نذكر الواثق بعظمة واشنطن وقوتها العسكرية
برهان إبراهيم كريم
2014-12-17 06:53
لا يسر الرئيس أوباما من يقول: أميركا قوة عظمى، إلا أنها لم تعد القوة الأعظم في العالم.
بينما يسره كل من يعتقد بأن بلاده القوة العظمى الوحيدة والآمرة والناهية في هذا العالم. وأن قوتها وقدراتها لا حدود لها، وأنها المسيطرة والمتحكمة بكل شاردة وواردة في هذا العالم. وأن أوامرها وقراراتها تطاع وتنفذ من الصغير إلى الكبير. وأن ما يحدث في هذا العالم خاضع لمشيئتها. فهذا ما سمعه البعض من أجداده الذين عاصروا فترة من عصور القوة الأميركية. ولكنه يجهل أو يتجاهل أن الامبراطوريات تمر بفترة قوة، تليها فترات ضعف، وتحلل، واندثار.
فترة القوة الأميركية بلغت أوجها بنهاية الحرب العالمية الأولى. وانتهت بانتهاء الحرب العالمية الثانية. وأنها وإن خرجت من الحرب العالمية الثانية منتصرة ترفع رايات النصر، إلا أنها كانت مثخنة بالجراح. وتبعات الحرب ألقت عل كاهلها بحمل ثقيل. والخلافات بين دول حلف المنتصرين في هذا الحرب تفاقمت بانتهاء الحرب، وبدء الحرب الباردة، ونشوء ثلاثة أحلاف جديدة: حلف الناتو، وحلف وارسو، ومجموعة دول عدم الانحياز( الحياد الإيجابي).
وإذا أضيفت لهذه المتاعب حروب وتدخلات واشنطن الفاشلة، يتضح سر عجز وتردد وقلق الرؤساء الأمريكيين وإدارتهم منذ خمسينيات القرن الماضي وإلى الآن. ونذكر بالبعض منها:
1. فتدخل واشنطن عسكرياً في كوريا لمنع سيطرة الشيوعيين عليها، أثمر بعد سنوات الحرب إلى هزيمتها، وتقسيم كوريا إلى كوريا الشمالية بنظام شيوعي، وكوريا الجنوبية بنظام برجوازي. وهذا ما دفع بالناخب الأميركي للتصويت لرئيس أميركي من العسكر هو الجنرال دوايت أيزنهاور. والهزيمة فرضت عليها التسول لدى بكين للحصول على ضمانة بعدم مهاجمة كوريا الشمالية للجنوبية بهدف توحيد الكوريتين.
2. وتدخل واشنطن عسكرياً في فيتنام الجنوبية لحمايتها من فيتنام الشمالية، أدى بها إلى استنزافها بحرب عصابات أزهقت أرواح عشرات الألوف من الجنود الأميركيين. واربكت الرئيس ليندون جونسون وإدارته، وأصابت المجتمع الأميركي بجروح دامية.
3. والرئيس نيكسون الذي خلف جونسون، سارع لمفاوضة الثوار في باريس. ولكنه لم ينتظر نتائج المفاوضات فسحب قواته بسبب هزائمها وسيطرة الثوار على عاصمة فيتنام الجنوبية، والاحتجاجات اليومية للأميركيين على الحرب وفضيحة ووترغيت.
4. وهزيمة واشنطن في فيتنام دفعت بالكونغرس لإصدار تشريع يقيد ويحد من صلاحيات الرئيس، في مجال إعلان الحرب والتدخل العسكري في الخارج.
5. تحرك الرئيس جيمي كارتر لتحرير عناصر سفارته في طهران بعملية إنزال عسكري بالطائرات. تهاوت حوامات وطائرات قوة الانزال في صحراء لوط شرق إيران. وفشلت إدارته بتحريرهم عسكرياً. وأحبطت مساعي تحريرهم دبلوماسياً بسبب اتصالات جورج بوش الأب مع طهران يرجوها عدم إطلاق سراح الرهائن كي لا تؤثر على حملة مرشح المحافظين الجدد للرئاسة الأميركية رونالد ريغان. وتم إطلاق سراح عناصر السفارة الأميركية بالطرق الدبلوماسية بعد تسلم ريغان الرئاسة. والتنازلات التي قدمها الرئيس ريغان وإدارته ومحافظيه لإيران مازالت طي الكتمان.
6. حاول الرئيس الأميركي ريغان مدعوماً بالمحافظين الجدد تجاوز مخلفات حرب فيتنام، وإعادة الولايات المتحدة الأميركية إلى عز مجدها وشبابها. ورفعوا من درجة مستوى قلق الأميركيين من الأخطار المحدقة ببلادهم. وحافظ ريغان على نيران حرب الخليج الأولى متقدة كي ينتقم من العراق وإيران، لإسقاطهم حلف بغداد، وإسقاط حليفها شاه إيران، واحتجاز عناصر سفارة بلاده في طهران. وطرح مشروع حرب النجوم للدفع بالاتحاد السوفييتي للإنفاق على التسليح على حساب المتطلبات الضرورية لمعيشة مواطنيه. ودعم ريغان المجاهدين في أفغانستان لإنهاك الاتحاد السوفييتي بحرب استنزاف يحسم من خلالها الحرب الباردة بنصر لبلاده. وتحقق النصر، وتفتت الاتحاد السوفياتي في ولاية خلفه الرئيس جورج بوش الأب. ولم تخلوا ولايتي ريغان من هزائم مؤلمة، كتدخله العسكري بقواته ومدمرته نيوجرسي في لبنان. وفضيحة إيران غيت، وحادثة تفجير طائرة شركة خطوط بان أمريكان فوق قرية لوكربي بضواحي لندن.
7. وقف الرئيس جورج بوش الأب مذهولاً ومتردداً من احتلال العراق للكويت. وهذا ما أفصحت عنه رئيسة الوزراء البريطاني مارغريت تاتشر، حين كتبت في مذكراتها: زرت الرئيس بوش في واشنطن لإتخاذ موقف من احتلال صدام حسين للكويت، فوجدته خائفا ومرتبكاً ومتردداً ومفاصله وركبه ترتجف وغير قادر على الوقوف. فوبخته وشجعته كي يتخذ قرار التدخل العسكري لتحرير الكويت. لأن عدم التدخل معناه رضوخنا لكل طلبات صدام حسين. وحاول الرئيس بوش توظيف زخم رد الفعل خلفته حرب تحرير الكويت بالتدخل في الصومال، فهزم وخسر الانتخابات.
8. اهتم الرئيس بيل كلينتون خلال ولايتيه بالاقتصاد. حيث حقق فائض لبلاده بنهاية ولايته بأكثر من 173مليار دولار. وجنب بلاده مغبة التورط بحروب وتدخلات عسكرية جديدة. ورد على الاعتداءات التي استهدفت مصالح بلاده بعمليات قصف بصواريخ كروز وتوما هوك تطلق من البوارج والحاملات والطائرات على دول أتهمها بدعم وتسليح وإيواء الارهاب. وتدخل في البلقان لحماية أوروبا من خطر حريق بات يهددها، وليس دفاعاً عن البوسنيين. ووقف مكتوف اليدين امام انقلاب عسكري قاده برويز مشرف اطاح بحكومة نواز شريف المنتخبة. ووقف موقف المتفرج من الصراع بين الفصائل المتناحرة والذي حسم لصالح حركة جديدة هي حركة طالبان. وشدد العقوبات على العراق، مع قصف أهداف عراقية بالصواريخ. وتصاعد الخلاف بينه وبين كل من المحافظين الجدد ونتنياهو الذي ركل باب مكتبه بحذائه. وصدم المجتمع الأميركي الذي يحبه باعترافه بعلاقته الجنسية مع متدربة في البيت الأبيض.
9. رشح المحافظون الجدد مرشح رئاسي خدم في المخابرات الأمريكية هو جورج بوش الأبن لهزيمة نائب الرئيس كلينتون الذي رشحه الحزب الديمقراطي. وبعد خلاف على النتائج دام أكثر من شهرين حسم الفوز لبوش بأسلوب أشبه بالبوليسي. وفور استلام بوش لمهامه، راح يرفع من مستوى القلق والخوف والرعب لدى الأميركيين. وخاصة من خطر الارهاب الاسلامي الذي بات بنظره ونظر المحافظين هو الخطر رقم واحد. وراح يتحرش بالنظام العراقي ويتهمه بدعم الارهابيين وامتلاك أسلحة دمار شامل، مستغلاً وقوف الرئيس العراقي فيه ضد الغزو السوفييتي لأفغانستان. وفي السنة الأولى من ولايته جاءت أحداث 11 أيلول، والتي استغلها وإدارته والمحافظين الجدد لرد الصاع صاعين، وتبرير غزو واحتلال أفغانستان بذريعة إيواء تنظيم القاعدة. وبعد احتلاله لأفغانستان نهاية عام 2011م أحتل العراق بذرائع كاذبة في 9 نيسان عام2013م. وشهدت ولايتي بوش قلق الأميركيين من تورط بلادهم الجديد. وخاصة بعد تصاعد نشاط المقاومة التي راحت تستنزف قدرات واقتصاد بلادهم وأرواح جنودهم وجنود حلفائهم. وأطاح غضب الشارع بحكومات تحالفت معه.
10. تمكن المرشح أوباما من الفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية نتيجة وعوده الأميركيين بسحب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان، وإنهاء تورط بلادهم.
تسلم الرئيس باراك أوباما مهامه. إلا أنه وجد أن الصعوبات والمعضلات التي تعترضه وبلاده كثيرة وتتزايد بمرور الأيام. وهي ما تقلقه وأقلقت سابقيه من الرؤساء. والتي تتلخص بما يلي:
• فسحب القوات الأميركية من العراق يجب أن يتم بأسلوب مشرف. ورغم مماطلته بالتأخر بسحب قواته لعام، اضطر مجبراً للتوقيع على اتفاقية لا تلبي مصالح بلاده. لأن معظم الدول المشاركة بالغزو الاميركي بدأت بسحب قواتها تحت ضغط الشارع.
• كلف الرئيس أوباما النظام القطري مفاوضة حركة طالبان لتسهيل عملية سحب قواته، فأغضب كرازي. وهو يعلم أن طالبان ستجتاح افغانستان بعد انسحاب قواته.
• تحت تأثير الضغوط الفرنسية والبريطانية والألمانية التي تخاف من أن تجر أطراف أفريقية وعربية للصراع بين القذافي ومعارضيه، وافق أوباما على تدخل حلف الناتو لإسقاط نظام القذافي، على أن تتكفل القوات الفرنسية محاربة جماعة بوكو حرام.
• مازال أوباما يقف متردداً من التدخل في سوريا واليمن. حيث يتابع خطط سابقيه بعمليات جوية تستهدف تنظيم القاعدة في اليمن. ولكن خوفه من قيام دولة خلافة إسلامية، إضافة لضغوط حلفائه عليه، أجبره على إقامة تحالف لمجابهة تنظيم الدولة الاسلامية. ودعم التحالف بضربات جوية من طائرات أميركية وبريطانية وفرنسية وأخرى على تنظيم الدولة الاسلامية. ودعم التحالف الجديد باستشارة يقدمها مجموعة من خبراء الجيش الأميركي للقوات الأمنية العراقية. على أن تتكلف دول التحالف بدفع تكاليف الحرب، وتأمين قوات برية لمجابهة التنظيم على الأرض.
• لتهدئة غضب الاميركيين من تدخله الجديد في سوريا والعراق يسعى أوباما لتشكيل جيش من الأكراد والعشائر العراقية والسورية قوامه أكثر من 100000 فرد يساهم مع دول التحالف الجديد بمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والعراق.
يسر أي رئيس أمريكي منذ أكثر من أربعة عقود ومنهم الرئيس أوباما كل من يتهمه بالعجز والتردد، حين يحجم عن تدخل بلاده عسكرياً لحسم أزمات، واسقاط أنظمة، أو لأنه لم يقدم شيئاً ذي قيمة لبعض من تسولوا في أروقة كل من البيت الأبيض والكونغرس والخارجية والدفاع ومراكز البحوث والدراسات طالبين دعمهم بتدخله السياسي أو العسكري. لأن هؤلاء مازالوا يجهلون الحقائق التي تؤرق الرئيس أوباما وأرقت سابقيه. وأهم هذه الحقائق:
• معاناة كل رئيس أميركي من التعنت والصلف الاسرائيلي والاحتقار له ولبلاده، وقيام إسرائيل ببناء علاقات مع دول صاعدة بسبب عجز الولايات المتحدة الاميركية.
• وحالة الاتحاد الاميركي لا تبشر بالخير بعد تفكير ولايات بالانفصال والاستقلال.
• والدين الأميركي اذا قسم على عدد سكان الولايات المتحدة الأميركية سيكون نصيب كل أميركي حوالي 60000 دولار أميركي. والدين يتزايد بشكل يومي.
• والجيش الأميركي خسر كل كفاءاته العسكرية خلال معارك وعمليات الحرب العالمية الثانية، وحروبه في كل من كوريا وفيتنام. ومن تقاعد منهم وافته المنية منذ زمن طويل.
• والقيادات العسكرية والقوات الأميركية الحالية لم تشارك في أية حروب بعد حرب فيتنام كي تكتسب مهارات وخبرات عسكرية. وحتى أنها لم تتمكن من الحفاظ على انتصارها السريع بغزوها للعراق وأفغانستان. فتصاعد المقاومة لهذا الاحتلال اجهضت هذا النصر، وحولته إلى هزيمة وكارثة لها ولبلادها في العراق وأفغانستان.
• والأميركيون يخشون من الوقوع في فخ فيتنام مجدداً. ويعتبرون أن أي تدخل عسكري يستوجب الدفع بقوى تموين وامداد ودعم. وهذا سيزيد من حجم التورط. كما أن الحرب أو التدخلات إذا ما طالت مدتها سيجعل الكثير منها هدفاً سهلاً لقوى المقاومة، كما أن إطالة مدة الحرب سيزيد من التكاليف الباهظة لهذه الحرب.
• واستراتيجية الردع النووي التي أرستها الولايات المتحدة الأميركية في نهاية الحرب العالمية الثانية، وشرعت لنفسها بموجبها حق التدخل في شؤون الدول الأخرى باتت في مهب الريح. لأن كل من روسيا والصين والهند وآخرين يملكون السلاح النووي.
• وحسم الحرب الباردة لم يوفر لواشنطن ريادة وقيادة العالم سوى لسنوات معدودة. فروسيا باتت الآن أقوى مما كانت سابقاً عليه. والصين تزداد قوتها يوماً عن يوم.
• والعقيدة العسكرية الأميركية للقوات الأميركية ثبت فشلها في حربي كوريا وفيتنام. ووضعت عقيدة جديدة تحقق رغبات الاميركيين بعدم التدخل إلا لحماية البلاد. وهذه العقيدة كبلت الرئيس جيمي كارتر والقيادة العسكرية وهيئة الأركان والبنتاغون.
• واستعاض الجنرال كولن باول عن العقيدة السابقة بعقيدة من صنعه وتأليفه. وتنص على عدم دخول بلاده الحرب أو ارسال قوات اميركية، إلا بوجود تفوق في القوى والعتاد يمكّنها من دحر العدو. وعدم الزج بالقوات في عمليات عسكرية ما لم تكن للولايات المتحدة مصلحة وطنية واضحة. وهذه العقيدة تظهر بوضوح مدى تأثر الجنرال كولن باول بكارثة حرب فيتنام التي خلفت في النفسية الأميركية جروحاً عميقة. ولهذا قيدها باحتياطات كثيرة، وتنفيذها صعب وشاق لهذه الأسباب:
1. فالشق الأول منها يستحيل تنفيذه، لأن اعداء بلاد الجنرال باول يفوق تعدادهم الأربعة مليارات بينما تعداد بلاده ودول الناتو لا يتجاوز المليار.
2. والقوى العسكرية ومستوى التسليح والاسلحة المتطورة التي يملكها اعداء بلاد الجنرال باول يصعب على بلاده وحلفائها وحلف الناتو الوصول إليها.
3. والشق الثاني من العقيدة استخدمه ريغان وبوش الأب والأبن وكلينتون وأوباما، حين تدخلوا أو حاربوا بذريعة المصلحة الوطنية والدفاع عن الأمن القومي. وتجسدت في حرب الخليج الثانية عام 1991م أول حرب بعد الحرب الباردة منطق عقيدة باول. حيث حدد الرئيس الأميركي هدف الحرب بتحرير الكويت، لا الإطاحة بالنظام العراقي، ما جعله يحظى بدعم دولي واسع. وأشرف الجنرال كولن باول بنفسه على تطبيق عقيدته. وبقيت هذه العقيدة هي المهيمنة على الرؤية العسكرية الأميركية لأكثر من ربع قرن.
• وعقيدة باول وظفها الرئيس الأميركي جورج بوش الأبن لغزوه العراق. حيث استقال كولن باول نفسه بسبب تورطه كوزير للخارجية بتبرير أكاذيب بغزو العراق واحتلاله.
• والرئيس أوباما لم يلزم نفسه بها. إلا أنه وظف الأسئلة التي طرحها الجنرال كولن باول لعقيدته بما يحرره من أي تدخل عسكري لبلاده، أو خوضه الحروب. والاسئلة طرحها الجنرال باول في مقال كتبه، بعنوان: القوات الأميركية: تحديات في الطريق، ونشره في مجلة فورين أفيرز عام 1992م. وهذه الأسئلة هي التي يتعين على واضعي السياسة الأميركية أن يأخذوا بها قبل شن الحرب، وهي: هل هناك تهديد لمصلحة حيوية مرتبطة بالأمن الوطني؟ هل لدينا هدف واضح قابل للتحقيق؟ هل تم تحديد المخاطر والتكاليف بصراحة وبشكل تام؟ هل تم استنفاد كل الوسائل غير العسكرية؟ هل هناك استراتيجية معقولة للخروج من الحرب؟ هل تم وضع اعتبار لكل النتائج المترتبة على الحرب؟ هل هذا الإجراء يحظى بدعم الشعب الأميركي؟ هل لدى الولايات المتحدة دعم دولي كبير؟. والعقيدة تحدث عنها السيد عطيل الجفال بمقال.
• وتردد الرئيس أوباما له عدة أسباب. فالإجابة على أسئلة باول أمر صعب ومعقد. وإدارته لا تمتلك رؤية استراتيجية واضحة لقتال تنظيم الدولة الاسلامية. والصقور والمحافظون الجدد يعتبرون أن الحرب على التنظيم لا تمت لعقيدة بأول بأي صلة. وهم قلقون من أن تكون أي حرب محتملة تكرار لحرب فيتنام والعراق وافغانستان. وأوباما قال بأن داعش تمثل تهديداً مباشراً للمواطنين الأميركيين والمصالح الأميركية. إلا أن الصقور والمحافظون الجدد لم يشهدوا أي تهديد لبلادهم ولمصالحها من داعش. كما أن إرسال قوات أميركية لدولة معناه أن الرئيس خدع وضلل شعبه وكذب عليه.
• وعدم وجود نية لدى الرئيس الأميركي باراك أوباما بالتدخل العسكري يعد خرقاً لعقيدة باول. وأوضح الرئيس أوباما ذلك حين سأُل إذا كان سيرسل قوات للقتال في البر، فأجاب: إن اكتشفنا أن داعش قد حصل على سلاح نووي، سنرسل قواتنا لإخراجه من أيديهم، أما بعكس ذلك فلن نرسل أي قوات برية مقاتلة.
• والنية بالتدخل العسكري غير متوفرة لدى القيادة العسكرية الأميركية. فالجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة أركان الجيش المشتركة قال في جلسة استماع في الكونغرس: ان مبادئ عقيدة باول لا تتناسب والحرب التي تخوضها الولايات المتحدة ضد داعش، انا لا أرى ان من مصلحتنا خوض هذه الحرب بقوة عسكرية كبيرة. وحذر من رد الفعل العكسي الذي قد ينتجه وجود قوات برية غربية من قبل أبناء المناطق في العراق، منوهاً الى انه خدم في الحروب الثلاثة الماضية في العراق. وبيّن ديمبسي: أن الولايات المتحدة لا تريد القتال نيابة عن العراقيين، بل تريد من العراقيين أن يقاتلوا تحت إشرافها. وأكد بان العراقيين سيحاسبون من قبل أميركا على نتائج الحرب. وهذه هي الطريقة التي يأمل أوباما من خلالها عدم الانجرار الى منزلق فيتنام جديد، فقد يبدو عليه الانفتاح في زيادة عدد القوات الأميركية في العراق، إذ ضاعف عدد القوات من 1600 الى حوالي 3100، الا انه أبدى تشدداً بمسألة القتال البري الذي قد يصل عنده حد التحريم. وأشارت إدارة أوباما الى ان المساعدات الأميركية للعراق ستستمر وقد تزيد، طالما ان الجيش العراقي يثبت وجوده على أرض المعركة.
• والرئيس أوباما وإدارته والمحافظين الجدد قلقون من التورط بالحرب، للأسباب التالية:
1. مدة الحرب: فأوباما حذر من ان الحرب على داعش طويلة. وقال ديمبسي: القتال قد يستغرق من 3-4أعوام. وهو زمن استغرقته الحرب العالمية الثانية.
2. تكاليف الحرب: وتحليل لمركز أبحاث في واشنطن ذكر أن الجهود العسكرية الأميركية ضد تنظيم الدولة الإسلامية كلفت حوالي مليار دولار، وقد تصل إلى (2.4-3.8) مليار دولار سنوياً إذا استمرت العمليات الجوية والبرية بالمعدل الحالي. لكن مركز التقييمات الاستراتيجية والمتعلقة بالميزانية، أكد بأن تصعيد الحملة قد يقفز بالتكلفة من13إلى 22 مليار دولار سنوياً.
3. استراتيجية الحرب: اعترف رئيس هيئة أركان القوات الأميركية الجنرال ديمبسي أن أشياء غير متوقعة قد تحدث، كما في كل الحروب. وأن لديه استراتيجية، ولكن الاستراتيجية غير ثابتة، وقد تحتاج للتغيير في كثير من الأحيان.
4. عدم رغبة الأميركيين بالحرب: فحرب العراق كانت تكراراً لحرب فيتنام.
5. تحديد العدو في الحرب: وهو أمر بات صعب ومعقد. فسياسات الادارات الأميركية الرعناء جرت على بلادهم عدوات وأعداء لا عد لهم ولا حصر.
هذا بعض مما يعانيه أي رئيس أميركي. فالرياح تجري بما تشتهي بلاد وسفن العم سام. ولهذا لم يعد أمام الرئيس سوى التردد، والمتاجرة بالأزمات والمشاكل الدولية والحلول كسباً للوقت.