيذية آنذاك دون مراعاة المنافع الاقتصادية المتوقعة من الاستثمار، حتى جاءت فترة سقوط النظام والذي نتج عنها صدور الأمر رقم (٣٩) لسنة ٢٠٠٣ الذي حفز الاستثمار الأجنبي برغم وجود بعض الملاحظات والسلبيات حول هذا القانون.
إن نمو الاقتصاد القومي أصبح يتوقف على نمو وتعاظم الاستثمار المحلي والأجنبي خاصة في ظل تقليص الدور الاستثماري للحكومة، الأمر الذي يتطلب تهيئة البيئة التشريعية لدفع الاستثمار الأجنبي وتوطينه (قطاعياً وجغرافياً) على نحو الذي يحقق للاقتصاد القومي أكبر عائد ممكن وأعلى مردود من منظور التنمية الشاملة. لذلك تتنافس معظم الدول فيما بينها لاستقطاب الاستثمار الأجنبي وتوفير المناخ الملائم له ولعل واحدة من أهم المحفزات التي تقوم بها هذه الدول هو تشريع القوانين الملائمة والمحفزة لجذب تلك الاستثمارات (14).
وإن العراق واحد من تلك البلدان الذي يسعى إلى توفير مناخ استثماري ملائم خاصة وإنه يعاني الكثير من المعضلات الاقتصادية والتي أغلبها من تركة النظام السابق، لذلك كانت أولى المحاولات الوطنية لتوفير التشريع القانوني المحفز للاستثمارات تمثلت بقانون رقم (١٣) لسنة
٢٠٠٦ الذي تم إقراره من قبل البرلمان في تشجيع القطاع الخاص العراقي والأجنبي للاستثمار في العراق ويمكن إيجاز أهم الفصول التي يتضمنها هذا القانون كالآتي: (15)
الفصل الأول: يشمل التعاريف والأهداف والوسائل.
الفصل الثاني: يخص هذا الفصل عمل الهيئة الوطنية للاستثمار وهيئات الأقاليم والمحافظات.
الفصل الثالث: المزايا والضمانات.
الفصل الرابع: التزامات المستثمر.
الفصل الخامس: يشمل الإعفاءات.
الفصل السادس: أحكام عامة ثم الأسباب
إن المسار التاريخي للتشريع القانوني والخاص بالاستثمارات الأجنبية لم يكن على درجة من الأهمية ضمن حقبة النظام السابق إلا أن في الفترة الأخيرة من الحكم تم إصدار قانون الاستثمار العراقي رقم (٦٢) لعام ٢٠٠٢ والذي يهدف إلى تشجيع حركة الاستثمارات العربية للإسهام في عملية التنمية الاقتصادية (16).
إلا أن الامتيازات والحوافز التي حددها هذا القانون مقارنة بالضمانات الذي قدمها قانون الاستثمار الجديد تبقى متواضعة ومحدودة إلى درجة كبيرة ولكن بعد سقوط النظام أصدرت سلطة الائتلاف المؤقتة قانون الاستثمار الأجنبي رقم (٣٩) في ١٢/9/٢٠٠٣، وتم تعديل هذا القانون بموجب الأمر ٤٦ في ٢٠/ 12/٢٠٠٣ حيث تضمنت حقوق المستثمر الأجنبي في(١٢ قسم)، علما أن مجموع أقسامه هي(١٦ قسم) وكان الهدف من هذا القانون هو مساعدة في تطوير للبنى التحتية ونقل التكنولوجيا الجديدة للعراق وعند القراءة الظاهرية لهذا القانون نجد أنه يتضمن الكثير من الامتيازات لجذب الاستثمارات لكن في الوقت نفسه يحمل في طياته بعض السلبيات المؤثرة على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في العراق.
لم يحدد القانون رقم ٣٩ أولويات الاستثمار وإنما أطلقها على جميع الأنشطة المادية وغير المادية وتشمل جميع أنواع الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة من دون ضوابط أو شروط لتنظيم عملية الاستثمار (17).
هناك مجموعة من المزايا التي تضمنها هذا القانون ضمن النصوص القانونية في الفصل الثالث
من القانون وكالآتي: (18)
١- يتمتع المستثمر بغض النظر عن جنسيته بعدة مزايا في المادة (١١، ١٠) من الفصل أعلاه:
أ- يحق للمستثمر إخراج رأس ماله الذي أدخله إلى العراق وعوائده بعد تسديد كافة الالتزامات المالية إلى الحكومة العراقية.
ب- يحق للمستثمر التداول بسوق العراق للأوراق المالية بالأسهم والسندات وتكوين المحافظ
الاستثمارية في الأسهم والسندات.
ج - يحق للمستثمر استئجار الأراضي اللازمة للمشروع أو المساطحة بمدة لاتزيد عن (٥٠ سنة) قابلة للتجديد.
د- يحق للمستثمر الأجنبي التأمين على المشروع لدى أي شركة وطنية أو أجنبية.
ه - يحق للمستثمر فتح الحسابات بالعملة العراقية أو الأجنبية أو كلاهما لدى أحد المصارف العراقية أو الأجنبية.
٢- يضمن القانون للمستثمر الأجنبي بموجب المادة (١٢/الفصل الثالث) الحق في استخدام وتوظيف عاملين من غير العراقيين وذلك في حالة عدم توفر الإمكانيات والمؤهلات لدى العمال العراقيين ويكون وفق ضوابط تصدرها الهيئة الوطنية للاستثمار كما تضمنت هذه المادة الحق للمستثمر والعاملين في المشاريع الاستثمارية الإقامة في العراق.
٣- أما فيما يتعلق بالإعفاءات فقد نص القانون على جملة من الإعفاءات المحفزة للاستثمار وكان في مقدمتها (إعفاء المشاريع المجازة من قبل الهيئة الوطنية للاستثمار من الضرائب والرسوم لمدة(١٠سنوات) فضلاً عن إعفاء الموجودات وقطع الغيار المستوردة من الرسوم على أن لا تزيد ٢٠% من قيمة شراء الموجودات.
الاتجاه الداخلي في القانون رقم (13) لعام 2006:
1- استثنى قطاعات الاستخراج وإنتاج النفط والغاز من أحكام هذا القانون وذلك بموجب المادة (٣٠) من القانون.
2- عرف المستثمر الأجنبي ضمن (المادة (١) – (ط) ((إن المستثمر الأجنبي هو الذي لا يحمل الجنسية العراقية في حالة الشخص الحقيقي ومسجل في بلد أجنبي إذا كان شخصاً معنوياً أو حقوقياً)).
3- أشار القانون الجديد ضمن الفصل الثالث والرابع إلى استخدام العمال العراقيين وتدريبهم وزيادة كفاءتهم على العمل وحدد نسبة ٥٠% من العمالة الوطنية للعمل ضمن المشاريع الاستثمارية.
4- حدد مدة الإيجار على أن لا تزيد عن ٥٠ سنة قابلة للتجديد بموافقة الهيئة الوطنية للاستثمار ويراعى في ذلك الدواعي والجدوى الاقتصادية للتجديد.
5- حدد أن الإعفاء الضريبي للمشاريع الحاصلة على إجازة من قبل الهيئة الوطنية للاستثمار بالإعفاء الضريبي والرسوم لمدة (١٠) سنوات، وإعطاء الحق للهيئة الوطنية في زيادة سني الإعفاء الضريبي وبشكل طردي مع زيادة نسبة مشاركة المستثمر العراقي في المشروع لتصل إلى (١٥ سنة) في حالة مشاركة المستثمر العراقي في المشروع (٠,٥%)
6- ألزم المستثمر المحافظة على سلامة البيئة والتزام بالقوانين المتعلقة بالأمن والصحة.
7- لم يحدد السلطة الرقابية لكافة المشاريع والشركات وفروعها.
حوافز الاستثمار التي تضمنها قانون الاستثمار رقم 13لسنة 2006 والتعديل الأول لقانون الاستثمار قانون رقـــم (2) لسنة 2010 حددت الاسباب الموجبة لتشريع هذا القانون بـ (المساهمة في دفع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتطويرها، وجلب الخبرات التقنية والعلمية وتنمية الموارد البشرية، فضلا عن إيجاد فرص عمل للعراقيين بتشجيع الاستثمارات (المحلية والأجنبية) وتتجلى اهمية هذا القانون بان نصوصه تضمنت العديد من المزايا والضمانات والاعفاءات والحوافز للمستثمرين الاجانب وبالشكل الذي يخدم اهداف التنمية ويمكن ايجاز ابرز ايجابيات هذا القانون والذي حل محل قانون الاستثمار الاجنبي رقم (39) لسنة 2003 بالاتــي: (19)
- تتأسس بموجب هذا القانون الهيئة الوطنية للاستثمار وتتولى رسم السياسات الوطنية للاستثمار ووضع الضوابط لها ومراقبة تطبيق التعليمات والانظمة في مجال الاستثمار كما يكون للأقاليم والمحافظات هيئات تقوم بذات المهمات في اطار التنسيق بين جميع هذه الجهات، وتكون تلك الهيئات مسؤولة عن منح اجازات الاستثمار وفق الشروط الموضوعة في هذا القانون وكذلك العمل على تعزيز الثقة في البيئة الاستثمارية والتعرف على الفرص الاستثمارية وتحفيز الاستثمار فيها والترويج لها.
- يتيح هذا القانون مشاركة مستثمرين عراقيين مع مستثمرين اجانب ويعطي محفزات مغرية (الفصل الخامس المادة "15"، فقرة ثالثا)، حيث يمكن للهيئة الوطنية للاستثمار ان تزيد عدد سنوات الاعفاء من الضرائب والرسوم بما يتناسب بشكل طردي مع زيادة نسبة مشاركة المستثمر العراقي لتصل الى 15 سنة اذا كانت نسبة شراكة المستثمر العراقي في المشروع اكثر من 50%.
- يلزم هذا القانون المستثمر الاجنبي بتدريب مستخدميه من العراقيين وتأهيلهم وزيادة كفاءتهم ورفع مهاراتهم وقدراتهم وتكون الاولوية لتوظيف واستخدام العاملين العراقيين (الفصل الرابع /المادة 14/فقرة ثامنا) وكذلك يفرض هذا القانون على المستثمر الاجنبي الالتزام بالقوانين العراقية النافذة في مجالات الرواتب والاجازات وساعات وظروف العمل وغيرها(الفصل الرابع /المادة 14/فقرة سادسا)
- وفق هذا القانون يلتزم المستثمر الاجنبي بالمحافظة على سلامة البيئة والالتزام بنظم السيطرة النوعية المعمول بها في العراق والانظمة العالمية المعتمدة في هذا المجال والقوانين المتعلقة بالأمن والصحة والنظام العام وقيـــم المجتمع العراقـــــــي (الفصل الرابع / المادة 14 فقرة خامسا)
- من خلال هذا القانون يمكن توجيه الاستثمارات الاجنبية الى القطاعات او المناطق الضرورية عن طريق تقديم حوافز واعفاءات اضافية للمستثمرين الذين يوجهون استثماراتهم لتلك المناطق او القطاعات الاقتصادية ذات الاهمية الستراتيجية في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية (الفصل الخامس/ المادة 15فقرة أولا وثانيا).
- يهدف هذا القانون إلى جلب وتشجيع الاستثمارات واكتساب تقنيات متطورة وتعزيز دوري القطاع الخاص المحلي والأجنبي فضلا عن توسيع حجم الصادرات وتطوير القدرة التنافسية للاقتصاد العراقي في القطاعات التي يمتلك فيها العراق ميزة نسبية.
- يهدف هذا القانون الى تشجيع المستثمرين العراقيين من خلال توفير قروض ميسرة وتسهيلات مالية لهم ويتم ذلك من خلال التنسيق بين الهيئة الوطنية للاستثمار ووزارة المالية والمؤسسات المصرفية (الفصل الثاني /المادة9/فقرة ثامنا).
اضافة الى تلك الالتزامات التي فرضها القانون (13) على المستثمرين الاجانب فإنه وفر لهم مزايا وتسهيلات وضمانات واعفاءات ومن اهمها مايأتــي:
- الاعفاء الضريبي لمدة (10) سنوات ابتداءً من التشغيل التجاري للمشروع والاعفاء من رسوم الاستيراد لمستلزمات التـأسيس والتوسيع والتطوير والتحديث بما في ذلك من مواد اولية ووسيطة وقطع غيار.
- ادخال واخراج رؤوس الاموال وعوائدها وتمكين المستثمر الاجنبي من فتح حسابات في المصارف العراقية والاجنبية.
- الاستثمار في سوق العراق للأوراق المالية بالأسهم والسندات المدرجة فيه وله حق اكتساب العضوية في الشركات المساهمة الخاصة والمختلطة وكما نص عليه قانون التعديل رقم (2) لسنة 2010 (المادة 3/الفقرة ا).
- وبهدف تطوير قطاع الاسكان والتسريع في عملية التنمية واعادة اعمار العراق للمستثمر العراقي والأجنبي حق تملك الاراضي والعقارات العائدة للدولة ببدل تحدد أسس احتسابه وفق نظام خاص وله حق تملك الاراضي والعقارات العائدة للقطاعين الخاص والمختلط لغرض اقامة مشاريع الاسكان حصرا قانون التعديل رقم 2 لسنة 2010 (المادة 2/ فقرة ا).
- تمتع المستثمر الاجنبي في ميزات اضافية واردة في الاتفاقيات الثنائية او الدولية التي يكون العراق طرفا فيها.
- تحريم مصادرة او تأميم المشروع الاستثماري باستثناء من يصدر بحقه حكم قضائي بات.
- الالتزام بحق المستثمر الاجنبي ببيع مشروعه كليا او جزئيا.
المطلب الثاني: الظروف المحلية والدولية
الظروف المحلية
1- الاستقرار الأمني:
أن حالة عدم الاستقرار الأمني تشكل عقبة كبيرة لأنها تعمل على رفع كلف الأمن والحماية للمشاريع الاستثمارية، الأمر الذي أدى إلى تطبيق سياسات الاستثمار في المناطق ذات الاستقرار الأمني النسبي كالمناطق الجنوبية، لذلك يمكن القول أن الاستقرار الأمني يشكل ركنا أساسيا من أركان المناخ الاستثماري الجيد لان رأسمال بطبيعته يوصف على أنه جبان أي أنه يبحث عن المناطق الآمنة اقتصاديا وسياسيا.
السياسات النقدية المتبعة من قبل البنك المركزي العراقي:
أدت سياسات البنك المركزي لتخفيف حدة التضخم إلى أثار سلبية على واقع الاستثمار ولذلك
لقيام البنك بفرض سعر خصم عالي وصل في نهاية عام ٢٠٠٨ إلى ١٩%، الأمر الذي أدى إلى خلق بيئة غير ملائمة لجذب الاستثمارات.
2- ضعف القطاع المالي والمصرفي:
إن القطاع مازال غير قادر على منح القروض للمستثمرين إلى جانب الوسائل التقليدية المتبعة في أداء نشاطه المصرفي لقد تضافرت هذه العوامل إلى تقليل حجم تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية المستثمرة في العراق.
3- الفساد المالي والإداري:
يعاني الاقتصاد العراقي من وجود ظاهرة معقدة ومتشابكة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية إلا
وهي ظاهرة الفساد المالي والإداري والتي أخذت تزداد بشكل مخيف خلال الفترة التي أعقبت سقوط النظام السابق، ويعد العراق من الدول الأولى في الفساد على المستوى العالمي وحسب تقارير منظمة الشفافية العالمية، وهذه الظاهرة تحمل الكثير من الآثار السلبية على مجمل المتغيرات الاقتصادية وفي مقدمتها الاستثمار، واخذ الفساد المالي والإداري في العراق أوجه وصور مختلفة منها ما يتمثل في عقود الأعمار والبعض الآخر يتمثل في التهريب، مما انعكس على إيجاد مناخ استثماري غير داعم للاستثمار ولا سيما الاستثمار الأجنبي لأنه يعمل على تقليل الشفافية والمنافسة السليمة ويزيد من كلف المعاملات على حساب عائد الاستثمار.
وهناك معوقات أخرى تقف بوجه الاستثمار ومنها البيروقراطية والروتين الإداري والخاص بالتشريعات القانونية اللازمة لتسهيل عملية الاستثمار على مختلف مراحلها ويضاف إلى ذلك النقص الحاصل في مستوى الثقافة الاستثمارية، فما زالت هذه الثقافة بعيدة عن أذهان المسؤولين في السلطة والذي انعكس بدورة على تعطيل القرار الاقتصادي الداعم لعملية الاستثمار.
هناك بعض النصوص القانونية التي تضمنها قانون الاستثمار والتي عملت على خلق تناقضات كبيرة شكلت فيما بعد مخاوف لدى المستثمرين من الدخول في مشاريع استثمارية في العراق، وخاصة تلك التناقضات التي تتعلق بموضوع ملكية الأرض حيث لايزال هناك جدلا كبير بين الاقتصاديين حول هذا الموضوع، فالبعض يؤيد ملكية الأرض للمستثمر والبعض الآخر يطمح في زيادة المدة القانونية لإيجار وخاصة في المشاريع السكنية، حيث هكذا مشاريع تتطلب استملاك الأراضي ومن ثم بيعها على شكل وحدات سكنية وهذا العمل يحتاج إلى فترة زمنية طويلة لتنفيذ مما يستدعي إن تكون مدة الإيجار طويلة مقارنة بالدول الأخرى وأيضا مشاكل تتعلق بالإعفاءات الضريبية من حيث المدة الزمنية للإعفاء، ومشاكل أخرى تتعلق بموضوع الرأسمال العراقي المهاجر حيث لم يتضمن القانون وبشكل مباشر لأهمية هذه الأموال ودورها في رفد عملية التنمية الاقتصادية وأيضا معوقات أخرى تتعلق بالدور المركزي في اتخاذ القرارات مما يطمح البعض في نقل سلطة القرار إلى الوزارات القطاعية المعنية في البلد (20).
وانتشر الفساد بشكل كبير بعد تغيير النظام السياسي في العراق عام ٢٠٠٣، فقد انتشر الفساد في كل مؤسسات الدولة وفي كل السلطات سواء كانت التشريعية أو التنفيذية أو القضائية، إذ أوضحت لجنة النزاهة في مجلس النواب ارتكاب وزير الدفاع حازم الشعلان فساد إداري كبير في وزارة الدفاع خاصة في شراء أسلحة من أوكرانيا، وكذلك وزير الكهرباء أيهم السامرائي ووزير التجارة فلاح السوداني، فضلاً عن كثير من اجهزة الدولة من قمة الهرم وهي سلطات النظام السياسي وانتهاءً بالقاعدة وهي مؤسسات الحكومات الاتحادية ولا يزال العراق يعاني من أبشع جرائم الفساد في مسألة العقود والمقاولات وصفقات الأسلحة وفي الادارة، أن عمليات الفساد الإداري والمالي في العراق واجهت انتقادات كبيرة من قبل منظمات المجتمع المدني والمنظمات العالمية والمؤسسات الرسمية والشعبية التي انتقدت بقوة ظاهرة انتشار الفساد بكل أنواعه وكذلك من المؤسسات الدينية التي اعلنت في كثير من الأحيان ضرورة معالجة ظاهرة الفساد ومعاقبة المقصرين لأنها الآفة التي تأكل مدخرات المواطنين وتعرقل تنفيذ المشاريع التي لها صلة بحياة المواطن العراقي (21).
ان الفساد يؤدي إلى خفض الانتاجية ومعدل النمو ويحجم مستوى الاستثمار ويحد من المنافسة ويزيد من الانفاق الحكومي وهذا ما أشار إليه نائب رئيس الوزراء السابق برهم صالح، واصفاً الفساد بأنه التحدي الأبرز أمام الحكومة وأن بعض الأرقام تشير إلى خسارة الاقتصاد العراقي بنحو أربعين مليار دولار خلال السنوات الأخيرة من الاحتلال، اما في الوقت الحاضر فتقدر الارقام الى اكثر من مئات المليارات (22).
ان الادارة السياسية قد انتقلت الى الزعامات السياسية العراقية بعد منتصف 2004 الا انه ولحد الان لا نجد هناك خطط اقتصادية محكمة (متوسطة او بعيدة المدى). فالموجود هو: أولا عبارة عن مجرد رغبات فردية للمسؤولين ولمشاريع محدده، وثانيا يفتقر الى دراسة الجدوى الاقتصادية وارتباطها بالقطاعات المختلقة (كالارتباط العضوي لأعضاء الجسم الانساني). ولا يوجد مجلس اقتصادي يستنير بالطاقات العراقية في الداخل والخارج في رسم السياسات المصيرية (ادارة الدين العام، معالجة الكفاءة في المؤسسات الانتاجية، وتمويل العجز لمشاريع اعادة الاعمار، تفعيل الممارسة اللامركزية، واصلاح سياسة الدعم الاقتصادي الحكومي،... الخ). ومع ان العراق كان ولا يزال مؤهلا للاستفادة من الخبرات الاجنبية والتجارب الناجحة، الا انه كان يفتقر لإقتطاف هذه الفرص بشكل سليم. فرغم وجود عدد كبير من الاستشاريين في المؤسسات الدولية الأ انهم يفتقدون التوجيه العراقي والمبادرة والمتابعة السليمة، الامر الذي ادى الى هدر كثير من الطاقات والامكانات المالية. اما فيما يتعلق بالجانب الاستشاري للحكومة فبدلا من ان تكون هناك جهة مركزية تضم قيادات متمرسة في التخطيط والعمران، نجد ان كثير من القيادات السياسية ارتأت ان يكون في مكاتبها جهازا استشاريا مبنيا على اسس المحاصصة لا يتمتع بالكفاءة والخبرة. والغريب ان اجهزة الرقابة تقف متغاضية عن الامر ولا تتحدث عن الهدر بالمال العام في هذا الامر (كما هي قادرة وجادة على تشخيص الهدر في مرافق اخرى) (23).
ان السياسة المالية تحتاج الى كفاءات متقدمة لأغراض التفاوض مع العالم الخارجي وعقد الاتفاقيات الضرورية، ولرسم السياسات المختلفة (كالاستثمار)، ولمعالجة الاختناقات في تلبية المتطلبات المالية للقطاعات المختلفة (كالعجز)، والمعرفة بالأسواق العالمية. وان التجربة العالمية تؤشر بوجود علاقة وثيقة بين الادارة السياسية السليمة لكل بلد والرفاهية الاقتصادية له(24).
يتفق خبراء القانون بأن احتلال العراق لم يكن مشروعاً فأثناء الاحتلال وخلاله تم إعادة هيكلة منظمة الأمم المتحدة في اتجاه عولمة العالم لمصلحة الولايات المتحدة وكان مثالاً لحكم الفساد في العلاقات الدولية الحديثة حيث أن الفساد هو أسلوب استعمال السلطة بغض النظر عن الدوافع والاسباب المعلنة وغير المعلنة فقد مر العراق في ضوء ذلك بالمراحل التالية:-
١. انهيار السلطة.
٢. تدمير الدولة ومؤسساتها.
٣. تدمير المجتمع العراقي.
٤. تبذير الموارد وعدم معرفة جهة انفاقها أو طبيعة الانشطة التي اقامتها.
4- تعقيد نظام المالية الحكومية في العراق:
يتسم نظام المالية العامة في العراق بالتعقيد وهو يتألف من المقاطع الآتية:
1- قطاع الاعمال العام: والذي يتشكل من الشركات المالية وغير المالية. في الصنف الأول المصارف التجارية والمتخصصة وشركات التامين وسواها. وفي الصنف الثاني شركات وزارة النفط والصناعة والأعمار والأسكان ونشاطات أخرى ذات طابع تجاري. وهذه الشركات مستقلة ماليا واداريا وفق قانون الشركات رقم 22 لسنة 1997 وتعديله اللاحق.
أوضاع هذه الشركات متباينة ويغلب عليها الفشل في الزمن الحاضر الا القليل منها. وتبنت الحكومة خطة متثاقلة لإعادة هيكلتها. ومن الناحية العملية يؤجل تنفيذها. وقد تعطلت بعض هذه الشركات بالكامل وأخرى ضعيفة الأداء بشكل مذهل بكل المقاييس نتيجة غياب الدافع الذاتي وانعدام التحفيز والحزم الحكومي. ولهذه الشركات علاقة معروفة بالموازنة، اذ تقتطع حصة من الأرباح عند تحققها وتدفع اعانة للشركات الخاسرة وكافة مصاريف الشركات المتوقفة وأهمها رواتب المنتسبين. ومن المهم لسلامة الوضع المالي في العراق اعداد وثيقة المركز المالي التجميعي لهذه الشركات مع تحليل وافي يقدم مع ملف الموازنة العامة للسلطتين التنفيذية والتشريعية وتوجيهات وضوابط وسياسات يلتزم بها تصدر ملحقة بالموازنة العامة عند تشريعها. ان هذه الشركات تسهم في تعيين المركز المالي للدولة ولا بد ان تحظى بالعناية في سياق تحضير ومناقشة الموازنة. (25)
2- الموازنة الإتحادية: والتي تستقبل ايرادات النفط، وتعتمد عليها في تمويل الأنفاق. وهي محور النظام المالي العام في العراق وفي البلدان جميعها. وتعاني ادارة الموازنة الإتحادية نواقص كثيرة في البيانات الأساس للنشاطات التي تمولها ومنها معدومة بالكامل، وضعف التوثيق والمطابقات ومنها قصور الحسابات المقابلة لحركة الأرصدة المصرفية. وضعف كفاءة أقسام المحاسبة والتدقيق في الكثير من الدوائر. كما ان تقارير الأداء المالي لا تسمح بالتحليل الوافي لتحسين ادارة الموازنة. ومن الصعب الحديث عن سياسة مالية بالمعنى المنهجي للكلمة لأنها تقوم على الربط بين مكونات الإيرادات والنفقات ومتغيرات الإقتصاد الكلي ونقص البيانات ودقتها وتخلفها الزمني ملحوظ في هذه الميادين كافة. ولهذا من المبالغة القول بعلاقة واضحة بين الموازنة والنمو والتشغيل ومتطلبات الإستقرار فضلا عن العدالة الإجتماعية وصلتها المعروفة مع توزيع الثروة والدخل. وان هذا الوضع المعلوماتي والإداري المؤسف لا يتناسب مع الصخب السياسي حول الموازنة ويثير التساؤلات حول مقاصده الأخيرة. ويكشف عن الفاعلية المشكوك فيها لبرامج الإصلاح التي أعلنت عنها المنظمات الدولية ودوائر المساعدة الأجنبية لتطوير الإدارة المالية في العراق. ولا زالت الموازنة تفتقر الى الإلتزام الواضح بإعادة بناء الإدارة الحكومية على أساس الوظيفة وإدارة النشاطات بمعايير الكلفة- المنفعة والكلفة – الفاعلية وان الخلل في الأداء المالي هو انعكاس للحقائق الأعمق.
3- الموازنات على المستوى الإقليمي: ومن الناحية العملية يعد العراق دولة في اقليمين، كردستان وبقية العراق. ولكن من جانب الإدارة لا توجد، على المستوى الإقليمي، سوى موازنة كردستان وهي الالية التي يدار ألأنفاق العام من خلالها كليا في الإقليم. وتعتمد ايضا، في المقام الأول، على التحويلات من الموازنة الإتحادية. الا ان بقية العراق لازالت ادارته المالية مدمجة مع الموازنة الإتحادية بطريقة لم تعد ملائمة. ومن المناسب، للإدارة المالية وحسب، معاملة بقية العراق على انه اقليم. وتستحدث موازنة له تسمى موازنة اقليم المركز وتحول حصة بقية العراق، بعد استبعاد النفقات الإتحادية والحاكمة، الى هذه الموازنة والتي تكون لها دورة محاسبية مستقلة عن الموازنة الإتحادية وادارة خاصة على غرار كردستان. ويساعد هذا الأجراء على تطوير النظام المالي في العراق ويمهد لحلول أكثر واقعية لبعض المشكلات ومنها عقود النفط. ويشجع على النهوض بالموارد على المستوى دون الإتحادي مع تبسيط الإجراءات وربما الإسراع في تنمية البناء التحتي.
4- الموازنات على المستوى المحلي: وهي أمانة بغداد والمحافظات والوحدات الإدارية ألأدنى وبلديات المدن. وهذه الموازنات تزداد أهميتها مع التوجه اللامركزي. وأصبح من الملح الكشف عن هذه النشاطات المالية أمام السلطات المسؤولة والجهات الرقابية والخبراء بطريقة أفضل. ولهذا الهدف من المهم المباشرة بتغيير انظمة التوثيق والإفصاح وما تحتويه التقارير. وطالما تستلم هذه الموازنات تحويلات من المركز فلا بد من العناية بها عند مناقشة واقرار الموازنة الإتحادية. ومثلما قيل في قطاع الشركات العامة من المفيد أيضا اظهار المركز المالي التجميعي لهذه الوحدات ملحقا بالموازنة الإتحادية أو موازنة اقليم المركز مع ضوابط وسياسات لتنمية الإيرادات المحلية وكفاءة التصرف بالموارد.
ان الواقع المالي في الموازنة العامة له تأثير كبير في إقامة المشاريع فضلا عن السياسة الاقتصادية للدولة، من حيث التنمية على مختلف مستوياتها، فالعجز في الموازنات يؤدي الى عدم تخصيص الأموال لإقامة المشاريع، كما ان عدم التخطيط لإقامة المشاريع يؤدي الى هدر في المال العام، كما ان سوء الإدارة وعدم وجود استراتيجية استثمارية واضحة يؤدي الى التخبط والعشوائية في الاستثمارات مما يؤدي الى فشل و تعرقل انجاز او تنفيد اغلب مشاريعها الاستثمارية وحتى لو انجزت فيكون على حساب كلفة اضافية (اعلى من الكلفة الكلية المقرة للمشروع) وايضا بمدة زمنية تتجاوز المدة المحددة للمشروع وفشل بعض المشاريع من تحقيق الأهداف المرجوة من تنفيذها.
كذلك عدم وجود شفافية مالية في المشروع المزمع إنشاؤه ضمن المؤسسة الطالبة للمشروع واخرى في الجهة التي تصادق على ادراج المشروع ضمن المشاريع الاستثمارية للدولة سيلقي بظلاله سلباً على المشاريع الاستثمارية وعموم الاقتصاد الوطني.
والهيأة الوطنية للاستثمار تتمتع بالشخصية المعنوية ويمثلها رئيس الهيأة أو من يخوله، وتكون مسؤولة عن رسم السياسة الوطنية للاستثمار ووضع الضوابط لها ومراقبة تطبيقها وتختص بالمشاريع الاستثمارية الإستراتيجية والمشاريع ذات الطابع الاتحادي. (قانون الاستثمار العراقي، المادة (4))
تُشكل في الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم هيئات استثمار تتمتع بالشخصية المعنوية ويمثلها رئيسها أو من يخوله وتمول من موازنة الإقليم أو المحافظة ولها صلاحيات منح إجازات الاستثمار والتخطيط الاستثماري وتشجيع الاستثمار ولها فتح فروع في المناطق الخاضعة لها بالتنسيق مع الهيئة الوطنية للاستثمار لضمان حسن تطبيق القانون. (قانون الاستثمار العراقي، المادة (5))
وعقد مؤخرا في الكويت مؤتمر اعادة اعمار العراق بتحالف مالي واقتصادي دولي يهدف الى بناء ما دمرته الحرب وتحقيق الاستقرار والسلام بعد سنوات من الحروب الشرسة التي خاضها البلد نيابة عن العالم. وشارك في المؤتمر قرابة (1850) شركة و(76) دولة، وهو ما يؤكد على اهمية العراق الاستراتيجية ومستقبله الاقتصادي الواعد، خصوصا مع تصدر العراق قائمة الدول المصدرة للنفط في اسواق الطاقة العالمية.
وقد وصل حجم تعهدات الدول المانحة في المؤتمر قرابة 30 مليار دولار، ويقل هذا المبلغ عن نصف حاجة العراق الفعلية التي قدرها مسؤولون حكوميون بأكثر من 88 مليار دولار لازمة لإعادة تأهيل وإعمار المدن المحررة. وجاء ترتيب أبرز الدول والمنظمات التي ساهمت بمبالغ في إعادة إعمار العراق، سواء على شكل قروض أو منح أو فرص استثمارية كالتالي: (26)
1- تركيا: خمسة مليارات دولار على شكل قروض واستثمارات.
2- الولايات المتحدة: ثلاثة مليارات دولار على شكل قروض.
3- دول الخليج: الكويت (مليار دولار) على شكل قروض ومليار دولار على شكل استثمارات، السعودية (مليار دولار) مخصص لمشاريع استثمارية و(500) مليون دولار لدعم الصادرات السعودية، قطر (مليار دولار) قروض واستثمارات، الإمارات العربية المتحدة (500) مليون دولار.
4- بريطانيا: مليار دولار لدعم الصادرات البريطانية الى العراق على مدى 10 سنوات.
5- ألمانيا: مساعدات بـقيمة (350) مليون يورو تقدم للعراق في العام 2018.
6- إيطاليا:(260) مليون يورو على شكل قروض ميسرة.
7- الاتحاد الأوروبي: (400) مليون دولار على شكل مساعدات إنسانية.
8- منظمات غير حكومية: (330) مليون دولار على شكل مساعدات، (500) مليون دولار يقدمها البنك الإسلامي للتنمية للمساهمة في إعمار العراق، كما أعلن الصندوق العربي للإنماء التوصل إلى تسوية مع العراق تتيح له الاستفادة من تمويل الصندوق بمقدار مليار ونصف المليار دولار.
نجحت الحكومات العراقية المتعاقبة (ما بعد 2003) في هدر وضياع مئات المليارات من الدولارات خلال السنوات الماضية، ولا يستغرب اطلاقا اخفاق الحكومة بمختلف مؤسساتها في جني الفوائد المتوقعة من مؤتمر الكويت للمانحين. خصوصا مع بلوغ معدلات الفساد في البلد نسب مرعبة، تكبح الجهود الدولية والاممية في مساعدة العراق على تجاوز الازمة الراهنة.
وينبغي الاشارة الى ان معظم ما تحقق في مؤتمر الكويت هو عبارة عن قروض ميسرة يتوقع ان تزيد اعباء الدين العام، الذي لامس قرابة 117 مليار دولار حتى نهاية العام 2017. وبالتالي لن يستفيد العراق كثيرا من القروض المقدمة، خصوصا وأنها خاضعة لإجماع وموافقة مجلس النواب الذي أخفق لغاية الان في اقرار موازنة العراق عام 2018. من جانب اخر فان الاقتصاد العراقي لا يمتلك الطاقة الاستيعابية لاستثمار اموال تلك القروض بكفاءة في مشروعات اعمار وبنى تحتية (27).
ويمكن ايجاز أبرز اسباب اخفاق مؤتمر الكويت بتحقيق اهدافه المرجوة بما يلي:
لم يكن الاعداد الحكومي لمؤتمر الكويت بالمستوى المطلوب، وجاء في وقت ارتفعت فيه معدلات الفساد والمحسوبية في مختلف مؤسسات الدولة، بما فيها السلطات التشريعية والرقابية والقضائية، واستمرار العراق في تصدر قائمة الدول الأكثر فسادا عربيا وعالميا بحسب مؤشر منظمة الشفافية العالمية لعام 2018، فضلا على ضعف معدلات الشفافية وسيادة القانون.
وخيبت نتائج مؤتمر الكويت الحد الادنى من التوقعات الحكومية في تحقيق التخصيصات المالية اللازمة لإعادة اعمار وبناء ما دمرته الحرب وارساء قواعد السلام والرفاه في المدن المحررة. ولم يختلف مؤتمر الكويت كثيرا عن مؤتمر مدريد للمانحين عام 2003 ومؤتمر العهد الدولي عام 2007، ومختلف مؤتمرات الاستثمار التي عقدت داخل العراق وخارجه. وتلزم النتائج التي تمخض عنها مؤتمر الكويت اعادة النظر في المناخ الاستثماري في العراق، وإدراك الحكومة بان توفر الفرص الاستثمارية لا يكفي لجذب الاستثمار الاجنبي، وانما يتطلب الامر ايضا جهودا استثنائية في تحسين البيئة الاستثمارية والتشريعية في البلد، والبدء بخطوات جدية لتسهيل ودعم الاستثمارات وإزالة العوامل الطاردة للاستثمار كالحلقات الروتينية والبيروقراطية المؤطرة لعمل المؤسسات الحكومية ذات العلاقة. وتؤشر نتائج مؤتمر الكويت واحجام الدول عن منح العراق مبالغ نقدية انعدام الموثوقية في نزاهة الحكومة العراقية بكافة مؤسساتها، مما يتطلب العمل الجاد على اعادة النظر في الاساليب التقليدية في مكافحة الفساد المالي والاداري وتفعيل الاجراءات الكفيلة بكبح جماح الفساد المستشري في معظم مؤسسات ودوائر الدولة عبر الاستعانة بخبرات وتجارب مؤسسات الرقابة والتدقيق الدولية(28).
المبحث الثالث:
الرؤية الاستثمارية التشريعية
إن مناخ الاستثمار هو الوعاء الحقيقي للحياة الاقتصادية، وبذلك أدركت الدول ضرورة تهيئة المناخ الملائم للاستثمار من حيث البحث عن الحلول اللازمة للمعوقات التي تحول دون قيام ذلك، والاقتصاد العراقي يشترك مع تلك الدول بكثير من الروابط وخاصة الاقتصادية منها، لذا فإن السياسة الاستثمارية في العراق تواجه جملة من التحديات، تأتي في مقدمتها التشريعات القانونية التي تضمن الحق الشرعي للاستثمار في العراق.
المطلب الأول: توجه استراتيجي استثماري جديد
يمثل الاستثمار تيارا من الإنفاق على الأصول الإنتاجية كشراء المعدات والآلات ووسائل النقل اللازمة للمشروعات الإنتاجية والتي يطلق عليها ((الأصول الرأسمالية)) كما يمثل الاستثمار في المباني السكنية إضافة إلى التغيرات التي تحدث في المخزون السلعي كأن تكون مواد أولية أو وسيطة أو سلع نهائية خلال فترة معينة (29)
يرى البعض إن الاستثمار يعني التضحية حالية يمكن تحقيقها من إشباع استهلاكي من اجل الحصول على منفعة مستقبلية يمكن الحصول عليها من استهلاك مستقبلي كبير (30).
المعنى الاقتصادي للاستثمار:- اكتساب موجودات مادية، أي بمعنى التو ضيف الحقيقي للأموال في العملية الاقتصادية من اجل الحصول على إضافة منفعة أو خلق قيمة حقيقية تكون على شكل سلع وخدمات.
* المعنى المادي للاستثمار:- من هذا الجانب ينظر إلى الاستثمار على انه اكتساب الموجودات المالية أي بمعنى آخر توظيف الأموال في بيع وشراء الأوراق المالية والأدوات المالية الأخرى.
ويمكن دمج المفهومين تحت مفهوم شامل للاستثمار على انه يمثل ذلك التعامل بالأموال للحصول على الإرباح وذلك بالتخلي عنها في لحظة زمنية معينة بقصد الحصول على تدفقات مالية مستقبلية تعوض عن القيمة الحالية للأموال المستثمرة وتعوض عن كامل المخاطرة الموافقة للمستقبل. (31)
هنالك إشكال وأنواع كثيرة للاستثمار في الواقع العملي من حيث الهدف من الاستثمار:-
ويمكن تصنيف الاستثمار من هذه الناحية (هدف الاستثمار) إلى استثمارات توسعية و استثمارات إستراتيجية، واستثمارات في مجال البحث والتطوير.
- الاستثمارات التوسعية:-
ويكون الغرض من هذا النوع من الاستثمارات هو توسيع الطاقة الإنتاجية للمؤسسة وذلك من خلال إدخال أو إضافة منتجات جديدة من اجل توسيع الحصة السوقية وزيادة القدرة على المنافسة.
- الاستثمارات الإستراتيجية:-
يهدف هذا النوع من الاستثمارات إلى المحافظة على بناء أو استقرار المؤسسة أو المشروع، وتوصف حالة الاستثمار، هنا من خلال توجيه جزء من مبالغ الإيرادات المؤسسة لعدد من السنوات وتوجيها إلى استثمار استراتيجي معين.
- الاستثمار في مجال البحث والتطوير:-
إن هذا النوع من الاستثمار يكتسب أهمية خاصة في المؤسسات الكبيرة الحجم حيث تكون معرضة للمنافسة الشديدة، ونجد إن هذا الاستثمار يسعى إلى تخفيض الكلفة وتحسين نوعية المنتج عبر الزمن ويتم ذلك من خلال تكثيف الآلات وتطوير الجهاز الإنتاجي بإدخال التحسينات عليه وتكون النتيجة زيادة في قدرة المؤسسة على مواجهة المؤسسات الأخرى المنافسة في مختلف الأسواق (32).
من حيث التبعية:-
يصنف الاستثمار حسب المعيار أعلاه إلى نوعين هما:-
* الاستثمار الخاص الذي يقوم به القطاع الخاص.
* الاستثمار العام الذي تقوم به الحكومة
وتعد مسألة التفرقة بين هذين النوعين من الاستثمار من الأمور المهمة في دراسة الظواهر الكلية حيث يستند الاستثمار في القطاع الخاص إلى دافع الربح بشكل أساسي أما الاستثمار في القطاع العام فانه يهدف إلى تحقيق أهدف التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحسب الفلسفة التي تؤمن بها الدولة (33).
مصادر تمويل الاستثمار:
الاستثمار كما هو معروف يعدّ تدفقا من الانفاق وهذا الانفاق هو مادي بالدرجة الاولى يتوجه لمتطلبات الاستثمار وعليه يتوجب معرفة مصادر هذا الانفاق وهي:-
أ- المصادر المحلية الوطنية:- وتمثل المدخرات مادته الرئيسة وتأخذ المدخرات هنا العديد من الصور اذ ان هناك مدخرات بوساطة المشروعات (قطاع عام) او الافراد (القطاع العائلي) او تكون واجبة الالزام (قسرية) بوساطة الدولة (الاقتراض الداخلي ـ الضرائب ـ التمويل بالعجز) (34).
ب- المصادر الاجنبية:- في حالة قصور المصادر المحلية او لغرض دعمها يعمد الى الاستعانة بالمصادر الخارجي لأجل الحصول على السلع والخدمات المكملة لعوامل الانتاج المحلية وهناك انواع مختلفة للتمويل الخارجي منها:-
1. القروض الخارجية: وهذه ممكن الحصول عليها نتيجة لعلاقات الدولة الخارجية أي مع الدول الاخرى أو المنظمات الإقراضية الإقليمية والدولية.
2. التمويل الرسمي: وهي تدفقات اجنبية تتلقاها الدولة المعنية من الدول الاخرى وتشمل مساعدات التنمية الميسرة وتدفقات التنمية الرسمية غير الميسر كقروض البنك الدولي.
3. الاستثمارات الأجنبية (شركات اجنبية، مؤسسات دولية، ممولين اجانب) ـ
انواع الاستثمار الاجنبي: يقسم الاستثمار الاجنبي الى انواع عده وفقا للمعيار المعتمد في التقسيم وهذه الانواع هي من حيث معيار الزمن:-
1. الاستثمار الاجنبي المباشر(FDI):- هذا النوع طويل الاجل من حيث مدة الزمنية وبالتالي لا تقدم عليه الا الشركات والمؤسسات ذات الامكانات الضخمة كالشركات العابرة للقارات متعددة الجنسيات وهذا النوع من الشركات لا تقدم على الاستثمار الا من اجل مصلحتها بالدرجة الاولى لهذا يتم التحكم في الانتاج والاسعار من قبلها حصريا (35).
2. الاستثمار الاجنبي غير المباشر(IFI):- ويتم هذا النوع من الاستثمار في الاسهم والسندات العامة او الخاصة للحصول على الارباح عن طريق المضاربة في سوق الدولة المضيفة له وهو استثمار قصير الاجل ويتم عادة من قبل مؤسسات التمويل كالبنوك وصناديق الاستثمار كشركات التامين وصندوق التقاعد وكذلك من الاشخاص. كذلك فان الاستثمار الاجنبي المباشر موضوع البحث يقسم حسب كيفية دخوله السوق المحلي الى:-
أ- شركات جديده اذ تقوم شركة او مؤسسة اجنبية بالاستثمار في السوق المحلي عن طريق افتتاح فرع او مجموعة فروع لها كمراكز توزيع لمنتجاتها وخدماتها وتحتفظ الشركة الاجنبية في مثل هذا النوع من الشركات حق الإدارة والتشغيل والتسويق وجميع الانشطة الاخرى الداخلة ضمن نطاق تحقيق اهدافها الاقتصادية وان احد اهم الفوائد الاقتصادية للاقتصاد المحلي لمثل هذا النوع من الاستثمار الاجنبي نمو اصوله كالعقارات عطفا على زيادة الطلب عليها من الشركة الاجنبية ومن اهم الفوائد الاقتصادية للشركة الاجنبية في مثل هذا الاستثمار نمو موارده المادية وغير المادية.
ب- شركات الاستحواذ:-اذ تقوم شركة اجنبية بالاستثمار في السوق المحلي عن طريق شراء نسبة من اسهم شركة محلية قائمة كافية لإدارتها وتطوير ستراتيجيتها المقبلة وفي هذا النوع من الاستثمار تتفوق العوائد الاقتصادية المتوقعة من النوع الاول من الاستثمار الأجنبي (الشركات الجديدة) بالإضافة الى زيادة الطلب على اصول الاقتصاد المحلي في هذا النوع من الاستثمار عن مستوى الطلب في النوع الاول من الاستثمار ومن اهم العوائد الاقتصادية للشركة الاجنبية في هذا النوع من الاستثمار نمو مواردها المادية وغير المادية بنسبة تفوق العوائد المتوقعة من النوع الاول من الاستثمار بالإضافة الى ان الشركة الاجنبية تبقي على موارد الشركة المحلية لاستثمارها في تحقيق اهدافها الاقتصادية المقبلة ويعتبر هذا النوع من الاستثمار الاجنبي المباشر من الخيارات المتاحة امام الاقتصاد المحلي عند توجهه لاستثمار مرافقه وخدماته.
ج_ الشركات المشتركة:- اذ تقوم شركة اجنبية بالاستثمار في السوق المحلي من طريق مشاركة مستثمرا او مجموعة مستثمرين في تأسيس شركة جديده ضمن منظومة الاقتصاد المحلي وهنا يتقاسم كل من المستثمر الاجنبي والمحلي راس المال والاصول والموارد والادوات والتشغيل وجميع الانشطة الاخرى الداخلة ضمن نطاق تحقيق الاهداف الاقتصادية للشركة المشتركة وتتفوق العوائد الاقتصادية للاقتصاد المحلي من هذا النوع من الشركات على العوائد الاقتصادية المتوقعة من النوع الثاني من الاستثمار الاجنبي(شركات الاستحواذ) وبشكل عام تتباين عوائد كل نوع من انواع الاستثمار الاجنبي المباشر على منظومة الاقتصاد المحلي على المدى القصير وتتشابه على المدى البعيد.
الاستراتيجية الاستثمارية:
ان العملية الاستثمارية ليست عملية عشوائية او ردود فعل لحالات غير متوقعة انما منظمة ومخططه ومرسومة علميا ولذلك فان الإستراتيجية الاستثمارية ضرورة لتحقيق قرار استثماري ناجح وهي تعني تحديد خطة بعيدة المدى تحكم توجهات الدولة والمستثمرين وتحركاتهم على حد سواء لذلك فان الكثير من المؤسسات سواءٌ كانت حكومية أم خاصة لديها استراتيجية استثمارية مكتوبة ورسمية تعتمد على عقيدة المجتمع ونمط التنمية المطلوبة والتوجهات الاقتصادية للحكومات ومن شان هذه الاستراتيجية التقليل من خطورة أي قرار استثماري خاطئ يمكن اتخاذه ويمكن تقسيم الاستراتيجية الاستثمارية على ثلاثة اجزاء اساس:-
أ-الفلسفة الاستثمارية: وهذه تحدد الخطوط العريضة لطبيعة العلاقة التي تربط المستثمر بالاستثمار والتي من خلالها يجب معرفة الجواب على الاسئلة الآتية:-
1. هل هذا المستثمر هو من سيقوم باختيار نوع الاستثمار وطريقة تمويله.
2. هل هو من سيقوم بإدارته ومتابعة ما يواجهه من مشاكل وصعوبات والمقصود بالمستثمر هنا اما الحكومة او الافراد او أي طرف اخر.
3. ام ان المستثمر من نوع اخر اذ سيقوم بالاستعانة بجهة اخرى للقيام بهذا الدور.. وبشكل عام فان الفلسفة الاستثمارية تعكس بشكل عام حساسية المستثمر وموقفه من نوع الاستثمار الذي يود الدخول فيه وطبيعة الخطر العائد له.
ب- الاهداف الاستثمارية: تحدد السياسة الاستثمارية مواصفات وخصائص ومعايير تقييم الاستثمارات التي يجب ان تلبي رغبة المستثمر والتي تتناسب مع الفلسفة الاستثمارية والاهداف وتشمل هذه السياسات المعيار المالي وغير المالي المستعمل في تقييم الاستثمار كان يتم الدخول في المشروعات الاستثمارية التي لا يزيد عمرها عن 10 سنوات واعتماد مبدا التكامل بين قطاعات الاقتصاد الوطني كما ان السياسات الاستثمارية تشمل كذلك الاعتبارات المتعلقة بحجم الاستثمار.
وعموما فان الإستراتيجية الاستثمارية عبارة عن اداة يمكن من خلالها رؤية ما يجب عمله وما لا يجب عمله فيما يتعلق بالقرارات الاستثمارية التي يتعرض لها أي جهاز اداري يخص المستثمر.
التخطيط الاستثماري والتخطيط الاستراتيجي
1-التخطيط الاستراتيجي
إن التخطيط الاستثماري هو جزء لا يتجزأ من عمليات أوسع من التخطيط الاستراتيجي والمراقبة على الموازنة. ولا يجب أن تنشأ عروض الاستثمار على أساس غرض معين، ولكن يجب دراستها في ضوء برامج الاستثمار الموجودة بالفعل أو الممكن تنفيذها في المستقبل والمبنية على أهداف واستراتيجيات مشتركة أساسية.
يتضمن اتخاذ القرار المالي سلوكاً هادفاً والذي ينطوي على وجود هدف أو مجموعة من الأهداف. وفي حالة غياب الأهداف فإن الشركة لن يكون لديها معيار سليم محدد للاختيار من بين المشروعات والاستراتيجيات الاستثمارية البديلة. وفي السنوات الأخيرة تم اقتراح عدد كبير ومتنوع من أهداف الشركات وذلك بداية من المطمح المألوف لزيادة الربح ووصولاً إلى العمل على بقاء الشركة، وزيادة حجم المبيعات وتحقيق أرباح مرضية أو الحصول على حصة السوق المستهدفة. وتؤكد الإدارة المالية الحديث أنه يجب على المديرين السعي نحو زيادة القيمة السوقية للشركة. وقد بينت الدراسات التجريبية أن الشركات تهدف لتحقيق حد أدني من الأرباح على الأقل ثم تسعى بعد ذلك على المدى البعيد للربحية والاستقرار دون العمل على زيادة القيمة السوقية. بعد تحديد السياسات والأهداف الرئيسة، يجب تحديد أهداف معينة وذلك للتأكد من الوصول إلى برنامج متوازن للاستثمار يحقق الأغراض المالية وغيرها من الأغراض.
2- عملية اتخاذ قرار الاستثمار
تُعدّ عملية اتخاذ القرار هي لب عملية التخطيط الاستثماري وهي تبدأ منذ اللحظة الأولى لأدراك الاستثمار أو مشاكله وتنتهي باتخاذ قرار الاستثمار وتظهر في عملية تنفيذ القرار. والمراحل المختلفة التي تتراوح بين الفكرة المجردة والتطبيق متعددة ومعقدة، ولكن الإجراء المتعلق بالخطوط العريضة لذلك يجب أن يوجد في أية مؤسسة. أول مرحلة بل وأهم مرحلة في هذه العملية تتضمن التعرف على الفرص المتاحة. وتنظر النظرية الاقتصادية إلى الاستثمار على أنه تفاعل بين رأس المال المتوفر وتدفق فرص الاستثمار. ولكن من النادر أن يظهر تدفق منتظم لفرص الاستثمار إذ يمكن تقييمه، وتكون بعض الاستثمارات متكررة، مثل الحاجة إلى استبدال معدات أو تجهيزات حالية، ولكنه حتى في هذه الحالة يكون هذا التحديد متأخراً. وعلى نحو مماثل فإن الفرص المربحة لا تظهر للمدير من تلقاء نفسها، ولكنها تتطلب تصور واجتهاد من قبل الإدارة إذا كان لابد من اكتشافها في مرحلة مبكرة. سيتوفر في أي وقت عدداً من فرص الاستثمار المحتملة والتي تحقق الأهداف الرئيسة للشركة.
وإنه لمن مهام الإدارة أن تبحث بشكل مبتكر غير تقليدي عن مثل هذه الفرص وأن تقدم بعض الاقتراحات. وكلما تم تحديد الفرصة مبكراً، زادت العوائد المتوقعة وذلك قبل ردود أفعال المنافسين والمقلدين. وكثير من الشركات الكبيرة على وعي بذلك، وبالتالي فهي تركز تركيزاً شديداً على عامل الابتكار والبحث. ولكن حتى الشركات الصغيرة تستطيع بتكلفة إضافية ضئيلة أن تجعل من فمن أولوياتها التشجيع على التحديد المبكر لفرص الاستثمار. ومن الطبيعي يصعب معرفة مدى الاهتمام الذي يجب توجيهه إلى هذا المجال الحيوي. فالتكاليف الناتجة عن إهمال بعض الفرص لا تتضح مباشرة في بيان الدخل، وذلك على العكس من تكاليف البحث. المرحلة الثانية تشكل في تصفية الاقتراحات للاختيار منها. وفي أثناء هذه المرحلة فليس من المتوقع أو المرغوب فيه أن تتم دراسة وتقييم الفرص جميعاً.
فالمطلوب هنا تحديد ما إذا كانت هذه الفرصة تستحق عناء الاستمرار في البحث فيها أم لا. ويجب أن تستعمل المعلومات المتوفرة للتحقق من أن الفرصة متوافقة مع استراتيجية المشروع القائم واستراتيجية الشركة، وأن الموارد المطلوبة في متناول اليد، وما إذا كانت الفكرة ممكنة فنياً، وما إذا كان نوع الاستثمار قد حقق أرباحاً في شركات أخرى أو كان كذلك سابقاً، وكذلك للتأكد من أن العوائد تعوض المخاطرة المصاحبة. وفي حالة المشروعات الكبيرة يفضل من بداية الأمر تحديد المستوى الكلي للإنفاق على عمليات البحث الذي تكون الشركة مستعدة للمخاطر به والوصول إلى قرار بالقبول أو الرفض.
ومن الممكن أن تكون هذه الممارسة مكلفة جداً وأحياناً يصل مقدارها إلى 5% من إجمالي المصروفات الرأسمالية المخطط لها. تتضمن المرحلة الثالثة وهي تحديد المشروع تعيين كلا من الجوانب الفنية للمشروع المقترح -دورة المشروع والقدرة الإنتاجية وغيرها -وتقديرات التدفق النقدي. ويكون اقتراح الاستثمار غامضاً وليست له ملامح محددة حتى يتم تحديده بشكل جيد. وحتى في أثناء هذه المرحلة المبكرة فالاقتراحات تحظى بالتزام من جانب الإدارة. وفي أثناء جمع المعلومات يبدأ عدد من المسؤولين في تقديم الدعم وإعطاء وعود مفهومة ضمنياً، كما يتم اتخاذ بعض القرارات الفرعية مثل القرارات المتعلقة بالنفقات الناتجة عن دراسة الجدوى. (36)
المطلب الثاني: سياسة تشريعية استثمارية شاملة تلائم التوجه
إن تحقيق الاهداف الاستثمارية لا يبنى على النوايا و الرغبة بمقدار الحاجة الى قاعدة معلومات رصينة وطرح فرص ذات قيمة اقتصادية تحظى بقناعة المستثمرين و تتوافق مع اهدافهم مما يجعل الترويج مسؤولية ثقيلة في تحسين سمعة و مركز الدولة الى خارطة الاستثمار المحلي وايصال صورة واضحة عن الفرص والموارد ومنظومة التشريعات، ومع تعاظم الحاجة لرؤوس الاموال في تسريع التنمية وتحريك الفرص الاستثمارية تبرز الاهمية الفائقة للترويج الاستثماري والذي يعبر عنه بأنه حزمة من الجهود المنظمة التي تعمل على تنظيم العلاقة بين الاطراف المعنية بتحقيق المنفعة المشتركة، وخلق الثقة بالفرص المتاحة و التشريعات النافذة و القناعة بالامتيازات الممنوحة والمقومات المحلية (37)، اما الترويج الخارجي فهو نشاط لترويج الدولة في الخارج كوجهة استثمارية مميزة، ترتكز على دراسات لأسواق الدول لتساعدها في تحديد الدول و المستثمرين المحتملين حيث يتم استهدافهم ضمن استراتيجية توضع لتشجيع الاستثمار(38).
تعتمد الكثير من الدول في ترويجها لاستثماراتها على اساليب مختلفة في محاولة منها لإستقطاب رجال الاعمال اليها من هذه الاساليب ما قامت به دولة الفلبين فقد اصدرت خطة سنوية تتضمن اولويات الاستثمار في البلد، في حين قامت اندونيسيا بالترويج لفرصها الاستثمارية من خلال مراكز خارجية منتشرة في مختلف دول العالم، وقد انشأت وكالة تنمية الاستثمار في المجر اكثر من 40 مكتباً في مختلف دول العالم لتوفير المعلومات الاقتصادية والتشريعية و الفرص الاستثمارية و الحوافز التي تقدمها الحكومة، اما السويد فقد انشأت وكالة لترويج الاستثمار، وعمل المكتب الاندونيسي لتشجيع الاستثمارات وتنمية المشروعات بتقديم خدمات ما قبل الاستثمار.ونجد دول اخرى قامت بترتيب زيارات عمل لممثلي الشركات الاجنبية لتعريفهم بفرص الاستثمار و مدهم بالمعلومات المفصلة عن مواقع و تكلفة الانتاج فضلاً عن تنظيم المعارض لتعريف رجال الاعمال بميزات تلك البلاد و اقامة المؤتمرات و الندوات و دعوة الصحفيين والمتخصصين الاجانب و اطلاعهم على مناخ الاستثمار فيها (39).
النتائج والتوصيات
وفي ختام بحثنا هذا نعرض أهم النتائج التي توصلنا اليها ونصوغ في ضوئها بعض التوصيات.
أولا: النتائج
1- لم تكن التشريعات الاستثمارية الحكومية بالمستوى المطلوب. ولم تقدم رؤى وآليات جديـدة ضامنة للمستثمرين باتجاه مشروعــات البناء والاعمار.
2- ارتفاع معدلات الفساد والمحسوبية في مختلف مؤسسات الدولة، بما فيها السلطات التشريعية والرقابية والقضائية، واستمرار العراق في تصدر قائمة الدول الأكثر فسادا عربيا وعالميا بحسب مؤشر منظمة الشفافية العالمية لعام 2018، فضلا على ضعف معدلات الشفافية وسيادة القانون.
3- اخفاق الدبلوماسية العراقية في تحقيق الحدود الدنيا من التنسيق والتعاون المطلوب مع الدول الصديقة للعراق. وترويج البيئة التشريعية الاستثمارية العراقية.
4- عدم إدراك الحكومة بان توفر الفرص الاستثمارية لا يكفي لجذب الاستثمار الاجنبي، وانما يتطلب الامر ايضا جهودا استثنائية في تحسين البيئة الاستثمارية والتشريعية في البلد، والبدء بخطوات جدية لتسهيل ودعم الاستثمارات وإزالة العوامل الطاردة للاستثمار كالحلقات الروتينية والبيروقراطية المؤطرة لعمل المؤسسات الحكومية ذات العلاقة.
5- انعدام الموثوقية في نزاهة الحكومة العراقية بكافة مؤسساتها، مما يتطلب العمل الجاد على اعادة النظر في الاساليب التقليدية في مكافحة الفساد المالي والاداري وتفعيل الاجراءات الكفيلة بكبح جماح الفساد المستشري في معظم مؤسسات ودوائر الدولة عبر الاستعانة بخبرات وتجارب مؤسسات الرقابة والتدقيق الدولية.
ثانيا: التوصيات:
1- شفافية القوانين المنظمة للاستثمار واستقرار الاحكام التشريعية له، اذ أن استقرار الاحكام التشريعية يوفر للمستثمر الأساس الثابت لتوقعاته، ويعكس الثقة في استقرار وثبات الأوضاع المحيطة ببيئة الاستثمار والعكس سيولد لديه القلق من عدم استمرارية الفرضيات التي يبنى عليها قراره الاستثماري.
2- كذلك فأن التعارض بين القوانين المنظمة للعملية الاستثمارية، وعدم شمول تشريعات الاستثمار للمسائل كافة التي تعالج وتنظم العملية الاستثمارية الأمر الذي يفتح المجال أمام الاجتهادات بشأن الجوانب التي أغفلتها التشريعات الناظمة للاستثمار واختلاف الاجتهادات من مسؤول لآخر، ومن وقت لآخر، الامر الذي يخل بعدالة التشريع وقد يحول دون حصوله، اذ ليس من المعقول ان يمنع المستثمر من حق التملك طبقاً لقانون الملكية بينما يتيح ذلك قانون الاستثمار.
3- تسهيل اجراءات الحصول على ترخيص الإستثمار وإجراءات تنفيذه.
4- وجــود جهة واحدة يتعامل معها المستثمر والى أي مدى توفر للمستثمر مــا يبذله من وقت وجهد وتسهل له اجراءات الترخيص وتنفيذ الاستثمار بعيداً عن التعقيدات الادارية والفساد الإداري.
5- ان الجوانب الرئيسة لبيئة الأعمال والمتمثلة في التعارض باتخاذ القرار العام وانعدام الشفافية وحالات التداخل البيروقراطي مع قرارات الأعمال كلها عوامل تؤدي الى زيادة كلف المعاملات، لذا فإن السماح بالاستثمار الاجنبي وتقديم الحوافز قد لا تؤدي بالضرورة الى قدوم الاستثمار فقد يكون زيادة كلف المعاملات الناتجة عن الاختلالات في تنفيذ السياسة ما يؤدي الى تثبيط همم المستثمرين الراغبين بالاستثمار، فالدرجة العالية من التنظيم الحكومي، ومركزية إتخاذ القرار لتحقيق الانسجام بين الأهداف وتنسيق السياسات عوامل ضرورية لتسهيل بيئة الأعمال.
6- إن اجراءات تشجيع الاستثمار الاجنبي المباشر يمثل عنصراً من عناصر تهيئة بيئة الأعمال، إذ أدركت الحكومات التي تبحث عن الاستثمار وتسعى الى تحسين صورة بلدانها لدى أوساط المستثمرين موقعاً مؤات للاستثمار بأهمية النشاط التشجيعي لوصول المعلومات الى متخذي القرار ولا سيما الدول غير الواضحة وغير الجذابة امام المستثمر الاجنبي، وهي بذلك تعتمد على الاتصال المباشر بالمستثمرين المحتملين وبشكل خاص بالمستثمرين المهمين.
7- ان خدمات ما بعد الاستثمار تعد وسيلة لضمان بقاء الاستثمار أطول مدة ممكنة. وتعد المنافع التي تعود على البلد المضيف من وراء تنفيذ برنامج ناجح فعال للترويج للاستثمارات كبيرة ولاسيما للاستثمارات المخصصة للتصدير اذا ما توفر المناخ الجاذب للاستثمار وتوفر فرص استثمارية مجزية وفي المقابل تشير أغلب الدراسات الى أن تنفيذ برنامج كفء للترويج يكون أقل كلفة من تطبيق برامج للإعفاءات الضريبية.
8- الترويج للاستثمار كنوع من أنواع التسويق وينبغي ان يكون العاملون في هيئات الترويج من ذوي الخبرة والكفاءة بالعملية، فالشكل الأمثل هو التنظيم شبه الحكومي الذي يتيح إمكانية اجتذاب المهارات اللازمة من القطاع الخاص، وتقديم الخدمات الحكومية للمستثمرين، فضلاً عن تحريره من الروتين الحكومي.
9-التركيز على تشجيع الاستثمار المحلي عبر السماح بانشاء الشركات المساهمة الخاصة بالاستفادة من الادخار الوطني (ادخار المواطنين) وحفزها على الشراكة مع القطاع العام في تمويل المشروعات الوطنية الضخمة في البنى التحتية، كاستثمار أموال المتقاعدين او استثمار مدخرات المواطنين.