نهاية يونامي في العراق: بين استرداد السيادة وفراغ الرقابة

مصطفى ملا هذال

2025-08-23 03:05

موجة غضب عارمة تجتاح أوساط منظمات المجتمع المدني بعد ان صوّت مجلس الامن بالإجماع في قراره المرقم 2732 والذي بموجبه تمدد بقاء بعثة الأمم المتحدة "يونامي" في العراق لآخر عام 2025، وذلك بعد طلب الحكومة العراقية بشكل رسمي في أيار من العام المنصرم 2024.

طلب المغادرة الذي كسبته الحكومة العراقية امام مجلس الامن يمكن ان يفتح سجالا عميقا بين أطراف ترى في الانسحاب تتويجا للسيادة، وأخرى تحذر من فراغ رقابي فيما يتعلق بقضايا حقوق الانسان ومراقبة الفعاليات السياسية في البلاد، من بينها الانتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات.  

الرواية الرسمية العراقية تقول ان وجود البعثة - بعد ان استعاد العراق عافيته - يؤشر الى وجود خلل يتعلق في سيادة البلد، فأبناء البلد قادرين على إدارة شؤونه السياسية والاجتماعية بأنفسهم، بعيدا عن الأداة الخارجية التي عادة ما يُسجل على عملها الكثير من الملاحظات، فضلا عن الرفض الجماهيري لمثل هذا الوجود ذو الهوية الاجنبية.

وتستند الحكومة العراقية في طرحها الى جملة من الأسباب والمبررات لعل أبرزها، ان الفترة السياسية التي طُلب من البعثة التدخل بإدارة او الاشراف على بعض المراحل السياسية قد انتهت، والأسباب التي دعت لقدومها انتفت .... فلمَ البقاء؟

فهي "الحكومة العراقية" تجد مع الاستقرار الذي يشهده العراق لم يكن البقاء الى صورة من صور التدخل في الشأن الداخلي العراقي، وجاء على لسان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني أن العمل السياسي ليونامي "لم يعد ضروريًا"، مع الرغبة في تعميق التعاون مع وكالات الأمم المتحدة المتخصصة في مسارات التنمية والخدمات الفنية.  

ما يعني ان العراق بدأ يستغني عن الجهات الخارجية التي وقفت الى جانبه في أوقات الازمات والاضطرابات، اذ يتمثل هذا الوقوف بمراقبة العملية السياسية الفتية بعد تغير النظام، وكذلك الاشراف على كتابة الدستور عام 2005، فضلا عن الدفاع عن حقوق الانسان التي اخذت في التراجع بشكل كبير في السنوات الأخيرة وخير مصداق على ذلك هو الاحداث التي رافقت ثورة تشرين الشعبية التي راح ضحيتها أكثر من 600 شخص بين شهيد وجريح.

وجاء تعليق الأمم المتحدة إزاء التطور الأخير والمتعلق ببقاء البعثة، على لسان المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك حيث قال إن المنظمة "ملتزمة بالكامل" بتنفيذ خطة الانتقال، مؤكدا في الوقت نفسه أن الأمم المتحدة ستبقى داعمة لطموحات العراق لمستقبل سلمي وآمن.

معسكر المؤيدين:

مثل هذه الاحداث افرزت أكثر من معسكر في الداخل العراقي، اذ يوجد معسكر المؤيدين الذي يتفقون مع الرواية الرسمية او الموقف الحكومي، الداعي الى انهاء الوصاية السياسية وفسح المجال امام القوى الوطنية في تولي مهام البلد من الناحية الأمنية والرقابية والحقوقية وغيرها من المجالات التي تهم المواطن.

ولدى مؤيدو قرار الإخراج ما يدعم موقفهم ويرجح كفتهم، فهم يؤمنون ان تقارير يونامي لا سيما المرتبطة في ملفات الانتخابات وحقوق الإنسان أصبحت تُستثمر خارجيا للضغط السياسي على بغداد اولا، وأن بقاء بعثة سياسية واسعة الصلاحيات يخلق انطباعا باستمرار الوصاية الدولية على المؤسسات الحكومية ثانيا، وهو ما لا ينسجم مع النضج السياسي الذي وصلت اليه العلمية السياسية في العراق.

المعسكر الرافض:

وهنالك من لم يخفي تحفظه على الخروج، وارتمى بحضن المعسكر الرافض لخروج البعثة وانهاء عملها في العراق، ففي الوقت الذي تسعى السلطات العراقية الى تقويض حرية الرأي وتضييق الخناق على النشطاء والمهتمين بحقوق الانسان، قد يترك الانسحاب فراغا رقابيا في مجال حقوق الإنسان ونزاهة العمليات الانتخابية.

وهو ما تخشاه منظمات المجتمع المدني التي اعتادت على فسحة من الحرية في العمل المؤسساتي، لكنها لمست في القرار الأخير نية مبيته من الحكومة العراقية في مضايقة أصحاب الرأي، والذهاب تدريجيا نحو القمع، وهو ما ظهرت بوادره في السنوات الأخيرة، من خلال محاكمة واعتقال بعض المعارضين، واغتيال البعض الآخر.

وتستند المنظمات الحقوقية في موقفها هذا الى تاريخ السجل العراقي المزدحم بالعديد من الشواهد، مما أدى الى ازدياد الشكوى من قبل هذه المنظمات من تقلص المساحة المتاحة للعمل الرقابي والتقويمي للأداء الحكومي، لا سيما بعد إفلات الجناة من العقاب، وغياب العدالة الجنائية.

هذا المشهد القاتم في العراق يغذي المطالبات المتواصلة بضرورة وجود جهة رقابية دولية وظيفتها حفظ التوازن الداخلي لحين ترسيخ وتقوية دور المؤسسات الرقابية الداخلية، ومن بينها منظمات المجتمع المدني والمراكز المعنية بالدفاع عن حقوق الانسان، التي اخذت مناطق عملها بالاتساع في العقدين الأخيرين.

ما هي المكاسب من البعثة؟ 

ذات صلة

البرامج الانتخابية للكتل السياسية العراقية ٢٠٢٥الإمام الحسن المجتبى (ع) راعي حقوق الشيعةالعبودية الفكرية.. ثقافة الخنوعالعدالة المفقودة في توزيع الثرواتلماذا يجب أن يكون التطوع جزءًا من هويتنا؟