سيادة القانون والعدالة والاعتدال طريقنا للسلام والتنمية والاستقرار

د. عز الدين المحمدي

2018-11-14 04:23

المقدمة

اذا قبلنا ان دور الدولة هو تنظيم الصراع السياسي، بشكل تكون لها القدرة على ادارة هذا الصراع لتحافظ على وجود الجماعة من خلال التجديد المستمر لطريقها في الوجود فانه من الواضح ان الدولة لا تستطيع دعم هذا الدور الا اذا كانت تمتلك سلطة بمعنى الكلمة ويجب عليها لكي تفرض قواعد اللعبة ان تكون لها طاقة وقوة مستقلة اعني مستقلة عن وجود قوة الاحزاب ويجب ان تكون الاحزاب مرغمة على قبول سلطة الدولة، ليس فقط اللعب الذي يتوجه طموحاتها وانما ايضا قوة تحد من طموحات الاحزاب هذا يعني ان من الضروري ان تكون الدولة قادرة دون افساد التضامن الذي يوحدها مع توجه جماعي آخر، وان تخدم المصالح الخاصة لكل المجتمع، وهذا التنظير في الشروط ذات طبيعة متنوعة لأنها تتعلق بالتربية والتعليم والمعتقدات الدينية وانماط الحياة والبنية الاقتصادية ويمكن القول ان تحققها بمجموعها يترجم في ايجاد مجتمع متجانس وخطاب يتمتع بالعدالة والاعتدال في طرح القضايا الوطنية بعيدا عن التخندقات الطائفية التي تُبعد المصلحة الوطنية من تحقيق أهدافها وطموحات المجتمع الإنساني، احترام سيادة القانون وتحقيق العدالة وضمانات حقوق الانسان بكل ابعادها يضمن الاعتدال في الخطاب والسلوك وتحقيق السلام والاستقرار والتنمية المجتمعية المستدامة في العراق.

أولا: أهمية البحث

تأتي أهمية البحث والمنطقة العربية والعراق على وجه الخصوص تتعرض الى تغييرات في خارطتها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والمؤسسية وتتعرض مجتمعاتها الى غسيل عقلي وفكري ونفسي للقبول والرضوخ بشتى الوسائل والإرهاب والتطرف والتكفير الى إعادة صناعة المنطقة ورسم معالمها كما تريدها الدول الكبرى والإقليمية لتحقيق أهدافها المرسومة بالمزيد من الاستنزاف القوى البشرية والموارد والكرامة الإنسانية.

ثانياً: إشكالية البحث

تكمن إشكالية البحث في محاولة لإعادة صياغة الخطاب الموجه والسلوك والمسار للمجتمع العراقي نحو الاعتدال والعدالة بعد انحرافه عن المسار الوطني لما تعرض الى التمزق القاسي في البنية الاجتماعية والإنسانية والانتماء الوطني بقوة احترام سيادة القانون وضمانات حقوق الانسان وتحقيق العدالة للوصول الى أرضية مشتركة لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية المجتمعية المستدامة.

ثالثاً: منهجية البحث:

ان محل البحث الذي يعتبر من الموضوعات الساخنة على الساحة العراقية والمنطقة برمتها أملى علينا ضرورة البحث والمناقشة والطرح من أوجه مختلفة من المنهجية العلمية في البحث التاريخي للإشارة الى بعض الاحداث والوصفية لما حدثت في المجتمعات الإنسانية في الدول وما تعرض الانسان من قساوة المشهد الى جانب منهجية التحليل لما حدث واسبابها والظروف المحيطة بها لرسم ما يتوجب ان تكون الصورة في المستقبل لتحقيق ما نصبوا اليها جميعنا من تحقيق السلام والاستقرار والتمية والرفاهية لمجتمعاتنا الإنسانية.

رابعا: تقسيم البحث

لمتطلبات تحقيق شروط البحث المطلوب قسمنا محل البحث الى ثلاثة مباحث وكل مبحث الى مطلبين في المبحث الأول عرضنا مفهوم واهمية سيادة القانون والعدالة والاعتدال وفي المبحث الثاني ناقشنا سيادة القانون وبناء السلام والاستقرار أما في المبحث الثالث درسنا سيادة القانون سيادة القانون والتنمية المجتمعية المستدامة وأبعادها وخاتمة البحث من الاستنتاجات والتوصيات.

المبحث الأول
سيادة القانون والعدالة والاعتدال

من الأهمية بمكان ونحن بصدد الخوض في مسألة بالغة الأهمية وهي سيادة القانون وتحقيق العدالة وخطاب الاعتدال في السلوك قبل الخطاب ان نستمد سيادة القانون من مصادرها الموضوعية والقانونية ومن ثم نبحث فيها مواقع الأثر والتأثير لاستعادة سيادة القانون وهيبة الدولة في العراق، نبحث في سيادة العدالة والعدالة والاعتدال في المطلبين التاليين:

المطلب الأول: سيادة القانون وتحقيق روح العدالة وحقوق الانسان

المطلب الثاني: خطاب الاعتدال تحقيقا لسيادة القانون

المطلب الأول
سيادة القانون وتحقيق روح العدالة وحقوق الانسان

سيادة القانون مبدأ للحوكمة يكون فيه جميع الأشخاص والمؤسسات والكيانات، العامة والخاصة، بما في ذلك الدولة ذاتها، مسؤولين أمام قوانين صادرة علنا، وتطبق على الجميع بالتساوي ويحتكم في إطارها إلى قضاء مستقل، وتتفق مع القواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. ويقتضي هذا المبدأ كذلك اتخاذ تدابير لكفالة الالتزام بمبادئ سيادة القانون، والمساواة أمام القانون، والمساءلة أمام القانون، والعدل في تطبيق القانون، والفصل بين السلطات، والمشاركة في صنع القرار، واليقين القانوني، وتجنب التعسف، والشفافية الإجرائية والقانونية. (1)

وسيادة القانون من المبادئ التي نادت بها الثورة الفرنسية، وتتفاخر الدول المتحضرة كافة، لاسيما الديمقراطية منها، بتبنيها لهذا المبدأ، كما يراه فقهاء القانون أساس العدالة، وبعض الفقهاء يسمونه " مبدأ الشرعية أو المشروعية " ويقصدون به خضوع المواطنين والدولة بكافة سلطاتها ومؤسساتها وإداراتها وموظفيها كافة من جميع المراتب للقانون المطبق في البلاد، دون أن يكون هناك امتياز لأي أحد أو استثناء من تطبيق حكم القانون عليه بسبب المنصب أو الدين أو الثروة وغير ذلك، أي بدون تمييز من خارج النص القانوني ذاته أو أن تعتبر إرادة المسؤول الكبير فوق القانون، ويسميه البعض " سيادة حكم القانون " كمرادف لمبدأ المشروعية، ومن متابعة شروح الفقهاء حول مبدأ المشروعية نجد أنهم ركزوا على تطبيقه بصدد مراقبة تصرفات الإدارة والسلطة التنفيذية وأجهزة الدولة كافة وجعلها تخضع لأحكام القانون، بينما نجد أن مبدأ " سيادة حكم القانون " يتطرق إلى حقوق الأفراد والمواطنين أيضا، سواء تجاه بعضهم البعض، أو في مواجهة الدولة وأجهزتها، ولذلك هناك من الفقهاء من يرى أن مفهوم سيادة حكم القانون أوسع وأشمل وأدق في التعبير من مفهوم المشروعية، ويعتبر مبدأ المشروعية أو سيادة القانون الضمان الحيوي والأساسي لحقوق الأفراد وحرياتهم غير أنه لا يكفي النص في الدساتير والتشريعات على هذا المبدأ، إذ يتعين أن تتحقق سيادة القانون واقعا وفعلا، وإن سيادة القانون ليست ضمانا مطلوبا لحرية الفرد فحسب، لكنها الأساس الوحيد لمشروعية السلطة في نفس الوقت. (2)

ومن المعروف أن مبدأ سيادة القانون يعني أن يكون القانون المشرع من قبل السلطة التشريعية المختصة والناظم لعلاقات ما، هو الواجب التطبيق عليها وأن تعتبر أحكام القانون المرجع الأول والأخير للبت في أي خلاف أو موضوع منظم في القانون أو معالج فيه، وهو مبدأ واجب الاحترام من كل من السلطتين التنفيذية والقضائية، ومن قبل الأفراد أيضا، كما يشمل المبدأ القرارات الإدارية أيضا.

فإذا نظم القانون موضوعا معينا على نحو ما، أو حدد أحكاما خاصة لمعالجة مسألة من المسائل ، فإنه لا يجوز تطبيق أحكام أخرى غير التي حددها القانون، فلا يجوز الارتجال بحل من خارج النص من ذوي السلطة التنفيذية، أو الحكم بشيء غير منصوص عليه في القانون حتى لو قبل به الأطراف، والالتزام بأحكام القانون يكون مترتبا على جميع السلطات والإدارات وأجهزة الدولة المكلفة بتطبيقه ومراعاته وفي مقدمتها السلطة القضائية.

وينتج عن مفهوم سيادة القانون، بالضرورة، مبدأ المساواة أمام القانون، حيث يعتبر جميع الناس متساوين أمام القانون، مهما اختلفت أديانهم أو صفاتهم أو وظائفهم أو أوضاعهم الاجتماعية، ودون النظر للعرق أو اللون أو الدين او المذهب وغير ذلك وخضوع السلطة التنفيذية أيضا للرقابة سواء من قبل البرلمان أو المحكمة الاتحادية العليا.

فكل إنسان له الحق في أن يُعامل بكرامة واحترام وتلك الكرامة وهذا الاحترام متاحان للأفراد من خلال التمتع بجميع حقوق الإنسان، ومحميان بسيادة القانون، والعمود الفقري للحرية في العيش بكرامة هو الإطار الدولي لحقوق الإنسان، إلى جانب القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي الجنائي والقانون الدولي للاجئين. وتمثل تلك الأجزاء الأساسية للإطار التشريعي مجموعات تكميلية للقانون تتقاسم هدفا مشتركا هو: حماية أرواح وصحة وكرامة الأفراد. وسيادة القانون هي الوسيلة لتعزيز وحماية الإطار التشريعي المشترك، وتوفر هيكلا تخضع من خلاله ممارسة السلطة لقواعد متفق عليها، تكفل الحماية لجميع حقوق الإنسان، وتستلزم سيادة القانون توافق العمليات القانونية والمؤسسات والمعايير الموضوعية مع حقوق الإنسان، بما فيها المبادئ الأساسية للمساواة أمام القانون والمسؤولية أمام القانون والإنصاف في الحماية والدفاع عن الحقوق ولن تسود سيادة القانون داخل المجتمعات إذا لم تكن حقوق الإنسان مشمولة بالحماية، والعكس صحيح، فلا يمكن حماية حقوق الإنسان في المجتمعات بدون أن تكون سيادة القانون قوية. وسيادة القانون هي آلية إعمال حقوق الإنسان، وتحولها من مجرد مبدأ إلى حقيقة واقعة. (3)

المطلب الثاني
خطاب الاعتدال تحقيقا لسيادة القانون

عادة ما تجعل الثقافة المتجانسة في مكوناتها الراقية والنامية من قضية الاعتدال إحدى موضوعاتها المهمة، والقضية هنا ليس فقط في أن الاعتدال ينبع من إدراك قيمة التجانس في حياة المجتمعات والدول، بل ولان أي خروج عليه يواجه بالضرورة ردودا متنوعة ولكنها تصب في نهاية المطاف ضمن تقرير حدود الاعتدال وقيمته بالنسبة للفرد والجماعة والأمة والدولة، وهي حالة متميزة من حضارة لأخرى، كما أنها تختلف تاريخيا. كل ذلك يضع من جديد أهمية تحديد الموقف من قضية الاعتدال، وذلك لان الاهتمام بها يعكس في الواقع مستوى بلوغ الوعي النظري إدراك قيمة البدائل العقلانية والإصلاحية للدولة والمجتمع والقيم.

فالتجارب التاريخية للأمم والثقافات جميعا تبرهن على أن كل ارتقاء في مصاف المطلق يؤدي بالضرورة إلى إدراك وترسيخ قيم الاعتدال، وليس المقصود بالمطلق هنا سوى النماذج المثلى في وعي الثقافة عن الخير والجمال والحق، أي عن المكونات الضرورية لوجود الفرد والجماعة، إذ ليس خطاب الاعتدال من حيث الجوهر سوى النسبة المثلى لوجود النظام، وليس هناك أشياء أكثر نظاما وانتظاما من الخير والجمال والحق. فهو الثالوث الذي ترتكز علية قاعدة الدولة والمجتمع والروح. من هنا ليس مصادفة أن يكون خطاب الاعتدال مرافقا للحرية ومساعيها، كما إن التجارب التاريخية عموما تبرهن على أن كل ارتقاء في مصاف الحرية يؤدي بالضرورة إلى تجذير وتوسيع قيم الاعتدال في السياسة والحقوق وبنية الدولة والمجتمع والثقافة. وهي الحصيلة التي يمكن وضعها في الفكرة القائلة، بان الاعتدال هو فلسفة النظام الأمثل. (4)

وحقيقة الاعتدال إشكالية كبرى تتآلف فيها مسائل التجديد والإصلاح والبحث عن الحقيقة وقضايا التسامح والانفتاح والقانون والعدل وغيرها من القضايا، وذلك لان الاعتدال هو جوهر الحقيقة وأسلوب وجود الأشياء ونموذج النظام الأفضل للبشر. ففي حالة واقع العراق المعاصر، فان ضعف الاعتدال في الدولة والمجتمع والحركات الاجتماعية والسياسية يشكل أحد الأسباب الجوهرية القائمة وراء التطرف والغلو وانتشار اللاعقلانية بمختلف أصنافها ودرجاتها، وهو السبب القائم وراء ضعف الدولة والمجتمع المدني وانعدام الديمقراطية الحقيقية وشرعية المؤسسات.

إن الدولة المدنية ترتكز على قواعد الدستور بموجب مواثيق الشراكة المجتمعية في إدارة شؤونها ما بين مواطنيها عبر آليات نظام تأسيس الأحزاب وأسلوب التنافس السلمي بين بعضها البعض، وليس الصراع العنيف بين الأغلبية والأقليات وبين الطوائف والقوميات أو بين الأحزاب السياسية البارزة بهدف القبض على السلطة بغية احتكارها، لأن الدولة بمجملها هي جهاز مؤسسي تحكيمي يضمن الحفاظ على حقوق جميع المواطنين بالتساوي حسب الكفاءة والاستحقاق، مع توفير هامش الرعاية اللازمة لبعض المواطنين الذين لا يملكون مؤهلات تمكنهم من العمل، لأنها دولة الشعب وملك صرف للجميع دون استثناء، هكذا ينبغي أن تكون الدولة عندما تبدأ نشوئها وإعادة بنائها ونهوضها بواسطة مواطنيها المؤهلين سياسيا وقانونيا، هم فقط لهم الحق في بناء هيكلها حسب النظم القانونية الحديثة، أما المواطنون الذين لا يمتلكون القدرات السياسية اللازمة التي تؤهلهم لتسلم المناصب الرفيعة فينحصر دورهم في تقديم الدعم السياسي لها انطلاقا من وضع الأشياء في مكانها المناسب تجنبا للفوضى.

وللدولة بمفهومها الحديث اركان تقوم عليها واعمدة تستند عليها والعمود الاساس لآية دولة هو المجتمع الذي بوجوده توجد الدولة، والمجتمع الناضج يصنع دولة ناجحة ومستقرة، ويؤكد اهل الاختصاص أهمية خطاب توازن المجتمع واعتداله وابتعاده عن التطرف في الفكر والسلوك، فلا يصح بالمنطق والواقع ان يكون حال المجتمع محصورا بين الخنوع التام والعنف المطلق بمعنى عندما يغيب السلوك الوسطي سوف يعيش المجتمع حالتين متناقضتين تماما، فأما الخضوع المطلق للحاكم الجائر بكل قراراته واحكامه الفردية المستبدة، أو ان يكون المجتمع عنيفا بصورة مطلقة في ردود افعاله تجاه الظلم الواقع عليه وهنا تغيب سيادة القانون.(5)

فأي مجتمع يتخذ هذين السلوكين يكون خاسرا لمستقبله واستقراره ولا يمكن ان يسهم في صناعة دولة مستقرة تستند على سيادة القانون بمعنى ان المجتمع ينبغي ان يتخذ من الاعتدال والتوازن طريقا للحياة، وهذه مهمة النخب القابض للسلطة واذا تحقق ذلك مع مرور الزمن فأن المجتمع يكون بذلك صانع الاستقرار وهو المحفز على التغيير والابداع والتجدد وهذا هو الطريق الامثل نحو بناء الدولة المدنية المستقرة.

ولكن عندما تغيب حالة الاعتدال في الفكر والسلوك المجتمعي، ويصبح المجتمع خانعا وعنيفا بصورة مطلقة فأن هذا المنهج لا يمكن ان يسهم في بناء دولة مستقرة تسعى الى التطور والتقدم بل يؤدي الى فشل الدولة وتراجع مؤسساتها المجتمعية وضعف بناءها وافتقارها للقدرة على البناء المجتمعي السليم وهذه النتائج هي انكار حتمي لغياب سيادة القانون والاعتدال المجتمعي.

المبحث الثاني
سيادة القانون وبناء السلام والاستقرار

القانون حسب آراء الفقهاء يقوم بدور أساسي في حفظ لحمة المجتمع والحفاظ على استقراره وتماسكه عن طريق توفير العدالة والأمن والحرية، عبر الالتزام بالنظام والقواعد التي تأمر بها السلطة القانونية العليا، ولكن يبقى هذا الكلام على المستوى النظري أما على المستوى العملي هل يحقّق القانون تلك الأهداف التي يتوخّاها واضعوه، وهل أنّ التركيبة التي يشتمل عليها القانون من قواعد وأسس قادرة على تحقيق تلك الأهداف. الإجابة فيما نبحث عن سيادة القانون وبناء السلام والاستقرار خلال المطلبين التاليين:

المطلب الأول
سيادة القانون وبناء السلام

السلام بمعنى الأمان والاستقرار والانسجام وغياب الاضطرابات وأعمال العُنف، والحروب، والإرهاب، أو النزاعات الدينية، أو الطائفية، أو المناطقية وهنا تكمن المعادلة وعلى أي مسار نحن سائرون وواقع الحال جلي اننا لا زلنا نخوض العنف والنزاعات تأكل الأخضر واليابس من عمر الوطن والانسان.

أولا: معوقات تحقيق السلام

ومن المعوقات التي تحول دون تحقيق الأمن والسلام في العالم المعاصر والتي بالتأكيد تؤثر سلبا على السلام في الدول لان السلام العالمي يشكل مظلة للسلام في الدول أساسها:

• الصراعات الناشئة بين أقطاب العالم: تملك القوى الكُبرى حقّ النقض في مجلس الأمن: فهذه الدول تقدم مصالحها على مصالح أمن العالم واستقراره وبالتالي على السلام في الدول التي تجري فيها العنف والحروب الاهلية والإرهاب كما تجري في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها وهي أساسا لعبة الدول الكبرى بأوراق الدول التي تجري فيها نزيف الدم وهدر الأموال وتخريب البنى التحتية.

• التعصب الديني والعرقي: ينتج عنها الكثير من الاضطرابات وأعمال العنف، التي تولد الكراهية، والتطرف، والإرهاب. والدول الكبرى هي التي خلقت ظاهرة العنف الديني والعرقي والإرهاب في الدول التي كانت مستقرة بهدف تفتيت الدول الكبيرة القوية في المنطقة مثل العراق وسوريا

• أطماع الدول الكبرى: أطماع هذه الدول وصراعها للسيطرة على المصادر الطبيعية والاقتصادية للدول النامية وهذه ظاهرة جلية لما تتعرض لها منطقة الشرق الأوسط والدول العربية بهدف استنزاف مواردها والسيطرة على مقدراتها وابتزازها بشتى الأساليب والغايات مثل العراق وتركيا وايران ودول الخليج العربي

• اختلال النظام الاقتصادي العالمي: مما ينتج عنه وجود مجتمعات فقيرة جداً بجانب وجود مجتمعات غنية، وهذا يؤدي إلى حالة من الحقد والتذمر ونتيجتها التفاوت الكبير بين دول الشمال والجنوب والدول النامية (المتخلفة ) (6)

ثانيا: أركان تحقيق السلام

في خضم معوقات تحقيق السلام في العالم وتأثيراتها وظلالها على الدول والمجتمعات الإنسانية وحتى يتحقق السلام في أي مجتمع بقدر يمنع تفتيت الدول يجب أن تتوفر مجموعة من الأركان التي لها صلة وثيقة بالإدارة السياسية للمجتمعات، ومنها:

•الإدارة السليمة للتعددية والحكم الرشيد: إن المجتمعات البشرية تقوم على أساس التعددية الدينية والثقافية والسياسية، فمن الصعب وجود مجتمع يتشكل من عِرق واحد أو يدين بدين واحد، فهذا الامتزاج إما أن تحكمه إدارة سليمة تحفظ حقوق الأقلية دون تمييز، وبإعطائهم مساحة للتعبير عن معتقداتهم في أجواء من الاحترام والتسامح، وإما أن تحكمه أنظمة تخاف من التنوع، وتعمل على سحق الآخر المختلف وحرمانه من حقوقه وحرياته وهذا من شأنه أن يؤدي إلى حروب أساسها الدين أو المذهب أو العرق، ينتج عنها دمار الدولة سياسياً واقتصادياً ونشوء أجيال محملة بالكراهية اتجاه الآخر تسعى للانتقام دوماً، ولان الحكم الرشيد يعني وجود نظام حكم يقوم على المحاسبة ومكافحة الفساد، من خلال مؤسسات الدولة كمجلس النواب والمجتمع المدني والصحافة كما يعني تمكين الأفراد ورفع مستوى وعيهم وقدراتهم، بتوفير الخدمات التعليمية والثقافية والصحية وفرص العمل وغيرها، وتشجيعهم على المشاركة في العمل العام.

• الاحتكام إلى القانون: وذلك من خلال تأكيد مجموعة من الأساسيات التي تحقق المساواة والعدالة بين الأفراد، باعتبار أن الأفراد متساوون أمام القانون دون تمييز بينهم في اللون أو الجنس أو الدين أو العرق، فإن القانون يجب أن يطبق على الجميع بغض النظر عن الانتماءات الدينية والسياسية والجغرافية، وإتاحة المجال للفرد للجوء إلى المحاكم دون تكليفه أعباء تفوق طاقته، كما يتم تطبيق الأحكام الصادرة عن المحاكم بحزم ودون استثناءات، وفي حالة غياب أحد هذه الأساسيات في الدولة فإنه سيظهر الأثر واضحاً على السلام المجتمعي.

ومن شأن التنفيذ القوي لسيادة القانون، على نحو يحمي حقوق الإنسان، أن يساعد في منع وتخفيف الجرائم والنزاعات العنيفة من خلال توفير عمليات مشروعة لتسوية المظالم، وإزالة أسباب اللجوء الى الجريمة والعنف. ويُعد إنشاء مؤسسات معنية بسيادة القانون أمرا حيويا لضمان ترسيخ الأمن الفوري والاستقرار اللازم لبناء السلام، وتتسم مؤسسات العدالة والإصلاحيات القوية، جنبا إلى جنب مع الشرطة الى نفاذ القانون الخاضع للمساءلة، والتي تحترم حقوق الإنسان احتراما كاملا، بأهمية بالغة لاستعادة السلام والأمن في فترة ما بعد النزاع مباشرة، فهي تتيح تقديم مرتكبي الجرائم إلى العدالة، وتشجع الحل السلمي للنزاعات واستعادة الثقة والتماسك الاجتماعي القائم على المساواة في الحقوق والواجبات، وتتسم تهيئة تلك الأوضاع بنفس القدر من الأهمية في تحقيق السلام والأمن.

المطلب الثاني
الاستقرار المجتمعي واحترام سيادة القانون

إن مسؤولية تطبيق وإنفاذ سيادة القانون بمساواة وعدالة ونزاهة تقع على عاتق الدولة لضمان الاستقرار المجتمعي، ولكن في الوقت نفسه يتحمل كل مواطن مسؤولية ممارسة وترسيخ سيادة القانون في حياته اليومية، وإن مبدأ سيادة القانون جاء ليحقق العدالة والمساواة والشفافية والمساءلة على جميع مؤسسات الدولة وأفرادها دون استثناء وبالتالي تعزيز الاستقرار المجتمعي، لذا أصبح من الضروري وضع استراتيجية واضحة للسنوات القادمة تعمل على صيانة وتطوير مرفق القضاء وسائر الأجهزة المساندة له، وتساهم في تعزيز البيئة القضائية الفاعلة والنزيهة، وتهيئة بنية مؤسسية عصرية تليق بالقضاء، وتوفير كوادر خبيرة ومتخصصة، وتطوير سياسات وتشريعات لتسريع عملية التقاضي وتيسيرها والارتقاء بها. كما يجب العمل على ترسيخ ثقافة النزاهة في الجهاز القضائي في مراحله كافة وتفعيل مدونة السلوك القضائي؛ ولا بد من تطوير وتحديث معايير تعتمد الجدارة والكفاءة في تعيين القضاة ونقلهم وترفيعهم بما يحقق العدالة والشفافية. ومن الضروري بمكان تعزيز قدرات القضاة وإكسابهم المهارات الضرورية لإصدار الأحكام القضائية العادلة والنزيهة؛ كما ويجب تطوير وتحديث وتمكين أجهزة الرقابة والتفتيش القضائي لتكون تقارير التفتيش أداة قياس حقيقية وواقعية لأداء القاضي وسلوكه. (7)

ويُعد تحقيق الأمن الاجتماعي واستقراره أحد أهم ركائز التنمية البشرية ولا يمكن تحقيق التنمية دون تحصين وحماية المجتمعات لأمنها الاجتماعي، ولا يمكن للتنمية الاجتماعية ان تحقق الاّ في مناخ استقرار اجتماعي وسياسي، فهذا الاستقرار هو أساس التنمية وقاعدتها الرئيسة، وان الهدف الحقيقي للتنمية يجب ان يكون خلق بيئة آمنة للناس، للاستمتاع بالحياة في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والصحية والتعليمية والثقافية والنفسية والاقتصادية، ومنها حقوق الانسان والامن الاجتماعي واستقراره.

وقد عرض برنامج الأمم المتحدة منذ سنوات سبعة أبعاد مهمة للأمن الإنساني المجتمعي تتناول الجوانب الاقتصادية والغذائية والصحية والبيئية والشخصية والسياسية والاجتماعية، والأمن الإنساني هو العامل الجوهري الذي يحفظ الوجود الإنساني ويمنحه مكانة في الحياة بكرامة، ويقصد به توفر حالة من الشعور بالأمان لدى السكان في كل مجال من المجالات الإنسانية، بما في ذلك السلام المدني، والبيئة الآمنة المضمونة، والسلام الشخصي، والثقة في المستقبل، وحرية الاختيار والتصرف، وهو الأمن القائم على الحرية والديمقراطية والمشاركة، واحترام حقوق الانسان كما اقرتها المواثيق الدولية، ويستمد الأمن الإنساني قوته وثباته من الاستناد الى قبول مجتمعي عريض وعبر مؤسسات وآليات مستقرة قادرة على احترام حقوق المواطنين.(8).

•أهمية سيادة القانون لاستقرار المجتمع تكمن بما يلي:

1.حفظ الاستقرار في المجتمع، وحمايته من حالة الفوضى التي قد تحدث نتيجة لتصرّفات بعض الأفراد العشوائية غير المضبوطة، والتي لا تُراعي إلا المصالح الشخصية بغضّ النّظر عن مدى تضرّر الآخرين. في هذا السياق، فإنّ القانون هو صمّام الأمان لحفظ حيوات الناس، وأعراضهم، وأموالهم، وممتلكاتهم.

2.توفير البيئة المناسبة للقيام بالأنشطة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياحية المختلفة، والتي تُعتبر درجات على سلم نهضة المجتمعات، وارتقائها. فضّ النزاعات التي قد تحدث بين الأفراد، أو بين المؤسسات، أو بين الأفراد والمؤسسات، وبطريقة تحفظ حقوق الجميع، ولا تُضيّعها.

3.تنظيم الشؤون الحياتية المختلفة للأفراد، وتنظيم عمليتي نيل الحقوق، وتأدية الواجبات.

4.الحفاظ على الممتلكات العامة، والثروات المهمّة من الضياع، والسرقة، والنهب، وأنواع الاعتداءات المختلفة، والتي قد تنتج عن سوء تصرف بعض أفراد المجتمع.

•تطبيق سيادة القانون في المجتمع

وعلى الصعيد الوطني، تُعد سيادة القانون أمرا ضروريا لتهيئة بيئة ملائمة لتوفير سُبل العيش المستدامة والقضاء على الفقر، وغالبا ما ينبع الفقر من عدم التمكين والإقصاء والتمييز، وتعزز سيادة القانون التنمية من خلال تعزيز أصوات الأفراد والمجتمعات وإنّ تطبيق القانون في أيّ مجتمع يكون من خلال الجهات المختصّة التي تمتلك الصلاحيات لذلك، ولعلَّ أبرز ما يجب مراعاته عند تطبيق القوانين المختلفة أن يكون هذا التطبيق بالتساوي؛ بحيث يكون جميع الأفراد في المجتمع خاضعين للمساءلة القانونية، وللعقوبات إن صدرت عنهم إساءة ما، أما إن وجدت فئة ما فوق القانون، فهذا يخلق الاضطرابات، وتنامي حالة الفوضى التي من شأنها إعاقة سير الحياة بالشكل الأمثل، هذا عدا عن تضييع الحقوق، وخلق نفوس مريضة، متنازعة، تسعى لنيل حقوقها بأيديها، ولا تأبه بأي شيء آخر.

أعمدة الاعتدال في الخطاب والسلام العالمي وفي العراق.

1.إعلان استراتيجية ثابتة بأن العنف والقتل والحروب يتنافيان مع روح الأديان ومع الإنسانية التي ولدنا من أجلها " المودة والحب بين الأفراد والجماعات والشعوب " لأنه يوجد فينا شيء يميزنا عن غيرنا وهو الإحساس والضمير.

2.تربية الناس على الاحترام المتبادل والمودة للجميع، حيث تتواصل الشعوب والأعراق والثقافات والأديان المتنوعة إلى العيش معًا بسلام وتضامن وأمان.

3.تشجيع ثقافة الحوار بين جميع الأديان والمذاهب، حيث يزداد الفهم المتبادل، وتتعزَّز الثقة المشتركة بين الأفراد والشعوب، لأن هذه هي الشروط الأساسية للسلام الحقيقي.

4.الدفاع عن حقِّ كلِّ كائن بشري بالعيش بكرامة وفقًا لهويته الثقافية والتمتع بحرية إنشاء عائلة خاصة به تنعم بكافة الحقوق والواجبات.

5. الحوار الصريح والهادئ، غير معتبرين أن ما يفرِّقنا من اختلافات وحواجز لا يمكن اجتيازها وتخطِّيها، بل اعتبار أن تنوعنا واختلافنا عن الآخرين يمكن أن يصبح مناسبا للفهم المتبادل وللفائدة المشتركة للجميع

6.أن نغفر لبعضنا بعضًا أخطاء الماضي والحاضر وأحكامه المسبَّقة، ونلتزم ببذل ودعم الجهود المشتركة للتغلب على الأنانية والكراهية والعنف، متعلِّمين من الماضي بأن السلام بدون العدل ليس سلامًا حقيقيًّا.

7.الوقوف إلى جانب المتألِّمين والذين يتعرضون للبؤس والإهمال، ونلتزم بأن نكون صوتًا للَّذين لا صوت لهم، عاملين عمليًّا لتخطِّي هذه الحالات البائسة، ومقتنعين بأن الإنسان لا يمكن أن يكون سعيدًا وحده.

8.تبنِّي صرخة الذين لا يرضخون للعنف والشر، ونلتزم بالمساهمة، بكلِّ قوانا وجهدنا ووقتنا، في إعطاء البشرية كلَّ أسباب الأمل والأمان والعدل والسلام والحق في العيش الكريم.

9.تشجيع كلِّ مبادرة تعزِّز الصداقة والتعاون بين الشعوب.

10.حثِّ المسؤولين عن مصائر الأمم والشعوب، من حكام ورؤساء دول، على بذل كلِّ الجهود الممكنة لبناء عالم يسوده التضامن والمحبة وينعم بالسلام المبني على العدل والمساواة والاحترام المتبادل بين الجميع(9)

المبحث الثالث
سيادة القانون والتنمية المجتمعية المستدامة وأبعاده

من المؤكد ان سيادة القانون تتصل بالعلاقات بين الحكومة والكيانات الاجتماعية الخاصة من الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين وهذا الامر وجب التأكيد عليه لأن هناك من يحاجج بأن سيادة القانون معنية حصرا من ممارسة الحكومة لسلطتها(10) ، وفي الوقت نفسه ينبغي ان لا يكون الهدف الوحيد لدولة ما هو ضمان القانون والنظام، ولا شيء غير ذلك والواقع ان الارتباط الوثيق بين سيادة القانون واحترام حقوق الانسان يعني ان الدولة يجب ان تؤدي بعض المهام الاجتماعية ويعني هذا ان سيادة القانون تستلزم قيام الدولة بسن قوانين تتعلق بالعلاقات الاجتماعية وتنظيم هذه العلاقات، بما في ذلك في الميدان الاقتصادي ولبحث العلاقة بين مبدأ سيادة القانون وآلياتها وبين قيام التنمية المجتمعية المستدامة نناقش تلك العلاقة وابعادها من خلال المطلبين التاليين:

المطلب الأول: مفهوم التنمية المجتمعية المستدامة وأبعادها

المطلب الثاني: سيادة القانون ركيزة لتحقيق التنمية المستدامة

المطلب الأول
مفهوم التنمية المجتمعية المستدامة وأبعادها

التنمية المستدامة هي عملية تطوير الأرض والمدن والمجتمعات، وكذلك الأعمال التجارية بشرط أن تلبي احتياجات الحاضر بدون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها، وهي إدارة وحماية قاعدة الموارد الطبيعية وتوجيه التغير التقني والمؤسسي بطريقة تضمن تحقيق واستمرار إرضاء الحاجات البشرية للأجيال الحالية والمستقبلية والتنمية المستدامة في الواقع هي “مفهوم شامل يرتبط باستمرارية الجوانب الاقتصادية، والاجتماعية والمؤسسية والبيئية للمجتمع”، حيث تُمكّنُ التنمية المستدامة المجتمع وأفراده ومؤسساته من تلبية احتياجاتهم والتعبير عن وجودهم الفعلي في الوقت الحالي مع حفظ التنوع والعمل على استمرارية واستدامة العلاقات الإيجابية بين النظام البشري والنظام الحيوي حتى لا يتم الجور على حقوق الأجيال القادمة في العيش بحياة كريمة. وللتنمية المجتمعية ابعاد لها علاقة لضمانات الأمن والأمان للأجيال القادمة وتلك الابعاد تأخذ الصور التالية:

أولا: البعد البيئي:

تهدف التنمية المستدامة إلى تحقيق العديد من الأهداف البيئية، وتتمثل فيما يلي:

• الاستخدام الرشيد للموارد الناضبة، بمعنى حفظ الأصول الطبيعية بحيث نترك للأجيال القادمة بيئة مماثلة حيث أنّه لا توجد بدائل لتلك الموارد الناضبة.

• ضرورة التحديد الدقيق للكمية التي ينبغي استخدامها من كل مورد من الموارد الناضبة، ويعتمد ذلك على تحديد قيمتها الاقتصادية الحقيقية، وتحديد سعر مناسب لها بناءً على تلك القيمة.

• التوفيق بين التنمية الاقتصادية والمحافظة على البيئة مع مراعاة حقوق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية خاصة الناضبة منها.

ثانيا: البُعد الاقتصادي:

تهدف التنمية المستدامة بالنسبة للبلدان الغنية بالموارد إلى إجراء تخفيضات متواصلة في مستويات استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية والتي تصل إلى أضعاف أضعافها في الدول الغنية مقارنة بالدول الفقيرة.

ثالثاً: البُعد الاجتماعي:

إنّ عملية التنمية المستدامة تتضمن تنمية بشرية تهدف إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية والتعليم، فضلاً عن عنصر المشاركة حيثُ تؤكّد تعريفات التنمية المستدامة على أنّ التنمية ينبغي أن تكون بالمشاركة بحيث يشارك الناس في صنع القرارات التنموية التي تؤثر في حياتهم، حيث يشكل الإنسان محور التنمية المستدامة، والعنصر الهام للعدالة والإنصاف والمساواة، وهناك نوعان من الإنصاف هما:

إنصاف الأجيال المقبلة والتي يجب أخذ مصالحها في الاعتبار وفقاً لتعريفات التنمية المستدامة.

• والنوع الثاني هو إنصاف من يعيشون اليوم من البشر ولا يجدون فرصا متساوية مع غيرهم في الحصول على الموارد الطبيعية والخدمات الاجتماعية. (11)

ثالثا: البُعد التكنولوجي:

تستهدفُ التنمية المستدامة تحقيق تحولاً سريعاً في القاعدة التكنولوجية للمجتمعات الصناعية، إلى تكنولوجيا جديدة أنظف، وأكفأ وأقدر على الحد من تلوث البيئة، كذلك تهدف إلى تحولا تكنولوجيا في البلدان النامية الآخذة في التصنيع، لتفادي تكرار أخطاء التنمية، وتفادي التلوث البيئي الذي تسببت فيه الدول الصناعية، ويشكل التحسن التكنولوجي الذي تستهدفه التنمية المستدامة.

رابعاً: البعد المؤسسي

تعني الاستدامة المؤسسية بالمؤسسات الحكومية وإلى أي مدى تتصف تلك المؤسسات بالهياكل التنظيمية القادرة على أداء دورها في خدمة مجتمعاتها وحتى يمكن أن تؤدي دورها في تحقيق التنمية المستدامة، بجانب دور المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني وإلى أي مدى يكون لتلك المؤسسات دور في تنمية مجتمعاتها.

المطلب الثاني
سيادة القانون ركيزة لتحقيق التنمية المستدامة

الحديث عن التنمية الاقتصادية المستدامة يرتبط بشكل وثيق بسيادة القانون، فلا يمكن للتنمية الاقتصادية ان تحدث في بيئة تنعدم فيها سيادة القانون، وبذات الوقت لا يمكن الحديث عن النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة والقضاء على الفقر والجوع والبطالة الا بتعزيز سيادة القانون، لذلك نجد أن جميع دول العالم اتبعت سياسات مختلفة للتنمية الاقتصادية لاستحالة وجود مقياس أو سياسة تناسب جميع الدول الا انها أجمعت على أن سيادة القانون هو أساس التنمية الاقتصادية.

ان أهمية سيادة القانون في التنمية الاقتصادية يكمن في ان القانون هو المنشئ لكثير من النشاطات الاقتصادية المتعلقة بالشركات والتمويل والملكية والعقود وغيرها كما انه ينظمها بعد انشائها عن طريق مؤسسات واجهزة الدولة المختلفة، ومحاولة مزج الاقتصاد بالقانون للخروج بنموذج تشريعي يساهم في التنمية الاقتصادية المجتمعية ترتكز على ثلاثة أفكار من الاجدر ان تؤخذ بها في القوانين عند الحديث عن مسار التنمية المجتمعية المستدامة وهي:

الفكرة الأولى: تقوم على ان الأسس القانونية للنشاطات الاقتصادية يجب ان تكون نزيهة وشفافة وفعاّلة وعادلة فتعميم التنمية الاقتصادية يحتاج الى تفعيل قوي لحقوق الملكية وقضاء موثوق به يحمي هذه الحقوق.

الفكرة الثانية: تقوم على أن التنمية تحتاج الى الحوكمة الرشيدة، بمعنى إدارة حكومية فعاّلة ومؤسسات أمينة موثوق بها وبكفاءتها للحد من الفساد.

الفكرة الثالثة: التنمية تحتاج الى حقوق الانسان بحيث تتحمل الدولة مسؤولية حمايتها بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فعندما يكون الانسان مكبلاً تقل فرصة الابتكار والابداع، لذا فإننا بأمس الحاجة الى إعادة صياغة العلاقة بين الانسان وأرضه ووطنه، فالتنمية لا تستورد ولا تستنسخ وانما بحاجة الى انسان يحمل عبئها فليس هناك تنمية مجتمعية مستدامة دون انسان مكتمل الحقوق، فحصول الانسان على حقوقه الأساسية يجعله مبتكرا ومنفذا جيدا لخطط التنمية ويعمل لمصلحة الوطن لا لشخصه. (12)

ولكي تعزز سيادة القانون نتائج التنمية المستدامة، يجب أن تكفل الحماية لجميع حقوق الإنسان، بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحق في التنمية، وفي حين يمكن أن توفر “السيادة بالقانون” إطارا قانونيا ويقينا تعاقديا وآليات لتسوية المنازعات تدعم النمو الاقتصادي والتنمية، فلا يمكن إلا لسيادة القانون وحدها، المتسقة مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، أن توفر تنمية تكون أيضا شاملة ومستدامة. وبصورة أعم، يُعد ضمان سيادة القانون في استغلال الموارد الطبيعية عاملا أساسيا في ضمان النمو الاقتصادي الشامل والمستدام والتنمية وفي احترام وحماية وإعمال حقوق الإنسان للأفراد. ويمكن أن تكون الموارد الطبيعية التي تُدار بشكل مستدام وشفاف محركا للرفاه الاقتصادي وأساسا للاستقرار والسلام في المجتمعات.

الخاتمة:

في هذا الايجاز من البحث الموسوم سيادة القانون والعدالة والاعتدال طريقنا للسلام والتنمية والاستقرار والذي ناقشنا جوانب مهمة من الموضوعات التي تعلقت بمفردات ومفاهيم مهمة من سيادة القانون والسلام والاستقرار وحقوق الانسان واعمدة الدولة المدنية وقيام التنمية المجتمعية المستدامة وصولا الى خطاب الاعتدال في الفهم والسلوك والوقع وتوصلنا في ختامه الى جملة من الاستنتاجات والتوصيات نوردها هنا بالإيجاز:

أولا: الاستنتاجات:

بعد البحث والمناقشة والدراسة لمحاور محل البحث توصلنا الى جملة من الاستنتاجات نسجلها هنا وكالتالي:

1.ومن مفهوم سيادة القانون انتجنا ان جميع الناس متساوين امام القانون باختلاف اديانهم أو صفاتهم أو وظائفهم أو أوضاعهم الاجتماعية دون النظر للعرق أو اللون أو الدين أو المذهب، والمسائلة وتطبيق العدل والفصل بين السلطات والمشاركة في صنع القرار وتجنب التعسف والشفافية في الإجراءات القانونية.

2.ان الاعتدال هو جوهر الحقيقة ونموذج النظام الأمثل للبشر وضعف الاعتدال في الدولة والمجتمع يشكل أحد الأسباب الجوهرية القائمة وراء التطرف والغلو وبالتالي ضعف الدولة والمجتمع المدني وانعدام الديمقراطية الحقيقة وشرعية المؤسسات.

3.ان الدولة المدنية ترتكز على قواعد الدستور بموجب مواثيق الشراكة المجتمعية في إدارة شؤونها عبر آليات نظام التنافس السلمي بين الأحزاب وليس الصراع العنيف بين الأغلبية والأقليات وبين الطوائف والقوميات بهدف القبض على السلطة بغية احتكارها.

4.السلام يعني الأمان والاستقرار والانسجام وغياب العنف والإرهاب ومن معوقات تحقيقه هي صراعات بين اقطاب العالم، والتعصب الديني والعرقي، واختلال الاقتصاد العالمي.

5..ان اركان تحقيق السلام التي لها صلة وثيقة بالإدارة السياسية في المجتمعات هي الإدارة التعددية السلمية، والاحتكام الى القانون، والحكم الرشيد لتحقيق الأمن الاجتماعي واستقراره.

6.ان التنمية الاقتصادية المستدامة ترتبط بشكل وثيق بسيادة القانون، فلا يمكن للتنمية الاقتصادية أن تحدث في بيئة تنعدم فيه سيادة القانون.

ثانياً: التوصيات:

بعد تسجيل جملة من الاستنتاجات التي حددناها وما توصلنا اليها من البحث والدراسة نضع توصياتنا أمام أصحاب القرار والباحثين والمهتمين والمؤتمرون لعلها تجد لها مكانة في سياق المنظور والواقع الفعلي في رسم فلسفة الاعتدال في الخطاب للوصول الى السلام

1.نوصي أصحاب القرار باحترام سيادة القانون والتشريعات والإدارة التعددية السلمية في الإدارة السياسية وإقامة الحكم الرشيد لتحقيق السلام والأمن والرخاء وبناء ركائز التنمية المجتمعية المستدامة لضمان المشاركة في بناء الدولة المدنية الحديثة بعيدا عن مظاهر الطائفية والعرقية لترسيخ مبدأ المواطنة والانتماء للعراق.

2.نوصي الاعتدال في الخطاب الوطني لان الاعتدال هو جوهر الحقيقة التي لا تغيب إذا أردنا ان نمنح القوة والسيادة والهيبة للدولة العراقية والمجتمع.

3.نوصي بالشراكة المجتمعية في إدارة شؤون العراق والتنافس السلمي الشريف بين الأحزاب لممارسة التبادل السلمي للسلطة بعيدا عن الصراعات والعنف، والتمسك بخيار الديمقراطية الحقيقية في العراق.

4.نوصي ابعاد العراق عن الصراعات الدولية والإقليمية والتعصب الديني والمذهبي، والشروع في بناء الاقتصاد الوطني وبالتالي بناء السلام والاستقرار والرفاهية والامن الغذائي للعراق.

.........................................................................................................
الهوامش
1.تقرير الأمين العام: سيادة القانون والعدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع (S/2004/616)
2.انظر: الدكتور كريم كشاكش في مؤلفه " الحريات العامة في الأنظمة السياسية المعاصرة"
3.تقرير الأمين العام: سيادة القانون وحقوق الانسان والعدالة في مجتمعات الصراع (الفقرة 27 ( (A/59/2005).
4.ميثم الجنابي، فلسفة الاعتدال السياسي الأمثل في العراق المعاصر، مقالة في الحوار المتمدن (العدد1244 )
5.المستشار الدكتور عزالدين المحمدي، بحث بعنوان (أعمدة الاعتدال في الدولة المدنية الحديثة) المقدم للمؤتمر العلمي الأول لجامعة كربلاء المقدسة حول الاعتدال في الدين والسياسة 2016
6.عبد العزيز التويجري "رؤية إلى معوقات السلام"، دراسة نشرت في الموقع الإلكتروني: www.alhayat.com .kav،
7.عبد الله الثاني ابن الحسين، سيادة القانون أساس الدولة المدنية، الورقة النقاشية السادسة 2018
8. تقرير التنمية البشرية لعـام 1990و 1994 الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة.
9.محمود أبو لبن، دراسة بعنوان (السلام في العالم والشرق الأوسط) دراسة منشورة على الموقع الالكتروني: www.mepeace.org
10.معهد راؤول ويلنبرغ لحقوق الانسان والقانون الإنساني، سيادة القانون دليل للسياسيين، 2012
11.مفهوم التنمية المستدامة، وتنمية الموارد البشرية، دراسة نشرت في الموقع الالكتروني: موقع سيو بالعربي:www.se-ar-het
12.الدكتور غازي العودات، سيادة القانون والتنمية الاقتصادية، دراسة قانونية واقتصادية، نشرت في الموقع الإلكتروني: www.ammonnews.net .

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي