التوتر التركي اليوناني في شرق المتوسط
محمد كريم جبار الخاقاني
2020-09-16 07:44
تصاعدت حدة التوتر بين تركيا واليونان في شرق المتوسط، وهي منطقة تتزايد فيها الصراعات والأزمات، فهناك أزمة اللاجئين وأزمة سوريا، فضلاً عن الصراع على الطاقة، كل تلك الأوضاع المضطربة تلقي بظلالها على تطورات العلاقة بين تركيا واليونان.
حيث تستخدم تركيا ورقة اللاجئين كورقة ضغط على الإتحاد الأوروبي، فهي تهدد بين الحين والآخر بفتح بوابات الهجرة إلى أوروبا وعن طريق جارتها اليونان التي تعاني من انعكاسات تدفق موجات بشرية هائلة لعبور أراضيها أولاً ومن ثم الإستقرار في إحدى الدول الأوروبية، وهذا ما يعني تزايد الضغوطات الداخلية على أثينا التي تحاول بشتى الطرق غلق الأبواب أمام حركة اللاجئين، بل وصل الأمر إلى استخدام العنف ضد هؤلاء اللاجئين القادمين من تركيا.
وكانت التوترات بين الدولتين قد تصاعدت مؤخراً وبالتحديد في شهر تموز ٢٠٢٠ على خلفية القرار التركي القاضي بتحويل متحف آيا صوفيا في اسطنبول إلى مسجد، وهذا يعني إحياء نزاع قومي عمره مئات السنين بين البلدين، ويعد آيا صوفيا من أكثر المباني التأريخية المتنازع عليها، وقد أثار قرار تحويله إلى مسجد غضب الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا واليونان.
يتصاعد في شرق المتوسط التوتر بين تركيا واليونان، وهما عضوين في حلف الناتو وقد يتصاعد ذلك التوتر إلى مواجهة عسكرية محتملة بينهما، وقد لا تنتهي عند حدود بلديهما، بل قد تُشعل المنطقة بأكملها، ولا سيما بعد أن أعلنت تركيا عن أكبر اكتشاف للغاز في بلاده، وتفجّر الصراع بين البلدين بعد إبرام كل منهما إتفاقية بشأن حدودهما البحرية مع كل من ليبيا ومصر، مع دعوة تركية للدول المطلة على البحر المتوسط لتوقيع إتفاقية مشابهة مثل ليبيا.
وكانت لأزمة الطائرات التركية المقاتلة التي قد اعترضت ستة طائرات مقاتلات يونانية لدى اقترابها من مكان المسح الذي كانت تقوم به سفينة تركية أثرها على توتر العلاقات بين الطرفين، وفي تصعيد للنزاع في شرق المتوسط، استعرضت السفن الحربية للدولتين قوتهما في البحر، ليكون هذا التوتر الجديد بينهما مضافاً لسلسة الخلاف القائم بين البلدين، الذي ربما سيؤدي إلى توجه الأمور في المنطقة إلى التصادم والمواجهة العسكرية بين البلدين بسبب مزاعم متبادلة بينهما بانتهاك المجال الجوي والمواجهة البحرية في المياه الساحلية، وتنظر كلا الدولتين لبعضهما نظرة المهِدد للسلم والأمن في تلك المنطقة.
وانضمت كل من تركيا واليونان إلى منظمة حلف شمال الأطلسي في عام ١٩٥٢ وكان التعاون في أعلى صورة بتشكيل حلفاً بلقانياً مع يوغسلافيا لمواجهة الإتحاد السوفيتي في تلك المرحلة، ولكن سرعان ما تدهورت العلاقات بينهما بسبب جزيرة قبرص والمواجهات في بحر إيجة، وبما أن الدولتين عضوين في حلف شمال الأطلسي، فينطبق عليهم ما فرضته نصوص المعاهدة، إذ يعد الهجوم على أحد الدول الأعضاء في الحلف بمثابة هجوماً على بقية الأعضاء الآخرين بحسب ما ورد بنص المادة الخامسة من المعاهدة، ولكن هناك مشكلة تواجه الوضع القائم بين تركيا واليونان، فإذا لم تعالج المعاهدة ماذا سيكون موقف الحلف وبقية الدول، إذا ما تنازع عضوان من أعضاء الحلف.
وترغب الولايات المتحدة الأمريكية مع دول أخرى داخل الحلف بعدم زج الحلف في النزاع الحالي بين تركيا واليونان كي لا تتورط بالخلافات بين أعضائه، بل يرغب الحلف بتهدئة الخلافات التي ربما ستكون نتائجها كارثية وتنتشر وتتمدد إقليميا وبالتالي لا يمكن السيطرة عليها، وكان الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ قد أعلن بأن الحلف يبحث سبل تجنب الخلافات بين الدولتين ويدرس إجراءات منع الإشتباك لمنع وقوع الحوادث البحرية في منطقة هي بالأساس مضطربة ومهيأة لتزايد التوتر.
وكان وزير الدفاع التركي خلوصي آكار قد وجه تحذيراً لليونان بقوله: "إذا انتهتكم حدودنا فردنا معروف"، ومع ذلك تدعم تركيا الحلول السلمية لتهدئة الوضع في المنطقة، فهي لا تريد أخذ حقوق الآخرين ولن تدير ظهرها للمباحثات السلمية، ولكنها في الوقت نفسه لن تتراجع عن موقفها، فهي قد توقف التنقيب عن الطاقة لبعض الوقت لفسح المجال لوساطة ألمانية أو من الناتو، فتركيا رقم صعب في أي مشاريع مستقبلية للطاقة، فلا يمكن لأي أحد تجاوز تركيا بهذا الشأن، فالمشاركة الأمريكية في شرق المتوسط قد يُحجم النفوذ الروسي، وفي الوقت ذاته تعمل على تحقيق التوازن من توتر العلاقة بين فرنسا وتركيا.
ولن تتخلى تركيا عن ما أسمته بالوطن الأزرق وهي أحد الحقوق التي تناضل تركيا من أجل تحقيقها، وكان الإتحاد الأوروبي قد هدد تركيا بفرض عقوبات عليها إن لم تحرز تقدماً في نزاعها مع اليونان، فهي تنتظر من الإتحاد إنصافاً بخصوص النزاع، وقد انتقد نائب الرئيس التركي الدعوة الأوروبية من جهة للحوار، ومن جهة أخرى لفرض العقوبات على تركيا، وأن تلك الإجراءات لن تؤدي إلا للمزيد من الإصرار التركي على تعزيز موقفها من النزاع مع اليونان، ففي الوقت الذي تدعم فيه أنقرة الحلول الدبلوماسية، فهي لن تتردد في الدفاع عن حقوقها وانتزاعها.