العالَم من منظور ترمب وشي
بروجيكت سنديكيت
2018-05-27 08:24
BRAHMA CHELLANEY
نيودلهي ــ في الآونة الأخيرة، أصبحت الديمقراطية الرائدة في العالم، الولايات المتحدة، تبدو على نحو متزايد أشبه بأكبر وأقدم دكتاتورية قائمة في العالَم اليوم، الصين. فمن خلال ملاحقة سياسات أحادية الجانب تستهزئ بالإجماع العالمي العريض، يبرر الرئيس دونالد ترمب فعليا تحدي نظيره الصيني شي جين بينج الذي دام طويلا للقانون الدولي، على النحو الذي يؤدي إلى تفاقم المخاطر الجسيمة التي تهدد النظام العالمي القائم على القواعد.
تلاحق الصين بشكل عدواني مطالباتها الإقليمية في بحر الصين الجنوبي ــ بما في ذلك عن طريق عسكرة المناطق المتنازع عليها ودفع حدودها بعيدا في المياه الدولية ــ على الرغم من قرار التحكيم الدولي الذي قضى بإبطال هذه المطالبات. علاوة على ذلك، استخدمت الصين تدفقات الأنهار العابرة للحدود كسلاح والتجارة كأداة للإكراه الجغرافي الاقتصادي ضد الدول التي ترفض إطاعة الأوامر.
كثيرا ما أدانت الولايات المتحدة هذه التصرفات. ولكن في عهد ترمب، فقدت هذه الإدانات مصداقيتها، وليس فقط لأنها مختلطة بالثناء على شي جين بينج، الذي وصفه ترمب بأنه "رائع" و"رجل عظيم". الواقع أن سلوك ترمب زاد من إدراك الناس للنفاق الأميركي، وشجع الصين على النزعة التحريفية الإقليمية والبحرية في منطقة المحيط الهادئ.
من المؤكد أن الولايات المتحدة لاحقت منذ أمد بعيد سياسة خارجية أحادية، والتي تجسدت في غزو جورج دبليو بوش للعراق في عام 2003 وإطاحة باراك أوباما بنظام معمر القذافي في ليبيا في عام 2011. ورغم أن ترمب لم يتمكن (بعد) من إسقاط أي نظام، فقد دفع بنهج الأحادية العدوانية عِدة خطوات إلى الأمام، وشن هجوما متعدد الجوانب على النظام الدولي.
فور دخوله البيت الأبيض تقريبا، سحب ترمب الولايات المتحدة من الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي اتفاقية التجارة والاستثمار الطموحة التي ضمت 12 دولة والتي أبرمت بوساطة من أوباما. وبعد فترة وجيزة، رفض ترمب اتفاق باريس للمناخ، فقوض بالتالي هدف الإبقاء على الزيادة في درجات الحرارة العالمية عند مستوى "لا يتجاوز" درجتين مئويتين أعلى من مستويات ما قبل الصناعة، مما يجعل الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي لا تشارك في هذا المسعى.
ومؤخرا، نقل ترمب سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، على الرغم من الإجماع الدولي العريض على ضرورة تحديد وضع المدينة المتنازع عليها في إطار المفاوضات الأوسع حول التوصل إلى تسوية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ومع افتتاح السفارة، لجأ السكان الفلسطينيون في غزة إلى تصعيد احتجاجاتهم مطالبين بالسماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ما يعرف الآن بإسرائيل، الأمر الذي دفع الجنود الإسرائيليين إلى قتل 62 متظاهرا على الأقل وإصابة أكثر من 1500 آخرين عند السياج الحدودي مع غزة.
ويتحمل ترمب حصة غير صغيرة من اللوم عن هذه الخسائر البشرية، ناهيك عن تدمير الدور الذي لعبته أميركا تقليديا كوسيط في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وينطبق الأمر نفسه على إي صراع أو عدم استقرار ناشئ عن انسحاب ترمب من اتفاق إيران النووي لعام 2015 على الرغم من امتثال إيران الكامل لشروطه.
كما يمتد هجوم ترمب على النظام القائم على القواعد ــ وبشكل مشؤوم ــ إلى التجارة. ففي حين أمهل الصين بتعليق تعريفاته الشاملة الموعودة على واردات الولايات المتحدة من الصين، حاول ترمب إكراه وإذلال حلفاء الولايات المتحدة مثل اليابان، والهند، وكوريا الجنوبية، برغم أن الفائض التجاري المجمع لهذه الدول مع الولايات المتحدة ــ 95.6 مليار دولار في عام 2017 ــ يعادل نحو ربع فائض الصين التجاري مع الولايات المتحدة.
فقد أرغم ترمب كوريا الجنوبية على قبول اتفاقية تجارية جديدة، وسعى إلى الضغط على صناعة تكنولوجيا المعلومات المهمة في الهند ــ والتي تولد ناتجا تعادل قيمته 150 مليار دولار سنويا ــ من خلال فرض سياسة تقييدية للتأشيرات. أما عن اليابان، فقد أرغم ترمب في الشهر الماضي رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي على قبول إطار تجاري جديد تنظر إليه الولايات المتحدة باعتباره تمهيدا للمفاوضات حول اتفاقية ثنائية للتجارة الحرة.
وتفضل اليابان انضمام الولايات المتحدة مرة أخرى إلى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تقودها اليابان، والتي تضمن قدرا أكبر من تحرير التجارة وتكافؤ الفرص في الإجمال مقارنة بالاتفاق الثنائي، والذي قد تحاول الولايات المتحدة إمالة كفته لصالحها. لكن ترمب ــ الذي رفض أيضا استثناء اليابان والاتحاد الأوروبي وكندا بشكل دائم من التعريفة التي فرصتها إدارته على الصلب والألومنيوم ــ لا يبالي بتفضيلات حلفائه.
على سبيل المثال، عانى آبي من "مفاجآت وصفعات متكررة" من ترمب. وهو ليس بمفرده. فعلى حد تعبير رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك مؤخرا، "مع أصدقاء مثل ترمب، من يحتاج إلى أعداء".
الواقع أن تكتيكات ترمب التجارية، التي تستهدف وقف انحدار أميركا الاقتصادي النسبي، تعكس نفس النزعة التجارية العضلية التي استخدمتها الصين لكي تصبح ثرية وقوية. ولا تكتفي كل من الدولتين الآن بتقويض النظام التجاري القائم على القواعد بكل نشاط فحسب، بل يبدو الأمر وكأن كل منهما تحاول إثبات قدرتها على انتهاك القواعد والمعايير المشتركة والإفلات من أي عقاب، ما دامت تتمتع بالقدر الكافي من القوة كدولة. ويبدو أن القوة لا تحترم غير القوة في عالَم اليوم.
وبوسعنا أن نرى هذه الديناميكية في الطريقة التي يرد بها ترمب وشي جين بينج على أحادية كل منهما. فعندما نشرت الولايات المتحدة نظامها الدفاعي الطرفي للأجواء المرتفعة في كوريا الجنوبية، استخدمت الصين نفوذها الاقتصادي للانتقام من كوريا الجنوبية، ولكن ليس من أميركا.
على نحو مماثل، بعد توقيع ترمب على قانون السفر إلى تايوان، الذي شجع الزيارات الرسمية بين الولايات المتحدة والجزيرة، نظمت الصين مناورات حربية ضد تايوان وقدمت رشوة لجمهورية الدومينيكان لحملها على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الحكومة التايوانية. لكن الولايات المتحدة لم تواجه أي عاقبة من الصين.
ومن جانبه، في حين مارس ترمب الضغوط على الصين لدفعها إلى تغيير سياساتها التجارية، فإنه أعطى شي جين بينج ترخيصا للتصرف على هواه في بحر الصين الجنوبي، متخذا خطوات رمزية فقط ــ مثل حرية عمليات الملاحة ــ ضد التوسع الصيني. كما التزم الصمت في مارس/آذار، عندما أجبرت التهديدات العسكرية الصينية فيتنام على وقف عمليات التنقيب عن النفط داخل منطقتها الاقتصادية الخالصة. واختار التزام الحياد في الصيف الماضي، عندما أدى بناء الصين لطريق على هضبة دوكلام المتنازع عليها إلى إشعال شرارة مواجهة عسكرية مع الهند.
ترتكز استراتيجية ترمب، "أميركا أولا"، و"الحلم الصيني" الذي يراود شي جين بينج على افتراض مشترك مفاده أن القوتين الأكبر في العالَم تتمتعان بحرية التصرف الكاملة بما يحقق مصالحهما. وبالتالي فإن النظام العالمي الناشئ عن ذلك التوجه ليس نظاما على الإطلاق. إنه فخ، تضطر فيه الدول إلى الاختيار بين أميركا الصفقات التي لا يمكن التنبؤ بسلوكياتها بقيادة ترمب، والصين الطموحة الانتهازية.