حظر الأسلحة النووية الآن

بروجيكت سنديكيت

2022-06-02 06:08

بقلم: آن ماري سلوتر، سوزي سنايدر

واشنطن العاصمة- ان أحداث الثلاثة أشهر الماضية في أوكرانيا -مثل أحداث سابقة بما في ذلك ضم روسيا لشبه جزيرة القرم والتوغل في شرق أوكرانيا سنة 2014 وغزو العراق سنة 2003 والحرب الطويلة بالوكالة في سوريا- قد أثبتت خطأ الادعاءات بإن الأسلحة النووية تمنع وقوع الحرب. ان الردع النووي قد يوقف الدول التي لديها سلاح نووي من الدخول في حرب مباشرة مع بعضها البعض كما قد يمنع الحروب بالوكالة من ان تتصاعد وتنتشر الى شمال الأطلسي أو المحيط الهادىء ولكن من الممكن أيضًا أن يكون الردع النووي قد تسبب في نشوب الحروب ومكّن قادة الدول من القيام بأفعال مع الإفلات من العقاب.

إن من المؤكد أن الأسلحة النووية لم تمنع روسيا من شن حرب عدوانية ضد أوكرانيا، بل على العكس من ذلك فإن الرئيس فلاديمير بوتين يستخدم التهديدات النووية كدرع يمكن من خلفه ان يرتكب جرائم حرب صارخة وخطيرة ومنهجية -وربما جرائم ضد الإنسانية.

ان الدول التي تمتلك أسلحة نووية قد دخلت في حروب في كثير من الأحيان مع الدول التي لا تمتلكها. إن الاعتقاد الخاطىء بإن العراق قد طورت أسلحة نووية وكيماوية وبيولوجية أدى الى قيام الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها بغزو العراق في تحدٍ لإرادة مجلس الأمن الدولي حيث تسبب ذلك في مأساة إنسانية وعقدين من انعدام الأمن في المنطقة وخارجها. إن معاهدة عدم الانتشار والتي تدعو الى الإبقاء بأي ثمن على الوضع الراهن بالنسبة للدول التي تمتلك الأسلحة النووية والدول التي لا تمتلكها قد قدّمت بعض الغطاء لمثل تلك الأفعال بالإضافة الى الهجمات على المنشآت التي يشتبه بكونها منشآت نووية في العراق وإيران وسوريا.

إن البعض يجادل بإن وجود الأسلحة النووية قد منع وقوع صراع بين القوى العظمى مما جنّب العالم وقوع حرب عالمية ثالثة ولكن هذا الطرح يتجاهل الحروب بالوكالة التي لا حصر لها في افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية طيلة الحرب الباردة وما بعدها وذلك عندما كان الاتحاد السوفياتي (ولاحقاً روسيا) أو الصين يسلّحون أحد الأطراف وتقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتسليح الطرف الآخر.

لم تستطع لاوس والتي أصبح مزارعوها أخيراً قادرين على استخدام حقولهم مجدداً بعد عقود من المعاناة من الآثار القاتلة للذخائر غير المنفجرة من حقبة حرب فيتنام، تجنب صراع القوى العظمى، وبالنسبة إلى الغواتيماليين والهندوراسيين والنيكاراغويين والسلفادوريين الذين يكافحون من أجل إنشاء مجتمع خالٍ من العنف المرعب، فإن غياب حرب القوى العظمى يعني ببساطة التفويض بالموت والدمار.

بالإضافة الى ذلك فإن تعريف القوى العظمى غامض علماً أن المختصين بالعلوم السياسية والسياسة الخارجية قد ناقشوا منذ فترة طويلة أفضل مقاييس القوة الوطنية وطبقاً لتقرير أخبار الولايات المتحدة الامريكية والعالم فإن أقوى دول العالم "هي الدول التي تهيمن بشكل ثابت على عناوين الاخبار وتُشغل صناع السياسات وتشكّل الأنماط الاقتصادية العالمية". إذا استخدمنا هذا المقياس فإن أهم عشر قوى عظمى بشكل تنازلي هي على النحو التالي: الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، روسيا، المانيا، المملكة المتحدة، اليابان، فرنسا، كوريا الجنوبية، السعودية، الامارات العربية المتحدة. ان من الجدير ذكره ان التحالف بقيادة السعودية والامارات العربية المتحدة (بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية) يقاتل بشكل نشط القوات التي تدعمها إيران في اليمن حالياً.

على الرغم من سريان مفعول معاهدة عدم الانتشار النووي منذ سنة 1970، فلقد تمكنت أربع دول إضافية -الهند والباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل- من اكتساب أسلحة نووية مع استمرار دول أخرى بالمحاولة ولهذا السبب وفي سنة 2007 كتب وزراء الخارجية السابقون في الولايات المتحدة الأمريكية هنري كيسينجر وجورج شولتز ووزير الدفاع السابق ويليام بيري وعضو مجلس الشيوخ الأمريكي السابق سام نان مقالاً في صحيفة وال ستريت جورنال دعوا فيها "الى عالم خالٍ من الأسلحة النووية". لقد حذّر هؤلاء بعد عقدين تقريبا من انتهاء الحرب الباردة من عالم يوجد فيه ما لا يقل عن 30 قوة نووية حيث توصلوا الى استنتاج مفاده أن الاعتماد على الأسلحة النووية لمنع نشوب الحرب قد أصبح "أكثر خطورة وأقل فعالية على نحو متزايد".

لقد استضافت الحكومة النرويجية سنة 2013 مؤتمراً عن العواقب الإنسانية للأسلحة النووية- وهو أول اجتماع للحكومات من أجل النظر في تأثير تلك الأسلحة على الناس والكوكب. لقد وصف المتحدثون تأثيرات الجيل الثاني والثالث من تفجيرات الأسلحة النووية والتي لم تجبر الناس على ان يشهدوا تجربة ألف شمس متفجرة فحسب، بل أنهت أيضا جهودهم من أجل تكوين أسرة وإعادة بناء حياتهم والعيش بكرامة والشعور بعودة الحياة الى طبيعتها بعد معاناة استخدام الأسلحة النووية أو اجراء التجارب عليها.

لقد أوضحت المؤتمرات الإنسانية اللاحقة في المكسيك والنمسا الأساليب التي من خلالها يحطّم الردع النووي حياة البشر (إن من المزمع عقد اجتماع مماثل في فيينا في يونيو). يتطلب الردع النووي إظهار القدرات النووية مع العواقب المدمرة لذلك على الناس والمجتمعات الذين يتأثرون بذلك في استراليا وجزر المحيط الهادئ وسهوب آسيا الوسطى والولايات المتحدة وشمال إفريقيا وصحراء تاكلامكان الصينية.

ان الأسلحة النووية مثل جميع أسلحة الدمار الشامل لا يمكن ان تكون ضمن حدود قوانين الحرب ولحسن الحظ فإن نفس الجهود الحثيثة التي أنهت تقريبا نشر الألغام الأرضية والذخائر العنقودية قد ِأفضت الى التوصل لمعاهدة حظر الأسلحة النووية والتي دخلت حيز التنفيذ في يناير 2021.

لقد تم التوصل لمعاهدة حظر الأسلحة النووية -المعاهدة الوحيدة التي تجعل استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية غير قانوني- من قبل جميع تلك الدول التي تحطّم أمنها بسبب عقود من الحروب بالوكالة بين القوى المسلحة نووياً. لقد تم اعتماد المعاهدة من قبل 122 دولة وهذا يشكّل اقراراً بإن قوانين الحرب تنطبق بالتساوي على جميع الدول بغض النظر عما هو موجود في ترسانة كل دولة.

ان الأسلحة المصممة لقتل المدنيين بشكل جماعي وإرهاب العالم وتمكين الإفلات من العقاب من جرائم الحرب لم يعد من الممكن التعويل عليها من أجل "منع وقوع الحرب". ان من الآثار الأخرى لعدوان بوتين في أوكرانيا واستعداده للتلويح بتهديد الأسلحة النووية إحياء الجهود من أجل تخليص العالم من تلك الأسلحة.

* آن ماري سلوتر، المديرة السابقة لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية، هي الرئيسة التنفيذية لمركز أبحاث نيو أميركا ومؤلفة كتاب التجديد: من الأزمة إلى التحول في حياتنا وعملنا وسياستنا
** سوزي سنايدر، منسقة القطاع المالي للحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية.
https://www.project-syndicate.org

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا